مارس 28, 2024

الذئب الباكي.. هكذا يواجه السيسي الإرهاب سياسياً

في 7 مارس 2016، أعلنت وزارة الداخلية المصرية أسماء من سمتهم المتورطين في اغتيال النائب العام المصري هشام بركات. جاءت الاتهامات هذه بعد 9 أشهر من وفاة النائب هشام بركات، الشخصية الأبرز التي تعرضت للاغتيال خلال السنوات الأخيرة الماضية. وفي شريط الفيديو المصور الذي بثته الوزارة وتضمن اعترافات القتلة المزعومين، ادعى المتهمون أنهم ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين، وأنهم تلقوا تدريبات في قطاع غزة على أيدي حركة حماس، وصولاً إلى تنفيذهم الهجمة الإرهابية بسيارة مفخخة في يونيو 2015. وأعلنت الوزارة لاحقاً إغلاق ملف القضية.

المزاعم التي يوجهها النظام المصري ضد الإخوان المسلمين وحماس لا تشير في الواقع إلى أي معلومات جديدة حول تورط هذه الكيانات في عملية الاغتيال حيث أشار مسؤول مصري عقب وقوع الإنفجار إلى قيام بعض عناصر الإخوان بالتوجه إلى غزة لتلقي تدريبات معينة هناك. على أي حال، فإن هذه المزاعم تأتي في محاولة النظام لحشد الدعم الشعبي عن طريق تحويل الانتباه عن المشاكل الداخلية باتجاه أطراف خارجية أخرى. وهذا النهج بالتحديد يعزز فشل أجهزة الأمن المصرية عن مواجهة التهديدات الحقيقية في البلاد.

الاخوان المسلمون مسلحون ؟

بدأت أحدث موجة من الاضطرابات في مصر منذ منتصف عام 2013، بعد الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي. هزت الهجمات الإرهابية البلاد منذ ذلك الحين، لاسيما في مناطق شمال سيناء المضطربة. اتهم الرئيس المصري الجديد عبد الفتاح السيسي جماعة الإخوان المسلمين بتدبير هذه الهجمات، وألقت قوات الأمن المصرية القبض على 12 ألف من أعضاء الإخوان المسلمين بتهم الإرهاب منذ يوليو 2013. وسجن الكثير من أعضاء الإخوان بتهم ارتكاب جرائم صغيرة مثل حيازة مواد مؤيدة للرئيس مرسي أو تنظيم احتجاجات مناهضة للانتخابات خلال الانتخابات الرئاسية المصرية عام 2014 ( فاز بها السيسي بأغلبية ساحقة).

لا شك أن هناك أدلة تشير إلى أن أيدي الإخوان المسلمين ليست نظيفة بشكل تام من المسؤولية عن أعمال العنف هذه، فهناك صراع داخلي على السلطة بين قدامى المحاربين السلميين في الجماعة والأعضاء الأصغر سناً، الذين يتسمون بتقبلهم وانفتاحهم على مزيد من العنف واستخدام القوة وهو ما خلق الكثير من الشروخ في منظومة الجماعة. فجماعات مثل العقاب الثوري وحركة المقاومة الشعبية التي نفذت هجمات استهدفت الشرطة والقضاء وغيرها من الأهداف عزي ظهورها إلى ” الارتفاع الحاد في الأفكار الثورية لدى القيادات الشابة في جماعة الإخوان المسلمين” ومع ذلك من الصعب الجزم القاطع بحجم الدور المباشر الذي قدمته جماعة الإخوان المسلمين لدعم هذه الحراكات الثورية.

هذا الغموض، جعل محاولات وزارة الداخلية الربط بين اغتيال النائب العام والإخوان المسلمين أكثر أهمية، فالسيسي أراد تثبت ارتباط الإخوان المسلمين بالإرهاب داخل مصر، وكان عليه ان يثبت صلة الجماعة بدعم ورعاية أعمال العنف لتحقيق هذا الغرض. وتضمنت الاعترافات المصورة تفاصيل دقيقة حول دور الإخوان في عملية الاغتيال،لكن شريط الفيديو كان سينمائياً بما يكفي ليضحد محتواه. في الواقع، هذا الفيديو الأخيرة ليس إلا واحد من سلسلة إصدارات طرحتها الحكومة المصرية في السنوات الأخيرة، فالفيديو هذا كرر سيناريوهات قديمة ومماثلة تكررها الحكومة بأن عناصر الإخوان المسلمين تلقوا التدريب في غزة، ومن هناك أعدوا لهجومهم هذا الذي جاء بناءً على طلب من شخصيات كبيرة داخل الإخوان وربما من مرسي نفسه.

إلقاء اللوم

اتهامات القاهرة لحماس بأنها متورطة بهذا الهجوم أضاف طبقة أخرى من العمق لهذه الاتهامات، فمن ناحية جاءت كإشارة للشعب المصري بأن الدولة تعيش تحت تهديد خارجي، وهي الطريقة التي دأبت القاهرة على استعمالها حين تمر الحكومة المصرية في حالة من انخفاض الشعبية. فعلى سبيل المثال، في عام 2011 ادعى وزير الداخلية المصري حينها، حبيب العادلي أن هناك ” أدلة دامغة”على أن الجماعة الإرهابية التابعة لحماس، جيش الإسلام، قد نفذت تفجير الكنيسية المسيحية القبطية في الإسكندرية، وجاء إعلان العدلي هذا في ذروة أزمة شرعية النظام المصري وقبل يوم واحد فقط من تجمع الملايين من المتظاهرين في ميدان التحرير في القاهرة في سلسلة من المظاهرات التي أدت إلى إسقاط نظام مبارك حينها.

من جهة أخرى، قد تكون هذه الاتهمات قد سهلت الحوار بين حماس ومصر، والتي من خلالها استطاعت القاهرة استعادة بعضاً من أهميتها المتراجعة فيما يتعلق بمفاوضات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وفي يوم 7 مارس الماضي، قال وزير الداخلية المصري، مجدي عبد الغفار، أن ” حماس دربت وأعدت وأشرفت على تنفيذ” اغتيال النائب بركات. وفي وقت لاحق، زار وفد من حماس مصر لنفي الادعاءات. وربما قد دفعت المخاوف من الإرهاب الى الاجتماع، لكن المناقشات قدمت فرصة لتذويب الجليد في العلاقات التي فترت بسبب موقف السيسي الحاد ضد جماعة الإخوان المسلمين.

حرب القاهرة ضد الإخوان المسلمين أضعفت دور مصر في المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية. فمرسي كان قادراً على المساعدة في تخفيف حدة العنف وإيقافه عام 2012، لكن السيسي مثلاً رفض العمل مع حماس عبر نزع فتيل الأزمة عام 2014، وهو ما قزم دور القاهرة وأعاده فقط إلى مفاوضات السلام. وربما قد يتغير الأمر بعد اجتماعات مارس في القاهرة، حيث أزالت وزارة الأشغال العامة التابعة لحماس اللافتات المؤيدة للإخوان من شوارع ومساجد غزة، فيما دعا قادتها مصر مجدداً إلى إعادة فتح الحدود ووقف عمليات إغراق أنفاق التهريب على الحدود. وقد تكون حماس مستعدة لمراجعة موقفها تجاه جماعة الإخوان المسلمين لو كان ذلك يعني الجلوس مع مصر على طاولة مفاوضات والاتفاق على أهداف طويلة الأمد.

وعلى الرغم من أن حرص السيسي على اتهام حماس باغتيال بركات قد يعود ببعض الفائدة على الدبلوماسية المصرية، إلا أن اسقاط هذه الاتهامات الباطلة يأتي على حساب التهديدات الحقيقية الإرهابية على الحدود المصرية مع غزة. فحماس اعترفت مؤخراً بانضمام بعض أعضاء ذراعها العسكري، كتائب القسام، إلى تنظيم داعش في سيناء دون علم أو مشروة قيادتها السياسية. ويتمتع القسام بعلاقات جيدة وصلات مع الجماعات السلفية في سيناء منذ الماضي، وقد يكون أولئك المنضمين إلى صفوف مقاتلي ولاية سيناء من غزة يحافظون على علاقات جيدة مع رفقائهم في غزة حتى اللحظة. ووفق أيديولوجية داعش، فإن ولاية سيناء تعد عدواً لدوداً لحماس والعكس صحيح، لكن أي تقارب أيديولوجي قد يتيح المجال لكثير من الانتهازية هنا. وفي هذا السياق، يجب على حماس ومصر العمل سوياً لمنع وقوع أي هجمات مستقبلية في مصر وفق منهج شفاف في التعامل لتقديم الخدمة الأفضل لمصر.

نهج السيسي في إلقاء اللوم على الإخوان المسلمين لوقع الهجمات الإرهابية يمكن أن يضر مصر أكثر من أن ينفعها. فمنع الإرهاب المحلي يتطلب تحقيقات ومحاكمات ذات مصداقية، وينبغي على الدولة المصرية تقليل الظروف التي تؤدي نحو مزيد من التطرف، لكن إلقاء اللوم على الإخوان المسلمين مثل اغتيال النائب بركات سيؤدي إلى الإضرار بمصداقية السيسي وتخفيض شعبيته على المدى الطويل، وبذلك تزرع مصر الشعور بالظلم والتهميش وهو ما سيكون المحرك الأكبر لجيل قادم مليء بالمسلحين المتطرفين.

وفي الوقت الذي تواجه البلاد فيه تهديدات حقيقية لاستقرارها، لا يزال الأمن المصري يعتمد على تكتيكات شعبوية بدلاً من إجراء تحقيقات جدية، وعلى الرغم من الفائدة المتحققة من هذه الطريقة على المدى القصير إلا أن عواقبها ستكون وخيمة في المستقبل.

 

*أليسون مكمانوس: مدير الأبحاث في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط والباحث الرئيسي في مشروع مصر ووتش للأمن، الذي يهتم بالوثائق والتحليلات المرتبطة بأعمال الإرهاب في مصر.

*يعقوب جرين: باحث مشارك في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط وباحث في مصر مصر ووتش للأمن.

ضع تعليقاَ