نشرت مؤسسة راند الأميركية المعروفة بقربها من دوائر صنع القرار وتداخلها معها، ورقة تحمل عنوان “خطة سلام من اجل سوريا”، تتضمن حلاً مقترحاً للأزمة المتفاقمة في سوريا، قام بإعدادها كل من جيمس دوبّنز الرئيس الفخري لوحدة الأمن والسياسة في راند، وهو مساعد سابق لوزير الخارجية الامريكي وفيليب غوردون: زميل أقدم في مجلس العلاقات الخارجية، وشرق إفريقيا ومنطقة الخليج (2013-2015). ومساعد لوزير الخارجية للشؤون الاوروبية والأوراسية (2009-2013) و جيفيري مارتيني: محلل للشرق الأوسط في راند وقضى عام 2014 في وزارة الخارجية في لجنة النزاعات وعمليات توطيد الإستقرار.
الحل المقترح شدد على ضرورة إعادة رسم اهداف المجموعة الدولية لدعم سوريا التي تضم نحو عشرين بلداً. وفق مقاربة جديدة مبنية على تسلسل معين يتم التركيز فيها على تأمين وقف لاطلاق النار بشكل فوري واجراء الترتيبات المطلوبة لتطبيقه، على أن يتم بعد ذلك اجراء المزيد من المفاوضات حول شكل الدولة السورية المستقبلية. واعتبروا أن هذه المقاربة أفضل بكثير من البديل الاساس الذي هو مواصلة أو حتى تصعيد الحرب.
ورغم أن الحل المقترح قد أشار إلى أن هذه الخطة البديلة تتضمن الحفاظ على وحدة سوريا، لكنها تقر في الوقت نفسه بحقيقة أن أجزاء مختلفة من البلاد يسيطر عليها جماعات عرقية مختلفة تساندها قوى خارجية مختلفة. وهذه القوى و”وكلاءها السوريين” قد يتفقون على تحديد ثلاث مناطق آمنة إحداها يسيطر عليها النظام في الغرب، واحداها يسيطر عليها الاكراد بشكل أساس في المنطقة الشمالية الشرقية، وأخرى تكون غير متصلة في الشمال و الجنوب تسيطر عليها “المعارضة المعتدلة”.وهذا سيؤدي إلى إنشاء منطقة رابعة في وسط و شرق سوريا يتم فيها استهداف داعش من قبل جميع الأطراف. وبحسب الحل المقترح فإن القوى الخارجية، بما فيها روسيا و ايران و الولايات المتحدة و تركيا و الاردن، سيكون لها دور بارز وستضمن الالتزام بوقف اطلاق النار من قبل وكلائهم.
وأشار الحل المقترح أيضاً إلى أن إنشاء هذه المناطق الآمنة قد يستوجب التخلي عن بعض المناطق من أجل تحديد خطوط الهدنة والإمداد. وفي هذا السياق يرى معدوا هذه الرؤية للحل في سوريا بأن أصعب التنازلات بالنسبة لنظام الأسد يتمثل بترك بعض المناطق في حماة وحلب لتكون تحت سيطرة المعارضة السورية المعتدلة، لكنهم رأوا أنه يمكن التعويض عن ذلك من خلال انسحاب “المعارضة المعتدلة” (أو قبولها بسيطرة النظام على الأقل) على المناطق التي تمسك بها هذه المعارضة داخل المنطقة التابعة للنظام وسحب كتائبها العسكرية كذلك من أطراف دمشق.
ويقترح معدوا هذه الورقة أنه وبعد وقف إطلاق النار على الأمم المتحدة أن تقوم بجمع كافة الفصائل السورية التي وافقت على الخطة من أجل البدء بالتفاوض حول مستقبل الدولة الموحدة. غير انه أشار بالوقت نفسه إلى أن إعادة توحيد سورية ستستغرق وقتا، “إذا ما كان ذلك ممكن اصلاً”.
وتحدث الحل المقترح أيضاً عن نشوء دولة فدرالية أو كونفدرالية، واعتبروا أن التوصل إلى اتفاق سيشمل على الأرجح المزيد من الحكم الذاتي، مثل تسليم مهمة حفظ الأمن إلى السلطات المحلية. وطرحوا كذلك شكلاً من أشكال مشاركة السلطة بين الطوائف المختلفة وضمانات محددة للأقليات في كل منطقة، إضافة إلى إصلاحات دستورية لإعادة توزيع السلطات المؤسساتية وإجراء انتخابات لا يترشح لها الأسد.
واعتبر الحل المقترح أن إعطاء الضمانات للنظام بأنه يستطيع أن يواصل حكمه لدمشق ومدن أخرى في الناحية الغربية من البلاد قد تكون كافية لإقناع الأسد ورعاته بأن وقف القتال يصب في مصلحتهم، خلافاً لمواصلة حرب مكلفة الى اجل غير مسمى.
ويرى معدوا هذه الورقة أن وضع التسوية السياسية كشرط مسبق للسلام هو وصفة لمواصلة الحرب، حيث اعتبر أن أي شكل من أشكال السلام هو أفضل من الحرب في هذه المرحلة. يُعرف مركز راند بقربه من دوائر صنع القرار وتداخله معها، وهو ما يعني أن الخطة المقترحة هنا جرى تقديمها ودراستها داخل أروقة وزارة الخارجية الأمريكية وهي أقرب للتطبيق أو التبني من قبل الولايات المتحدة، حيث ستلقي بثقلها لتنفيذها.
يلاحظ في الخطة المقترحة تركيزها على الحفاظ على حد معين من مكاسب النظام واعتبار التعامل معه أمراً واقعياً، عدا عن استخدامها لسياسة التأجيل المتعمد للملفات الحاسمة.
الخاسر الأكبر من هذه الخطة هم العرب السنة، فعلى الرغم من عظم التضحيات طوال السنوات الخمسة الماضية، تمنحهم الخطة المقترحة منطقتي نفوذ محاصرتين ومتفرقين، عدا عن إيكال مهمة حفظ السلام ومراقبة هذه المناطق للأطراف الأكثر انضباطاً بالتوجه الأمريكي حتى الآن ( الأردن وتركيا) وهو ما يعني وجود فترة قصور في أداء الجيشين هذا إن سلمت النوايا لاحقًا. في حين يحظى النظام مثلًا بدعم الإيرانيين والروس.
أمريكا من جهتها تحقق أكثر من هدف في هذا المقترح، فهي تضمن تواجداً حيوياً لها في مناطق الأكراد. وضمنت أيضًا إشغال القوى الإقليمية ( إيران وتركيا ) بالاهتمام بحفظ الخطة الأمريكية في سوريا، عدا عن احتوائها لروسيا وهو ما يمكن أن يتمخض عنه اتفاقات أخرى تجري بين الدولتين لاحقًا.
في الواقع، لا تثمل هذه الخطة تغيراً فعلياً فيما يتعلق بالخطوط العريضة للرؤية الأمريكية للحل في سوريا، فمنذ بداية الثورة جرى حديث مطول حول هذه التفاصيل ويبدو أن أمريكا حتى بعد 5 سنوات من القتال لم تغير الكثير من قناعاتها حول من وصفتهم الخطة بسكان سوريا من العرب السنة.
أخيراً، الخطة افترضت بقاء مساحة كبيرة من سوريا تحت سيطرة داعش، والتي من المفترض أن توحد خطوط القتال ضدها. وهو ما قد يعني لاحقاً اصطفاف مقاتلي المعارضة من مختلف الأطياف مع جيش النظام وربما الأكراد أيضاً وجنود التحالف الدولي للتصدي لداعش وقواتها ومهاجمتها.
الخطة أشارت إلى صعوبة تطبيق هذا المقترح، وأشارت أيضًا إلى أن خروقات بالجملة ستحدث في حال فرض أي هدنة، عدا عن إشارتها لوظيفة القوات الدولية المتواجدة في المناطق السورية الأربعة، والتي منها منع مقاتلي المعارضة من شن أي هجمات ضد النظام، وهو ما قد يعني أيضاً احتمالية لجوء بعض المتحمسين أو غير المقتنعين بهذه الخطة إلى تشكيل قوة مقاومة لتنفيذها أو ربما الذهاب إلى الخيار الأسوء وهو الانضمام إلى صفوف داعش إذ تبدو داعش على أنها الخيار الأمثل لمحاربة ما سيتم وصفه في حينه بالمؤامرة الغربية على سوريا.
يمكنكم تصفح وتحميل الترجمة الكاملة لورقة الحل الصادرة عن مؤسسة رند[su_button url=”http://idraksy.net/wp-content/uploads/2016/03/apeaceplanforsyria.pdf” target=”blank” icon=”icon: file”]من هنا[/su_button]
[/vc_column_text][/vc_column][/vc_row]