أبريل 23, 2024

كيف تسعى الصين لطمس جميع الأدلة المتعلقة بوجود معسكرات اعتقال للمسلمين على أراضيها؟

تعتمد الصين على أساليب تقنية متطورة لقمع مواطنيها، ولكن حتى التقنيات البسيطة كفيلة بكشف ذلك.

هذه المادة مترجمة عن موقع The atlantic

إن الباحثين والمواطنين الصحفيين في سباق ضد الزمن بحثا عن أدلة على شبكة الإنترنت تؤكد القمع المسلط على المسلمين قبل أن تمحوها الحكومة الصينية. فمنذ السنة المنصرمة، بدأت الحكومة الصينية ترسل عددا كبيرا من الصينيين المسلمين إلى معسكرات الاعتقال، حيث يتم إجبارهم على الارتداد عن دينهم وتبني مبادئ الحزب الشيوعي، وذلك حسب ما أفاد به معتقلون سابقون خلال المقابلات التي أجروها مع صحيفة “نيويورك تايمز” ووسائل إعلام أخرى. وحسب تقديرات مسؤولين أمريكيين وأمميّين، يقبع حاليا أكثر من مليون مسلم صيني في تلك المعسكرات.

لقد نفت الصين المزاعم القائلة بأنها تسعى لدمغجة المسلمين في معسكرات، وخلال الشهر الماضي أكدت الصين للجنة تابعة للأمم المتحدة أنه “لا وجود لمراكز إعادة تأهيل”، على الرغم من أن الحكومة الصينية قد سبق وأشارت إليها في وثائقها الخاصة. وفي الوقت الحالي، تدعي الصين أن تلك المعسكرات ليست سوى معاهد مهنية مخصصة للمجرمين، بيد أن الصحفيين أشاروا إلى أن الحكومة حاولت عدة مرات إبقاءهم بعيدين عن مواقع هذه المعسكرات التي تخضع لحراسة مشددة. ولكن خلال سعي الصين إلى تأسيس نظام اعتقال هائل، تركت وراءها آثار إلكترونية، على غرار صفحات ويب تابعة للحكومة ومنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تتضمن صورا وتفاصيل بشأن هذه المعسكرات.

بينما ترزح بكين تحت مراقبة دولية مشددة، حيث تدرس إدارة ترامب العقوبات الموجهة ضد مسؤولين متورطين في ملف معسكرات الاعتقال، بدأت الحكومة الصينية تمحو كل الوثائق ذات الصلة بهذا الأمر، وذلك حسب ما أكده الباحثون والصحفيون الذين يراقبون المواقع التي ظهرت فيها هذه الوثائق. وفي هذه الحالة، ليس أمام هذا العدد القليل من الأشخاص حول العالم حل آخر سوى المسارعة إلى توثيق وأرشفة كل هذه الأدلة قبل أن يتم محوها بالكامل. ومقارنة بتقنيات المراقبة المتطورة التي تعتمدها الصين، لا يعول هؤلاء النشطاء سوى على أدوات بسيطة مثل محرك البحث “غوغل”، وموقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، والأرشيف الرقمي “واي باك مشين”.

وقد صرح تيموثي غروز، أحد الباحثين الصينيين الذي يسعى لإيجاد الأدلة وهو عمل اعتبره نوعا من التحقيق الرقمي: “إن كل ما تحتاج إليه هو إتقان لغة الماندرين الصينية وحاسوب وتوصيل بالإنترنت”. وأشار غروز إلى أن “الوضعية أصبحت حرجة لأن الحكومة أدركت وجود أدلة مكتوبة حول هذا الموضوع لذلك هي تعمل على محو الكثير من الوثائق. لذلك، إن أراد أي شخص أن يشارك في عملية البحث فعليه أن يسرع؛ لأنه كلما انتظرنا أكثر قلت الأدلة التي غفلت عن محورها الحكومة من شبكة الإنترنت”.

لقد بدأ غروز عملية البحث عن الأدلة في الربيع. وقد تمثلت خطوته الأولى في البحث عن “مراكز إعادة التأهيل” على محرك البحث الصيني المشابه لغوغل، “بايدو”، وقد قاده ذلك إلى تقارير إخبارية تصف كيف كان المسؤولون المحليون تحت سياسة تعرف باسم “الحد من التطرف” (qu jiduanhua gongzuo) يعملون على “إعادة تأهيل” الأقلية المسلمة في الصين، وخاصة الأويغور والكازاخستانيين، في مقاطعة سنجان في الشمال الغربي، التي لطالما اعتبرتها بكين أرضا خصبة للتطرف والحركات الانفصالية.

أما الخطوة الثانية فتمثلت في اعتماد اسم هذه السياسة خلال عملية البحث على “بايدو”، التي قال غروز إنها قادته إلى المواقع الإلكترونية التابعة للحكومة. ومن ثم، اشتملت خطوته الثالثة على الاطلاع على تلك المواقع الإلكترونية الحكومية لمعرفة ما تتضمنه من معلومات بشأن الأنشطة الممارسة داخل تلك المراكز وتحديد مواقعها. ومن خلال هذه العملية البسيطة، أكد غروز أنه عثر على صور توثق عملية افتتاح لإحدى المنشآت المبنية حديثا في سنجان، إلى جانب بيان صحفي للحكومة المحلية.

أورد غروز أن “المسؤولين [في تلك الصور] كانوا يقفون عند البوابة التي كتب عليها بوضوح “مركز إعادة تأهيل للصينيين والأويغور”، وهو ما مثل في حد ذاته دليلا ملموسا”. وبعد العثور على صور من هذا القبيل ووثائق أخرى، كان غروز يحفظها في ملفات pdf أو يحملها على الأرشيف الرقمي المعروف باسم “واي باك مشين”، وينشر المحتوى على تويتر.

كما عُثر على نوع آخر من الأدلة المهمة التي كانت في شكل مناقصات بناء وإشعارات نشرها مسؤولون في الحكومة الصينية على الإنترنت بحثا عن شركات مقاولات لبناء تلك المعسكرات. وقد ذكر الباحث في المدرسة الأوروبية للثقافة واللاهوتية بألمانيا، أدريان زينز، أكثر من 70 دليلا من هذا النوع وقد أدرجها جميعها ضمن قائمته. وحسب ما أفاد به زينز، فإن العديد من المناقصات تشير إلى أن هذه المجمعات يجب أن تكون ذات جدران عالية، ومزودة بأبراج مراقبة، ومجهزة بالأسلاك الشائكة وأنظمة المراقبة، ومنشآت لقوات الشرطة المسلحة، والعديد من الخصائص الأمنية الأخرى.

كما قام زينز بتصنيف الإشعارات المتعلقة بانتداب مسؤولين للعمل ضمن فريق إدارة المعسكر، التي أخبرني أنها تشترط “مستوى تعليمي متدني بشكل مثير للريبة، مثل مستوى إعدادي”. وقد نوه زينز بأنه إذا كانت تلك المعسكرات حقا معاهد مهنية، كما تدعي الحكومة، لكانوا انتدبوا إطارات جامعية، لاسيما أن هذا هو المستوى التعليمي المطلوب في الصين للعمل في مثل هذه المعاهد.

وإلى جانب الباحثين، انضم الناشطون المدنيون لعملية البحث على الأدلة المتعلقة بالمعسكرات الصينية على شبكة الإنترنت. وتجدر الإشارة إلى أن عملية البحث على الإنترنت قد تؤدي في بعض الحالات إلى العثور على معلومات خاطئة. فعلى سبيل المثال، في حالة كل من تفجيرات ماراثون بوسطن وإطلاق النار في إحدى المدارس بمدينة نيوتاون، أخطأ مستخدمو موقع تويتر وريديت في التعرف على المشتبه فيهم ونشروا صورهم ما أدى إلى مضايقة أشخاص أبرياء لا علاقة لهم بهذه الحوادث. وتسلط مثل هذه الحالات الضوء على محدودية المعلومات التي تفضي إليها نتائج البحث، والمخاطر المحتملة للطرق التي يتبعها المواطنون خلال عملية البحث.

ومع ذلك، لعب طالب الحقوق في كندا شون تشانغ، البالغ من العمر 29 سنة، دورا حاسما إلى جانب باحثين مثل زينز وغروز. فقد عمل مثلهما على رصد المعلومات المتعلقة بما يحدث في سنجان من خلال البحث على شبكة الإنترنت عن “مراكز إعادة التأهيل” على محرك البحث “بايدو” و”غوغل”. وقد لاحظ أن العديد من مناقصات البناء قد حددت مواقع المعسكرات، وكخطوة إضافية أدخل البيانات المتعلقة بهذه المواقع على برنامج “غوغل إيرث”، فعثر على صور بالأقمار الصناعية لما بدا أنه معسكرات.

لقد أخبرني تشانغ أنه بدأ عملية البحث عن الأدلة خلال شهر أيار/ مايو بعد قراءة تقارير إخبارية عن إرسال مئات الآلاف من المسلمين إلى مراكز اعتقال صينية. وقال تشانغ “عندما شاهدت الأخبار، كنت متشككا بشأن صحتها، وتساءلت هل من الممكن اعتقال عدد كبير من الأويغور؟ كيف يمكن أن يحدث شيء من هذا القبيل خلال سنة 2018؟ لذلك قررت أن أتحقق من صحة هذه المعلومات بنفسي”.

إن رؤية صور الأقمار الصناعية أقنعته أنه كان من الممكن حقا اعتقال عدد كبير من المسلمين في وطنه الصين، حيث كانت أعدادهم في بعض المعسكرات ترتفع كل شهر. لقد بدأ في نشر الصور على مدونته وحسابه على تويتر، إلى جانب إحداثيات مواقع هذه المنشآت حتى يتسنى لأي شخص التحقق منها. وقد تمكن تشانغ من خلال هذا المشروع، الذي خصص له معدل ساعة من وقت فراغه كل يوم، من جذب اهتمام الصحفيين المحترفين والباحثين، الذين عرضوا عليه التعاون معه.

صرح تشانغ أن الصحفيين على الميدان في سنجان طلبوا منه المساعدة في تحديد معسكرات الاعتقال المحتملة، حيث أوضح أنهم “يطلبون مني أحيانا إن كان باستطاعتي أن أقدم لهم أسماء معسكرات يكون الوصول إليها أيسر وتكون زيارتها أسهل، وذلك كي يزورها على عين المكان”. في هذا الصدد، اعتمد تحقيق مهم لصحيفة “وول ستريت جورنال”، تضمّن زيارة معسكر في مدينة توربان، على عمل تشانغ.

وقد أكد لي مراسل الصحيفة، جوش تشين، أنه قد طلب من تشانغ مساعدته في تحليل صور وصور الأقمار الصناعية للموقع في توربان لرؤية ما إذا كانت خصائصه تشبه تلك التي جمعها تشانغ لمواقع أخرى على أنها معسكرات. وقد أسفر ذلك عن تطابق في الميزات. وفي الواقع، قال تشانغ إنه قد وجد الموقع في توربان عبر خدمة غوغل إيرث وافترض أنه معسكر.

وفي شرحه عن سبب عدم نشره تفاصيل هذا المعسكر على شبكة الإنترنت، أخبرني تشانغ أنه أحيانا يجد تركيبة يظنها تشبه تلك الخاصة بمعسكر اعتقال، ولكنه يمتنع عن تأكيد ذلك علنا ما لم يتثبت من الأمر. وفيما يتعلق بموقع توربان، قال تشانغ: “لم أنشر معلومات عنه على مدونتي لافتقاري للأدلة المؤيدة. أنا في حاجة للعثور على دليل واحد على الأقل، كإعلان مناقصة أو عدد من الأخبار المحلية، قبل نشر المعلومات”.

وأضاف تشانغ أن معسكرات الاعتقال لها مؤشرات بصرية مميزة تساعد على تمييزها عن بقية المرافق التي بإمكانه تحديدها عن طريق إعلانات المناقصات الحكومية ومناقصات البناء، على غرار السجون العادية ومراكز الاحتجاز والمدارس. وعلى سبيل المثال، أوضح تشانغ أن مراكز الاحتجاز تتألف عادة من طابق أو اثنين وتكون مساحة باحتها صغيرة للغاية، على عكس المعسكرات التي غالبا ما تتألف مما لا يقل عن 3 أو 4 طوابق وتمتد على أراضٍ مترامية الأطراف. مع ذلك، قد يكون من الصعب الجزم بأن مرفقا تم الاطلاع عليه من خلال صور الأقمار الصناعية هو معسكر. ولهذا السبب، يحاول الباحثون والصحفيون وتشانغ نفسه تعزيز هذه المقاربة بطرق أخرى للتحقق.

في هذا السياق، أفاد مدير مركز الإعلام المدني في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إيثان زوكرمان، أن “تحليل صور الأرقام الصناعية يمثل طريقة عريقة. لقد تم استخدامها، فيما مضى، في الكثير من التوثيقات المفيدة للغاية والمتعلقة بحقوق الإنسان”. وقد ذكر زوكرمان أمثلة عن هذا الاستخدام الناجح في زيمبابوي ودارفور ونيجيريا.

وأورد زوكرمان أن “شكوكي تحوم حول حاجتك لمعرفة الكثير بشأن سلسلة الوثائق وذلك كي تعلم أنك تبحث في المكان الصحيح، أي أنك تنظر إلى معسكر وليس مصنع للجرارات”. كما قال زوكرمان إنه في سبيل التأكد من أنه لم يخطأ في قراءة صورة، يجب الاطلاع على مستندات موثوقة، كإعلانات مناقصات حكومية قد تم التثبت من مصداقيتها، أو شكل من أشكال “الحقائق على أرض الواقع” من قبيل تقرير شاهد عيان مصدره صحفي من سنجان.

بالإضافة إلى هذه الأشكال من الإحالة المرجعية، قال غروز إنه من المهم التحدث إلى الأويغور أنفسهم، حيث أنه أفاد أن “الوثائق الحكومية وحتى التمثيلات الملموسة لا تعطينا سوى تمثيلا سطحيا لما يحدث. في الحقيقة، لا يشرح ذلك ما يحدث في الداخل، ونحن لا نعلم كيف يطبق المسئولون المحليون السياسات”. وأضاف غروز أنه بالإضافة إلى ذلك، كشفت تصريحات معتقلين سابقين وأقربائهم عن معلومات حيوية بشأن مواقع المعسكرات ومعاملة المعتقلين، وهو ما قد يختلف من معسكر إلى آخر.

تجدر الإشارة إلى أن الأويغور أنفسهم يعدون من أكثر جامعي المعلومات المتعلقة بالمعسكرات والذين يقومون بأرشفتها، نشاطا، بما في ذلك الصحفيون في المنطقة على غرار أولئك العاملين في راديو فري آسيا، والمواطنون الذين غادروا الصين ولا زالوا قلقين بشأن أقربائهم في أرض الوطن.

ووفقا لغروز، كانت سيدة من الأويغور واسمها المستعار هو نور، أول من قامت بالتقصي في صورة، باتت الآن متداولة على نطاق واسع، تُظهر معتقلين في ما يبدو أنه معسكر اعتقال في لوب كاونتي في هوتان بسنجان. وقد قال غروز إن السيدة، التي دائما ما تشارك نتائج أبحاثها في تغريدات على تويتر، قد وجدت هذه الصورة وغيرها من الصور من خلال التنقيب على امتداد أشهر في منشورات نُشرت من قبل الموقع الرسمي للحكومة على “وي تشات”، وهو عبارة عن منصة صينية للتواصل الاجتماعي.

حين اتصلتُ بها عبر تويتر، رفضت نور الإفصاح عن اسمها الحقيقي أو مكانها الحالي لأنها تخشى على عائلتها في سانجان من التعرض للمزيد من العقوبات. وقد كتبت لي قائلة: “أستخدم الشبكة الخاصة الافتراضية في كل مرة ألج فيها إلى شبكة الإنترنت من أجل القيام ببعض التقصي. أنا أخشى من قدرة الحكومة الصينية على القيام بأي شيء، فقد تكون قادرة على تتبع عنوان “آي بي” الخاص بي، وبالتالي، تحديد مكاني. ويمكنك تصور حالة الذعر الشديد التي تتملكني. فمنذ أن بدأت التنقيب عن المعلومات، أعجز عن النوم في بعض الليالي بسبب القلق والخوف”.

انطلقت نور في البحث عن الأدلة في حزيران/ يونيو، وفقا لما أفادت به، وذلك بعد أن استنتجت أنه “بغض النظر عن مكان إقامتك، لا يمكنك الهرب من التعذيب الذهني غير المباشر والمتواصل الناجم عما يحدث في سنجان. وفي نهاية المطاف، وصلتُ إلى نقطة اكتشفت فيها أنني في حاجة إلى القيام بأمر ما، وإلا فأنني قد أنهار عقليا”.

ومنذ حزيران/ يونيو، جمعت نور ملفا على غوغل درايف مليئا بوثائق “بي دي إف” و”وورد” ولقطات شاشة تتضمن صورا وتفاصيل مرتبطة بالمعسكرات، تم نشر بعضها من قبل حساب الحكومة الرسمي على “وي تشات”. وقد شاركت نور هذا الملف مع غروز الذي شاركه معي بعد الحصول على موافقة السيدة الصينية، حيث يحتوي على أكثر من 174 وثيقة.

تعتبر الأساليب الرقمية التي تُستخدم في استرداد وأرشفة ونشر المعلومة بشأن المعسكرات ذات تقنية متواضعة ومصدر مفتوح، وهو ما يعزز السرعة والشفافية والتعاون. وبالنسبة لباحث مثل غروز، يعد ذلك انعكاسا لمدى إلحاح الوضع، إذ قال إن “المنصات التي نعمل عليها للكتابة الأكاديمية تتطلب وقتا طويلا. فمن أجل نشر مقال، يجب أن تنتظر ما لا يقل عن السنة. لكن، نحن لا نملك ترف الانتظار لسنة بالنظر إلى ما يحدث في سنجان في الوقت الحالي. إن هذا سباق ضد الزمن، بالتالي، يجب أن نستخدم الأدوات التي ستعطينا النتائج الفورية والأكثر فعالية”.

ضع تعليقاَ