أبريل 19, 2024

ميديا بارت: صراع المصالح والمكافآت الخفية بالمحكمة الجنائية الدولية

وفقا للوثائق التي تحصلت عليها “ميديابارت” بعد تحليلها والتأكد من صحتها من قبل EIC، فان المتحدث الرسمي باسم المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية تلقى رشوة من قبل مصرفي من نيويورك من أجل تقديم قضية خاصة بالأزيديين.

للوهلة الأولى يبدو الأمر مغامرة في رواية، في آب /أغسطس 2015، في كردستان العراق، قام مصرفي، ومدعي عام دولي سابق، وخبير في العلاقات العامة، واثنان من الناشطين، ومخرج وثائقي بالتحقيق وجمع أدلة حول إبادة جماعية. في صيف عام 2014، كان الجهاديون في الدولة الإسلامية يسيطرون على منطقة سنجار شمال غرب العراق، حيث قاموا بإعدام مئات الرجال من الطائفة الأيزيدية، كما اختطفوا زوجاتهم وبناتهم وتم بيعهم كعبيد لأغراض جنسية. بالإضافة الى تجنيد أبنائهم قسرا في قوات الدولة الإسلامية. يصنف الجهاديين في الدولة الإسلامية الأيزيديين كأقلية طائفية كافرة.

تحت إشراف المخرج الوثائقي، يقوم المدعي العام السابق للمحكمة الجنائية الدولية، لويس مورينو أوكامبو، بالاستماع الى شهادات اللاجئين الأيزيديين المتواجدين بمخيمات داهوك، التقى الفريق كذلك السلطات الكردية بمدينة أربيل وهي منطقة حكم ذاتي بالعراق، كانت خارطة الطريق بسيطة وهي تعبئة المجتمع الدولي لصالح قضية الايزيديين.

ترك لويس مورينو أوكامبو المحكمة الجنائية الدولية عام 2012 بعد فترة عمل دامت تسع سنوات، بعدها عمل لدى مكتب محاماة بنيويورك، كما قدم دروس بجامعة هارفارد، وأصبح مستشارا فيها، وعلى هذا الأساس وافق على المشاركة في هاته المهمة.

لعب أدوار أساسية في الخفاء….

الرجل الذي يمول الحملة -والحملة الموالية-  يسمى كيري بروبر  وهو مدير  Chardan Capital Markets ، بنك استثماري بنيويورك، صرح في مقابلة انه يعيش “نوعا من الحياة المزدوجة”،  فمن جهة يستثمر في قضايا الإبادة الجماعية اذ أنتج العديد من الأفلام الوثائقية عن الهولوكست، رواندا، والآن قضية الايزيديين،  من جهة أخرى، لا يتردد في تشكيل تحالفات مشبوهة مثلا، استثماره في شركة تلفزيون صينية تحت ادارة الوكالة المسؤولة عن الرقابة الحكومية.

في صيف 2015، أراد الفريق الالتحاق بسرعة والاستفادة من اجتماعين دوليين رئيسيين بهدف الدفع بقضيتهم، الاجتماع الأول يخص الجمعية العامة للأمم المتحدة المقرر عقده في سبتمبر / أيلول الاجتماع الثاني يخص الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، وهو عبارة عن برلمان مشكل من الدول الأعضاء بالمحكمة، وتعد الشهادات التي تم جمعها بداهوك أساسا للشكوى المقدمة الى المحكمة الجنائية الدولية، فأملهم كان الاستقواء بسلاح العدالة الدولية.

أراد لويس مورينو أوكامبو أن يقدم الشكوى في أقرب وقت ممكن إلى مكتب المدعية العامة، وتعتبر فاتو بنسودة خليفته بالمحكمة الجنائية الدولية، بعد ثمانية سنوات من العمل.

كان واضحا أن المدعية العامة لن تفتح تحقيقا، فالعراق لم ينضم، رغم ذلك قد تكون المحكمة المكان الأنسب لممارسة الضغط ولفت الانتباه للقضية، كما أن مجرد الاجتماع مع النائبة العامة سيعطي انطباعا بأن قضية الأيزيديين تحظى بتأييد واهتمام العدالة الدولية.

بدأ الفريق بالتجهيز السريع لصياغة الشكوى…

مساعدة لويس مورينو أوكامبو عاملة سابقة بالمحكمة الجنائية الدولية وزوجة موظف بالمحكمة تقوم بترجمات، شكلت فريق عمل مقابل 4030 أورو مدفوعة من قبل كيري بروبر.

وفقا للوثائق التي حصلت عليها ميديابارت وتم تحليلها من قبل لجنة التحقيق والتعاون الأوروبية EIC فإن أوكامبو هو نفسه الذي قام بتوزيع الأدوار، اذ اتصل بمحامية تدعى أوليفيا سواك – جولدمان، التي عملت معه في المحكمة،  طلب منها  أن تقوم بتنشيط وتكثيف اتصالاتها داخل المحكمة الجنائية الدولية  بشكل أكثر تكتما وسرية من المدعي العام السابق، ولكنها أرادت قبل كل شيء إضفاء الطابع الرسمي على عملها. وحسب الوثائق، دُفع لها من قبل كيري بروبر مبلغ 000 3 دولار لمحاولة التأثير على مسار القضية في المحكمة والسماح بعقد اجتماع بين الوفد والمدعي العام.

بدون مبالغة، رأى الزميلان في العملية فرصة كبيرة “هناك سوق خاص لمثل هذا النوع من المشاورات” تكتب أوليفيا سواك-غولدمان إلى المدعي العام السابق أوكامبو في لاهاي أو في مكان آخر، فغالبا ما تزهر العلاقات المؤسسة مع العدالة الدولية سواءا كانت عن قرب أو عن بعد.

اتصلت أوليفيا سواك – جولدمان برئيس التحليلات الأولية في مكتب المدعي العام سريعا وأبلغها بأن الشكوى سترسل مع سابقتها المقدمة إلى مكتب لاهاي. أما اللقاء مع المدعية العامة فاتو بنسودة فلم يتم ترتيبه بعد.

قرر أوكامبو الاتصال بها مباشرة لتسريع المناورة، لكن بنجاح هذه المرة. وفي 24 أيلول / سبتمبر 2015، الساعة 9.30 صباحا، تنتظر فاتو بنسودة الوفد، ولا يزال سلفها أوكامبو يعمل في الظل، حضر كل من كيري بروبر، وممثلين عن قضية اليزيدية، ووزير خارجية حكومة إقليم كردستان. قبلت فاتو بنسودة مقابلتهم، ولكن بشرط أن تبقى المقابلة سرية ولا تُذكر علنا. يتلقى المدعي العام عشرات الشكاوى سنويا، ومن غير الممكن التحقيق في جميع الجرائم المزعومة. وعليه يتعين أن يختار القضايا، خاصة تلك التي تسمح بإجراء محاكمة، غير ذلك تعطي المحكمة أمالا لا يمكن الوفاء بها.

بالرغم من علم أوكامبو بسرية اللقاء لكنه طلب من المتحدثة باسم مكتب النائب العام فلورنسا اولارا تنظيم مؤتمر صحفى، كانت أولارا تعمل تحت قيادته لسنوات. اذ قبلت الأمر بحماس وتعهدت بتعبئة الصحافة الدولية، قال المدعي العام السابق لكيري بروبر ان فلورنسا اولارا تستعد “لتنظيم مؤتمر صحافي داخل المحكمة الجنائية الدولية، وهو الأمر الذي سيساعدهم على جذب اهتمام وسائل الاعلام بلاهاي”. ووفقا للوثائق، طلبت أولارا مبلغ 8000 دولار لتنظيم الحدث. لكن المصرفي قام بتخفيض الفاتورة الى 000 5 دولار.

المتحدثة الرسمية تعي أنها تخاطر داخل صراع مصالح وتعترف لمساعدة أوكامبو” “أن فلو تعمل لدى المحكمة وليس من المفترض ان تعقد مؤتمرا صحفيا”. وأضافت: “إنه أمر دقيق، خاصة أن فاتو بنسودة طلبت أن يظل الاجتماع سريا”. مساعده أوكامبو طلبت أن يبقى اسم أولارا سريا وألا يُذكر. وأضافت: “لا يمكنها أن تخاطر بعملها”. فتحت ايميل وهمي بعنوان o.tuscany@hotmail.com  و باسم مستعار “أوليفر توسكاني”، حتى تتمكن  فلورنسا أولارا من الاتصال بالصحفيين والتحدث إلى الوفد.

في اجابته على سؤال صادر عن الشركة، أكد المصرفي كيري بروبر أنه “ليس على علم بأن لأولارا هوية مزورة”.

من جهتها، تنكر فلورنسا أولارا ذلك جملة وتفصيلا تقول “أنا لم أقدم أي خدمة لهم، لم أتلق أي أموال منهم “تقول إنها لم تستخدم اسم أوليفر توسكاني: ” لم أستخدم أبدا هوية مزورة، لم أشارك في ذلك أبدا. “

إنكار متناقض تماما مع إجابات كيري بروبر عندما سُئل عن فرصة استخدام خدمات النائب العام في ذلك الوقت، أكد ل EIC: “قيل لي أن لديها اتصالات جيدة مع الصحافة. “

في 24 سبتمبر 2015، تسببت الرياح في هطول المطر، مما اضطر الوفد للوقوف بجانب جدار قرب مدخل المحكمة الجنائية الدولية، أشار وزير خارجية كردستان العراق إلى تقديم الشكوى. ويصر النشطاء الايزيديون على الإبادة الجماعية -مصطلح له أهميته القانونية-. كيري بروبر يأخذ صور بسرية تامة، وقد أراد توفير منصة لثلاثة متحدثين من أجل تعبئة الصحافة الدولية لكن الطقس حال دون ذلك.

المؤتمر الصحفي الذي كلف 5000 دولار جمع ثلاثة صحفيين، كتبت عنه رويترز تقريرا وبعض الموجزات بنيويورك تايمز. وفي مكتب المدعي العام، أوليفيا سواك غولدمان تبلغ أوكامبو الذي يرد سريعا: “هل يدركون أنه ليس لديهم الحق في طلب الصمت من الضحايا؟

عقب الزيارة، قدمت المدعية العامة الشكوى من أجل إجراء تقييم أولي، وتكليف وزير الشؤون الخارجية في إدارة كردستان العراق، باكير مصطفى فلاح، لكنها لم تفتح تحقيقا مطلقا لسبب وجيه: “محدودية كفاءته سوف تؤدي مباشرة إلى الفشل”. أما بالنسبة لأوكامبو، قال انها فرصة تضاف لسيرته الوافرة، ويفتخر المدعي العام السابق بتنظيم لقاء في لندن بين المحامية أمل كلوني ونادية مراد “ضحية الدولة الإسلامية”.

قال أحد ممثلي القضية الايزيدية الذي شارك في المفاوضات بقيادة أوكامبو، باري إبراهيم إن مؤسسته: “ستواصل بذل قصارى جهدها لمساعدة الناجين وتحقيق العدالة “، ويضيف: “يجب ضمان عدم استغلال أو استفادة أي طرف من القضية الأزيدية”.

بعد بضعة أشهر من أحداث سبتمبر 2015، طلب لويس مورينو أوكامبو مرة أخرى موعدا مع المدعي العام، هذه المرة لمقابلة وفد من المعارضين الفنزويليين، لكنه فشل.

بعد إنشاء مؤسسة السلام، العدالة والأمن، نظمت فلورنسا أولارا حفل افتتاح في سبتمبر 2016 في فندق هيلتون في لاهاي. في ذلك اليوم، كان أحد ضيوف الشرف زوجة سجين معارض فنزويلي “شارك في تنظيم الحفل عدة منظمات، دعت إحدى المنظمات الشريكة شخصا من فنزويلا إلى الاحتفال. تقول: “لم يحدث أبدا تضارب في المصالح “.

عندما استجوبتها اللجنة الاوربية للتحقيق والتعاون، قالت المدعية العامة بالمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودة: “إن السلوك المزعوم لأعضاء النيابة العامة السابقين أو الحاليين لم يكن معلوم ولم يأذن به مكتبها”.

فيما يتعلق بالقضية الأيزيدية، قرر مجلس الأمن الدولي في 21 أيلول / سبتمبر إنشاء فريق للتحقيق في الجرائم المرتكبة ضدهم. واستنادا الى مبدأ الأولوية يجب أن تحال الأدلة التي يتم جمعها إلى المحاكم العراقية وإلى المحاكم الوطنية المختصة، مثل البلدان التي لديها مواطنون في الدولة الإسلامية. ولم يُشر القرار بكلمة واحدة الى “المحكمة الدولية”.

سوق مفقودة لأوكامبو وشركائه…

الرابط: https://www.mediapart.fr/journal/international/021017/conflits-d-interets-et-remunerations-cachees-la-cour-penale-internationale?page_article=2

الكاتبستيفاني موباس و هانيكي شين أ. فو

المصدر: ميديا بارت

ضع تعليقاَ