أبريل 20, 2024

ريال كلير وورد: وعود ترامب في الشرق الأوسط هل يستطيع فعلاً تحقيقها؟ 

 

لم يقدم الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب الكثير من التفاصيل حول أولويات إدارته فيما يتعلق في الشرق الأوسط. لكنه بلا شك قدم عدداً من الوعود الآنية خلال حملته الانتخابية توضح ما ينوي القيام به هناك. ولكن السؤال الحقيقي يتعلق بنيته المستقبلية للحفاظ على هذه الوعود؟ وبشكل عام، قدم ترامب أربعة التزامات جريئة تجاه الشرق الأوسط وبلا شك ستلاحقه هذه الالتزامات خلال فترة مكوثه في البيت الأبيض وقد لا ينفذ ترامب وعوده هذه إما لعدم رغبته في ذلك أو لأنه ببساطة لن يستطيع القيام بهذا الأمر.

 

“سأقضي على داعش تماماً” – دونالد ترامب أثناء الحملة الانتخابية

من الناحية العسكرية لا يعني القضاء على عدو معين تدمير قدراته على المقاومة بشكل كامل ودائم. يمكن اعتبار الهدف هذا واقعياً في الصراعات التقليدية، لكنه ليس كذلك في الصراع مع عدو يشبه داعش. يمكن للولايات المتحدة أن تحرص على تآكل الدعم الذي تحصل عليه داعش وأن تزيد من تكلفة عمليات داعش على التنظيم نفسه، ويمكن لها ان تسيطر على أراضي داعش وأن تعطل هجماتها الإرهابية. لكنها لن تتمكن من تدمير قدرة جماعة إرهابية على المقاومة ولا حتى تغيير عقيدتها. وحتى أن مواجهة أيديولوجية وقدرة داعش على التجنيد والتبشير سوف تنطوي على صراع مطول للغاية وعلى الأرجح لن تكون له نهاية واضحة.

في مواجهة داعش، سيواجه ترامب عدواً يتسم بالمرونة والقدرة العالية على التكيف. هذا بالإضافة إلى حاجة شركاء الولايات المتحدة على اتخاذ قرارات وإجراءات معينة قد تكون ضد مصالحهم. ففي العراق مثلاً، إن لم تبذل الحكومة الشيعية – ومقرها بغداد-  جهداً منسقاً لعلاج مشاكل السكان السنة إلى حد ما وإعادة جمعهم ضمن إطار الدولة العراقية، وإن لم توقف الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران توسيع نفوذها على حساب السكان السنة في العراق أو لم تتوقف عن سعيها للانتقام من داعش، فإن إدارة ترامب سينتهي بها المطاف في مواجهة نسخة ثانية من تنظيم داعش في العراق مجدداً.

في الواقع، فإن العراق وسوريا ما تزالان مختبرات تكاثر ضخمة جداً لاحتضان وتنمية داعش.  وهكذا، فإن لم يكن بمقدور الولايات المتحدة العمل على “تجفيف المستنقعات” من أنصار داعش، وإن استمرت هذه الدول في التفكك ومزقتها الصراعات، واستمرت حكوماتها بإدارتها بشكل سيء فلا يمكن تجميعها مجدداً.

تأكيد ترامب في الآونة الأخيرة على كرهه لبناء الأمة يعني أن هذا لا يمكن ان يتم إلا لو كان لدى أمريكا عدد من الشركات المحلين والدوليين الموثوقين والمستعدين لتحمل مسؤولية كبيرة لإصلاح هذه الدول وتحمل المخاطر المالية الكبيرة ومخاطر فقدان الحياة في سبيل ذلك. علاوة على ذلك، فإن داعش وبمجرد تمكنها من السيطرة على مناطق وتوسيع نفوذها، فإنها لن تجد مشاكل كبيرة كما رأينا بالفعل في نشر مخالبها وغرسها في جميع أنحاء المنطقة والعالم.

الإدارة الجديدة – وعلى فرض أنها ستتابع جهود أوباما في الموصل والرقة – يمكن لها ان تمنع داعش من السيطرة على الأرض باعتبارها شبه دولة، لكنها لا تستطيع منع عمليات السلفية الجهادية – وغيرها من الجماعات – مثل القاعدة أو فتح الشام او غيرها. ولا يمكن القول بأن بمقدور الأسد وروسيا انجاز المهمة لوحدهما، وهكذا، يصبح القول بفكرة ترامب – ابرام صفقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتدمير داعش في سوريا – ضرباً من الخيال، خاصة لو بقي الأسد في السلطة واستمر في إظهار نيته في استعادة جميع الأراضي التي تسيطر عليها داعش هناك. وعلى الرئيس ترامب ان يكون دقيقاً هنا فيما وصفه “بقصف الجحيم” للتخلص من داعش وهو ما قال أنه سينفذه، حيث أن هذا سيمهد الطريق لخروج تنظيم القاعدة وفتح الشام وغيرها من الجماعات المتشددة من الدمار.

 

 

“أولويتي الأولى هي تفكيك الصفقة الكارثية مع إيران”  – دونالد ترامب أثناء الحملة الانتخابية

 

ليس بهذه السرعة، أثناء الحملة الانتخابية قال ترامب عدة أشياء متناقضة حول الاتفاق. وقال انه قد يسعى إلى إعادة المفاوضات حوله، وقال أنه “لن يمزق الاتفاق، لكنه سيضبطه بحيث لا يعطي للإيرانيين أي فرصة للاستفادة”. وهنا يجب على الرئيس المقبل أن يأخذ وقتاً في تقييم سلبيات وايجابيات ذا العمل المتهور، وبكل تأكيد سيقوم بذلك. ومن الواضح أن هناك سلبيات كبيرة للعمل من جانب واحد فيما يتعلق بالاتفاق، خاصة مع المعارضة شبه المؤكدة لكل من روسيا والصين والحلفاء الاوروبيين، فالضوء الأخضر الذي أخذته ايران لجلب المليارات من المجتمع الدولي سرع وضاعف وتيرة العمل الاقتصادي مع طهران، وبكل تأكيد فإن استئناف ايران لبرنامجها النووي سيسرع من وتيرة عملها للوصول إلى القنبلة النووية.

علاوة على ذلك، سيوجه انهيار الاتفاق ضربة مهينة للرئيس الايراني حسن روحاني وحلفائه، وهو ما سيرجح نتائج الانتخابات الايرانية المقبلة لصالح المتشددين، وهو ما سيزيد من قوة أعضاء المؤسسة الأمنية الإيرانية التي تتحكم في السياسات الإقليمية، والصقور الإيرانيون هنا سيصبحون الهاجس الأكبر لترامب وإدارته خلال الفترة المقبلة.

وفي حال الغاء الاتفاق، ستلقى كامل المسؤولية على واشنطن. وهكذا، ستكسب ايران دفعة في العلاقات العامة وميزة سياسية دون تحقيق الولايات المتحدة لأي ربح فوري، هذا عدا عن خسارة الولايات المتحدة لفرص التجارة في السوق الإيرانية. وباستخدام مقياس ترامب، فلا تبدو هذه النتيجة في صالح أمريكا ابداً.

هناك طرق أخرى للتعامل مع الاتفاق، ففي حالة ما أراد الرئيس القادم قتل الصفقة بإمكانه الصاق تهم لإيران بالمسؤولية عن دوامة العنف والموت، وهناك حل آخر بالضغط على إيران لتشديد بعض بنود الاتفاق. لكن الخيار الحكيم سيكون باستعراض بنود الاتفاق النووي، والسماح للكونغرس بتشديد العقوبات على قضايا مثل الإرهاب او التجارب الصاروخية البالستية التي تقع خارج إطار الاتفاق أصلاً. وبلا شك، فإن إدارة ترامب لن تدافع بجد عن الاتفاق النووي، لكنها بكل تأكيد ستسعى للحفاظ على مزايا الصفقة على اعتبار انها أداة مفيدة لتجنب أي ازمة في قوت مبكر مع إيران وحلفائها. وبالمثل، فإن تفكيك الاتفاق النووي او “برنامج أوباما للرعاية الصحية – Obamacare، دون التفكير ملياً بالتكاليف – او الخيار البديل- لن يظهر بشكل جذاب داخل أروقة البيت الأبيض كما فعل في الحملة الانتخابية.

 

“سننقل السفارة الأمريكية إلى العاصمة الأبدية للشعب اليهودي، القدس” – دونالد ترامب أثناء الحملة الانتخابية

 

حقاً، هل أنت جاد؟ هذا محور حديث آخر بدى أفضل خلال حملته الانتخابية مما هو عليه أثناء حكمه. اثنين من بين آخر ثلاثة رؤساء للولايات المتحدة – كلينتون وبوش43 – قدما تعهدات مماثلة خلال حملاتهم الانتخابية. لكن كلاهما، واوباما كذلك، استفادا من الاعفاء المنصوص عليه في قانون سفارة القدس عام 1995 لتجنب هذا الانتقال. وبشكل واضح، اثبت الرئيس المنتخب دونالد ترامب أن افعاله قد تبدو غير قابلة للتوقع، وانه قد يفعل او يقول أشياء لم يسبقه إليها غيره من قبل، لكن من الدقة بمكان القول بأن ترامب المرشح ليس نفس ترامب الرئيس. وبمجرد دخوله للبيت الأبيض فإن خطوة أحادية لنقل السفارة – مثل الغاء الاتفاق النووي- قد تبدو خطوة غير مبررة ولا حكيمة.

وهناك بالفعل طرق أخرى لإظهار الدعم لإسرائيل، فيمكن لإدارة ترامب ان تتجاوز الخلل في العلاقة بين حكومة نتنياهو وإدارة أوباما بشكل أفضل. إذاً، فلماذا تخاطر برد فعل عنيف من العرب والفلسطينيين في جميع انحاء المنطقة، ولماذا تعطي الجهاديين دعاية غير مسبوقة وفرصة باستخدام رمز ديني ذا حساسية عالية مثل القدس؟ ولماذا تقدم على مثل هذه الخطوة التي ستزيد من التعقيد في المفاوضات المتعثرة أصلاً بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وكل هذا يصدر من شخص قال انه يحب العمل كوسيط؟ من الصعب التصور بأن اعتى مستشاري ترامب للسياسة الخارجية سيدافعون عن سلبيات نقل السفارة او انهم يظنون ان ميزات الأمر تفوق سلبياته أبداً.

 

 

“كثيرون قالوا لي أنه من المستحيل تحقيق السلام في الشرق الأوسط..  لكني أملك ما يكفي من الاسباب للاعتقاد بقدرتي على فعل ذلك”  – دونالد ترامب أثناء الحملة الانتخابية

 

حقا؟ الغريب أن الرئيس ترامب خلال حملته تعهد مراراً بأنه سيتطوع للإشراف على القضية الفلسطينية الإسرائيلية. وأخذ وقتاً في وصف مهاراته الخاصة في التفاوض ومهارات زوج ابنته جاريد كوشنر كذلك. ومن الواضح ان هذا الموضوع يحظى باهتمام بالغ لديه. لقد فهم كل الرؤساء الأهمية المحورية للسلام في الشرق الأوسط، لكن أياً منهم لم يعرب عن ثقته بقدرته على حل الصراع التاريخي هناك علناً.

من بين كل الوعود الانتخابية المتعلقة بالشرق الأوسط والتي قدمها ترامب، يعد هذا الوعد الأكثر تعبيراً عن التفكير السحري. وإن كان هناك قضية في الشرق الأوسط لا تعمل وليست مجهزة للوضع النهائي، فستكون بالتاكيد قضية السلام الفلسطينية الإسرائيلية. والقضية الرئيسية التي تعوق وتسد الطريق امام البحث عن حل الدولتين لم تكن ابداً غياب قيادة الولايات المتحدة او الافتقار إلى المهارات التفاوضية من هذا الرئيس او وزير الخارجية ذاك، إنما الحقيقة أن اياً من الحكومة الإسرائيلية والقيادة الفلسطينية غير مستعدة ولا قادرة على تقديم هذا النوع من القرارات المطلوبة في القضايا الجوهرية مثل القدس واللاجئين، والتي من شأنها أن تمكن الوسيط الفعال من الوصول إلى حل يسد به ثغرات الأزمة بين الطرفين.

ولا يوفر العالم العربي – الذي يواجه جماعات إرهابية عابرة للحدود وينافس الإرهاب الطائفي المرير، ويواجه صعود ايران في المنطقة وحالة من انهيار وفشل الدول-  لا يوفر بيئة مناسبة للمخاطرة بحل الدولتين ودعم مشاركته. وهناك حالة من نقص التنمية الإقليمية بشكل غير متوقع وهو ما يجبر الفلسطينيين والإسرائيليين وبعض الدول العربية الى تغيير الحسابات والنفور من المخاطر، ويبدو أن هناك ضعفاً في الثقة حتى داخل ترامب وادارته نفسها حول القيام بمثل هذا الأمر وهو ما من شأنه أن يقلل من فرص ترامب الجادة لتحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

اكتشف الرئيس المنتخب فعلياً أن الحكم ليس كالحملة الانتخابية ابداً، ولقد رأينا الجانب العملي مؤخراً من ترامب، إذ تراجع عن كلامه بتدمير الاتفاق النووي او اتفاقات تغيير المناخ وقدم بعض المديح لهيلاري كلينتون. وعلى الرغم من الترابط العالي الذي اوجده العلماء السياسيون بين وعود الرئيس والتسليم، إلا أن ترامب قد يجد صعوبة في ترجمة وعود حملته الانتخابية إلى نقاط سياسة ملموسة حول الشرق الأوسط. وسيكتشف، كما فعل اسلافه ان الولايات المتحدة عالقة في تلك المنطقة بين عدد من الخيارات السيئة او شبه المستحيل.

وما بين الانتقال من الحملة إلى دفة الحكم، قد يجد ترامب نفسه محصوراً بسياسات غير مريحة وصريحة في الشرق الأوسط وقد يجد نفسه مضطراً للاستمرار في سياسات أوباما هناك على عكس ما تصوره او تمناه. وقد ينتهي الامر بترامب يعيد نفس السياسات التي انتقد الإدارة السابقة عليها.

 

آرون ميلر: نائب رئيس مركز وودرو ويلسون، محلل مستشار متخصص في مفاوضات الشرق الأوسط

ريتشارد سوكولسكي:  زميل باحث في معهد كارنيجي للسلام الدولي.

 

هذا المقال مترجم من موقع ريال كلير وورد، للإطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا

ضع تعليقاَ