مارس 28, 2024

نيويورك تايمز: انتصر الأسد في سوريا التي لم تعد كما كانت في السابق

 

الآن، وبعد صراع طويل تمكنت القوات المدعومة من نظام الأسد من الاستيلاء على مدينة حلب، فيما توصلت كل من تركيا وإيران وروسيا إلى وقف هش لإطلاق النار في سوريا، وبات من المحتمل جداً أن يستمر بشار الأسد ونظامه في حكم سوريا بشكل أو بآخر. وفي مقابلة مع وسيلة اعلام فرنسية أشار الأسد إلى أن التطور في حلب يعد “نقطة تحول في مسار الحرب” وأن نظامه “بات على طريق النصر”.

ولكن إن كان الحال هكذا كما وصفه الأسد، فبماذا سيفوز الأسد حقيقة؟

دعونا نلقي نظرة على الأرقام هنا (على الرغم من أن الإحصائيات المقدمة هنا لا تتجاوز إطار التقدير، وبشكل واضح ستستمر هذه الأرقام في الزيادة طالما استمرت الأزمة في سوريا). فأكثر من 80% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر. وما يقرب من 70% من السوريين يعيشون في فقر مدقع، وهذا يعني أنهم لا يستطيعون تأمين حاجاتهم الأساسية وكل هذا وفقاً لتقرير صادر في 2016. وعلى الأرجح فقد ازدادت الأعداد منذ تاريخ صدور التقرير هذا. هذا عدا عن اقتراب معدلات البطالة من 58% مع عمل عدد كبير من السوريين في أعمال التهريب والقتال أو في أي قطاع من قطاعات أعمال الحرب. انخفض متوسط الأعمار لدى السوريين اكثر من 20 عاماً منذ بدء الحرب وانتجت الحرب جيلاً ضائعاً بكل معنى الكلمة – قرابة نصف الأطفال لم يلتحقوا بالتعليم وغرقت البلاد في كارثة صحية حقيقية. فالأمراض التي كانت سابقاً تحت السيطرة مثل التيفوئيد والسل والتهاب الكبد الوبائي والكوليرا وغيرها عادت للانتشار مجدداً، ومرض شلل الأطفال – الذي تم القضاء عليه سابقاً في سوريا- يبدو أنه قد عاد مجدداً وعلى الأغلب عن طريق مقاتلين قدموا من أفغانستان وباكستان.

أكثر من 500 ألف سوري لقي حتفهم في الحرب بشكل مباشر، وعدد غير معروف لقي حتفه بشكل غير مباشر بسبب تدمير المستشفيات او استهداف العاملين في مجال الرعاية الصحية او اللجوء إلى التجويع كسلاح ضد المدنيين. ومع أكثر من مليوني جريح، بات قرابة 11.5% من سكان سوريا قبل الحرب في عداد الخسائر البشرية. هذا بالإضافة إلا أن قرابة نصف سكان سوريا باتوا بين نازحين في الداخل او لاجئين في الخارج. وفي دراسة أعدتها وكالة الأمم المتحدة للاجئين عام 2015 في اليونان، وجدت أن عدداً كبيراً من اللاجئين البالغين – قرابة 86%ـ  هم من حملة الشهادة الجامعية أو الثانوية، وكان معظم هؤلاء اللاجئين تحت 35 عام. وإن كان هذا صحيحاً فإنه يشير إلى أن سوريا تخسر الناس الذين ستكون في أمس الحاجة لهم إن أرادت أن تحظى بأي أمل في إعادة الإعمار مستقبلاً.

تكلفة إعادة الإعمار ستكون فلكية كذلك. حيث قدرت إحدى الدراسات التي أعدت في مارس 2016 أن مجموع الخسائر الاقتصادية نتيجة الصراع في سوريا تجاوز 275 مليار دولار، هذا عدا عن تدمير معظم الصناعات في جميع أنحاء سوريا. هذا عدا عن تكلفة إعادة إعمار البنية التحتية والتي يقدرها صندوق النقد الدولي بمبلغ يتراوح بين 180 مليار و200 مليار دولار. وهكذا، فإن الدفع من اجل إعادة الإعمار سوف يتطلب كرماً غير مسبوق من قبل المجتمع الدولي، ولا يوجد أي سبب يدفعنا للاعتقاد أن المجتمع الدولي يريد أن يكافئ الأسد بعد خروجه من حرب وحشية مع معارضيه عبر دفع كل هذه الأموال، مع الإشارة إلى أن حلفائه (روسيا وإيران) تعيشان مشاكل اقتصادية خاصة ومن غير المرجح أن تكونا ذا فائدة كبيرة للأسد.

ومن أجل البقاء الاستمرار اضطر نظام الأسد إلى الاعتماد بشكل غير اعتيادي على القوات الروسية والإيرانية وعملائهم كحزب الله. وفي الواقع، لم يكن الجيش السوري –جيش النظام- هو من استعاد حلب. حيث أنه يسيطر على بقعة جغرافية رقيقة جداً وعانى من الاستنزاف الشهر الماضي وخسر مدينة تدمر لصالح داعش مجدداً بعد ان اضطر لتحريك جزء من القوات الموالية للنظام نحو الشمال. وعلى الرغم من محافظة الأسد على نوعية من الاستقلال حتى الآن، إلا أن كلاً من إيران وروسيا وحتى حزب الله سيكون لديهم الكثير لقوله وطلبه في دمشق مستقبلاً، وحينها لن يكون على الأسد الاستماع لأولياء نعمته فحسب، بل قد يجد نفسه مضطراً للتنحي في نهاية ولايته الرئاسية عام 2021.

اخيراً، المعركة في الواقع لم تنته بعد. فلا الأسد أو حكومته ولا حتى المتمردين يقولون إنهم قد تمكنوا من تحقيق أهدافهم. فالمعارضة لم تتمكن من قلب نظام الحكم، لكنها ما زالت تحظى بتمرد نشط وتملك عناصر مسلحين يتلقون الدعم من رعاة اقليمين مثل السعودية التي لا تريد أن ترى منافستها الإقليمية – إيران- تتمتع بالنصر الكامل. وبحكم طبيعتها، فإن حركات التمرد تتطلب دعماً أقل بكثير من الدعم الذي تتطلبه الدولة للسيطرة على المناطق أو الأراضي المختلفة. وحينها سيرى الأسد ما كان المبعوث السابق للأمم المتحدة في سوريا “الأخضر الابراهيمي” قد أسماه “بصوملة سوريا”. وسيرى الأسد حكومته على الطراز الصومالي حيث تسود لكنها لا تحكم كامل البلاد، وبدلاً من ذلك سنرى مجموعة من القوى المحلية والمليشيات تقوم مقام الحكومة بما فيها ميليشيات كردية او معارضة او حتى جيوب تتبع لداعش.

وكيف للأسد أن يحكم دولة هشة؟ وقد حطم شبكات المحسوبية الموجودة سابقاً واستعاض عنها بأمراء للحرب في إطار شبه مستقل أو في إطار مجالس إدارية محلية. وحتى في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، فإن الميليشيات الموالية للنظام والعصابات التي بقيت هناك تتوقع المكافآت لقاء اخلاصها للنظام. وفي الواقع، فإن الأسد ونظامه يقلل كثيراً من مدى وضخامة الفجوة التي خلقت بينه وبين الشعب السوري، فالسوريون ولفترة طويلة عاشوا واستمروا وحكموا أنفسهم بأنفسهم. ومن الوهم المطلق أن يظن النظام أنه يستطيع فعلاً استعادة إي شيء قريب لما كان عليه الوضع سابقاً.

قد تملك الحكومة السورية ممثلاً في الأمم المتحدة او سفارات في بعض البلدان وجوازات سفر وطوابع وعملة، لكنها ليست دولة بأي شكل من الأشكال. فسيطرة الأسد وسلطته وشرعيته غدت مقيدة للغاية، سواء أكان مؤيدوه يعرفون بالأمر أم لا. وسيجد الأسد نفسه مضطراً للاعتماد على المساعدات الخارجية بشكل واسع النطاق إذا ما أراد المحافظة على حكمه أو استعادة أي جزء من سوريا كما كانت عليه سابقا. إذا فسوريا الآن باتت سوريا جديدة، سيضطر فيها الجميع إلى إعادة تشكيل النظام السياسي ليتناسب مع هذا الواقع الجديد وليس العكس.

هذه المادة مترجمة من صحيفة نيويورك تايمز، للإطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا

ضع تعليقاَ