مارس 28, 2024

كارنيغي الروسي: من المسؤول عن الهجوم الكيميائي وما مدى تأثيره على العلاقات الأمريكية-الروسية؟

نشر مركز كارنيغي موسكو الروسي، دراسة سلط من خلالها الضوء على الهجوم الكيميائي الذي جد في سوريا والأطراف المتورطة خلفه. كما تطرقت الدراسة إلى الموقف الروسي والأمريكي من القضية السورية في أعقاب عملية خان شيخون، خاصة إثر الهجوم الصاروخي الذي شنته الولايات المتحدة الأمريكية على قاعدة الشعيرات الجوية في سوريا.

وأفادت الدراسة أن الضربة الصاروخية الأمريكية التي استهدفت قاعدة الشعيرات قد أثارت العديد من التساؤلات حول موقف روسيا من حلفائها ومدى استعدادها لحمايتهم والدفاع عنهم. وتجدر الإشارة إلى أنه ومنذ انطلاق الحرب الأهلية السورية، تكاد روسيا تكون الحليف الفعلي الوحيد لسوريا ولنظام بشار الأسد. وفي هذا الإطار، توقع أغلب الخبراء أن استهداف واشنطن لقاعدة الشعيرات الجوية، سيكون بمثابة نقطة فارقة فيما يتعلق بالوجود الروسي في سوريا.

من جانب آخر، وإثر انتهاء عهد باراك أوباما وتولي ترامب لزمام الحكم،  رجح الجميع إمكانية إيجاد لغة مشتركة (بين الولايات المتحدة وروسيا) بشأن الأزمة السورية، علما وأن هذا الأمر يفسر تجاهل روسيا لهجمة واشنطن الصاروخية. فضلا عن ذلك، ومنذ تنصيب ترامب رئيسا للبيت الأبيض، أكد الخبراء أن العلاقات الروسية الأمريكية ستتجاوز البرود الذي اتسمت به العلاقات بين البلدين أثناء فترة حكم باراك أوباما، وأن عهدا جديدا ومختلفا سيبدأ.

في المقابل، كانت العملية العسكرية التي طالت القاعدة السورية بمثابة إشارة إلى أن موسكو غير قادرة على حل الأزمة السورية بمفردها، وأنه من الضروري أن تبادر قوة أخرى (الولايات المتحدة الأمريكية) بالتدخل على حساب روسيا أو على الأقل، لإيجاد لغة مشتركة بهدف الوصول إلى حل فيما يتعلق بالحرب السورية.

من جانب آخر، أقر بعض الخبراء الدوليين بأن هذا الهجوم يعد بمثابة بداية لجولة جديدة من العنف في سوريا قد تضع العالم على حافة صراع بين قوتين. وفي الأثناء، قد يؤدي امتناع موسكو عن تقليص حجم مساعداتها للأسد ورفضها التنازل في بعض المسائل، إلى تدمير كل آفاق التواصل والتعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.

لكن ولحسن الحظ، لم تحدث أي من هذه السيناريوهات. وعلى الرغم من أن خطر المواجهة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية لا يزال قائما، إلا أن العلاقات بين القوتين، وفقا لبوتين؛ تعد أفضل مما كانت عليه في عهد باراك أوباما.

من المستفيد من عودة العلاقات الروسية-الأمريكية؟

من الواضح أن هناك العديد من الأطراف المستفيدة من عودة العلاقات الروسية الأمريكية، ليس فقط فيما يتعلق بالقضية السورية بل على عدة مستويات أيضا. من جهة أخرى، أعرب النظام السوري عن رفضه التام لإيجاد أي حل وسط مع المعارضة السورية أو غيرها من الأطراف، في حين يصر على السيطرة عسكريا على البلاد بأكملها. ولتحقيق ذلك ينبغي أن تمد له روسيا يد المساعدة. وفي السياق نفسه، تدرك موسكو أنه وفي سبيل تحقيق طموحات الأسد عليها تعزيز وجودها العسكري في سوريا، ما قد يحمل في طياته مخاطر عسكرية، هي في غنى عنها.

علاوة على ذلك، تكبدت السلطات الروسية العديد من الخسائر فضلا   عن تكاليف باهظة على خلفية مشاركة قواتها العسكرية في سوريا  مما يضعها أمام تحديات كبيرة. ومن المثير للاهتمام أن دمشق ليست راضية على جهود حفظ السلام الروسية، في الوقت الذي تصر فيه على تنفيذ العديد من الضربات الدموية لاستفزاز معارضيها، حيث تسلط قوات الأسد ضغطا عسكريا كبيرا على معارضيها.

من جانب آخر، وفي حال تم إثبات تورط الأسد في الهجوم الذي طال خان شيخون سيكون ذلك بمثابة دليل قاطع على رغبة هذا الأخير في إجهاض محادثات السلام التي انطلقت في جنيف وأستانة، وإثارة جولة جديدة من الصراع ستكون ساحتها هذه المرة محافظة إدلب التي وضعها النظام السوري نصب عينيه بعد أن تمكن من الاستيلاء على مدينة حلب.

وفي ظل الدعم الروسي، يراهن الأسد على حسم الأزمة السورية عسكريا، أما بالنسبة لخيار الانتقال إلى حوار سياسي، فيعد بمثابة تهديد لدمشق، إذ من المرجح أن تفقد بذلك السلطة أو تضطر لمشاركتها مع أطراف أخرى. ومن هذا المنطلق، يحاول النظام السوري دفع العلاقات الأمريكية الروسية نحو أزمة عميقة، وذلك حتى تلجأ روسيا لحل القضية السورية عن طريق استخدام القوة ما قد يخدم مصالح الأسد دون غيره من الأطراف. والجدير بالذكر، أنه في الخريف الماضي، وإثر فشل المفاوضات بين لافروف وكيري دعمت القوات الروسية الجيش السوري خلال  القصف الذي استهدف مدينة حلب.

وعلى صعيد آخر، لا يقتصر التهديد الذي تواجهه قيادة حزب البعث السوري، على تنظيم الدولة أو هيئة “تحرير الشام” أو المعارضة السورية، إذ أن التهديد الحقيقي يتمحور حول ما قد تؤول إليه الأمور بعد المحادثات السياسية التي قد تضعف موقفه فيما يتعلق بنفوذه وسيطرته على الأراضي السورية. ومن جهة أخرى، يعد الأكراد أحد أبرز المنافسين الذين يسعون للحصول على مركز في صلب السلطة الانتقالية التي نص عليها قرار مجلس الأمن الدولي عدد 2254، والدستور الجديد الذي من شأنه أن يُوزع السلطات بين مختلف القوى السياسية.

ومن وجهة نظر أخرى، قد يكون المستفيد من الهجمة الكيميائية التي ضربت مدينة خان شيخون الإيرانيون، وذلك نظرا لرغبتهم في زرع الفتنة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية. وخلال العقدين الماضيين، طغى عدم الاستقرار على العلاقات الروسية الإيرانية، حيث بادرت كل من موسكو وطهران بالتخلي عن الطرف الثاني بغية تطبيع العلاقات مع قوة ثالثة. وبالتالي، اتسمت علاقتهما في الغالب بانعدام الثقة، حيث يخشى الإيرانيون إقدام روسيا على خيانتهم وتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية أو تركيا. 

وخلافا لرغبة طهران، أصرت موسكو على مشاركة الأمريكيين في محادثات أستانة على اعتبارهم مراقبين لمجرى الأحداث. علاوة على ذلك، كان التعاون بين موسكو وواشنطن ناجحا في منبج، حيث عملت قوات الولايات المتحدة الأمريكية جنبا إلى جنب مع القوات الروسية لمنع تقدم تركيا إلى قلب سوريا، مما أدى إلى تنامي المخاوف الإيرانية. ومن هذا المنطلق، كانت الهجمات الكيميائية فرصة مناسبة لتعميق الخلافات بين موسكو وواشنطن.

أما فيما يتعلق بفرضية تورط المعارضة السورية في هجوم خان شيخون الكيميائي، فلا أحد يمكنه تأكيد هذا أو إنكاره بشكل قطعي. ولكن من الواضح أن المعارضة السورية قد أصبحت في الفترة الأخيرة أضعف من أي وقت مضى. وقد كان وصول ترامب إلى الرئاسة بمثابة بصيص أمل بالنسبة للمعارضة، إلا أن هذا الأمل سرعان ما تلاشى عندما أعلن ترامب أن الشعب السوري هو المسؤول على تقرير مصيره وعلى الولايات المتحدة أن تركز جهودها على محاربة الإرهاب وتجنب التدخل في محاولة إسقاط النظام الحالي في سوريا.

وعلى ضوء هذه المعطيات، قد يكون الهجوم الكيميائي وسيلة لحث الإدارة الأمريكية الجديدة على تغيير موقفها من النظام السوري، خاصة وأن هجوما كيميائيا مماثلا قد يساهم في إثارة سخط المجتمع الدولي تجاه المتهم الأول، أي دمشق. وتجدر الإشارة إلى أن زيارة رياض فريد حجاب لواشنطن قد تزامنت مع تنفيذ الهجوم الكيميائي على خان شيخون السورية.

من جاني آخر، قد تكون هيئة “تحرير الشام” الجهة التي تقف وراء تنفيذ الهجوم الكيميائي، خاصة وأن وقف إطلاق النار في سوريا جعل هذه الجماعة تفقد شعبيتها.  وبالتالي، لن يضع هجوم خان شيخون حدا لعملية السلام فقط وإنما قد يساهم في خلق سلسلة من الاشتباكات الجديدة في المنطقة.

 

الموقف الروسي وتأثير الهجوم على العلاقات الثنائية الأمريكية-الروسية

وفقا لآراء العديد من الخبراء الدوليين، تعد روسيا الطرف الوحيد الذي ليس من صالحه تنفيذ هجوم كيميائي، إذ أن محادثات السلام تعد فرصة مثالية للخروج من الحرب السورية بأقل الخسائر الممكنة. علاوة على ذلك، تعتبر روسيا من الأطراف الأكثر اهتماما بالتسوية السياسية للنزاع السوري.

إثر انهيار مبادرة السلام في أيلول/ سبتمبر الماضي، التي قادتها كل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، حاولت موسكو الاستفادة من الفترة الانتقالية التي شهدتها القيادة الأمريكية، للأخذ بزمام الأمور وتحديد قواعد اللعبة في سوريا. وقد ترتب عن ذلك بروز مبادرة ثلاثية جديدة؛ روسيا، وتركيا، وإيران في كانون الأول/ ديسمبر، حيث تزعمت هذه الدول محادثات السلام في أستانة. والجدير بالذكر، أن فشل الحوار السياسي والتوجه إلى تصعيد عسكري قد يكلف روسيا خسائر فادحة.

من جانب آخر، كان من المتوقع أن تعجز موسكو على ضبط النفس، إبان الهجوم الأمريكي الذي استهدف قاعدة الشعيرات السورية مما سيدفعها للتعاطي مع ذلك من خلال التصعيد، الأمر الذي قد يؤدي حتما إلى جولة جديدة من التوترات العسكرية في سوريا. على العموم، وضع هذا الهجوم موسكو أمام اختبار لمعرفة مدى قدرتها على حماية حلفائها إلى جانب الحفاظ على مصالحها.

في الماضي، أظهرت موسكو في العديد من المناسبات ردود فعل متسرعة مما تسبب تبعا في توتر الأوضاع. في المقابل، أصبحت تصرفات روسيا في الوقت الراهن أكثر تريثا وعقلانية، وذلك نظرا للخبرة التي اكتسبتها طيلة 6 سنوات من الحرب السورية. وبالتالي، كانت ردة فعل القيادة الروسية تجاه الهجوم الصاروخي الذي شنته واشنطن مفاجئا نوعا ما، حيث تجنبت خلق نزاعات جديدة في المنطقة. 

وعلى صعيد متصل، تمكنت روسيا من الحفاظ على موقفها تجاه شركائها؛ دمشق وطهران، بالإضافة إلى علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية. فضلا عن ذلك، نجحت موسكو في  إقناع قوى إقليمية أخرى؛ تركيا ودول الخليج بالمضي قدما في مفاوضات شبيهة بمحادثات أستانة وجنيف. وفي الوقت نفسه، أولت موسكو اهتماما بليغا بالتحقيق الدولي فيما يخص الهجوم الكيميائي على خان شيخون. وخلال الزيارة التي أداها ريكس تيلرسون إلى موسكو، أعرب كل من سيرغي لافروف وفلاديمير بوتين عن استعداد القيادة الروسية لتبادل وجهات النظر مع ترامب.

أما فيما يخص الهجوم الأمريكي، فقد امتنعت موسكو عن الرد لعدة أسباب. فقد أدركت أن الضربة الأمريكية هي عملية ارتجالية حاول ترامب من خلالها إظهار قدرته على اتخاذ خطوات صارمة، فضلا عن أن واشنطن ليس لديها خطة إستراتيجية واضحة في سوريا. علاوة على ذلك، توقن الإدارة الأمريكية الجديدة أن موسكو تمثل قوة رئيسية في المنطقة وهي على استعداد للتحاور معها، في حين أن الهجوم الصاروخي على قاعدة الشعيرات لم يكن المقصود به إذلال الكرملين.

ووفقا لما ذُكر آنفا، لم يؤثر الهجوم على قاعدة الشعيرات على المخططات الإستراتيجية لكل من روسيا والولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط. والجدير بالذكر أن الكرملين لا يزال متمسكا بموقفه تجاه الأزمة السورية. وفي الأثناء، يعد الحل السياسي لإحدى أكبر قضايا الشرق الأوسط، في الوقت الراهن، الأفضل والأنسب بالنسبة للعديد من الأطراف.

 

المادة مترجمة من مركز كارنيغي موسكو الروسي للإطلاع على الرابط الأصلي إضغط هنا 

ضع تعليقاَ