مارس 29, 2024

إنسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي: التأثيرات المحتملة

في استفتاء تاريخي صوت البريطانيون لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي بنسبة وصلت إلى 51.9%. وللمرة الأولى منذ إنشائه في منتصف خمسينات القرن الماضي، بات الاتحاد الاوروبي على مقربة من فقد أحد أعضائه. وهي الخطوة التي من شأنها أن تتسبب في سلسلة من الأحداث والتوابع التي تدفع كلاً من بريطانيا والاتحاد الأوروبي نحو فترة طويلة من عدم اليقين بما يحدث تغيراً جذرياً في مستقبل أوروبا.

وفيما يتعلق بالآثار المترتبة على الاستفتاء فقد أصحبت واضحة على مراحل. فعلى المدى القريب ستتفاعل الأسواق سلباً مع الناتئج، وانخفض الجنيه الاسترليني فعلياً بنسبة تزيد عن 10% مقابل الدولار محققأ أسوأ تراجع له في يوم واحد منذ 45 عاماً. فيما يتعلق بالأسواق خارج بريطانيا، فإن عملات الأسواق الناشئة وأسعار النفط ستشهد انخفاضاً جديداً وهو ما يتوقع أن يحدث ضربة للبورصات في جميع أنحاء العالم خاصة مع تحريك النقود باتجاه الملاذات الآمنة مثل الينن الياباني والذهب.  ويأتي هذا التراجع المتوقع بعد موجة إيجابية ضربت الأسواق بعد أن سادت استطلاعات رجحت كفة المصوتين لصالح بقاء بريطانيا قبل  تنظيم الاستفتاء. ولعل هذا يشير إلى أن ردة فعل الاسواق ستكون صعبة للغاية خلال الأيام المقبلة، خاصة في الدول الخليجية التي ستعاني من تراجع أسعار النفط وتراجع في البورصة كذلك.

من المنتظر أيضاً الاعتماد على طبيعة الردود السلبية في السوق لتحديد شكل تصرف البنك المركزي الأوروبي وبنك انجلترا خاصة في مجال تفعيل الاتفاقيات المخصصة لحالات الطوارئ ” مثل عملية المقايضة بين الجنية واليورو لتوفير السيولة للبنوك”.  انجلترا من جهتها تملك بعض الفرص لتجاوز مسألة الركود مثل خفض اسعار الفائدة بهدف الحد من خطر الركود لكن هذا سيضر عملتها بعض الشيء ويخلق مخاوف من التضخم.

تفاصيل أكثر

من المنتظر أن تدفع نتائج الاستفتاء رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلى الاستقالة، على أن يدعوا إلى انتخابات جديدة في نهاية العام، هذا عدا عن التعامل مع الدعوات التي تجددت ودعت إلى استقلال اسكتلندا وبدرجة أقل استقلال أيرلندا الشمالية.

قانونياً لا يعد الاستفتاء ملزماً وهو ما يعني أن البرلمان البريطاني يمكن أن يقرر – فنياً – أنه لا يحترم نتائجه، وهوما يعني أنه لا يحترم خيار ما يصل إلى أكثر من 33 مليون بريطاني وهو ما يجعله أمراً مستبعداً. ومع ذلك، فإن قانون الاتحاد الاوروبي يتيح للدول التي تنوي المغادرة فترة للتفاوض مدتها سنتين منذ إعلانها الرسمي عن المغادرة، وإلى حين انتهاء المفاوضات فلا يمكن اعتبار بريطانيا خارج الاتحاد الاوروبي بل هي عضو ملتزم بكافة تفاصيل قوانينه. وعلى الأقل حتى منتصف 2018 ستظل حرية حركة السلع والخدمات ورؤوس الأموال والأشخاص سارية كما هي دون أي تغيير.

مرحلة المفاوضات على الخروج من الاتحاد ستكون ماراثونية للغاية، فبريطانيا ستسعى جاهدة للإبقاء على علاقاتها الاقتصادية مع دول الاتحاد الاوروبي، حيث أن 45%من الصادرات البريطانية تتوجه إلى دول الاتحاد الأوروبي فيما 53% من الواردات البريطانية تأتي من دول الاتحاد الاوروبي. هذا عدا عن ضرورة مصادقة جميع دول الاتحاد على أي اتفاقية تبرمها لندن مع بروكسل “ممثلة الاتحاد الاوروبي” وضرورة مصادقة البرلمان البريطاني كذلك.

قد يملك التصويت هذا تأثيراً أكبر على الانتخابات الفرنسية عام 2017، والتي يدعوا فيها أحد التجمعات إلى تنظيم استفتاء مماثل لما حدث في بريطانيا،  وفي حال ما حدث ذلك فهو يعني بكل تأكيد قرب إنهيار الاتحاد الاوروبي.

على المدى الطويل ستكون خسائر الاتحاد الأوروبي أكبر من الناحية السياسية، فبخروج بريطانيا يخسر الاتحاد الأوروبي عضواً ليبرالياً وصديقاً اقتصادياً وهو ما قد يغير موازين القوى في الكتل الاقتصادية الجنوبية في أوروبا وبشكل أو بآخر سيؤثر هذا على توتر العلاقات بين الطرفين خاصة فيما يتعلق باتفاقية شنغن ومنطقة اليورو.

على المستوى الدولي ، سيخسر الاتحاد الأوروبي جزءً كبيراً من مكانته خاصة وأن بريطانيا تمثل كتلة ذات وجود عالمي حقيقي على المستوى العسكري والدبلوماسي والاقتصادي، وبمجرد انتهاء مفاوضات الخروج سيبدو شكل الاتحاد الاوروبي مختلفاً تماماً عما كان عليه في السابق.

وفعلياً لا يضم الاتحاد الاوروبي عددا ً كبيراً من الدول القادرة على التأثير خارجياً، عدا عن كون بريطانيا صاحبة ضبط للمواقف بين فرنسا وألمانيا. وبالتالي سيحتفظ الاتحاد الأوروبي بفرنسا فقط كصاحبة وجود دولي قد يتشابه مع الوجود الدولي البريطاني  بنفوذها وتأثيراته السياسية والاقتصادية. وعلى الرغم من أن الخروج البريطاني لا يعني انقطاع التعاون تماماً نظراً لاستمرار عضوية بريطانيا في حلف شمال الأطلسي وامتللاكها لمصالح أمنية مشتركة مع فرنسا وألمانيا إلا أن التعاون سيكون محدوداً إلى حد، وعليه فإن قدرة أوروبا على مواجهة التحديات الخارجية مثل أزمة المهاجرين والإرهاب أو حتى الأزمات مع روسيا سيكون أقل حزماً من ذي قبل.

كيف سيؤثر الانفصال على المهاجرين

من غير المتوقع أن يشمل قرار انفصال اغلاق الحدود بوجه المهاجرين، لكن بكل تأكيد ستكون هناك قواعد جديدة للتعامل معهم. وكثيراً ما روج داعمي فكرة الانفصال عن الاتحاد الاوروبي ما اسموه “النموذج الاسترالي في التعامل مع المهاجرين”  بحيث يتم التعامل مع المهاجرين على أساس المؤهلات مثل اللغة والخبرات والعمل، مع وجود قيود أخرى يفرضها النظام.

سيشمل النظام الجديد أيضاً إعادة تعريف للاجئين ذوي الخبرات القليلة في الأعمال أو اصحاب الوظائف البسيطة كالعاملين في المطاعم أو الفنادق والمحلات التجارية. وما تزال هذه الأمور غير واضحة حتى اللحظة في انتظار ما ستسفر عنه المفاوضات البريطانية مع الاتحاد الأوروبي والقانون الجديد الخاص باللاجئين.

888888

التأثير الاقتصادي على الشرق الأوسط

بكل تأكيد يحمل قرار الانفصال بين طياته الكثير من التهديد والمشاكل المحتملة لدول الشرق الأوسط خاصة في مجالات السفر والعقارات والخدمات المصرفية والتجارية عدا عن غيرها من القطاعات.

وعلى رأس المتضررين ستكون شركات الطيران الخليجية التي ستواجه مشاكل في التعامل مع بريطانيا بعد أن أصبحت خارج اتفاق السماء الحرة مع الاتحاد الأوروبي. وكانت المفوضية الأوربية قد أعلنت في 7 يونيو الجاري أن بصدد بدء مفاوضات جديدة حول اتفاقيات الطيران على مستوى الاتحاد الأوروبي مع تركيا وقطر والإمارات العربية المتحدة وكذلك دول الآسيان من أجل التوصل إلى صفقات معينة وفق نتائج الاستفتاء  – حينها لم يكن قد تم بعد.

على صعيد آرخ سيتأثر المستثمرون العقاريون بشكل أكبر، فلندن كانت منذ فترة طويلة وجهة مفضلة للمستثمرين من الشرق الأوسط الذين أنفقوا مليارات لشراء عقارات سكنية وتجارية في مختلف أنحاء لندن. وبالتأكيد سيواجه المستثمرون بعض العقبات والمخاوف في طريقة التعامل المقبلة بعد الانفصال البريطاني.

سياسياً

قد يحمل خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي بعض التأثير على عملية السلام تاركاً إياها على المقعد الخلفي، خاصة وأن بريطانيا ستركز على إقامة صفقات تجارية بالدرجة الأولى مع دول الشرق الأوسط لتعويض خسارتها بعد الانفصال عن أوروبا، وعليه ستتأثر العملية السياسية وتحقيق السلام في الشرق الأوسط بقدرة البريطانيين على تمويل اقتصادهم من نقود الشرق الأوسط.

ووفق انسحاب بريطانيا الذي يعني انسحاب قوة عالمية ذات نفوذ عال من الاتحاد الاوروبي ستحتاج دول المنطقة إلى إعادة ترتيب علاقاتها مع بريطانيا من جهة ومع الاتحاد الاوروبي من جهة أخرى، وقد يحمل الأمر كثيراً من التطورات والتغيرات وفق القرارات البريطانية المقبلة.

على أي حال سينتظر الجميع اتمام عملية الانفصال البريطاني وانتهاء المفاوضات بين الاتحاد الاوروبي وبريطانيا وتوضيح طبيعة اتفاقات الانفصال وستبدأ الدول المختنلفة بالتصرف وفق ما تمليه مصالحها لضمان علاقة جيدة مع بريطانيا وأخرى جيدة أيضاً مع الاتحاد الاوروبي

 

ضع تعليقاَ