أبريل 25, 2024

ناشيونال انترست: طرق ترامب الخمسة لتحويل مسار الحرب الجيوسياسي في سوريا

بعد شهرين على تولي ترامب إدارة البيت الأبيض، بات من الصعب إثبات حدوث أي تحول ملحوظ في استراتيجية الولايات المتحدة تجاه سوريا. هذا عدا عن أن الموعد النهائي الذي حدده ترامب للجيش الأمريكي – والذي قال أنه 30 يوم- من أجل وضع خطط جديدة تفضي إلى هزيمة داعش في سوريا وغيرها قد مر دون أن نتمكن من الكشف عن أي تطور في هذا الصدد. وعلى أي حال، أوضح رئيس الأركان المشتركة الجنرال جوزيف دونفورد – في لقاء عقده مركز بروكينغز في أواخر فبراير الماضي، أن مهلة ال30 يوم لم تكن تفضي إلى الخطة النهائية التامة، وبالتأكيد فإن على ترامب الآن التفكير ملياً بشكل مواجهة أسوأ حرب أهلية في القرن الحادي والعشرين عدا عن التفكير فيما يعتلق بالتحدي المستمر للتطرف التكفيري \ السلفي العنيف.

وهكذا، ورث ترامب الفوضى في سوريا، ولحسن حظه أيضاً ورث زخامة المعركة ضد داعش. ويبرز ذلك بشكل خاص في العراق حيث تحررت كل من محافظات الأنبار ونصف محافظة الموصل تقريباً من المتطرفين، لكن الأمر يصح بشكل جزئي في سوريا. حيث لا تزال داعش هناك تسيطر على مدينة الرقة التي تتخذها كعاصمة لها فضلاً عن بعض المدن الصغيرة في محيط دير الزور وشرق حمص وفقاً لما أورده معهد دراسات الحرب مؤخراً. ومع ذلك، فإن داعش تعاني من حصار وفقد حاد في الأراضي التي تخضع لسيطرة داعش.

ومع ذلك، وبالنظر إلى توقع الجنرال ديفيد بترايوس ونظرته إلى سوريا على أنها “تشيرنوبيل الجيوسياسية” فإن طريق النجاح طويل وشاق للغاية. فعلى المدى المصير، تقف تركيا في طريق الأكراد، وحتى الآن لا يوجد خطة حقيقية قابلة للنجاح لتحرير الرقة. وحتى لو أمكن حل هذه القضية، وتم تحرير المدينة فإن داعش قد تتمكن من الاحتفاظ بمأوى صغير لها في أماكن أخرى من سوريا أو مناطق قريبة منها حتى. وحتى لو تم تقليل تهديد داعش الحالي في نهاية المطاف فإن جبهة فتح الشام (جبهة النصرة، القاعدة سابقاً) ستبقى مشكلة كبيرة للجميع.

أخيراً، حتى لو تم إضعاف كل من داعش وجبهة النصرة ومنعهما من السيطرة على مناطق أخرى في سوريا، فإن الإمكانيات والنية تبقى موجودة لديهم لتحقيق هذا الهدف بشكل لا يمكن إهماله وبلا شك فإن هذه الطموحات والإمكانات ستبقى تعود دوماً دون وجود حل مستقر للحرب الأهلية. هذا عدا عن أن العمل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبشار الأسد لتحقيق هذا الهدف لن يحمل الكثير من الإجابات. فبشار الأسد ببساطة تلطخت يديه بالدماء كثيراً من أجل ان يبقى حاكماً لسوريا مهما كلف الثمن. هذا عدا عن كمية الاحتقار الكبيرة التي يحظى بها الأسد من الأغلبية السنية المسلمة في سوريا، والذين رأوا بأم اعينهم أحياءهم تحت القصف والبراميل المتفجرة ورأوا الحرمان من الغذاء والرعاية الطبية – وكذلك المدارس والوظائف لسنوات عديدة.  قد يتم انهاك داعش فعلاً، لكننا سنرى جبهة النصرة وغيرها من الجماعات المتطرفة تستفيد من مرارة وحرمان الكثير من السكان السنة. وبالتأكيد ستتبع هذه التطورات موجة أخرى من الجهادية ولكن تحت اسم ولواء مختلف.

والطريقة الوحيدة للتفكير منطقياً، حتى على المدى التقصير ستكون في تحرير الرقة، ومن ثم التفكير في الاستراتيجية السياسية الطويلة الأمد التي نسعى اليها. ويبدو أن خيار استبدال الأسد او عزله لم يعد في الحسبان أيضاً رغم كل ما اقترفه من فظائع. ولعل بعض أشكال الحكم الذاتي للأكراد أو العرب السنة هو الجواب الواقعي الوحيد على هذا الأمر. وقد يكون أحد الخيارات، من الناحية النظرية نظاماً كونفدرالياً يقسم البلد كلها إلى مناطق كونفدرالية. وفي ظل غزو الأسد لحلب وعدم توجه ترامب لبذل أي جهد جديد وكبير ضد الأسد، يمكن القول أن الحل البديل الأكثر واقعية يتمثل في إنشاء عدة مناطق مستقلة ذاتياً في دولة أخرى لا تزال مركزية (شبيه بوضع إقليم كردستان العراق). وبمجرد إنشاء تلك المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي يمكن للمجتمع الدولي أن يقدم لها المساعدة الإنسانية والمساعدة في مجالات إعادة البناء. ويمكن أن تتم توفير مساعدة لهذه المناطق لحفظ السلام بمساعدة قوات شرطة محلية قريبة من البشمركة العراقية، وتحت إشراف دولي لمنع هذه القوات من النمو وتوجيه طاقتها نحو حرب نظام الأسد.

ويمكن أن تشمل قوات حفظ السلام أيضاً عناصر روس في غرب البلاد، حتى تتمكن موسكو من الحفاظ على أسهمها الأساسية في البلاد. كذلك يمكن للأتراك البقاء في الشمال حيث يعملون الآن. ويمكن أيضاً للقوات العربية وغيرها من القوى ذات الأغلبية العربية المسلمة أن تقوم بدوريات على خطوط الترسيم الداخلي. ويكمن أن يساهم الأمريكيون والناتو بالمساعدة في القيادة والسيطرة بشكل عام، فضلاً عن تقديم الخدمات اللوجستية وعمليات مكافحة الإرهاب الجارية. ويمكن للمنطقة في الرقة وحولها أن تدار تحت وصاية، كما اقترح جيمس دوبنز وفيل جوردون وجيف مارتيني.

وكما هو ملاحظ، ينبغي تقديم المساعدة الخارجية لهذه الدولة السورية التي أعيد تشكيلها بشكل أساسي في المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي نفسها. ومن شأن ذلك أن يعزز من نفوذ المجتمع الدولي داخل الحكومات الإقليمية الجديدة. ويمكن أن يطلبوا من سوريا أن تظل كاملة وغير مقسمة كشرط للمساعدة في المستقبل دون أي محاولة للانفصال. ولضمان استمرار المساعدات المقدمة لنظام الأسد ينبغي على الأسد الامتناع عن مهاجمة مناطق المعارضة، وعلى الأسد أن يوافق على خطة للحد من دوره في مستقبل حكم البلاد المركزي. وهكذا، يمكن اشتراط رحيل الأسد من أجل تسيير المساعدات لمناطق سيطرة الأسد، ويمكن هنا أيضاً اللجوء إلى تسيير بعض المساعدات إلى هذه المناطق من أجل تحفيز الأسد وروسيا على قبول هذا النهج الشامل لإنهاء الحرب وهزيمة المتطرفين.

كثير من السوريين سيرفضون فكرة الدولة الكونفدرالية أو حتى وجود حكومة مركزية تسيطر على نصف البلاد، وتقسيم النصف الآخر إلى أربع او ستة مناطق مستقلة. وعليه فإن هذه الترتيبات لا يجب ان تكون دائمة. ويمكن أن تتضمن الصفقة نصاً يؤكد على أنه بعد عشر سنوات على سبيل المثال سيعقد مؤتمر دستوري للنظر فيما إذا كان من الواجد استعادة حكومة مركزية اقوى في سوريا.

هذا يعيدنا مجدداً إلى المشكلة المباشرة المتمثلة في تحرير الرقة وكيفية فعل هذا. ففي الوقت الراهن، نملك استراتيجيات تفتقر إلى قوة النيران أو القوى العاملة الصديقة. فقوات المعارضة المعتدلة في شرق سوريا تفتقر إلى هذه الإمكانيات، أما القوات الكردية فهي تملك بعض هذه الإمكانيات لكن ليس بالقدر الكافي، ويرجع ذلك للاعتراض التركي على تزويدها بالأسلحة. الأتراك أنفسهم لا يملكون وجوداً عسكرياً حاسماً على الأرض في سوريا. وحتى الآن، تظهر قوات الأسد في محاولات للخروج من المناطق الشرقية، لكنها لا تزال محدودة ضمن قواها العاملة – حتى لو تم إضافة القوات الروسية والقوات الموالية لإيران فإنها تبقى محدودة. والقوات الأمريكية وقوات التحالف مهمة في دعمها لكن لا يمكنها أن تأخذ زمام المبادرة في تحرير الرقة وغير هام من المدن التي تضم آلاف المقاتلين من داعش.

 

وعليه فإن حل المعضلة يجب أن يتضمن توفير الأسلحة للأكراد، سواء أرحبت تركيا بالفكرة ام لم ترحب. كما ينبغي أن تشمل تقديم جهود أكبر للتعاون العسكري مع القبائل السنية شرق سوريا، وفق ما اقترحه مؤخراً فريد وكيم كاغان، على الرغم من احتمال عدم كفاية هذا الأمر كاستراتيجية – وهنا تبرز أهمية التعاون مع الأكراد. وفي هذا الصدد يمكننا أن نفعل الكثير لتخفيف موجة الاعتراض التركية:

  • كما ذكرنا، نعلن – أمريكا- أننا نسعى إلى إيجاد مناطق مستقلة وليس دولة سورية مستقلة، وحشد الحلفاء الرئيسيين لدعم هذه الرؤية نفسها لسوريا في المستقبل.
  • الإصرار على أن يكون هناك منطقتان كرديتان مستقلتان حتى لا ينضما إلى بعضهما البعض ويطالبا بالاستقلال.
  • دعم فكرة وجود عسكري طويل الأمد في سوريا حتى بعد تحرير مناطق الشرق من سيطرة داعش، وهو في جزء كبير منه يعد سماحاً لأنقرة بمراقبة الأكراد.
  • الالتزام بتواجد أمريكي محدود في تلك المنطقة على المدى الطويل من أجل رصد التحركات واعاقة تدفق الأسلحة عبر الحدود التركية السورية.
  • التوضيح للقوات الكردية ان أي أسلحة ثقيلة تعطى لهم هي بمثابة الإقراض وينبغي عليهم اعادتها باستثناء الأسلحة الخفيفة، والتأكيد على حرمان الأكراد من المساعدات في حال رفضهم تسليم هذه الأسلحة.

 

خطة العمل المذكورة أعلاه غير مثالية ابداً وتحتاج إلى تحسينات كبيرة لكن النقطة الأساسية هنا أننا بحاجة إلى تقديم هذا النوع من الرؤية السياسية والعسكرية الأوسع والأكثر منطقية حول سرويا – لتحقيق الهدف الفوري في تحرير الرقة. وإن كان هناك شيء واحد ينبغي لنا ان نتعلمه الآن في الشرق الأوسط فهو أن النجاحات المبنية على أسس ضعيفة لن تستمر هذا ان تمكنا من تحقيقها في المقام الأول.

 

هذه المادة مترجمة من ناشيونال انترست، للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا 

ضع تعليقاَ