مارس 29, 2024

فورين بوليسي: الرقص على لحن روسيا في سوريا

ترجمة: آمال وشنان

مع تراجع الولايات المتحدة فإن السعوديين وحتى المبعوث الخاص للأمم المتحدة أصبحوا الآن منفتحين على دور دبلوماسي روسي أكبر في تشكيل مستقبل سوريا.
في 24 كانون الأول/ديسمبر، دعا وزير الخارجية السعودي عادل الجبير وفداً من زعماء المعارضة السورية، وقدَم رسالة قاطعة: الرياض ستخفض دعمها العسكري في إطار جهودها للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد.
وقال مصدران معارضان ومسؤولان دبلوماسيان آخران وصفا الاجتماع لـ”الفورين بوليسي”، إن الوقت قد حان ليقوم الجبير بتوجيه طاقاته للتوصل إلى اتفاق سياسي مع دمشق في مؤتمر للسلام في كانون الثاني/يناير في سوتشي بروسيا. وقال جبير إنه إذا كانوا مستعدين جيداً لسوتشي، فإنهم سيكونون في وضع أفضل للحصول على اتفاق على التحول السياسي. (لم يستجب المسؤولون السعوديون في نيويورك وواشنطن لطلبات التعليق).

يذكر أن نداءات الجبير تمثل انتكاسة أخرى للقوات السورية المناهضة للأسد، التي خسرت بالفعل الدعم العسكري السري للولايات المتحدة في تموز/يوليو. والأهم من ذلك أن الرسالة السعودية تؤكد نجاح الدبلوماسية الروسية لتشكيل مستقبل سوريا بعد الحرب، التي تأتي بسرعة لتنافس العملية الرسمية التي تقودها الأمم المتحدة، والتي استمرت على مدى خمس سنوات في جنيف.

وحتى الأمم المتحدة منقسمة الآن حول إن كانت ستشارك في خطة السلام الروسية، في الوقت الذي يسعى فيه ستافان دي ميستورا، المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، وراء الكواليس لتأمين مقعد على الطاولة في سوتشي، ويحث المملكة العربية السعودية والمعارضة السورية على الحضور.

إن النفوذ الدبلوماسي المتزايد لموسكو في نهاية “اللعبة” السورية قد أصبح واقعاً؛ بسبب سلبية واشنطن. ركزت إدارة دونالد ترامب أكثر على محاربة تنظيم الدولة وصد إيران، بدلاً من تشكيل المستقبل السياسي للبلد الذي مزقته الحرب.
وقال دبلوماسي في مجلس الأمن الدولي: إن “سوريا مثال على أن الدبلوماسية الأميركية ليست مهمة ولا مركزية”. وأضاف: “أن الولايات المتحدة فقدت مكانها لمصلحة روسيا في هذه القضية”.  

وقال الجنرال المتقاعد جون ألين، المبعوث الأمريكي السابق للتحالف المناهض لتنظيم الدولة، إنه حتى لو أرادت الولايات المتحدة أداء دور أكبر في سوريا بعد الحرب، فإن فك الارتباط أضعف قدرتها على القيام بذلك.
وقال ألين في الشهر الماضي: “قرر الروس المسار السياسي في العديد من النواحي”. وأضاف: “من المؤسف أن الولايات المتحدة لديها قدرة محدودة الآن على ممارسة القيادة في هذه العملية أو المشاركة (في قيادتها)”. بدأت آخر حملة دبلوماسية روسية منذ أكثر من عام. وفي كانون الثاني/يناير 2017، أجرت الحكومة الروسية محادثات في أستانة، كازاخستان، مع المسؤولين الإيرانيين والأتراك من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار؛ إن الولايات المتحدة مستبعدة إلى حد كبير من العملية الجارية.
والآن تخطط موسكو لاستخدام مؤتمر يعقد في وقت لاحق من هذا الشهر، في منتجع سوتشي على البحر الأسود، للمساعدة في تحديد معالم المستقبل السياسي في سوريا، والتي يأمل الروس أن تشمل الأسد.

ويثير القلق الدبلوماسي الروسي الكثير من الحكومات الغربية وزعماء المعارضة السورية، ويخشون أن يعزز الاجتماع ببساطة المكاسب العسكرية الأخيرة التي حققتها روسيا والحكومة السورية، ويديم حكم الأسد الوحشي، ويدفع جيلاً جديداً من السوريين إلى التمرد. كما أنهم يشعرون بالقلق من أن العملية الروسية ستتخلص من بعض الأجزاء الأساسية التي تم الاتفاق عليها في جنيف؛ مثل حكومة انتقالية وخطة سياسية بعد الأسد. كثير من النقاد يتهمون روسيا بأنها لا يمكن أن تكون وسيطاً نزيهاً، باعتبارها طرفاً في الصراع.
وقال السفير الفرنسي فرانسوا ديلاتر للصحفيين في نهاية الشهر الماضي: “ليس هناك بديل عن عملية جنيف التي تقودها الأمم المتحدة”. “لا توجد لعبة أخرى في البلد”.
وقد أرسل إليه أكثر من 130 من جماعات المعارضة السورية، التي تثير قلقها رغبة ديمستورا الواضحة في المشاركة في محادثات سوتشي، رسالة في الثالث من يناير/كانون الثاني واصفة المفاوضات بأنها “خروج خطير عن عملية جنيف [بقيادة الأمم المتحدة] “، وتهديد خطير”لاحتمالات السلام في سوريا.
والمشكلة هي أن عملية جنيف بدأت تبدو أقل جدوى. إن المساعدة العسكرية الروسية لنظام الأسد جعلت دمشق أقل انفتاحاً على فكرة التخلي عن السلطة إلى حكومة انتقالية، وهو عنصر أساسي في خطة جنيف.
ولا تبذل واشنطن سوى القليل لإبقاء جنيف على قيد الحياة، حيث تركز إدارة ترامب بدلاً من ذلك على القضاء على تنظيم الدولة والتقليل من نفوذ إيران. ويشكو الحلفاء الأوروبيون بشكل خاص من أن الولايات المتحدة لم تستخدم عضلاتها الدبلوماسية لدعم محادثات جنيف، وأنه ليس هناك شخصية واحدة في البيت الأبيض أو وزارة الخارجية مكلفة بتشكيل المناقشات.
وقال مسؤول أمنى قومي رفيع المستوى في الولايات المتحدة له علاقات بالبيت الأبيض: “إن شخصاً ما يجب أن يمتلك هذا، ولا أحد يفعل”. لكن الحكم على الرسالة السعودية للمعارضة السورية، فضلاً عن الانقسامات داخل الأمم المتحدة، يُظهر على نحو متزايد أن شخصاً ما يمتلك العملية: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. (يرد مسؤولو إدارة ترامب على تلك الفكرة بأن الولايات المتحدة لديها نفوذ أكبر في سوريا ممَّا كانت عليه قبل عام، الآن بعد أن سيطر شركاؤها الأكراد على المزيد من الأراضي، ولا تزال القوات الأمريكية على الأرض).

وبينما أوضح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس أن الأمم المتحدة لن تذهب إلى سوتشي إلا إذا حضرت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وحلفاء رئيسيون آخرون أو أعطوا الضوء الأخضر، فقد قال دي ميستورا إن على كل من الأمم المتحدة والمعارضة السورية المشاركة.
وفى الشهر الماضي وخلال الجولة الثامنة من محادثات جنيف انتحى بزعماء المعارضة جانباً، وحثهم على حضور المحادثات الروسية. أمره غوتيريس الانسحاب، ولكن كانت الرسالة قد وصلت.
وقال دبلوماسي: “هناك انقسام في الأمم المتحدة”. “دي ميستورا يريد أن يذهب حتى يتمكن من طرح وجهة نظر الأمم المتحدة في الإجراءات”. ولكن زملاؤه في نيويورك “يشعرون أنها ببساطة سوف تعطي مشروعية للأهداف الروسية”.

وقال الدبلوماسي: “حتى الآن يشعر الأمين العام أن سوتشي لا يجتاز اختبار الرائحة”. ومن المقرر أن يلتقي غوتيريس مع وفد من المعارضة بمقر الأمم المتحدة بعد ظهر اليوم.
وقال رضوان زيادة، وهو ناشط سوري في مجال حقوق الإنسان بواشنطن: “إن دي ميستورا يميل إلى الروس بدلاً من الولايات المتحدة”. وأضاف أنه “أنه يشعر أن الولايات المتحدة انسحبت من الملف السوري، والطريقة الوحيدة لتسلمه هي أن تتجه نحو الروس”.
ورفض المتحدث باسم دي ميستورا الرد على أسئلة حول دعمه لمحادثات سوتشي، وأحال إلى سلسلة من التصريحات التي أدلى بها المبعوث الخاص للأمم المتحدة، مشيراً إلى أن أي لجنة دستورية قد تنشأ من سوتشي يجب أن تقرها الأمم المتحدة  بالتشاور مع مجلس الأمن الدولي.
رسمياً لا تزال الولايات المتحدة تعلق آمالها على المحادثات في جنيف، وكل من وزير الخارجية ريكس تيلرسون، ومستشار الأمن القومي ماكمستر، ووزير الدفاع جيمس ماتيس كلهم يحاولون دفع الأسد نحو الخروج.
وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية: إن “جنيف هي السبيل الوحيد للمضي قدماً”. وأضاف: “مع استمرار تركيزنا على جنيف والتقدم الجوهري من هذه المفاوضات، فإن كل الأساليب الأخرى لا تشكل سوى إلهاء”.
ولكن هناك دلائل على الانقسام في واشنطن أيضاً؛ ممَّا قد يفتح الباب أمام دور روسي أكثر نشاطاً.
العديد من كبار المسؤولين الأمريكيين، بمن فيهم بريت ماكغورك، المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف العالمي لمواجهة تنظيم الدولة؛ ومايكل راتني المبعوث الخاص إلى سوريا؛ وديفيد ساترفيلد مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، يؤيدون نهجاً محدوداً تجاه سوريا يركز على هزيمة تنظيم الدولة، ومواجهة الأنشطة الإيرانية، ومن ثم إنهاء الأنشطة الأمريكية في سوريا، وفقاً لمصادر دبلوماسية.

ويبدو ماغورك منفتحاً بشكل خاص حول الجهود الدبلوماسية لموسكو، وقال للصحافيين الشهر الماضي: “لقد تعاملنا مع الروس حيال ذلك، وتحديداً حول ما كان يدور أذهانهم، وقالوا إن سوتشي سيكون نوعاً من تجمع الشخصيات السورية، ثم إن ما يحدث في سوتشي سوف يذهب مباشرة إلى جنيف”.
وأضاف: “ما لن نؤيده وما لن يكون له أي شرعية على الإطلاق سيكون عملية موازية تماماً لجنيف”. ولكن مع جلوس الولايات المتحدة في المقعد الخلفي في سوريا، يبدو أن دفع دبلوماسية موازية هو بالضبط ما يحدث.

المصدر: فورين بوليسي

الكاتب: كولوم لينش

الرابط: https://foreignpolicy.com/2018/01/08/dancing-to-russias-tune-in-syria/

 

ضع تعليقاَ