مارس 28, 2024

كريستوفر هيل: سياسة “أمريكا أولاً” إذ تضع سوريا آخراً

اختار ترامب أن يعلن النصر ويغادر. إن هذا القرار، والانسحاب المتوقع من أفغانستان وربما من أماكن أخرى ، يناسب نمطًا مألوفًا: فالالتزامات الأمريكية مع باقي العالم غالباً ما كانت تتأثر باعتقاد سابق لأوانه مفاده أن الهدف قد تحقق.

هذا المقال منقل ومترجم عن موقع project syndicate


CHRISTOPHER R. HILL

لا يوجد صراع في الشرق الأوسط يحمل من التعقيدات مثل الصراع المحتدم في سوريا، إذ يتضمن القتال حكومة تتناقض مع القيم الغربية، وتمرداً سنياً متطرفاً استولى في وقت ما على الحدود بين سوريا والعراق وقطع كل الطريق وصولاً إلى أبواب بغداد، إن رهانات الحرب عالية جداً لدرجة أن مجموعة متنوعة من اللاعبين الأجانب – بما في ذلك روسيا وتركيا وإيران وحزب الله – قد انجرفت كلها للانخراط في هذه الحرب.

في الواقع هناك الكثير من الحروب التي تخاض اليوم في سوريا، أحد اوجه النضال هو ذلك الذي يتم خوضه ضد داعش ، المعروف جيداً لعموم الأمريكيين، وهناك أيضاً الصراع من أجل خلافة الأسد الذي حكم البلاد لما يقرب من ٥٠ عاماً كسلالة علمانية، أما الصراع الثالث فيتضمن أكراد شمال سوريا الذين تحالفوا مع الولايات المتحدة لمحاربة داعش ولكن تحركاتهم أثارت مخاوف القيادة التركية، من أن تطلعات وطموحات الأكراد في سوريا قد تجعل الأكراد في تركيا أكثر جرأة.

أضف الى هذا النزاع متعدد الجوانب وجود رئيس الولايات المتحدة لا يشعر بالارتياح للاطلاع على الفوارق الدقيقة ومناقشة التفاصيل. لا يمتلك دونالد ترامب عقلية أممية ولا يدرك الرسالة التي تحملها القوة الأمريكية، وبينما كان من الممكن التجاوز عن أخطائه عبر الجدل بأن مصلحة أمريكا الوحيدة في سوريا كانت هزيمة داعش، فإن قراره الأخير بسحب كافة القوات الأمريكية -والذي برره بإعلان نصر مُتوهم- أمر لا يغتفر

قرار ترامب سيشجع الأسد، الذي كان حكمه كارثيا على سوريا وأظهر باستمرار عدم قدرة على التغلب على تعقيدات الأزمة، بما ذلك التمدد السريع وما تلاه من تبعات لتطرف السنة النازحين من المناطق القروية ، واحتضان السنة المتطرفين من العراق وتوطيد السلطة السياسية الشيعية في بغداد ونمو المشاعر الكردية القومية في المنطقة.

لكن الأسد كان يعرف من يجب أن يدعو الى سوريا للحفاظ على سلطته ، فقد كان ضخ المجموعات الشيعية والروسية والإيرانية والإقليمية إلى سوريا كافياً لتحويل المد في صالحه، وقد أعطى ذلك نظامه فرصة جديدة للحياة في منطقة ليست معتادة على منح فرصة ثانية للقادة، ومع ذلك فيبدو أن الأسد مثل “آل بوربون” الفرنسيين، لم يتعلم شيئاً ولم ينس شيئاً خلال السنوات الثماني عشرة التي أمضاها في السلطة. ومن ير المرجح أن يعزز انتصاره من خلال إدخال الهياكل الفيدرالية اللامركزية اللازمة لحكم سوريا بشكل فعال.

سياسة الولايات المتحدة في سوريا ، السياسة التي دافع عنها ترامب ، وتم التخلي عنها الآن ، استندت منذ وقت طويل إلى دعامتين: الاستقرار في العراق وهزيمة داعش.

تحت قيادة الرئيس باراك أوباما ، ثم لفترة وجيزة تحت قيادة ترامب، عملت القوات الأمريكية مع المجموعات المسلحة المحلية على اسقاط داعش. ولكن، وعلى عكس ادعاءات ترامب ، فإن داعش ليس مهزومًا ولا ميتًا. والحقيقة أن غياب المؤسسات القابلة للحياة والترتيبات السياسية المستقرة في سوريا غالباً سوف يسمح بانبعاث هذا التنظيم بشكل ما.

وبدلاً من التصرف بطريقة فردية، كما يبدو عليه الأمر الآن، كان على ترامب أن يطلب من فريق سياسته الخارجية توضيحات لعدد من الأسئلة الشائكة. مثل: ما هي نهاية اللعبة التي يجب أن تسعى إليها الولايات المتحدة في سوريا؟ وبالنظر لحصول الأسد على تأييد من قبل من روسيا وإيران وتركيا(الذين ليس لديهم سوى مصالح تافهة في سورية)، ما مدى احتمال رحيله؟ وما هي الحلول السياسية الممكنة؟ هل تعتبر الانتخابات حلاً عملياً أو مستحباً في حالة خلو من المؤسسات العاملة؟

ولكن حتى طرح مثل هذه الأسئلة المهمة – والتي ليس هناك أي إجابات سهلة عنها – بدا وكأنه خارج قدرة ترامب ونطاق خبرته. وبدلا من طلب المساعدة بخصوص أي شيء ، اختار ترامب أن يعلن النصر ويغادر. إن هذا القرار، والانسحاب المتوقع من أفغانستان وربما من أماكن أخرى ، يناسب نمطًا مألوفًا: فالالتزامات الأمريكية مع باقي العالم غالباً ما كانت تتأثر باعتقاد سابق لأوانه مفاده أن الهدف قد تحقق.

هذه الحقيقة تبدو أكثر وضوحاً في حالة الانسحاب الأمريكي من سوريا الذي ربما يكون أكثر ضرراً أيضاً من معظم الالتزمات الأمريكية الأخرى، لأن هذا القرار إنماجاء من قبل رئيس أمريكي من الواضح أنه لا يدرك حقيقة ما يفعله، وهو غير قادر على الاستفادة في قراراته من دروس التاريخ. فالحقائق ليست معرفة، والمعرفة ليست حكمة، ولكن في نظر ترامب، وببساطة فليس هناك مجال للفكرة القائلة بأن التاريخ يمكن أن يخبرنا شيئاً مفيداً أو أن يتكرر، ولا للربط بين عدة تحديات أمنية تعتبر الأكثر إلحاحاً في العالم، سواء كانت سوريا أو روسيا أو إيران.

عادةً ما يُنظر إلى السياسة الخارجية الأمريكية على أنها دليل ليس فقط على صلابة الرئيس ، ولكنها أيضًا دليل على مسؤوليته في استخدام جميع الموارد المتاحة له للتعامل مع مسائل الدولة والأمن القومي التي قد لا يراها الجمهور. لكن مع ترامب، لا يوجد شيء من ذلك. إن الأخطاء والتهديدات التي باتت مرئية للجميع بقيت عميقة واستراتيجية كما كانت.


كريستوفر هيل: مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية السابق لشرق آسيا ، كان سفيرًا للولايات المتحدة في العراق ، وكوريا الجنوبية ، ومقدونيا ، وبولندا ، ومبعوثًا أمريكيًا خاصًا لكوسوفو ، ومفاوضًا لاتفاقيات دايتون للسلام ، وكبير المفاوضين الأمريكيين. كوريا الشمالية من 2005-2009. وأستاذ الممارسة في الدبلوماسية في جامعة دنفر ، ومؤلف كتاب Outpost.

ضع تعليقاَ