أبريل 25, 2024

أتلنتك كاونسل: بعد هزيمة تنظيم الدولة واستقواء نظام الأسد، هل هي بداية الأزمة السورية الثانية؟

من الصعب أن تخوض نقاشاً مع أحد السوريين دون أن يحدثك عن مدى الإحباط والاكتئاب الذي يشعر به، علماً أن هذه المشاعر تلازم السوريين منذ سنوات. فقد وقفت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما موقف المتفرج، ولم تتصدَ أو تعرقل حملة التقتيل والترويع التي استمرت طوال هذه السنوات ضد المدنيين، على يد نظام همجي وفاشل يستقوي بالدعم الروسي والإيراني لمواصلة جرائمه.

فضلاً عن ذلك، لم تفلح الإدارة الأمريكية في حماية مواطن سوري واحد من ممارسات هذا النظام القمعي، وذلك بتعلة أن التدخل الأمريكي سيجعل الأمور أكثر سوءاً. وتهدف هذه الذريعة الواهية لتبرير عجز واشنطن أمام عمليات القتل الجماعي. ومن ثم لم تحرك الإدارة الأمريكية ساكناً في حين أشاحت بنظرها عن الأبرياء الذين كانوا يُقتلون بوحشية. ويندرج كل ذلك في سبيل إنقاذ الاتفاق النووي الذي اعتبرته هذه الإدارة أفضل إنجاز لها على مستوى السياسة الخارجية.

عموماً، بالنظر لحجم الكارثة الإنسانية التي شهدتها سوريا وسوء الاختيارات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية، تعد الإصابة بالاكتئاب والإحباط بمنزلة أمر بسيط قد يعاني منه السوريون، أو لنقل المحظوظون منهم الذين نجوا من إرهاب الدولة ومضاعفاته على المستوى الإنساني والسياسي.

عندما تسلمت إدارة الرئيس ترامب الملف المتعلق بسوريا، وجدت نفسها في موقف سيئ للغاية؛ نظراً للتركة الثقيلة التي خلفتها إدارة الرئيس أوباما، التي نأت بنفسها واتخذت موقفاً سلبياً تجاه ما يحدث في سوريا. فهل تعمد إدارة الرئيس ترامب إلى تغيير هذه السياسة؟

في الواقع، يعتقد البعض من كبار المسؤولين في واشنطن أن هناك احتمالاً كبيراً أن تؤدي موسكو دوراً إيجابياً في تغيير الأوضاع في سوريا. فضلاً عن ذلك يدعم هؤلاء المسؤولون هذه الفرضية بشدة، حيث صرحوا أن “تدمير سوريا ليس من مصلحة روسيا، بل قد يشكل فخاً لموسكو، فضلاً عن مستنقع ستغرق فيه دون شك. في الأثناء،  ستنهار الدولة السورية بالكامل ولن تعود ذات فائدة بالنسبة للمصالح الروسية”.

وانطلاقاً من هذا المنهج في التفكير، تتطلع روسيا إلى عملية إعادة إعمار سوريا على اعتبارها أمراً ضرورياً، وفي الوقت نفسه تدرك موسكو أن الأطراف المانحة لن تقدم أي هبات أو قروض أو استثمارات للشعب السوري عن طريق نظام بشار الأسد، الذي لطالما عرف بسرقة مقدرات الشعب. ومن ثم فمن المنطقي أن تساند روسيا اقتسام السلطة في سوريا، ممَّا قد يسمح بتدفق الأموال اللازمة لإعادة الإعمار.

من جانب آخر، يؤمن هؤلاء المسؤولون الأمريكيون أن العلاقة بين موسكو وطهران انطلاقاً من سياقها التاريخي المليء بالعداء والتنافس، لن تكون علاقة ودية وتكاملية مطلقاً، في حين لن تؤدي لإعادة نظام الأسد إلى السلطة والوقوف في وجه التدخل الغربي.

في المقابل، يكمن المشكل في هذه التصورات والاعتقادات أنها أقرب إلى الخيال من الواقع، في حين تشجع فقط على التخاذل والسلبية. ومن ثم يمكن الجزم بأن هذا الأمر مجرد إعادة لسياسة باراك أوباما الفاشلة، حين اكتفى بتوجيه تحذير شفهي للإدارة الروسية، مؤكداً أن تدخلها في سوريا سوف يورطها في مستنقع لا مخرج منه.

في الظاهر، وكما هو معروف لدى الجميع، ما فتئ المسؤولون الروس يدعون العالم لإعادة إعمار سوريا. ولكن في الوقت الراهن، هل هناك أي مؤشرات جدية على أن موسكو تريد من بشار الأسد اقتسام السلطة بشكل حقيقي؟ وهل يوجد دليل على أن روسيا قادرة على إجبار الأسد على دعم حكومة وحدة وطنية في دمشق، والسماح بإرساء الحكم المحلي في المدن السورية؟

من الواضح أن نظاماً مجرماً مثل نظام الأسد لن يتمكن من تقاسم السلطة والحفاظ على وجوده في الوقت نفسه. من جهة أخرى، ومن دون شك، لن توافق إيران، الطرف الخارجي الحاضر بشكل دائم في سوريا، أن يبادر هذا الرئيس، التابع لها والخادم لمصالحها، إلى اقتسام السلطة مع أي طرف. ففي الواقع، وفي حال استئثار الأسد بالسلطة، فسيجعل سوريا تحت تصرف أداة إيران لممارسة الإرهاب والهيمنة في المنطقة، أي حزب الله.

ولسائل أن يسأل: هل أهداف موسكو وطهران في سوريا متعارضة؟  من وجهة نظر منطقية، ترغب روسيا في أن تكون سوريا دولة قوية قادرة على تحقيق الشراكة الثنائية، عبر التجارة وشراء السلاح وممارسة النفوذ الإقليمي. أما بالنسبة لإيران فتريد فقط أن تضمن أن يبقى حزب الله اللبناني تغلغلاً استراتيجياً في المنطقة، وتطويع سوريا لهذا الهدف فقط. في الأثناء، لن يكون مبدأ دعم نظام الأسد فقط كفيلاً بأن يجعل طهران وموسكو تتفقان. في المقابل، ربما يكون إقصاء النفوذ الغربي من سوريا، وإضعاف نفوذ الدول الغربية في المنطقة ككل مكسباً كافياً بالنسبة للرئيس بوتين والمرشد علي خامنئي، ودافعاً مقنعاً للتخلي عن الخلافات التاريخية بين روسيا وإيران.

فهل يستحق الأمر تجربة الوقوع في مستنقع الحرب السورية؟ قبل بضعة أشهر، وبعد تسلم إدارة ترامب لمهامها في البيت الأبيض، توقع البعض أن نيات روسيا تجاه مستقبل بشار الأسد ستتضح من خلال التطورات التي ستشهدها منطقة شرقي سوريا. بعبارة أخرى، في حال قررت موسكو استخدام القوة العسكرية لإعادة سيطرة النظام على المواقع التي خسرها تنظيم الدولة، فسيكون ذلك إشارة واضحة إلى أن موسكو تنوي دعم بشار الأسد حتى النهاية. وفي الوقت الراهن،  يبدو أن الأمور قد اتضحت أخيراً، حيث بادرت القوات الروسية بتمهيد الطريق أمام المقاتلين المدعومين من قبل إيران ومقاتلي النظام السوري، من أجل عبور نهر الفرات والتوجه نحو الشرق.

على العموم، من المهم للغاية في الوقت الراهن أن تعمل إدارة ترامب على دراسة الأوضاع بشكل ذكي، وتجتهد في تحديد سياسة  جديدة فيما يتعلق بالشأن السوري. علاوة على ذلك لا بد أن تقرر واشنطن ما ستفعله إن كانت تعتزم حقاً نبذ سياسة أوباما الذي اكتفى بتحذير الروس شفهياً من الغرق في مستنقع سوريا.

في الحقيقة، أصر كبار المسؤولين العسكريين في الولايات المتحدة على التركيز على هزيمة نظام الدولة شرقي سوريا. خلافاً لذلك، وفي الوقت الحالي، يشعر هؤلاء المسؤولون أن سوريا باتت بشكل فعلي ومتزايد مستنقعاً خطيراً للغاية مقارنة بما ورد في خطاب أوباما.

لدى سؤالهم عن المسائل المتعلقة بمرحلة ما بعد المعارك، والاستقرار، وتمركز قوات النظام والميليشيات الإيرانية ودورها في تقويض النظام في شمالي سوريا، غالباً ما يمتنع المسؤولون الأمريكيون عن قول الكثير، مكتفين بالتعبير عن أملهم في أن تصدر عن قيادتهم في واشنطن توجيهات سياسية وخطط محددة.

في الواقع، هذه الحالة من الغموض والتردد الحزين كان يمكن تجنبها. فعلى مدى سنوات كنت أطالب الحكومة الأمريكية بوضع خطة لهزيمة تنظيم الدولة، وجعل منطقة شرقي سوريا منطقة حظر طيران وغلقها بالكامل، ثم العمل مع السكان المحليين والمعارضة السورية من أجل إقامة إدارة محلية تتسلم زمام الأمور بعد طرد مقاتلي تنظيم الدولة. حقيقة، أنا لا أوجه تهماً لمن رفضوا الاستجابة لهذه النداءات، ولكن مع هزيمة تنظيم الدولة الوشيكة، لماذا لا يزال كبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين ينتظرون توجيهات سياسية بشأن تحقيق الاستقرار في مرحلة ما بعد الحرب؟ فهل يتعلق هذا الأمر بالدروس الصعبة التي تم استخلاصها من العراق وليبيا، والتي تمنعهم الآن من التحرك؟

عندما انضممت إلى معهد أتلنتك كاونسل في أواخر سنة 2012، كنت عازماً على تناول هذا الموضوع بشكل علني، بعد أن طرحته طوال 18 شهراً بشكل سري على الحكومة: الولايات المتحدة مطالبة بوضع استراتيجية واضحة في سوريا تقوم على خدمة مصالح الأمن القومي الأمريكي. ولكن ما دفعني إلى مغادرة الحكومة لم يكن الخلاف بشأن السياسات المتبعة، بل كان عجزي عن إقناع أصحاب القرار بأن الأهداف والاستراتيجيات تعد أمراً مهماً. لم أكن أعلم في أواخر سنة 2012، أن الملف السوري سيصبح مرتبطاً بالكامل بمساعي واشنطن لإنجاز الاتفاق النووي مع إيران، المتواطئة بالكامل مع نظام الأسد والتي  تدعمه في عمليات قتل السوريين من أجل إنقاذ نفسه، في إطار حملة قتل جماعي كان لها تأثير وصل صداه إلى أبعد من سوريا. وبغض النظر عمَّا قد يعتقده البعض بشأن الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في شهر تموز/يوليو سنة 2015، إلا أن الحفاظ على هذا الاتفاق لا يمكن أن يمنع الإدارة الأمريكية الجديدة من تحديد ما تريده في سوريا ووضع مخطط لتحقيق ذلك.

في سياق متصل، قد يكون الدواء الوحيد الذي سيخلص السوريين من حالة الاكتئاب والتشاؤم، معرفة أن عائلة الأسد وحاشيته ومعاونيه لن يتمكنوا في النهاية من قهر الشعب السوري. فقد لحق السوريين أذى شديد نتيجة الممارسات التي ارتكبها ضدهم هذا النظام القمعي، إضافة إلى شركائه الخارجيين الذين يدعمونه، والجماعات المتشددة التي تبدو في الغالب مدعومة ومحرضة من قبل نظام الأسد وداعميه.

في الوقت ذاته، يشعر السوريون أنهم قد تركوا بمفردهم من قبل الدول الغربية ودول المنطقة، التي لم تخلُ سياساتها من السلبية والمنفعية. ومن ثم فربما قد حان الوقت للتخلي عن المقاومة المسلحة التي اضطرت الثورة السورية إلى تبنيها ضد هذا النظام القاتل، علماً أن البعض قد استغل هذا الأمر لخدمة أجندات طائفية، وخيانة الشعب السوري بشكل يضاهي خيانة نظام الأسد له.

على الأرجح، ستسعى كل من إيران وروسيا لإنعاش هذا النظام التابع لهما وإبقائه في الحكم، وإعادة سيطرته على كامل سوريا. في المقابل، ربما تكون موسكو وطهران مخطئتين إذا ما اعتقدتا أن الشعب السوري قد أنهك بالكامل، وبات على استعداد للاستسلام، وأن الغرب سيقبل بالأمر الواقع.

في خضم سعيهما لتحقيق أهدافهما، ربما ستكتشف طهران وموسكو أن نظام الأسد الذي تدعمانه يفتقد إلى الشرعية والقوة اللازمة لإدارة بلد مثل سوريا. وفي الوقت الراهن، ربما يمتلك النظام ما يكفي من الأموال المهربة والمسروقة من أجل الاستمرار في هذه الحرب إلى أشهر أو إلى عدة سنوات، وهو أمر سيكون مرضياً بالنسبة لإيران وموسكو أيضاً.

خلافاً لذلك، لن يستطيع أحد تلافي الرغبة الجامحة التي يضمرها الشعب السوري في تحقيق الحكم الذاتي، للأبد، وحتماً لن يستطيع الروس ولا الإيرانيون ولا النظام الحاكم العميل لهم، أو الدول الغربية التي تتصرف بسلبية، كبت تلك الرغبة. ففي نهاية المطاف ستكلل شجاعة المواطنين السوريين العاديين وتضحياتهم، بالنجاح، وسيتمكنون من تحقيق الاستقلال وإرساء الحكم المحلي، ومحاسبة المجرمين وتركيز العدالة. ومن ثم سيضع السوريون حداً لحالة الاكتئاب المتواصلة التي عانوا منها.

الكاتب: فريدريك هوف

المصدر: أتلنتيك كاونسل

الرابط: http://www.atlanticcouncil.org/blogs/syriasource/dealing-with-depression

 

ضع تعليقاَ