مارس 29, 2024

الديبلوماسية الاقتصادية: كيف تغير العالم في سنة 2018؟

ظهور السياسات الجيواقتصادية

غريغ إيرل

هذه المادة مترجمة من موقع معهد لوي

في آخر مرة أراد فيها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما إعادة تشكيل العلاقة مع آسيا سنة 2016، اعتمد نفس العبارات التقليدية المتعلقة بالليبرالية والتعاون متعدد الأطراف، وتحدث عن ضرورة صياغة قواعد للشراكات العابرة للمحيط الهادئ تكون صالحة للقرن الواحد وعشرين.

ولكن عندما وصل نائب الرئيس مايك بينس إلى بورت مورسبي في بابوا غينيا الجديدة في تشرين الثاني/ نوفمبر، أحضر معه هذه المرة أدوات عمل جديدة: معدات لتشييد قاعدة بحرية في جزيرة مانوس، وأسلاك لجعل السياج الأمني كهربائيا.

لقد شهدنا خلال سنة 2018 تأثيرات فعلية للسياسات الجيواقتصادية على الصعيد السياسي الدولي، على الرغم من أن الاعتبارات الأمنية كان لها تأثير أكبر على التجارة الدولية والاستثمار.

وفي إطار المقاربة القديمة في التجارة الدولية، كانت السياسات تُبنى على تعليمات المؤسسات المالية الكبرى، مثل صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، وكان السياسات الاقتصادية تُنفذ بشكل منفصل عن المسائل الأمنية على غرار جهود الحد من انتشار السلاح النووي.

والآن، بدأت مؤسسات جديدة على غرار المركز الأسترالي لأمن المنشآت الحساسة، بطرح الهواجس الأمنية المتعلقة بالإرهاب والصعود الذي تحققه الصين، لتضع هذه المسائل في قلب عملية صنع السياسات الاقتصادية. ومن جهتها، عملت أستراليا على إعادة صياغة جهودها الدبلوماسية الاقتصادية، لتصبح دبلوماسية اقتصادية تجارية، إلا أن العالم يشهد تغييرا أسرع بكثير من الخطوات التي تتخذها أستراليا.

أكثر من عالم واحد

من أبرز وأهم عمليات الانتقال من العولمة الليبرالية إلى السياسات الجيواقتصادية، المعركة المكشوفة بين الولايات المتحدة والصين من أجل السيطرة على مفاتيح مستقبل التكنولوجيا، بداية من الذكاء الاصطناعي، وصولا إلى شبكات الجيل الخامس للاتصالات. وهذا يعني أنه حتى في حال تسوية النزاعات القائمة حاليا بين البلدين بشأن مواضيع تجارية تقليدية، في ظل ما يدور بينهما من إجراءات وإجراءات مضادة لحماية الاقتصاد، فإن المنافسة بينهما من أجل السيطرة على التقنيات المتطورة سوف تتواصل على المدى البعيد.

ولطالما لعبت المؤسسات العسكرية دورا في هذا المجال (مثل المساهمة في تطور الإنترنت)، كما أن طريقة التفكير التقليدية للمؤسسات المالية الكبرى تعتبر هذه المنافسة سباقا من أجل التجديد يدور بين مختلف الثقافات الصناعية (على غرار ثنائية وادي السيليكون في مواجهة علي بابا).

ولكن يبدو أن المزاج السائد خلال هذا العام في الولايات المتحدة والصين قد اتجه بشكل حاسم نحو القبول، وحتى الرغبة في انقسام العالم إلى دائرتي تنافس تقني، إحداهما أمريكية والأخرى صينية، مهما كان ثمن هذا الانقسام من حيث الفعالية الاقتصادية. أما بقية الدول فستُجبر على اختيار الطرف الذي ستقف إلى جانبه.

وهذا في حد ذاته، سوف يعتبر ضربة لاقتصاديات العولمة التقليدية، وقد يؤدي أيضا لفسح المجال للمزيد من التمترس والاصطفاف. وخلال زيارة له إلى أستراليا في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، توقع منشين باي، وهو ناقد لسياسات الهيمنة الصينية يعيش في الولايات المتحدة، أن ثمانين بالمائة من القواعد والقوانين المنظمة لقطاع التكنولوجيا في العالم ستنتج عن هذه المنافسة.

ديمقراطية البنية التحتية

خلال 2018، تم الاحتفال بمرور خمس سنوات على إطلاق المشروع الإقليمي الصيني المسمى “مبادرة الحزام والطريق”، وكان الأمر أشبه بطفل يطل من شرفة منزله نحو الشارع وهو يتساءل عما إذا كانت هناك حفلة أخرى أكثر متعة تجري في مكان آخر.

في المقابل، تغيرت وجهة التعاون الذي ظهر بين الولايات المتحدة واليابان وأستراليا ودول أخرى في مشاريع البنية التحتية (مثل الكهرباء في بابوا غينيا الجديدة)، وبات التركيز أكثر على تحقيق بنية تحتية إقليمية أكثر تنافسية، مع الاعتماد على معايير أكثر شفافية. وقد تكون المساعدة على وضع معايير أفضل حلا أنجع من الاكتفاء بضخ المزيد من الأموال، بالنظر للتمويل المعروض من القطاع الخاص للمشاريع المناسبة لهذه المنطقة.

ولا تزال مبادرة الحزام والطريق أضخم جزء من منافسة البنية التحتية الدائرة حاليا، مع إمكانية وجود عدة مئات من مليارات الدولارات الموجهة نحو هذا المخطط الغامض المتعلق بصرف مبلغ يصل إلى واحد تريليون دولار أمريكي على مدى عشر سنوات. ولكن الولايات المتحدة، في المقابل، تتحدث عن مضاعفة اعتماداتها المالية المخصصة للتنمية لتصل إلى 60 مليار دولار.

خلال هذا الأسبوع، تم الإعلان عن تحديث الموازنة العامة في أستراليا، حيث تبين أن المساعدات المالية الموجهة لمشاريع البنى التحتية في المحيط الهادئ التي أقرها رئيس الوزراء سكوت موريسون، تتضمن 1.5 مليار دولار في شكل قروض، و500 مليون دولار في إطار منح، ولكن حجم المصاريف الفعلية خلال السنوات الثلاث في السنة المالية 2019-2020، لن يتجاوز 89 مليون دولار.

كما أثارت العودة المفاجئة لأستراليا نحو بناء الموانئ والمولدات الكهربائية (أو البنية التحتية الصلبة) من خلال مساعداتها المالية التنموية، سؤالا آخر يتمحور حول ما الذي سيحدث للتركيز السابق على الحوكمة (أو البنية التحتية الناعمة) الذي كان قائما على مدى العقدين الماضيين. ففي الواقع، ليست الموانئ ومحطات التيار الكهربائي ذات قيمة أمنية كبيرة فقط، بل يمكن أيضا تسويقها بسهولة لجمهور الناخبين المحليين المتشككين. ولكن هل يعني هذا أن مسؤولية الحوكمة ستنتقل أكثر نحو البنوك متعددة الشركاء، التي كانت أكثر مشاركة في مشاريع البنية التحتية الصلبة؟

وفي حين مثّل التنافس المالي على مبادرة الحزام والطريق سمة غالبة خلال 2018، فإن الانتكاسة الأكثر إثارة للاهتمام وقعت في ديمقراطيات المنطقة، التي مثلت فيها القروض الصينية موضوعا انتخابيا ساخنا، خاصة في بلدان مثل باكستان والمالديف وسريلانكا وماليزيا.

أما الانتخابات التي ينبغي متابعتها خلال السنة المقبلة ستدور منافساتها في إندونيسيا، حيث باتت شعبية الرئيس المعروف بـ “أب التنمية” تعاني تراجعا بسبب طريقة إدارة المشاريع الممولة من الصين، على غرار مشروع “باندونغ للقطار السريع”.

التجارة دون الاتفاق

سيكون لهذه المعركة الجديدة حول الهيمنة العالمية تبعات على عديد الدول، من بينها أستراليا التي تجد نفسها أمام اختيار صعب؛ بين الحليف الأمني واشنطن، وشريكها التجاري الأول والأهم بكين.

لقد أثر فقدان الثقة في العولمة، التي أتت بها المؤسسات المالية الدولية التقليدية، على عمليات التفاوض التجاري خلال سنة 2018، في ظل فقدان منظمة التجارة العالمية لدورها بشكل متزايد، وسط تشكيلة كبيرة من الاتفاقات التجارية الجانبية؛ مثل إعادة صياغة اتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادئ، واتفاق أمريكا الشمالية الجديد.

وجدت أستراليا نفسها على هامش هذا العالم، الذي ظهر على أنقاض النموذج التجاري متعدد الأطراف الذي كان سائدا في السابق، بينما كانت تحاول تجاوز فشل مفاوضاتها التي طال أمدها مع الهند. وقد حدث هذا الفشل على الرغم من أن البلدين لهما مصلحة مؤكدة في إقامة علاقة أمنية أقوى من أجل مواجهة الصين.

كما تلقى الاتفاق التجاري مع إندونيسيا ضربة موجعة، بسبب قرار رئيس الوزراء سكوت موريسون منح الأولوية للعلاقة الأمنية مع إسرائيل، على حساب الفوائد المالية المترتبة عن تحسين التعاون الاقتصادي مع إندونيسيا، التي تعد رابع أكبر اقتصاد في العالم.

قام الدبلوماسي السابق بيتر فارغيز بوضع “استراتيجية اقتصادية للتعامل مع الهند”، للعصر الجيواقتصادي الحالي، من خلال تجاوز التركيز التقليدي على مسألة خفض العوائق التجارية، والانتقال نحو مقاربة أكثر فاعلية في المستقبل. وهذا يتضمن في نفس الوقت مقاربة حكومية أكثر تدخلا في القطاع الاقتصادي على الرغم من أن هذا الأمر معارض للنظريات الاقتصادية الليبرالية، والمزيد من التعاون الرسمي بين الدولة والشركات، على غرار ما حدث مع سنغافورة.

ولعل أكثر ما يثير الاهتمام هو أن الحكومة الأسترالية المقبلة التي سيشكلها على الأرجح حزب العمال، تريد تكرار هذه التجربة بأكملها مع إندونيسيا، وهو ما يشترط الحصول على دعم من مختلف الأحزاب لهذه الدبلوماسية الاقتصادية المتعلقة بعصر السياسات الجيواقتصادية.

ضع تعليقاَ