أبريل 19, 2024

ستراتفور: تضييق الخناق على حلب

بعد أشهر من التحضيرات والهجمات، باتت القوات الموالية للنظام السوري على مقربة من تطويق كافة الأجزاء التي تسيطر عليها المعارضة في مدينة حلب. وستبقى معركة حلب ذات أهمية محورية في الحرب الأهلية السورية التي تعصف بكامل سوريا، وسيحمل القتال في المدينة وحولها تأثيرات كبيرة على تطورات الصراع هناك، هذا عدا عن مساهمة معركة حلب بشكل مباشر في تحديد مستوى وطبيعة المفاوضات عالية المستوى والتي تجري بين روسيا والولايات المتحدة والقوى التي تتشارك في تحديد المستقبل السوري.

تمكنت القوات الموالية للنظام السوري من السيطرة على مزارع الملاح، المنطقة الاستراتيجية شمال حلب والتي تبعد قرابة ٢ كم عن طريق كاستيلو، والذي يعد آخر خط إمداد للمناطق المتبقية التي يسيطر عليها الثوار. وخلال الفترة الماضية استهدفت القوات الموالية للنظام هذا الطريق بعمليات قصف مكثف ومستمر ما أدى قطعه عملياً نتيجة الخطر الشديد الذي يحول دون التنقل عبره. وشهدت حلب معارك ضخمة نتيجة هجوم القوات الموالية للنظام خلال الأِشهر القليلة الماضية، ودفعت قوات النظام الكثير من الخسائر في سبيل الوصول إلى طريق كاستيلو. ولم تتمكن قوات النظام من التقدم إلا بعد دعم كبير من الضربات الجوية الروسية وهو ما تسبب في إضعاف دفاعات الثوار.

وكانت دفاعات تلك المناطق تتركز في الوحدات المدعومة من الولايات المتحدة مثل كتائب فتح حلب ونور الدين زنكي، وجاء هذا الترتيب بعد اتفاق مع الولايات المتحدة وحلفائها في إطار السعي لفصل تلك الوحدات عن الجماعات المتمردة الأخرى – الأكثر تطرفاً-  مثل جبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة في سوريا. لكن تقدم هجمات قوات النظام وحلفائها لم يترك خياراً لقوات الثوار سوى التحالف مع جبهة النصرة لتقوية الدفاعات.  لاحقاً تمكن الثوار من شن هجمات مرتدة شرسة تمكنت من إيقاف تقدم قوات النظام، ومع ذلك فإن قوات النظام ما زالت تملك اليد العليا في تلك المعركة.

وعلى الرغم من الفائدة التي جنتها القوات المعتدلة من تحالفها مع جبهة النصرة وتمكنها من التصدي لهجمات النظام، إلا أن هذا الأمر تسبب في تعقيد مساعي التفاهم بين الولايات المتحدة وروسيا في سوريا. فخلال محادثة هاتفية في ٦ يوليو الجاري، وافق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكي باراك أوباما على زيادة التنسيق بين الأعمال العسكرية في سوريا بما في ذلك مجال مكافحة جبهة النصرة.

تبدي الولايات المتحدة حرصها على تجنب الوصول إلى حالة حصار عدد من فصائل الثوار داخل حليب بشكل كبير، وتعمل على زيادة الضغط من أجل تفعيل اتفاقية وقف الأعمال العدائية في المنطقة، ويبدو أنها في طريقها لاقتراح فرض حظر ضربات جوية – من الطائرات الروسية وطائرات النظام- على مدينة حلب. لكن الروس سيحتجون بوجود جبهة النصرة داخل المدينة وبقوة، ووفق الاتفاق الأخير فإن الولايات المتحدة لن تكتفي بالسماح بالضربات الجوية بل قد يتعدى الأمر ذلك لتشارك بتنفيذها. ونظراً للظرف البائس في المعركة، لا يبدو أن الثوار في طريقهم لطلب الانسحاب من جبهة النصرة على الرغم من احتمال وقوعهم ضحية للغارات الروسية. ويعد جيش الفتح، والذي يشكل تحالف الثوار الأكبر – جبهة النصرة جزء منه- أمراً لا غنىً عنه لمنع فرض الحصار على حلب.

الجزء الأساسي من الصفقة الهاتفية الأمريكية – الروسية هو اقناع روسيا للنظام السوري بوقف غاراته الجوية. هذا النص يقوم على افتراض أن الروس يملكون تأثيراً هائلاً في دمشق وبالتالي فبإمكانهم التأثير والتحكم بقرارات القوات الموالية للنظام. لكن الولايات المتحدة تعرف داخلياً على الأقل بأن هذا الأمر قصة طويلة للغاية، فإيران تملك نفوذاً كبيراً في سوريا نظراً لمساهمة التاريخية والهائلة بجانب الموالين للنظام السوري، ومما لا شك فيه فإن طهران ستسعى لتقويض أي اقتراح قد ترى فيه تضارباً مع أهدافها في سوريا.

قد تتحقق مصالح روسيا في سوريا عبر استخدام أحداث المعركة كورقة ضغط لإجبار الولايات المتحدة على تقديم المزيد من التنازلات. ولكن في ضوء الثمن الباهظ الذي تدفعه قوات النظام وحلفائها الإيرانيين وغيرهم في حلب فمن غير المرجح أن تتخلى هذه القوات عن أي ميزة عسكرية كبيرة لمجرد إرضاء روسيا، كما يجب إقناعهم بجدوى الاتفاقات النهائية وأنها ستكون في صالحهم وهو احتمال غير مؤكد في هذه المرحلة.

ضع تعليقاَ