مارس 29, 2024

فورين بوليسي: هل يمكن أن يتحول عداء الولايات المتحدة وإيران إلى صداقة

لقد كانت كل من الولايات المتحدة وإيران على وشك إبرام معاهدة صداقة مع بعضهما البعض، حيث بات بإمكان حسن روحاني في الوقت الراهن المساعدة في إعادة الأمور إلى نصابها.

هذه المادة مترجمة عن موقع Foreign Policy

أليكس فاتانكا

قد كانت كل من الولايات المتحدة وإيران على وشك إبرام معاهدة صداقة مع بعضهما البعض، حيث بات بإمكان حسن روحاني في الوقت الراهن المساعدة في إعادة الأمور إلى نصابها.

في الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر، احتفلت إيران بالذكرى التاسعة والثلاثين لاقتحام حوالي 400 طالب إسلامي متشدد السفارة الأمريكية في طهران. وقد احتفلت الولايات المتحدة بدورها بهذا اليوم، إذ فرضت في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر، سلسلة جديدة من العقوبات على إيران، وصفتها إدارة الرئيس دونالد ترامب بأنها جزء من حملة ممارسة “أقصى درجات الضغط” لإعادة البلاد إلى طاولة المفاوضات.

من جهته، استجاب وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، سريعاً من خلال إرسال مقطع فيديو لترامب، قال فيه: “أنت تحلم”. آنذاك، كان ظريف يدرك أن جهود ترامب في طهران ستفشل تماما، أسوة بالجهود التي قام بها الرؤساء الستة السابقين، والتي كانت سياستهم الرئيسية تجاه إيران بمثابة تبجّح. ومع ذلك، تعالت الأصوات التي كانت خافتة في طهران حول الحاجة إلى الخروج من المأزق والتحدث إلى ترامب.

وحتى إذا ما كان التفاوض مع ترامب مستحيلاً، مع العلم أن المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي قد أكد ذلك، لا تزال القيادة في طهران تعتقد أن التفاوض معه سيكون بمثابة فرصة لتمهيد الطريق للتفاوض مع خليفته. وفي هذا الصدد، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني، إن أمريكا أكبر بكثير من ترامب. وفي الواقع، يعد روحاني على حق، بالتالي سيقع على عاتق القيادة الإيرانية الاعتراف بهذه الحقيقة والتوقف عن تشويه سمعة الولايات المتحدة. وإذا ما كان ذلك غير منطقي، فستحتاج طهران فقط إلى النظر إلى الوراء تحديدا إلى تاريخ إقامة الجمهورية الإسلامية سنة 1979. ففي تلك الأيام الأولى، أصبحت مسألة العلاقات مع واشنطن، موضع خلاف.

لقد كانت هناك بعض السخرية في الطريقة التي رد بها ظريف على قرار فرض العقوبات على إيران. ففي الحقيقة، يتحمل المسؤولون الإيرانيون مسؤولية التبجح الذي تبديه واشنطن والخوف المبالغ فيه من إيران. ومع ذلك، منذ سنة 1979، كانت العقيدة السياسية الإيرانية تبادل الولايات المتحدة نفس الخوف.

وتجدر الإشارة إلى أن شخصيات بارزة على غرار روحاني أو ظريف اللذان يملكان الجرأة الكافية للتشكيك في هذه العقيدة، يتعرضان للوم الشديد من قبل مسؤولين في النظام. ففي شهر أيلول/ سبتمبر، عندما كان روحاني موجودا في نيويورك لحضور الاجتماع العام للأمم المتحدة، حاولت حاشيته قدر المستطاع تجنب أي لقاء عرضي بين روحاني وترامب. وقد بدا جليا من خطاب روحاني في اجتماع الأمم المتحدة يوم 25 أيلول/ سبتمبر، أنه كان ثابتاً على موقفه ألا وهو طمأنة منافسيه المتشددين في طهران بأنه لا ينوي التودد إلى رئيس أمريكي قدمت إدارته قائمة تضم 12 تنازلاً يجب على طهران التوقيع عليه قبل رفع العقوبات عنها.

لن يوافق خامنئي أبداً على تلك التنازلات طالما أنه يحيط نفسه بجنرالات الحرس الثوري الإيراني، الذين سيكون مصدر رزقهم على المحك إذا ما اختارت طهران اتباع أي نوع من المصالحة مع واشنطن. ومع ذلك، تدرك طهران، بلا شك، العواقب الوخيمة التي تتأتى من الدخول في علاقة عدائية مع الولايات المتحدة. وفي الواقع، كانت السنوات الأربعين الأخيرة مليئة بالأمثلة لإثبات هذه النقطة.

بالنظر إلى هذه الضغوطات، يبحث روحاني عن طرق لعدم مناقشة قضية الولايات المتحدة. وعوضا عن لوم الولايات المتحدة على سوء حالة العلاقات بين البلدين، أخبر روحاني ترامب ألا يُخدع بما يقوله الإسرائيليون والسعوديون والمعارضة الإيرانية في المنفى. وعموما، المعنى الضمني جليا للغاية؛ إذ تعدّ الأطراف الخارجية هي المسؤولة عن إفساد العلاقات بين طهران وواشنطن.

وعلى الرغم من أن الأمر يبدو بمثابة عملية انسحاب، وهو في الحقيقة كذلك، إلا أنه يعدّ أيضا نوعا من الانفتاح. في الواقع، إن روحاني وغيره من القادة الثوريين الإسلاميين من الجيل الأول، الذي كانوا مذنبين لأنهم صنعوا وحشا أمريكيا عن قصد، هم الأكثر قدرة على العثور على حل لفك هذه اللعنة.

وبحسب ما جاء في رواية روحاني، إذا كان ترامب بكل بساطة مذنبا بسبب سذاجته عندما يتعلق الأمر بإيران، فإن النظام في طهران يعتبر هو الآخر مذنبا بارتكاب ما هو أسوأ؛ كنشر خرافة تاريخية، منذ اليوم الأول، تفيد بأن الولايات المتحدة تعارض الجمهورية الإسلامية. وعندما يتحدث ظريف، الذي يزعم بأنه إسلامي معتدل، عن الأربعين سنة من العداء الأمريكي تجاه إيران، يبدو كما لو أن سياسات واشنطن تجاه الإسلاميين الإيرانيين جاءت من فراغ، منذ اللحظة التي أقيمت فيها الجمهورية. في المقابل، يعد الواقع مختلفا تماما.

منذ ظهور العلامات الأولى التي تدل على أن نظام الشاه كان على وشك الإطاحة به سنة 1979، بحثت واشنطن عن طرق للعمل مع أولئك الذين من المتوقع أن يصبحوا حكام إيران الجدد. لقد كان هدفها الرئيسي هو حماية المصالح الأمريكية في منطقة حيوية خلال ذروة الحرب الباردة. وفي مرحلة ما بعد الثورة، جاء سايرس فانس، الذي كان في ذلك الوقت وزير الخارجية في الولايات المتحدة، للقاء آية الله روح الله الخميني باعتباره أفضل ضمان ضد الاستيلاء الشيوعي على السلطة في طهران.

كما عزز فانس إمكانية عقد تعاون وثيق بين النظام الجديد وواشنطن. وعلى الرغم من أن فانس لم يكن يجهل نظرة العالم نحو دائرة الخميني، إلا أنه كان يصدق الرسائل التي كانت تصله من نواب الخميني الرئيسيين. وتجدر الإشارة إلى أن مستشاري الخميني قد أخبروا الأمريكيين أن آية الله سيكون منفتحًا على الاستثمار الأمريكي، ولكنه سيعادي بشكل عام الغرب، وسيكون أكثر عدائية تجاه “الملحدين” و”السوفييت المعادين للدين”.

في البداية، لم يظهر الموالون للخميني أي اهتمام فيما يتعلق بخوض مواجهة مفتوحة مع الولايات المتحدة. لكن في 15 شباط/فبراير سنة 1979، عندما اقتحمت مجموعة من المسلحين اليساريين المتطرفين، السفارة الأمريكية، تمكنت فرقة الإنقاذ المسلحة، التي أرسلها الخميني من إنهاء ذلك الحصار. فقد أخبر أحد رجال ميليشيا الخميني، الدبلوماسيين الأمريكيين والضباط العسكريين المذعورين قائلا: “أنتم إخواننا، لا تقلقوا”.

في هذا السياق، صرح السفير الأمريكي للصحفيين في نفس اليوم، قائلا: “لقد اتصلنا هاتفيا بجماعة الخميني الذي أتوا لإنقاذنا في آخر لحظة”. والجدير بالذكر أن معظم أفراد الميليشيات قد تم ضمهم في وقت لاحق ضمن وحدة مسلحة جديدة، أطلق عليها اسم الحرس الثوري. وخلال الأشهر الموالية، أعاد رئيس الوزراء المعتدل مهدي بازركان التأكيد مراراً وتكراراً على أن طهران تنوي إقامة علاقات جيدة مع واشنطن. لكن عندما تعرض للهجوم من قبل اليساريين المتطرفين والمتشددين في معسكر الخميني نظرا لكونه متساهلا مع الأمريكيين الذي ينتمون للتيار اليساري المتطرف، دافع بازركان عن نفسه بالقول إن الخميني قد أجاز المحادثات مع الولايات المتحدة.

بالإضافة إلى ذلك، طالب بازركان بصفة متكررة بإرساء تبادل تجاري وعسكري مع الولايات المتحدة، وقد طلب، في مناسبة واحدة على الأقل، معلومات استخبارية من واشنطن. وقد استمرت العلاقات الاقتصادية بين البلدين، التي تشمل اقتناء السلع الأمريكية، على الرغم من أن هذه العلاقات تراجعت للغاية مقارنة بما كانت عليه خلال عهد الشاه.

خلال شهر تموز/ يوليو سنة 1979، التقى آية الله محمد بهشتي ببوب أميس، مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والعميل البارز في الشرق الأوسط، الذي عرض على الحكام الإسلاميين الجدد في إيران إبرام تعاون استخباراتي استراتيجي بين البلدين. آنذاك، لم تكن فكرة التعاون مع الجانب الأمريكي بالنسبة إلى الإسلاميين الإيرانيين، أمرا محظورا مثلما أصبح عليه الحال فيما بعد.

على هذا النحو، أمضى المحيطون بالخميني أغلب سنة 1979 وهم يناقشون كيفية استفادتهم من الولايات المتحدة الأمريكية في الجهود المبذولة لعرقلة المنافسين المحليين على غرار القوى السياسية القومية اليسارية والعلمانية. ويمكن اعتبار هذا الأمر السبب الذي دفع بالحليف الرئيسي للخميني والنائب المستقبلي للمرشد الأعلى، آية الله حسين علي منتظري، للقاء مسؤولين أمريكيين قبل أسبوع واحد من اقتحام السفارة الأمريكية الذي وقع خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر. وقد كشفت مراسلات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أنه خلال الاجتماع، أعرب منتظري عن “إعجابه الكبير بالرئيس كارتر” وأمله في توسيع العلاقات بين البلدين.

في المقابل، يبدو أن جميع المساعي الحميدة والنوايا الحسنة قد تبددت بعد مرور أسبوع، حيث عاد أفراد الميليشيات الموالية إلى الخميني إلى سفارة الولايات المتحدة بعدما انضموا حينها إلى المقاتلين. ولم يكن لهذا الهجوم علاقة كبيرة “بالعقيدة”، إذا ما اعتبرنا أن وجود الولايات المتحدة في طهران كان يعتبر بمثابة لعنة من الناحية العقائدية. كما يعتبر أمرا غير منطقيا أن ينتظر الإسلاميون حوالي 10 أشهر بعد مغادرة الشاه إيران لتفجير غضبهم واستهداف السفارة الأمريكية. وبعيدا عن الجانب الأيديولوجي، كان التنافس المتنامي على السلطة في طهران السبب الذي مهد الطريق لهذا الحدث.

لقد كُتبت الكثير من المقالات حول إمكانية علم الخميني المسبق بخطة الاستيلاء على السفارة. وعلى الرغم من أنه من المحتمل للغاية أنه لم يكن على علم بذلك، إلا أنه مما لا يدع مجالا للشك، بارك استمرار أزمة الرهائن حتى عندما تراكمت الأدلة التي تفيد أن هذا الحادث سيكلف إيران كثيرا على جميع الأصعدة. وبالنسبة إليه، كان تعزيز سيطرته على السلطة داخل الدولة يعتبر الأكثر أهمية، كما كانت للأزمة مع واشنطن مزايا واضحة.

خلال تلك الفترة، برزت ثلاث فوائد للأزمة التي عاشتها إيران مع واشنطن. أولا، أدت أزمة الرهائن إلى استقالة وتهميش الإسلاميين “الليبراليين” الذين كانوا يحيطون برئيس الحكومة بازركان حينها وكانوا أكثر ولاء له من المرشد الأعلى. ثانيا، وضعت عملية الاستيلاء على السفارة الولايات المتحدة في موقف دفاعي ما أجبرها على اعتبار الخميني خليفة حقيقيا للشاه. ثالثا، دعم معظم الشباب المنتمين لليسار المتطرف في البداية عملية الاستيلاء على السفارة، ما سمح للخميني بانتزاع الدعم الذي كانت تتمتع به الفصائل الثورية المتناحرة.

عندما يتطرق المؤرخون إلى مسألة تطور الجمهورية الإسلامية منذ سنة 1979، يميلون إلى شرح مواقفهم من خلال الأيديولوجية الدينية. ولا شك أن العقيدة قد ساهمت في تشكيل الكثير من سلوكيات هذا النظام، إلا أنها لم تكن المسؤولة عن تشكله. فضلا عن ذلك، توجد طريقة أخرى لفهم مواقف النظام الإيراني والتي تتمثل في التطرق إلى مسألة التنافس بين كبار قادة النظام، ما يعني أن حماية المصالح الضيقة لأهم الفصائل داخل النظام الإيراني غالبا ما تأتي على حساب المصلحة الوطنية. وتعتبر حادثة الاستيلاء على السفارة الأمريكية في طهران أبرز مثال على هذه المأساة الإيرانية.

بالنسبة إلى الرئيس روحاني، الذي انتُخب مرتين ووعد بكسر عزلة إيران الدولية، يعد البحث عن طرق لإنهاء هوس الجمهورية الإسلامية بالولايات المتحدة أمرا منطقيا على العديد من الأصعدة، علما وأن المواطنين الإيرانيين يؤيدون بشكل عام فكرة تطبيع العلاقات مع واشنطن. من جهة أخرى، يقبل المواطن الإيراني البسيط بفكرة أن إيران لن تكون قادرة أبدا على امتلاك سياسة خارجية تقليدية حتى تجد سبلا للتواصل مع الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، يشكل ميل طهران لإلقاء اللوم فيما يتعلق بمشاكل الشرق الأوسط على الولايات المتحدة، بداية من الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينيات إلى الصراع اليمني الذي يعصف بالمنطقة في الوقت الراهن، عقبة حقيقية أمام الحوار المحتمل.

من المؤكد أن سياسة ترامب القائمة على الحصول إما على “كل شيء أو على لا شيء” فيما يتعلق بالمحادثات، تجعل من عملية التفاوض معه مهمة صعبة حتى بالنسبة لحكومة روحاني. في المقابل، لا يزال الرئيس الإيراني يدرك أنه في حاجة إلى البدء بالتعامل مع الولايات المتحدة كأكبر قوة على الصعيد العالمي، ودولة اختارت طهران دون قصد أن تخوض معركة معها خلال سنة 1979، على الرغم من أنه لم تكن هناك حاجة للقيام بذلك. وفي الواقع، لا يزال أولئك الذين يفضلون فتح صفحة جديدة فيما يتعلق بمسألة إنشاء العلاقات مع الولايات المتحدة، يواجهون منافسين يعتبرون أن التخلي عن العداء تجاه واشنطن لن يؤدي سوى إلى إضعاف إيران.

لا يعد هذا الأمر بجديد، ولكن الضغط غير المسبوق الذي تطرحه إدارة ترامب على إيران أجبر القيادة الجماعية في طهران، بمختلف فصائلها ومصالحها المتباينة، على التفكير بجدية في موقفها تجاه الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى. ومع ذلك، يبدو من الواضح أنه لا يوجد بديل جيد للمحادثات مع واشنطن. وقد تلاشت أحلام طهران في حصولها على دعم كل من الصين أو روسيا أو حتى أوروبا من أجل إنقاذها. وعموما، أصبحت كل من الصين وروسيا تستفيدان للغاية من توتّر العلاقات بين إيران والولايات المتحدة. وعموما، لا يمكن لأوروبا أن تلعب دور المدافع عن طهران.

خلال هذه المرحلة، من المرجح أن أيّا من الفصائل في طهران لن تنجح في القيام بمحادثات مع واشنطن على انفراد. ومع ذلك، لا يتعلق أمل المواطن الإيراني، بمحو عقود من العداء تجاه الولايات المتحدة بين عشية وضحاها. لكن، يأمل الشعب الإيراني في أن تعتمد بلاده، في أقرب وقت ممكن، سياسة “التحليل الذاتي”، التي طال تأجيلها، خاصة إذا كانت البلاد تتصارع مع بعض الحقائق التاريخية التي تتعلق بسبب وجود هذه العلاقة المتوترة بين إيران والولايات المتحدة في المقام الأول.

ضع تعليقاَ