مارس 29, 2024

لي كلي دو موايان: سفراء فرنسا في لبنان منذ عام 1946 إلى اليوم: هيئة خاصة للدبلوماسية الفرنسية في الشرق الأوسط؟

يبدو أن الزيارة الرسمية الأخيرة لفرنسا من قبل الرئيس اللبناني ميشال عون، وزيارة إيمانويل ماكرون المتوقعة إلى بيروت في ربيع عام 2018، تبينان مدى حيوية العلاقات الفرنسية اللبنانية ونشاطها على أعلى مستوى. وفي ظل التحديات الهائلة التي يواجهها لبنان اليوم من تهديد جهادي، وأزمة مالية غير مسبوقة، وملف اللاجئين السوريين، والفساد في هياكل الدولة على نطاق واسع، وتشويه سمعة الطبقة السياسية، دعا الرئيس الفرنسي للحفاظ على “دولة قوية” في لبنان. والدولة القوية التي تشكلت ميزها الغموض، ويبدو أن الجنرال عون الذي انتخب بصعوبة في عام 2016 بعد عدة سنوات من الشغور الرئاسي، يريد أن يجسد الدولة القوية بدعم من حزب الله الذي يقاتل جنوده إلى جانب النظام السوري وبشار الأسد.

إن الانتداب الفرنسي في بلاد الشام (1920-1946) لم يكن قلقا بشأن استقلال لبنان لأن مصالح فرنسا السياسية والاقتصادية والثقافية في الشرق الأوسط راسخة بعمق. ومن غير الضروري العودة هنا إلى العصور القديمة المعروفة للمصالح الفرنسية في بلاد الشام التي تعززت في نهاية القرن التاسع عشر، وأسفرت عن تشكيل ولايات فرنسية في سوريا ولبنان في عام 1920، ثم قامت فرنسا بتأسيس لبنان ضمن حدوده الحالية بطلب من الموارنة.

إن نجاح المفوضون الفرنسيون وبعدهم المندوبون العامون منذ الحرب العالمية الثانية كان عاملا حاسما لاستقلال سوريا ولبنان. بدأ استقلال لبنان برحيل الجنود الفرنسيين في عام 1946، والذي رافقه النقل التدريجي للسيادة إلى الدولة المحررة من الحكم الفرنسي. كانت هذه اللحظة مؤلمة للقوة الانتدابية القديمة “فرنسا”، لكن لم يتبعها أي توتر بين باريس وبيروت، كما سعت فرنسا إلى الحفاظ على علاقات مميزة مع إقليمها السابق بوسائل متعددة، ودون الاستمرار في ممارسة سلطتها. وقد أرادت فرنسا الحفاظ على تأثيرها الاقتصادي وقبل كل شيء تأثيرها الثقافي. وبينما خلقت أزمة السويس (1956) فجوة بين فرنسا ومعظم الدول العربية، كان لبنان البلد الوحيد في المشرق العربي الذي حافظ على علاقات مع فرنسا، ولم يقطع العلاقات الدبلوماسية معها منذ عام 1945.

كانت الرحلة الأولى لرئيس فرنسي إلى لبنان متأخرة وجرت في سياق دراماتيكي (زيارة فرانسوا ميتران الرئاسية في 23 و24 تشرين الأول/أكتوبر ،1983 أثناء الحرب الأهلية بعد الهجوم على مركز دراكار)، بعد ذلك قام عديد من الرؤساء بزيارات رسمية إلى بيروت؛ فزار جاك شيراك مثلاً بيروت أربع مرات، وزارها نيكولاس ساركوزي مرتين (زيارة في 7 حزيران/يونيو 2008، وزيارة في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2011)، وزارها فرنسوا هولاند مرتين (4 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، و16 و17 نيسان/أبريل 2016 أثناء الشغور الرئاسي). وقام إيمانويل ماكرون، قبل فترة وجيزة من انتخابه لرئاسة الجمهورية في عام 2017، برحلة إلى بيروت كمرشح، وهدفت الزيارة على الأرجح إلى تعزيز مكانته في الانتخابات الرئاسية. ولا شك أن تعزيز عمق العلاقات الفرنسية اللبنانية هو من آثار توحد مسيحيي لبنان على مدى عقود مع فرنسا التي لا تزال تعتبر قوة حامية تقليدية حامية تقليدية، ولكن صورتها كحامية قد تدهورت بشكل كبير منذ سنوات الحرب. لذلك فالعلاقات الوثيقة بين باريس وبيروت ليست فقط نتيجة تقارب وجهات النظر بين رؤساء الدولتين الفرنسية واللبنانية لأنها تكون أحياناً مختلفة جداً.

تستند قوة العلاقة أيضاً إلى عمل وحماسة الدبلوماسيين الفرنسيين واللبنانيين الذين عملوا بشكل مكثف ودائم لدعم التفاعلات بين باريس وبيروت، في ظل عدم وجود قطيعة دبلوماسية بين العاصمتين، كذلك فقد حافظت باريس بشكل دائم على سفارتها في ولايتها المنتدبة السابقة خلال خمس عشرة سنة من “الحرب الأهلية”. ولبنان لديه خصوصية لكونه بلداً من المشرق العربي أرسلت إليه فرنسا معظم السفراء منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وقد نجح ستة وعشرون سفيراً منذ عام 1946؛ سبعة قبل عام 1975 وثمانية خلال الحرب و11 في ظل الجمهورية الثانية، ومؤخراً تم تعيين برونو فوشر في بيروت في صيف عام 2017، في بداية رئاسة إيمانويل ماكرون.

يسعى المقال إلى تسليط الضوء على العلاقات الفرنسية اللبنانية من خلال مسار الدبلوماسيين؛ فمن هو المسؤول عن تكوين السفراء الفرنسيين غير المعروفين، والذين كان لهم دور حاسم في كثير من القضايا منذ الاستقلال، أتساءل حول تكوينهم، وخبرتهم، ومسارهم الوظيفي وخلفياتهم، وهل من الممكن تحديد منطق التعيين الخاص بالوظيفة في بيروت؟

أربعة أجيال من الدبلوماسيين الفرنسيين منذ 1946:

منذ عام 1946 إلى عام 1969، حاول الجيل الأول من السفراء الفرنسيين في بيروت الذين ولدوا بين عام 1898 والحرب العالمية الأولى، الحفاظ على موقف فرنسا المتميز في لبنان مهما كان الثمن، حتى قبل الاستقلال، وكانت بعثاتهم تمثل العصر الذهبي لوجود فرنسا في لبنان الذي بلغ ذروته تحت رئاسة الجنرال ديغول.

وكان سفراء فرنسا آنذاك هم أرمان دوشايلا(1946-1952)، وجورج بالاي (1952-1955، أول من حمل اللقب الرسمي للسفير)، ولويس روشيه (1956-1960)، وروبرت دي بويسيسون (1960-1964)، وبيير لويس فاليز (1964-1967)، وبيير ميليت (1967-1969)، وبرنارد دوفورنيه (1969-1971)، وميشيل فونتين (1971-1975).

وبينما كان لبنان يعيش الحرب مع مذبحة عين الرمانة (13 نيسان/أبريل 1975)، كان هوبير أرغود السفير الفرنسي الجديد في بيروت، ولذلك فإن سفارته (1975-1979) هي الأولى إبان حرب لبنان. وهو يمثل الانتقال بين الجيل الأول من الممثلين الفرنسيين في بيروت الذين ولدوا قبل الحرب العالمية الأولى وجيل جديد بدأ مع لويس دولامار(1979-1981)، ولد في فترة ما بين الحربين، مع بول مارك هنري (1981-1983)، وفرناند فيبو (1983-1985)، وكريستيان غرايف(1985-1987) وبول بلانك (1987-1989).

هذا الجيل الثاني خدم في لبنان في ظل ظروف محفوفة بالمخاطر خلال السنوات الخمس عشرة من “الحرب الأهلية”، وقد دفعت فرنسا ثمناً باهظاً بسبب الاغتيال المأساوي لدلامار في 4 أيلول/سبتمبر 1981. ولم يمكث الممثلون الفرنسيون أكثر من عامين نتيجة لأسباب أمنية وبسبب تزايد الخطر أثناء الحرب.

مع انتهاء الصراع اللبناني وتأسيس الجمهورية الثانية، كان الجيل الثالث من السفراء الفرنسيين في بيروت على وشك تولي المهام، وهو جيل من الدبلوماسيين الذين خدموا في وقت الاحتلال الأجنبي للبنان، الذي انتهى بانسحاب القوات السورية في عام 2005. وكان من بينهم رينيه ألا(أيار/مايو 1989-حزيران/يونيو 1991)، ودانيال هوسون (شباط/فبراير 1993-أيار/مايو 1994)، وجان بيير لافون (أيار/مايو 1994 -شباط/فبراير 1997)، الذي بدأ بالفعل عملية إعادة بناء العلاقات الفرنسية اللبنانية وتجديدها بعد الحرب، ودانيال جوانيو (1997-1999)، وفيليب ليكورتييه(1999-2004).

الجيل الرابع من السفراء عاصر مرحلة “ما بعد الوجود السوري” (من 2005 حتى الآن). ومن بين أعضائه برنارد إيمي (2004-2007)، الممثل الأول للجيل المولود بعد الحرب العالمية الثانية، وأندريه بارانت (2007-2009)، ودينيس بيتون (2008-2012)، وباتريس باولي (2012-2015)، وإيمانويل بون (2015-2017)، ثم عين برونو فوشر في صيف عام 2017.

ما طبيعة الالتزامات ومستوى التكوين؟

من بين ستة وعشرين سفيراً أرسلتهم فرنسا إلى لبنان منذ عام 1946، فإن التدريب الأولي لشاغلي الوظيفة يكشف عن وجود تأثيرات هامة.

ولد الجيل الأول من سفراء فرنسا في لبنان بين عامي 1898 (أرمان دوشايلا) و1914 (هوبير أرغود)، وكانوا إلى جانب ديغول في مرحلة المقاومة أثناء الحرب العالمية الثانية. بعيداً عن خصوصية لبنان، هناك سمة لافتة للنظر بالنسبة لمعظم الدبلوماسيين الفرنسيين الذين عينهم كوي دوغساي بعد الحرب، وهي أنه تم رفضهم من قبل فيشي. أرمان دوشايلا 1946-1952، وهو أول ممثل لفرنسا في لبنان بعد الاستقلال انضم إلى اللجنة الفرنسية في لندن في تشرين الأول/أكتوبر 1942. وكان جورج بالعا، خلفه في بيروت (1952-1955)، مسؤولاً عن الشؤون الأفريقية بمفوضية الشؤون الخارجية في لندن في تشرين الأول/أكتوبر 1942 من العام نفسه، قبل أن يصبح رئيساً للخدمة الأفريقية في الإدارة المركزية في الجزائر العاصمة في تشرين الأول/أكتوبر 1943. وكان لويس روشيه (1956-1960) عضواً في الفريق الإذاعي الفرنسي في لندن بين 1942 و1943، ثم المستشار الثاني لمندوب لجنة التحرير الوطنية الفرنسية بلندن بين عامي 1943 و1945. وانخرط بيير لويس فاليز (1964-1967) في القوات الفرنسية الحرة من 1940 إلى 1944. كما انضم  بيرنارد دوفورنييه (1969-1971) في عام 1944 إلى CFLN ولجنة الحكومات المتحالفة في لندن. أما ميشيل فونتين (1971-1975) فقد انضم إلى السفارة في لندن بين عامي 1944 و1945.

شكل سفراء فرنسا في لبنان بالفعل شبكات من المعارف والمقربين يرجع تاريخها إلى ما بين الحربين. وقد عمل بعضهم في سفارات العالم العربي، فخلال أزمة السويس (1956)، كان لويس روشيه (1955-1958) في بيروت، وأرمان دو شايلا في مصر عبد الناصر، وبيير لويس فاليز في عمان، وكثير من هذه الأسماء البارزة مثلت فرنسا في لبنان بعد الاستقلال.

وكما هو الحال مع معظم سفراء فرنسا في الخارج فإن معظم الذين خدموا في بيروت  خريجو كلية العلوم السياسية جامعة باريس، التي أعيدت تسميتها في عام 1945 بمعهد الدراسات السياسية بباريس. والمرور عبر شارع سانت غيوم يستكمل أحياناً بشهادات الدراسات العليا التي يتم الحصول عليها في مدارس ذات مستوى ممتاز. كان بيير ميليت (1967-1969) خريج HEC، وبرنارد دوفورنير (1969-1971) أستاذ تاريخ وجغرافية، وميشيل فونتين (1971-1975) حاصلاً على شهادة الدراسات العليا في الاقتصاد السياسي والقانون العام. وافتتح لويس ديلامار (1979-1981)، الذي عاصر الحرب الأهلية المأساوية، عهد السفراء المتخرجين في المدرسة الوطنية للإدارة في بيروت. بعده يأتي بول مارك هنري (1981-1983)، وجان بيير لافون (1994-1997)، ودانييل جوانو (1997-1999)، فيليب ليكورتييه (1999-2004)، وبرنار إيمي (2004-2007)، وأندريه بارانت (2007-2009)، وبرونو فوشر (من عام 2017). خريجو المدرسة الوطنية للإدارة حققوا تقدماً ملحوظاً في بيروت إبان الجمهورية اللبنانية الثانية.

وليس من الضروري أحياناً أن تتخرج في كلية العلوم السياسية بباريس لتصبح سفيراً، فقد عُين إيمانويل بون سفيراً في بيروت عام 2015، وهو خريج معهد الدراسات السياسية في غرونوبل. ولم يتبع سفراء آخرون من فرنسا إلى لبنان دورة الجامعة الكلاسيكية قبل دخول المجال الدبلوماسية، فدانيال هوسون (1991-1993) يحمل شهادة البكالوريا للتعليم الثانوي فقط. وبيير لويس فاليز (1964-1967) حاصل على درجة البكالوريوس في القانون، وفرناند فيبو (1983-1985) يحمل درجة الدكتوراه في القانون. كريستيان غرايف (1985-1987) ورينيه ألا (1989-1991) متخرجان في المدرسة الوطنية الفرنسية في الخارج، في حين أن بول بلانك (1987-1989) يحمل شهادة الدكتوراه في القانون وبراءة اختراع من قبل المدرسة نفسها. وميشيل تشاتليس (1993-1994) تخرج في المدرسة الوطنية الفرنسية في الخارج.

يكشف المسار المهني للدبلوماسيين الفرنسيين في بيروت عن مفارقة متمثلة في عدم التمكن من اللغة العربية، فهو ليس شرطاً للحصول على المنصب. ولم تضم الهيئة سفراء متحدثين باللغة العربية أو قاموا بدراسات حول المنطقة العربية، وهناك أربعة أشخاص فقط من أصل ستة وعشرين شخصاً وصلوا إلى بيروت مع معرفة قوية باللغة العربية. درس ثلاثة منهم بالمعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية: بول مارك هنري (1981-1983)، دينيس بيتون (2009-2012) تخرج في الأدب العربي، وباتريس باولي (2012-2015) تخرج في اللغة العربية والفارسية. ودرس كريستيان غراف (1985-1987) في مركز التعليم العربي الحديث في بكفيا. ولذلك فإن دراسة اللغة العربية ليست معياراً حاسماً للحصول على وظيفة في بيروت. واعترف السفير دانييل جوانيو بأنه بدأ في تعلم اللغة العربية مع زوجته عندما وصل إلى لبنان.

ما الخبرات الدبلوماسية السابقة في لبنان، والعالم العربي والشرق الأوسط؟

هل تعد التجربة الدبلوماسية في لبنان أو الشرق الأوسط أو أي دولة عربية أخرى معياراً هاماً لاختيار السفراء الفرنسيين في بيروت؟ هل هناك منطق منهجي للتعيين مرتبط بهذه التجربة؟ في الواقع ثمة مجموعة واسعة من التشكيلات المهنية والوظائف لا تؤكد هذه الفرضية. ففي عام 1994 تم تعيين جان بيير لافون في لبنان رغم عدم امتلاكه أي خبرة.

واضح أن هناك متغيرات أخرى تؤدي دوراً هاماً في تعيين السفراء في لبنان، ومن الواضح أن منصب سكرتير أول أو مستشار أول في بيروت يعزز إلى حد كبير من فرص أن يصبح صاحبه سفيراً في المستقبل. بعض سفراء فرنسا لديهم بالفعل معرفة جيدة جداً بالبيئة اللبنانية ومخاطرها المعقدة، كهوبير أرغود (1975-1979)، الذي كان يعمل سابقاً في بيروت كسكرتير أول (1947-1951) تحت سفارة أرمان دو شايلا. ولذلك فمن المحتمل أن هذا العامل أدى دوراً في لحظة حاسمة من السنوات الأولى من الحرب “الأهلية”. كان كريستيان غرايف (1985-1987) أيضاً السكرتير الأول في بيروت (1963-1967) في سفارات بارون دي بوسيسون وبيار-لويس فاليز- بطبيعة البيئة اللبنانية يرجع لسنوات 1950، واستكمل في عام 1957 تعلمه للغة العربية. وبعد الحرب وجد السفراء لبنان جديداً مختلفاً عن لبنان فترة الحرب.

تنطبق هذه الحالة على دانيال هوسون (1 شباط/فبراير 1991-1993)، الذي كان أول مستشار في بيروت قبل عشر سنوات تقريباً (1982-1984)، في وقت محوري من الحرب الأهلية اللبنانية التي تخللها الغزو الإسرائيلي للبنان ومذابح صبرا وشاتيلا، واغتيال بشير الجميل، والمذابح الدرامية في الشوف والهجوم على دراكار في عام 1983. ومرة أخرى فإن اختيار دانيال حسون كأول سفير فرنسي في الأشهر الأولى من تأسيس الجمهورية اللبنانية الثانية في فترة ما بعد الحرب كان على الأرجح مدفوعاً بخبرته الواسعة في هذا المجال. وقد سبق تعيينه سفيراً في لبنان عمله مباشرة كمستشار أول في بيروت. أما أندريه بارانت (2007-2009) فهو الوحيد الذي شكل الاستثناء في هذا المجال.

وبعض سفراء فرنسا في لبنان لديهم معرفة جيدة بالبيئة اللبنانية والشرق أوسطية، دون احتلال موقع دبلوماسي أولي بالضرورة في لبنان، مثل بول مارك هنري (1981-1983) الذي كانت لديه فرصة لزيارة لبنان في سنتي 1950-1951، كجزء من مهمته إلى الأمانة الدولية للأونروا في بيروت. وقبل تولي دانيال جوانيو منصبه في بيروت في 22 نيسان/أبريل 1997، كان قد سافر إلى لبنان عامي 1974 و1976 عندما كان سكرتيراً أول بالقاهرة. وكان رئيس البروتوكول، وأعد، أثناء زيارته إلى بيروت رحلتي الرئيس جاك شيراك في نيسان/أبريل وتشرين الأول/أكتوبر 1996. والتقى بالقادة اللبنانيين في بعض الأحيان. وكان إيمانويل بون، الذي عين في بيروت عام 2015، على دراية جيدة بلبنان، إذ زاره قبل عشر سنوات، ليس كدبلوماسي ولكن كباحث في سيرموك.

ثمة معيار هام آخر نحاول من خلاله شرح تعيين عديد من السفراء في بيروت لم يكن لديهم خبرة في لبنان سابقاً. إذ احتلوا مناصب مستشار، أو سكرتير أو حتى سفير في بلد عربي، وعلى نطاق أوسع في الشرق الأوسط. فكان أرمان دو شايلا، قبل تعيينه في بيروت عام 1943، قد عين بالسفارة في القسطنطينية (1924) قبل عشرين عاماً تقريباً. وكان جورج بالاي (1952-1955) وزيراً مفوضاً في بغداد في عام 1946. أما بيير لويس فاليز (1964-1967) فكان سفير فرنسا في عمان (1954-1956)، قبل أن يتم تعيينه في بيروت في عام 1964. وكان لويس دولامار (1979-1981) أميناً عاماً للمراكز الثقافية الفرنسية في إسطنبول (1950-1951)، ثم في القاهرة (1951-1954). وعمل جان بيير لافون (1994-1997) في طهران رئيساً للبعثة الثقافية والتعاون التقني في السفارة الفرنسية (1977-1979). وكان فيليب ليكورتييه (1999-2004) قد عين سابقاً سفيراً لفرنسا لدى بغداد في عام 1990، ولكنه لم يلتحق بمنصبه. كان برنارد إيمي (2004-2007) أول سفير فرنسي في عمان، قبل أن ينضم إلى بيروت بعد عامين. وكان دينيس بيتون (2009-2012) أول قنصل عام في القدس بين عامي 1999 و2002، قبل تعيينه في لبنان في عام 2009. وكان باتريس باولي (2012-2015) عارفاً جيداً ببلدان الشرق الأوسط قبل توليه منصبه في بيروت؛ إذ كان في البداية ملحقاً ثقافياً في صنعاء قبل تعيينه سكرتيراً أول في عمان بين عامي 1983 و1987، ثم في منصب المستشار الأول في القاهرة بين عامي 1995 و1999. وكان مرتين سفيراً في الشرق الأوسط (في الكويت منذ عام 1999، وفي أبوظبي من عام 2005) قبل التحاقه ببيروت. وكان إيمانويل بون أول مستشار ثانٍ في طهران (2003-2006)، وأول مستشار في الرياض بين عامي 2006 و2009. وأدار السفير الأخير برونو فوشر سفارة طهران في الفترة من 2011 إلى 2016. وعمل بين عامي 2000 و2003 مستشاراً أول في الرياض. ومن ثم فإن العالم العربي هو بالفعل فضاء لمعرفة البيئة العربية لكثير من هؤلاء الدبلوماسيين الفرنسيين المعينين في بيروت.

لكن بعض السفراء الفرنسيين في بيروت عينوا على الفور دون أي خبرة خاصة في العالم العربي أو في الشرق الأوسط. فقد قضى لويس روشيه معظم حياته المهنية في أوروبا وأستراليا قبل تعيينه في لبنان في عام 1955، ومع ذلك فإن تقريره الدبلوماسي في نهاية مهمته في عام 1960 يظهر أنه زار بالفعل بيروت خلال فصل الشتاء من 1928-1929، وخلال تلك الفترة بقي 15 يوماً تقريباً في بيروت. وكان روبرت دي بويسون،  قبل تعيينه هناك في عام 1960، قد مارس مهامه بشكل رئيسي في الشرق الأدنى والشيلي، على الرغم من خبرته في شمال أفريقيا.

مديرية أفريقيا – بلاد الشام: مصدر كبير للسفراء

ثمة متغير آخر هو الحصول على وظيفة داخل السلك الدبلوماسي عن طريق مديرية أفريقيا وبلاد الشام بـ”كوي دوغساي”، وينظر إلى ذلك بوضوح باعتباره ضماناً للمصداقية بالنسبة لشاغل الوظيفة في المستقبل. ويوجد لدى الدبلوماسيين، في مديرية أفريقيا-بلاد الشام، العديد من المراسلات مع سفراء فرنسا المعينين في بيروت والشرق الأوسط، وهم على دراية تامة بالجهات الفاعلة والقضايا المعقدة على أرض الواقع.

ومنذ استقلال لبنان احتل العديد من الدبلوماسيين هذا النوع من الوظائف قبل تعيينهم في العاصمة اللبنانية. مثال ذلك جورج بالا (1952-1955)، مدير عام 1945، هوبيرت أرغود (1975-1979)، نائب مدير شؤون الشام بين 1958-1961، بول مارك هنري مسؤول الشؤون الاقتصادية بمديرية أفريقيا-الشام (1948-1949)، دوبول بلون  بين عامي (1987-1989) (1960 و1962)، أندريه بارانت (2007-2009) نائب مدير سابقاً لمصر وبلاد الشام وأفريقيا والشرق الأوسط بين عامي 2000 و2002، دينيس بيتون (2009-2012) من عام 1983، إيمانويل بون (2015-2017) بين عامي 2000 و2003. ويمكن أن يكون منصب المدير العام لمديرية أفريقيا وبلاد الشام أحياناً نقطة انطلاق مباشرة للتعيين في بيروت، كما يتضح من حالات برنارد إيمي (2004-2007) وباسكال باولي (2012-2015). وكان إيمانويل بون، قبل وصوله إلى بيروت في عام 2015، مستشاراً لدى الخلية الدبلوماسية لرئاسة الجمهورية لشمال أفريقيا والشرق الأوسط، منذ عام 2013، أي قبل عام من الشغور الرئاسي الذي عرفه لبنان بعد رحيل ميشال سليمان، وكتب تقريراً إلى فرانسوا هولاند عن أزمة الرئاسة اللبنانية. ويقترح التقرير ثلاثة خيارات: تمديد ولاية ميشال سليمان، أو الاعتماد على قائد الجيش، أو انتخاب شخصية جديدة خارج اللعبة السياسية.

متى تصبح الوظيفة الدبلوماسية في بيروت مؤثرة على المسار الدبلوماسي للسفراء؟

يبدو أنه لا يوجد منطق معين وراء ذلك؛ لأن مراقبة مسار 26 سفيراً فرنسياً في لبنان منذ عام 1943 تكشف أن التعيين في بيروت قد يكون بداية الحياة المهنية الدبلوماسية. وهناك حالات استثنائية مثل بول مارك هنري (1981-1983) الذي عين سفيراً في نهاية حياته المهنية، أما كريستيان غرايف (1985-1987) فكان تعيينه سفيراً في بيروت بداية حياته المهنية، كذلك جان بيير لافون (1994-1997)، أو إيمانويل بون (2015-2017). ومع ذلك فقد كان لمعظم السفراء في بيروت خبرة سابقة في العمل الدبلوماسي “كسفراء”.

وتعيين السفراء في لبنان غالباً ما يحدث في وقت متقدم من العمر، وأحياناً قبل التقاعد (لويس روش، روبرت دي بوسيسون، بيير لويس فاليز بيير ميليت، برنارد دوفورنييه، فرناند ويباوكس، كريستيان غرايف، ميشيل تشاتليس، جان بيير لافون ودينيس بيتون). وقد يكون التعيين في بيروت في بعض الأحيان مهنياً دبلوماسياً. هذا هو حال جورج بالاي (1952-1955)، وميشيل فونتين (1971-1975)، وهوبير أرغود (1975-1979)، وبول مارك هنري (1981-1983)، وبول وايت (1987 -1989)، ورينيه الا(1989-1991) ودانيال هوسون (في عام 1993 كان في مرحلة التقاعد، وطلب التمديد سنة واحدة، ولكن رفض رولان ديماس عجل بقدوم ميشال شاتولي) بين عامي 1991 و1993، وفيليب لوكورتييه (1999-2004). ويمكن أن تكون بيروت مرادفة للنهاية الوحشية في زمن الحرب، كما تجلى ذلك في اغتيال لويس دولامار المأساوي في تشرين الثاني/نوفمبر 1981.

وفي النهاية تعد الحالة اللبنانية مفيدة لأنها تسمح بعرض عينة جيدة من تاريخ الجهاز الدبلوماسي الفرنسي في الشرق الأوسط الذي أنشئ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ولا شك في أن لبنان هو أحد الفواعل الرئيسية التي توفر فهماً أفضل لمنطق التعيينات الدبلوماسية، حتى لو لم تؤد الأمثلة الستة والعشرون التي تمت دراستها إلى تحقيق مسار دبلوماسي نموذجي في بيروت. وتحليل القضية اللبنانية بشكل عام هو دعوة لدراسة المسارات الطويلة ومحطات الدبلوماسيين الفرنسيين في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

المصدر: لي كلي دو موايان

الكاتب: ستيفان مالساغن

الرابط: http://www.lesclesdumoyenorient.com/Les-ambassadeurs-de-France-au-Liban-de-1946-a-nos-jours-un-corps-specifique-de-2513.html

___________________________________________________

الهوامش:

ستيفان مالساغن: دكتور في التاريخ بجامعة باريس1، محاضر في مادة تاريخ الشرق الأوسط بقسم العلوم السياسية بجامعة باريس. ألف العديد من الكتب عن لبنان بما في ذلك: فؤاد شهاب (1902-1973) شخصية منسية من التاريخ اللبناني، كارتالا/إيفو، 2011؛ ومجلة ليبريت في لبنان والشرق الأوسط (1959-1964)، جيوتنر، 2014؛ نظرة على الدبلوماسية الفرنسية في لبنان من 1946 إلى 1990، جيوثنر، 2017.

ضع تعليقاَ