أبريل 25, 2024

فورن أفيرز: استراتيجية اللاحل الإسرائيلية

قد يبدو الأمن القومي الإسرائيلي للمتابعين محيراً. فالعديد من المراقبين في الولايات المتحدة وأوروبا على سبيل المثال، يتساءلون كيف لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يحذر منذ سنوات من الخطر الوجودي الذي يشكله البرنامج النووي الإيراني على إسرائيل ومع ذلك يبدي تحفظاً على محاولات المجتمع الدولي لتعطيل هذا البرنامج، من خلال زيادة المخاوف المتعلقة بالاتفاق النووي بين إيران والقوى العظمى الخمسة في العالم دون تقديم بديل مقنع، مبدياً – أي نتنياهو – معارضته لأي حل على الإطلاق وبدلاً من ذلك، يتصرف نتنياهو كما كتب وزير الخارجية البريطاني – فيليب هاموند وكأنه يفضل حالة دائمة من المواجهة مع طهران.

وعلى طرف آخر، لا يبدو أن زعماء دولة الاحتلال يملكون إجابة واضحة عن كيفية حل النزاع بينهم وبين الفلسطينيين. حالياً، تواجه إسرائيل إزدراءً عالمياً لاحتلالها الضفة الغربية ويلوح في الأفق حلولاً تضطرها للتضحية إما بديمقراطيتها أو بأغلبيتها اليهودية من السكان عدا عن إنهاء تقسيم الأراضي مع الفلسطينيين. ومع ذلك، فقليل من أعضاء حكومة الاحتلال من يقدمون حلولاً استراتيجية واقعية لإنهاء الصراع. نتنياهو نفسه، كرر مراراً دعمه لحل الدولتين من الناحية النظرية، مؤكداً عدم توقعه ظهور دولة واحدة في المنطقة في المستقبل القريب أو حتى تقديم أي حل نظري آخر ممكن.

ما يكمن وراء غياب الاجندة القومية الاسرائيلية كثير، لكنه غير منطقي ومربك أكثر من الاعتقاد بأن التحديات التي تواجهها إسرائيل حالياً لا تملك حلولاً حقيقية، وهو ما يعني أن أي حل سريع لن يعالج المشكلة بل سيشكل تدهور ساذج وخطير.

التصرف بعقلية تجاهل المشاكل وركنها جانباً حتى نقطة ما في المستقبل حيث يمكن حينها النظر في المشكلة المستعصية ومعالجتها بشكل أفضل لا يعكس انعدام الاستراتيجية الإسرائيلية، بل في الواقع هذه هي الاستراتيجية الحقيقية الإسرائيلية وما يعيبها الآن أنها أتت في وقت غير مناسب ما جعلها تبدو من السخف بمكان.

تقوم إسرائيل باستمرار في الحفاظ على استراتيجيتها والتي تقضي بإمكانية الوصول إلى الأفضل عن طريق إدارة الصراعات بدلاً من التسرع في محاولات حلها قبل أن تصبح الظروف مواتية وهي في الواقع تخدم إسرائيل جيداً في بعض الحالات. وفي حالات أخرى، كما في حال الصراع مع الفلسطينيين فقد ألحقت الضرر بآمال من في البلاد. وسواءَ أكانت هذه الاستراتيجية فعالة أم لا فإن صناع السياسية الأمريكية ملزمون بالتعامل معها لأنها تجعل قراراتهم صالحة لمعالجة مشاكل الشرق الأوسط.

اللعب الآمن

في أعماقه نتنياهو ليس صقراً بقد ما هو محافظ على التعزم على تجنب الثورات، أو القلق من العواقب غير المقصودة من التصاميم السياسية الكبرى، بالإضافة إلى عقد العزم على الوقوف بحزم في مواجهة الشدائد. نتنياهو متشائم للغاية بشأن التغيير ويعتقد بأن إسرائيل، وهي البلد الصغير في المنطقة المضطربة، لديها هامش قليل من للخطأ. ورغم ما يعتقده الكثير من الأوروبيون بأن هذه النظرة لا تشكل منطلقاً مثيراً للحرب، ولا كما اقترح بعض المسؤولين في إدارة أوباما بأنها  تمثل ضعفاً أو جبنا ورغم امتلاك خطاب نتنياهو الكثير من الخوف إلا أن الواقع يقول أن السياسة الإسرائيلية هي عرض منا لقيادة بالاعتماد على الوقع خوفاً من أي خسائر محتملة طالما بقيت المكاسب محتملة أيضاً.

وفي الحالة الفلسطينية تشكل نظرة وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعالون في كتابه الصادر عام 2008 بعنوان” طريق أطول أقصر)، حيث انتقد فيه بعض أفكار المجتمع الإسرائيلي مثل أن المجمتع الإسرائيلي يريد حلاً ويريده الآن” وسمى يعالون هذا الشيء بنفاذ الصبر وقال لا يمكن أن تستوعب المشاكل المزمنة أو الصراعات المفتوحة. وبدلاً من ذلك، فإن الوضع الحالي يتطلب منا حلول أنيقة بغض النظر عن التكلفة. فيعلون وغيره في إسرائيل يؤمنون بالنظرية الباراجماتية في السياسية الخارجية الأمريكية التي تفترض أن أي مشكلة يمكن حلها من خلال ألإدارة الكافية والصحيحة.

يجد يعلون في “نفاذ الصبر” الإسرائيلي هذا خطورة، خاصة وأنه يغذي الاعتقاد السائد بين أعداء إسرائيل بإمكانية هزيمتها تدريجياً بدلاً من التركيز على اقناعهم بأن إسرائيل دولة لا تهزم. وفي المأزق الراهن، يعتقد يعالون أن سبب الفشل والتأخر ليس لانعدام الكفاءة السياسية الإسرائيلية بل بسبب الرفض الفلسطيني لقبول جوهر الصهيونية، والمتمثل في حق اليهود بالحصول على دولة خاصة بهم تقام في الأراضي المحتلة. وباعتقاد يعالون ونتنياهو أن السؤال هذا ما داوم حاضراً في الوعي الفلسطيني فهذا يعني أن إمكانية الوصول إلى تسوية مع الفلسطينيين أمر مستحيل.

وينعكس التشاؤم الإسرائيلي هذا في غموض وصف قادة اسرائيل للحل النهائي لهذا الصراع. نتنياهو أعلن سابقاً عن أمله في الوصول إلى حل الدولتين بشكل ما، لكن يعلون مثلاً من حزب الليكود يرفض هذا تماماً. وزير بارز آخر هو نقتالي بينيت، يرأس حزباً دينياً يمينياً ” إسرائيل بيتنا”، يسعى دوماً لتوضيح نظرياته ورؤيته بصراحة، حيث شهد اجتماع شارك به في يونيو 2013 ونظمه مجلس “يشع”، الجسم الرئيسي للمستوطنين في إسرائيل، وخلال اللقاء كان هناك احد المعلقين الذي وصف معاناة صديقه في الجيش الذي تعرض لإصابة خلال إحدى الاشتباكات، وهي الإصابة التي أدت إلى شلل صديقه، رد بينيت قائلاً “إسرائيل كانت دوماً في نفس الوضع هذا مع الفلسطينيين، وعلينا تقبل هذه الاحداث السيئة الآن بدلاً من تحقق كارثة أخطر في محاولة لحل النزاع.

وبمنطق سياسي مماثل تتصرف إسرائيل تجاه إيران، ففي التسجيلات السرية المسربة من التلفزيون الإسرائيلي في أغسطس الماضي، كان وزير الدفاع الإسرائيلي السابق إيهود باراك يناقش بالتفاصيل احتمالية توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية في اجتماع المجلس الأمني المصغر.

كرر باراك كلامه ثلاث مرات وقال أنه هو ونتنياهو وليبرمان وزير الخارجية وقتها،لم يقتنعوا في جدوى توجيه الضربة العسكرية للمنشآت النووية الإيرانية والتي من شأنها أن توفر حلاً محدوداً لفترة قصيرة فحسب. وبالفعل اختارت الحكومة خيار التعامل مع المسألة عن طريق التفاوض، لإدامة الوضع الرهابن مع اتباع سياسة الحشد ضد طهران. أوباما بدوره تحدي معارضي الاتفاق النووي باقتراح حل أفضل، لكن ما حدث بالنسبة لنتنياهو لم يكن يرقى لمستوى أن يسمى حلاً.

وضمن نفس السياق الذي تنبع منه سياسية نتنياهو – يعالون تسير علاقة إسرائيل بالفلسطينيين وإيران، ومن المرجح أن تبقى كذلك حتى المستقبل البعيد. بحيث تبقى المسائل معلقة دون حل، ويتحول الأمر إلى إدارة الأزمة القائمة حتى يحدث تحول جذري في المشهد كتغير الأجيال أو المواقف أو حدوث اضطرابات إقليمية.

الشك في تطور إسرائيل

هذه النظرة أقرب ما تكون إلى غير العادي في إسرائيل. بالنسبة للقضية الفلسطينية، يمثل يعلون نموذج المعتدلين الإسرائيليين الذين كانوا يأملون بنجاح عملية السلام في التسعينات وهو الأمل الذي أصيب بخيبة أمل عميقة إثر فشلها.

نشأ يعالون في منزل يساري دعم في البداية اتفاقات أوسلو، وهي الاتفاقية المبرمة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، والتي هدفت إلى تمهيد الطريق لوضع اتفاق  نهائي بين الجانبين. عمل لا حقاً كرئيس للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في السنوات التي لحقت الاتفاقية وهو ما دفعة حسب قوله إلى إعادة تقييم النوايا الفلسطينيين.

وأشار يعالون في تقييمه إلى أن المقاومة الفلسطينية تشهد منحاً عنيفاً في بداياتها، منكرين حق اليهود في تحديد مصيرهم بشكل حاسم أو وجود أي اتصال تاريخي لليهود بالأراضي المقدسة، وصولاً إلى عجز الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عن وقف التفجيرات في عام 1996 وإدانته لها.

ومع مرور الوقت، ردد الجمهور الإسرائيلي كلمات يعالون نفسه عن فقدهم الثقة في عملية السلام أو نجاحها. ونما شعورهم بخيبة الأمل من ياسر عرفات بعد مشاهدة أحداث الانتفاضة الثانية عام 2000. وهنا أيضاً، إيهود باراك، رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي قدم تنازلات خلال المفاوضات أكثر مما توقعه الاسرائيليون، إلا أن رفض عرفات للتنازلات هذه، واندلاع الانتفاضة الثانية العنيفة أعطى انطباعاً كبيراً للاسرائيليين عن عدم وجود شريك حقيقي للسلام. هذا ما قاله باراك في شهر اكتوبر من عام 2000 وبدا الكثير من الاسرائيليين متفقين معه.

خلال هذه الفترة، حاولت إسرائيل حل المشاكل الاقليمية من جانب واحد. وسحبت قواتها من لبنان عام 2000، وتبعت ذلك بانسحاب آخر من قطاع غزة عام 2005. ولكن مع توالي الهجمات تجاه اسرائيل من المناطق التي انسحبت منها، نما شعور بعدم جدوى الحلول الأحادية كذلك.

ومنذ ذلك الوقت، لم يكن هناك مجال للتفاؤل حول أي من مشاكل الشرق الأوسط بالنسبة لإسرائيل. جولات متعددة من المفاوضات مع محمود عباس، خليفة عرفات، فشلت دون تحقيق أي تقدم في السلام. واندلعت في الدول المجاورة لإسرائيل أعمال عنف مروعة واضطرابات شديدة في أعقاب ثورات الربيع العربي. وإزدادت معدلات إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل وعمليات الخطف. وعبر هذه التحديات، رأي الكثير من الاسرائيليين ان يد إيران خلفها على صعيدي حزب الله الشيعي الواقع على الخط الفاصل بين لبنان وإسرائيل، وحماس الفصيل السني الاسلامي الذي يتلقى بعض الدعم من إيران.

ومع الفشل الإسرائيلي في تحقيق الاستقرار عبر السلام أو الانسحاب احادي الجانب أو عبر القوة الكبيرة.يكون بذلك معظم الإسرائيليين قد علموا بان الاستقرار موجود في مكان بعيد عنهم لا يمكن تحقيقه أو الوصول إليه. وعليهم أن يعدوا أنفسهم لمعركة طويلة عدم الإنجرار وراء إغراءات الخطط الكبرى، بحيث لا يقعون ضحية للخداع مجدداً.

وفي استطلاع للرأي أجراه معهد إسرائيل للديمقراطية وجامعة تل أبيب في أغسطس الماضي، أظهر أن 67% ممن شملهم الاستطلاع يعتقدون بعدم جودى المفاوضات مع الفلسطينيين حتى لو سبق لمعظمهم دعم هذه المفاوضات بغية التوصل إلى حل مع الفلسطينيين.

وفي غياب حلول جذرية طويلة الامل قابلة للحياة في الصراع مع الفلسطينيين، وضع بعض المراقبين بدائل توصف بأنها تعطي نصف حل. تنتقل هذه الحلول من اقتراح الدولة الواحدة مع المواطنة الكاملة للفلسطينيين (باستثناء مناطق قطاع غزة) إلى دولة الكنتونات وصولاً إلى دولة واحدة بديمقراطية منقوصة.

وحتى القيادة الاسرائيلية لا تبدي موافقتها على الحلول التي تسعى إلى إقصاء الفلسطينيين. فنتنياهو نفسه يؤيد حل الدولتين، على الأقل من حيث المبدأ. يعلون من جهته رفض الدولة الموحدة، وبينيت دعا إلى ضم معظم أراضي الضفة الغربية على الرغم من اعترافه بصعوبة تحقيق هذا في المستقبل القريب. في الواقع، فإن قادة إسرائيل يتفقون على المدى القصير فقط، في غياب استراتيجية تحكم المدى الطويل للحفاظ على ما يبدو أنه الوضع الراهن حالياً حتى تنضم المزيد من الأراضي لسيطرتهم الآن.

يحصل هذا الإجماع أيضاً على المدى القصير في التعامل بالنسبة لإيران. حتى وإن كانت هناك خلافات حادة داخل المؤسسة الإسرائيلية حول جدوى توجيه ضربة عسكرية من جانب واحد ضد منشآت إيران النووية، ووجود بعض الخلافات حول الصفقة النووية. يرى الكثير من صناع القرار الإسرائيلين أن الحل يكمن في إحداث تغيير للنظام المحلي الحاكم هناك. وهنا نرى نهج واستراتيجية نتنياهو بإدارة الصراع وتأجيل اتخاذ القرارات الحاسمة ما أمكن وتوفير الردع اللازم، فإن النهج هذا يناسب تماماً الموقف العالمي الحالي.

حينما تفشل استراتيجية اللاحل

قد يكون النهج المحافظ حكيماً في بعض الأحيان، وفي الواقع خدم الحذر نتنياهو كثيرا على بعض الجبهات. وحتى الآن وفر له هذا النهج إمكانية جيدة لإدارة حدود إسرائيل مع مصر وسوريا على سبيل المثال. والبقاء في الغالب بعيداً عن الاضطرابات في هذه البلدان مع حماية مصالح إسرائيل ولكن هذا التوازن في السياسية تسبب بإحداث ضرر لمكانة إسرائيل الدولة وتقييد حيز المناورة المتاح لها.

وسواء أنجح الاتفاق النووي أم لم ينجح، فليس هناك شك في أن موقف نتنياهو قد عزل إسرائيل دولياً، وتوترت بسببه تحالفاتها مع الولايات المتحدة، وتعزز رأي نقاد إسرائيل بأنها دولة “الرفض”. في الواقع، كانت شروط نتنياهو للتوصل إلى اتفاق مقبول مع إيران صارمة بحيث بدا من الحيلولة تلبيتها بأي اتفاق مع طهران.

وفي الشأن الفلسطيني أيضاً، أسس نتنياهو ويعالون سياستهما على وضع معايير لمنع حدوث أي تقدم واقعي على الأرض. ومطلبهم بقبول الفلسطينين لإسرائيل كدولة قومية يأتي في سياق المصالحة بين الطرفين. وخاصة في ضوء المطالب الفلسطينية بضمان حق العودة للاجئين وأحفادهم.

وفي حال كان من الممكن الوصول إلى اتفاق سلام عملي بأي شكل، فإن القادة الإسرائيليين والفلسطينيين بحاجة للاقتناع بأن مطالبهم ستتحقق بشكل جزئي فقط. وببساطة فإن الحق الكامل في عودة الفلسطينيين اللاجئين لن يكون ممكناً ببساطة ضمن أي تسوية واقعية. وحتى أولئك الفلسطينيون الذين يقبلون بوجود إسرائيل ليس من المرجح أن ينسوا استيائهم من إنشائها.

لذا فأن تكييف الفلسطينيين على قبول مبادئ الصهيونية ليس سوى امتداد لعملية السلام التي من المرجح أن تكون قبيحة وعملية وغير مرضية، وهذا يعني أن محكافحة استراتيجية نتنياهو باللاحل يعكس نفس القدر من السذاجة التي تمعت بها استراتيجية الحل التي أدانها يعالون.

وبتطبيق صحيح للاستراتيجية المحافظة، ستبقي الخيارات مفتوحة على المدى الطويل، وفي حالة إسرائيل فإن ذلك يستلزم الحفاظ على إمكانية التقسيم الإسرائيلي الفلسطيني في المستقبل وهو الهدف الذي أفنى نتنياهو حياته في دعمه.

ومع ذلك، فإن النهج الإسرائيلي الحاكم يعتمد تدريجياً على تحقيق هدف طويل الأمد. فيعلون وبينيت يدعمان بقوة البناء الاستيطاني في الضفة الغربية. وقد تقدم نتنياهو أيضاً بدعم لبناء المستوطنات،على الرغم من أنه كان على نطاق ضيق في معظم الأوقات. واذا استمر النزاع لقعود من الزمن، كما يقترح يعالون، فسيصبح البناء الاستيطاني هذا عائقاً في وجه تحقيق هدف نتنياهو المعلن بالتقسيم على نحو متزايد. وفي الواقع، فإن الهدف الأساسي لداعمي الاستيطان هو القضاء على امكانية تحقيق حل الدولتين في المستقبل القريب.

تعكس سياسة نتنياهو المشوشة تجاه الاستيطان محاولاته لاستيعاب الضغوط الدولية من جهة وضغوط اليميني الاسرائيلي من جهة أخرى. وبعد التنقل على حبال الثقة بين الداخل والخارج التزم نتنياهو بتوجه أعضاء اليمين المقربين منه. وكما هو الحال في أعقاب الصفقة مع إيران، نتنياهو فشل في إقناع منتقديه بصدقه وقدرته على إحداث تغير وبدلاً من ذلك ظهر على أنه رافض للاتفاق.

وأخيراً، فإن اتباع نهج الحذر الاستراتيجي، يكون منطقياً فقط عند مرور الزمن وتحويل الظروف لصالح الطرف الحذر. والوقت هنا في الواقع للإسرائيليين متعلق بما يحدث مع الخصوم العرب التقليديين والذين هم غارقين الآن في صراع داخلي لا يشكل أي تهديد حقيقي لإسرائيل الآن ومن غير المرجح أن يكون ذلك في المستقبل القريب. خاصة وأن إسرائيل تمتلك اقتصاداً ديناميكياً وغطاءً أمنياً نووياً عالياً.

وبالعودة إلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الطويل المستمر، الوقت ليس بمصحلة إسرائيل أو الفلسطينيين حتى. فإسرائيل خلقت سيطرة على كثير من جوانب الشؤون الفلسطينية بالإجبار ووسعت نطاق الإشمئزاز من اسرائيل في الخارج عدا عن العواقب القاسية على نحو متزايد لمكانتها الدولية وعلاقتها مع الولايات المتحدة.

أما السياسة  والمجتمع الفلسطيني فهم غير مستقرون، ومع مرور الوقت، وضيق آفاق التوصل إلى حل سلمي للصراع، فإن الحظوظ السياسية للفلسطينيين الذين يدافعون حل وسط المفاوضات مع إسرائيل تتضاءل خاصة في ظل ضغط حماس باتجاه استخدام العنف لمحاربة إسرائيل.

فسيطرة إسرائيل المفتوحة على ملايين الفلسطينيين الذين لا يحملون الجنسية، وفي ظل تغييب الديمقراطية عنهم، شجعت على اذكاء نار الصراع وأفتقار البلاد لحدود معترف بها أدى إلى ظهور قومية متطرفة وإنقسام الإسرائيليين. وفي الواقع فقد وسعت إسرائيل من سيطرتها على الشؤون الفلسطينية وعززت الشوفينية و العنصرية والعنف بما يرضي اليمين الإسرائيلي.

ينبع القلق الإسرائيلي من خلفية تاريخ طويل من اضطهاد الشعب اليهودي، ومع ذلك فإن سياسات حذرة أكثر من اللازم انتجت القلق الذي تسبب في تعطيل الإنجاز وروح العمل الذي اتسمت به إسرائيل تاريخياً. وفي الواقع كان القرن العشرين للصهاينة مثالياً بصورة عشوائية في أهداف واقعية تم تنفيذها وتحويل التاريخ لصالح اليهود بدلاً من الإنصياع له. لذا على قادة إسرائيل أن يسعوا لتسكيل استباقي لمستقبل بلادهم حتى إذا وقعت النتجية كان الأمر قريباً للوضع المثالي لهم.

ماذا يمكن لواشنطن أن تفعل

في بعض النواحي يحمل أوباما نفس توجه نتنياهو ويعالون في الشرق الأوسط. وفيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني والصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، لكن الولايات المتحدة وواضعي السياسات الإسرائيلية يتباعدون بشكل كبير.

يأمل نتنياهو بالحصول على مزيد من التحفظ من واشنطن، والتي سعت عوضاً عن ذلك إلى اتخاذ خطوات جريئة نحو الحل. وباعتبار استحالة تغيير الفلسفة الأساسية كثيراً في المستقبل القريب. قدي يكون من المنطقي أن للطرفين أن يدركوا اختلافاتهم الحقيقية. وتحديد ومعالجة المجالات التي من شأنها أن تسبب ضرراً طويل الأمد لكيلهما.

برنامج إيران النووي هو المكان المناسب للبدء، فعلى الرغم من ان رفع العقوبات عن طهران قد يجعلها تبدو متعاونة بشكل أكبر، إلا أن أهداف النظام الإيراني وطبيعته ستبقى كما هي، وهنا يكمن الحل، فعلى الولايات المتحدة والقوى العالمية العمل بجد لضمان التزام إيران بالاتفاق النووي للسنوات القادمة.

معارضة نتنياهو الكلامية هذه يجب أن تتحول إلى تصرفات منطقية تقضي بإيجاد استراتيجية اسرائيلية أمريكية مشتركة لردع إيران والحيلولة دون انتهاكها لشروط الصفقة، وتمهيد الطريق لخطة منع انتشار نووي ناجحة لما بعد انتهاء مدة صلاحية الصفقة.

أولاً، يجب على الولايات المتحدة أن توضح استعدادها الكامل لتحمل التكاليف الدبلوماسية التي تترتب على مخالفات إيران الصغيرة أو الكبيرة. لأن عدم القيام بذلك، من شأنه أن يؤدي إلى فقد الاتفاق لعناصر قوته مع مرور الوقت. ولاحقاً، يجب أن تنسق إسرائيل وأمريكا بشكل أكثر كفاءة لرصد امتثال إيران للاتفاق النووي وتفاصيله، وهو ما يسمح بمنع حدوث تضخم غير مقصود في نتائج الصفقة، وبشكل يبرئ ساحة أي دولة من اللوم.

وأخيراً،يجب على إسرائيل  التوقف عن تقويض الولايات المتحدة عبر التصريحات الإعلامية المتعلقة بانتهاك الاتفاق، في الوقت الحاضر، فإن المصداقية الأمريكية في هذا تستند إلى التزام أمريكا المعلن بمعاقبة إيران حال مخالفتها لبنود الاتفاق بأي شكل من الأشكال.

نتنياهو يتحدث كثيراً عن قدرة إيران على عدم الالتزام بالصفقة والتنصل منها بل والافلات من العقاب، بكل وضوح، على نتنياهو تغيير لهجته هنا، وعليه أن يوضح للعلن أن أي انتهاك للصفقة من قبل إيران سيكون بتكلفة خطيرة ضمنتها له الولايات المتحدة ويجب على أوباما والرئيس القادم بعد في الولايات المتحدة ضمان تفعيل هذه العقوبات والتأكيد عليها فور إقدام إيران على أي خرق.

أما في الشأن الفلسطيني، فيجب على الولايات المتحدة مقاومة الإغراء الذي لا يزال موجوداً في بعض الدوائر في إدارة أوباما والضاغط لدفع الطرفين نحو حل شامل في المدى القريب. لأن مثل هذه التسوية لا يمكن الحصول عليها حالياً، وهذا ليس لأن حل الدولتين غير منطقي أبداً، بل لأن المصالحة الآن مستحيلة في الأساس. وكما قال يعلون، فالبيئة الموجودة في الشرق الأوسط والقيادتين الفلسطينية والإسرائيلية الحالية غير مناسبة للتفاوض وغير مستعدة له حتى. وبدلاً من ذلك، على الولايات المتحدة أن تركز على التمييز بين السياسات الإسرائيلية والفلسطينية على المدى القصير والتي من شأنها أن تخل بأي اتفاق في المستقبل، وهذا يعني أن تضغط أمريكا على الطرفين لاتخاذ إجراءات تبقي الخيارات مفتوحة لأي حل في المدى الطويل.

مع وضع هذا في الاعتبار، يجب على الولايات المتحدة أن تغير بعضاً من مبادئها الرئيسية في السياسة الخارجية، فأولاً يجب على واشنطن تعزيز الخطوات المؤقتة بين الفلسطينيين والإسرائيلين، تلك الخطوات التي لا ترقى لاتفاق وضع نهائي. وكانت إدارة أوباما سابقاً مستعدة لاتخاذ هذه الخطوات، بما فيها الانسحابات الإسرائيلية من المستوطنات أو التراجع إلى حدود مناطق “ج” وأجزاء كبيرة من الضفة الغربية التي تقع الآن تحت إدارة إسرائيلية كاملة. لكن الفلسطينيين بلا شك يخشون هذه الخطوات، لأنها قد ترقى لاحقاً إلى درجة الاتفاقات الدائمة، تخفف الضغط عن إسرائيل لكن دون إحداث أي تغيير جوهري على الأرض. هذا بالاضافة إلى إجراء تخفف الضغط على الفلسطيينيين وتساعد في تحقيق تنمية اقتصادية.

في الحقيقة، يرفض الكثير من الاسرائيليين أي انسحابات من مناطق الضفة، متأُرين بذلك بآثار انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005، والذي حوكم بالفشل. ولكن انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005 يتكون من جزئين مهمين، يجب النظر إليهما بشكل منفصل. فالانسحاب تضمن تفكيكاً للمستوطنات الإسرائيلية المزروعة في قلب الأراضي الفلسطينية ذات الكثافة السكانية العالية بالإضافة إلى انسحاب قوات الأمن الإسرائيلية في المنطقة. كان تفكيك المستوطنات صعب على المجتمعات الاستيطانية، تم كله قسراً ودمرت المنازل هناك. وهو ما تسبب بشرخ عميق في المجتمع الإسرائيلي، لكنه كان أيضأً نجاح استراتيجي، اليوم، اسرائيل لاتحتاج لحماية مجموعة من المستوطنين في منطقة مزدحمة ومعادية. أما الجانب العسكري من فك الارتباط هذا فقد كان أقل نجاحاً، خاصة في الفراغ الذي نتج على الأرض ومكن حماس من الوصول إلى الحكم في غزة وملئ فراغ السلطة. فرضت إسرائيل حصاراً خانقاً، ووجد الطرفين أنفسهم في دوامة من الصراع دمر قطاع غزة، وأرسل الإسرائيليين بشكل متكرر للملاجئ.

الدرس الرئيسي من فك الارتباط في غزة كان أن  إعادة ترسيم حدود مؤقتة بين الفسطينين والاسرائيليين ليس أمراً خطيراً بحد ذاته، لكن الانسحاب العسكري من جانب واحد هو الخطأ. في الواقع، اقترح بعض الزعماء الاسرائيلين من الوسط ويسار الوسط على قياة إسرائيل سحب المستوطنين من الضفة مع الحفاظ على حرية الجيش الاسرائيلي بالعمل هناك، وعلى الرغم من عدم احتمال تنفيذ هذه الخطة الآن ، إلا أنه يجب أن تبقى ههذه السياسة في مجال التفكير الإسرائيلي في ضوء الدورس المستفادة من انسحاب غزة.

التحول الكبير الثاني الذي يجب على واشنطن القيام به متعلق بمطابة الأقوال مع السياسيات فيما يتعلق ببناء المستوطنات. فتناقضات نتنياهو والانتظار والترقب للمستوطنات يجب أن يعالج وجهاً لوجه، لأنها ان تركت دون متابعة بكل تأكيد ستضاف مستوطنات جديدة كل مرة وستصعب إزالتها مع الوقت.

طالبت إدارة أوباما في 2009 بتجميد بناء المستوطنات، بما في ذلك أي توسع ضمن المستوطنات التي من المفترض أن تصبح جزءً من إسرائيل ضمن أي اتفاق مستقبلي. هذا الطلب تحديداً واجه معارضة شديدة من الحكومة والشارع الاسرائيلي، وهو ما دفع أمريكا لإعلان تخليها عن هذا المقترح لكنها فعلياً لم تقم باستبداله بأي مقرح آخر للحل أو التفاوض ليملئ فراغ المفاوضات.

يجب على أمريكا أن تضع سياسة تميز بين المستوطنات التي تعتبر رئيسية للطرفين وتلك التي لا تحمل هذه الصفة، وينبغي عليها أن تعترض على أي عملية بناء في المستوطنات هذه خصوصاً الموجود منها في  مناطق شرقي القدس، حيث سيضر توسع المستوطنات هناك بنتائج أي اتفاق مستقبلي بين الطرفين.

ويجب أيضاً على أمريكا أن تضغط بشكل أكثر جدية لتعريف حدود الكتل الاستيطانية على أساس جهود أمريكية وليس وفق الرواية الإسرائيلية. هذا النهج سيجد رفضاً مبدئياً من الجانبين لكنه سيضمن على الأقل إيجاد تشريع ضمني يتيح البناء في مناطق محدوة للإسرائيليين ويجمد أعمال البناء في باقي المناطق التي من شأنها أن تضر في أي اتفاق مستقبلي بين الطرفين.

هناك الكثير الذي على قادة إسرائيل القيام به تجاه الفلسطينيين، ابتداءً بالتنازل عن السيطرة بشكل جزئي على مناطق معينة للسماح بمزيد من التواصل الجغرافي بين الجيوب الفلسطينية في الضفة الغربية عن طريق عرض حوافز مالية للمستوطنين وجذبهم تدريجياً بعيداً عن المناطق النائية. هذه الخطوة تحديداً غير محتملة على المدى القريب لكنها وسيلة للمساعدة للحيلولة دون الوصول إلى مستقبل مظلم.

تمهيد الطريق للوصول إلى السلام

على الطرف الآخر، يمكن للفلسطينيين أن يفعلوا كثيراً لإبقاء الباب مفتوحاً أمام إيجاد اتفاق مستقبلي. بداية، عليهم أن يتحملوا مسؤولية أكبر تجاه الفوضى السياسية الحاصلة عندهم عن طريق بناء حكومة وحدة وطنية في الضفة وغزة، حكومة مستعدة لنبذ العنف وقابلة بإمكانية تحقيق السلام مع إسرائيل.

هذا الأمر لن يكون من السهولة بمكان للتحقيق، فكثير من الفلسطينيون يعارضون السلام مع إسرائيل، وإسرائيل غالباً ما تعترض على حكومات الوحدة الفلسطينية المقترحة التي تضم حماس ضمنها لهذا السبب فقط. ولكن احتمال وجود اتفاق في المستقبل يتطلب إيجاد حكومة فلسطينية واحدة ملتزمة بالسلام بغض النظر عن الأطراف المشكلة لها. لأن الحكومة الفلسطينية يجب أن تكون قادرة على السيطرة بنحو فعال على كامل أراضيها بالإضافة إلى ضبط القوى الفلسطينية المختلفة، ولتحقيق هذا الهدف، يجل على عباس ان يتحمل مسؤولية المعابر من وإلى القطاع وهو ما كان عباس يرفضه لفترة طويلة. فالمسؤولية ملقاة عليه لتخفيف الوضع الاقتصادي المتأزم في غزة، والمساعدة في احباط أي قتال مستقبلي بين حماس وإسرائيل.

لاحقاً، سيتعين على الفلسطينيين العودة لبناء المؤسسات، خاصة قطاع الأمن والذي يجب أن يتم تعزيزه تحسباً لرحيل عباس عن منصبه، وعندها سيكون خطر العنف أكبر من ذي قبل. وحتى يحين ذلك، على السلطة أن تدعم التعاون الأمني المستمر مع إسرائيل وهو الذي لا يحظى بدعم من أبناء الشعب الفلسطيني، لكنه في الواقع حاسم لرفاهيتهم. هذا التعاون تحديداً سيدعم إمكانية حل النزاع على الأمد الطويل، لأنه سيساعد من تقليل الخوف وعدم الثقة بين الطرفين والذي هو محور المأزق الدبلوماسي.

تغريدات متعلقة

في حالة عدم الوصول إلى اتفاق وضع نهائي على المدى القريب أو المتوسط، فإن مسألة إيقاف التحريض الإعلامي ضد الفلسطينيين أو العكس من الخطابات العام ستكون مسألة ذات أولوية هامة. فخلال مفاوضات السلام في السنوات السابقة، كانت الطلبات الإسرائيلية لوقف التحريض أشبه بالمسرحية لكسب المزيد من الوقت. والكن الآن، مع مرور وقت طويل على فشل محادثات السلام، فإن دعوات العنف هذه من قبل الطرفين باتت تأخذ منحاً أكبر من ذي قبل.

ومن غير المرجح أن تكون هناك خطوات انتقاليه جادة نحو السلام على المدى القريب، خاصة مع توالي التغيرات والتطورات على منحنيات الصراع خلال السنين الماضية. ولكن سيكون هناك فرصة لخلق سياسة جديدة تقضي بالاعتراف بصعوبة الوصول إلى حل نهائي على المدى القريب، وبالتالي التركيز على خلق سياسات مؤقتة تعمل ضمن المستقبل القريب أملاً في الوصول إلى حل على مدى طويل.

استراتيجية اللاحل الإسرائيلية ليست عبيثة، لا سيما في سياق الوضع الجيوسياسي الحالي في البلاد. قد يكون بعض قادة الإسرائيليين عمي عن الأثار الطويلة لأعمالهم، ولكن هناك الكثير من العمل لتحسين السياسات خاصة المتعلق منها بالقضية الفلسطينية – الإسرائيلية وبالنسبة لكثر آخرين فالواقع هو مكان مثالي لشيء بين السخرية والمثالية.

المصدر

ضع تعليقاَ