مارس 29, 2024

تفاصيل الورقة غير الرسمية التي سلمتها الولايات المتحدة لتركيا بخصوص الانسحاب من سوريا

لم يقدم المسؤولون الأمريكيون أي تفاصيل محددة حول خطة الانسحاب الأمريكي، أثناء زيارة جون بولتون إلى أنقرة، وعوضا عن ذلك قدموا ورقة غير رسمية للنقاش

نشر موقع “ميدل أيست آي” تفاصيلاً حصرية حول وثيقة خاصة سلمها مسؤولون أمريكيون لتركيا تتعلق بتفاهمات الانسحاب الأمريكي من سوريا والشروط الخمسة التي تريد الولايات المتحدة من تركيا الالتزام بها، فيما يلي الترجمة الكاملة للتقرير الذي نشره موقع “ميدل آيست آي” حول هذه الوثيقة

لم يقدم الدبلوماسيون والعسكريون الأمريكيون أي تفاصيل محددة لنظرائهم الأتراك حول مخططات واشنطن بشأن سحب قواتها من شمال سوريا، أثناء زيارة مستشار الأمن القومي جون بولتون إلى أنقرة يوم الثلاثاء، وذلك حسب معلومات حصل عليها موقع “ميدل إيست آي” البريطاني.

كان المسؤولون الأتراك يتوقعون من بولتون والمحيطين به أن يحضروا معهم مسودات مخططات لسحب حوالي ألفي جندي أمريكي منتشرين في المنطقة في إطار الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد مقاتلي تنظيم الدولة. وتأتي هذه التطورات على إثر إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال الشهر الماضي عن اعتزامه سحب هذه القوات من سوريا.وعوضا عن ذلك، قدم الوفد الأمريكي ما وصفه المسؤولون الأتراك بأنه “ورقة غير رسمية”، تتمثل في مذكرة ديبلوماسية ليست ذات طابع رسمي، تتضمن قائمة بمواقف واشنطن إزاء عدد من المسائل المفتوحة للنقاش.

تقترح هذه الوثيقة المكونة من خمس نقاط حلا تفاوضيا للتعامل مع المخاوف الأمنية التركية حيال وحدات حماية الشعب الكردي، وهي الميليشيا السورية الكردية التي تتهمها أنقرة بالارتباط بمنظمة حزب العمال الكردستاني المحظورة، على الرغم من أن هذه الميليشيا لعبت دورا أساسيا كحليف للولايات المتحدة على الأراضي السورية في الحملة ضد تنظيم الدولة.

جددت هذه الوثيقة التأكيد على أن الانسحاب الأمريكي سيكون مدروساً ومنظماً، إلا أن المسؤولين الأمريكيين لم يفصحوا عن أي معلومات عملياتية ولم يناقشوا جدولاً زمنياً أو مخططاً لما بعد الانسحاب، وذلك حسب تصريحات مسؤول تركي تحدث إلى “ميدل إيست آي” شريطة عدم الكشف عن هويته التزاما بالبروتوكول الحكومي.

إلى جانب جون بولتن، شهدت جلسة الاستماع التي دامت حوالي ساعتين في القصر الرئاسي حضور الجنرال جوزيف دانفورد، رئيس هيئة الأركان المشتركة والضابط الأعلى رتبة في الجيش الأمريكي والمستشار العسكري الأبرز لدونالد ترامب وكبار المسؤولين في واشنطن، إلى جانب جيمس جيفري، المبعوث الأمريكي الخاص إلى تحالف محاربة تنظيم الدولة. أما المسؤولون الأتراك الذين حضروا هذه المحادثات، فقد تقدمهم إبراهيم كالين، المتحدث باسم الرئاسة التركية.

المخاوف بشأن وحدات حماية الشعب الكردي

قال المسؤول التركي إن الرسالة الأساسية التي حملها الأمريكيون هي التعبير عن مخاوفهم بشأن سلامة مسلحي وحدات حماية الشعب الكردي إثر الانسحاب الأمريكي. ويشار إلى أن تركيا تمتلك قوات على الأرض في المناطق التي يسيطر عليها الثوار غرب نهر الفرات في شمال سوريا، إذ تعتبر أنقرة الميليشيات الكردية تهديدا أمنيا لحدودها الجنوبية. لذلك هددت تركيا بإطلاق عملية عسكرية تعبر الفرات نحو المناطق التي تخضع حاليا لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردي وحلفائها.

في تصريح له لموقع “ميدل إيست آي”، تحدث مسؤول كبير في إدارة ترامب، مُطلع على أهداف هذا اللقاء، عن الشروط الخمسة التي تم تسليمها للمسؤولين الأتراك. ويتمثل الشرط الأول في تجديد الولايات المتحدة تأكيدها على أن انسحاب قواتها التي تحارب تنظيم الدولة في شمال شرق سوريا سوف يتم بطريقة مدروسة ومنظمة وقوية. أما الشرط الثاني فيؤكد التزام الولايات المتحدة في هذه الورقة غير الرسمية بالقضاء على بقايا تنظيم الدولة ومواصلة تدمير أهداف تابعة للتنظيم أثناء فترة الانسحاب.

وعلى الرغم من أن مقاتلي تنظيم الدولة طُردوا من أبرز البلدات والمدن التي كانوا يسيطرون عليها في الماضي، إلا أن القتال بين القوات المدعومة من واشنطن ومسلحي تنظيم الدولة مستمر في وسط نهر الفرات، بينما تواصل الولايات المتحدة إطلاق غارات جوية لدعم القوات الحليفة لها. وحيال هذا الشأن، أشار المسؤول الأمريكي إلى أنه “كما ذكر الرئيس، فإن الولايات المتحدة سوف تحافظ على كل القدرات اللازمة للعمليات الضرورية لمنع عودة تنظيم الدولة”.

ثالثاً، أعلنت الولايات المتحدة أنها تريد حلا تفاوضيا لمعالجة المخاوف الأمنية التركية فيما يتعلق بوحدات حماية الشعب الكردي. في هذا السياق، قال هذا المسؤول إن “الولايات المتحدة سوف تتعاون مع تركيا وباقي أعضاء التحالف لمواصلة العمليات ضد تنظيم الدولة ومنع الاشتباكات في أجواء شمال شرق سوريا. كما أن الولايات المتحدة تعارض أي إساءة معاملة لقوات المعارضة التي قاتلت إلى جانبها ضد تنظيم الدولة”.

انسحاب القوات المدعومة من إيران

رابعاً، أوضح هذا المسؤول أن الولايات المتحدة سوف تواصل المطالبة بانسحاب القوات المدعومة إيرانيا من سوريا، وإيجاد حل سياسي لسوريا. ويُذكر أن الرئيس السوري بشار الأسد اعتمد بشكل كبير على الدعم العسكري الإيراني أثناء الحرب الأهلية التي استمرت لمدة ثماني سنوات، وكان ضمن هذا الدعم وحدات الحرس الثوري وميليشيا حزب الله المدعومة من إيران.

وذكر هذا المسؤول أن الولايات المتحدة لن تنسحب من قاعدة التنف في الوقت الحالي، وهي المنطقة التي تمثل الموقع العسكري الوحيد حاليا في جنوب سوريا الذي يوفر الملجأ لبعض قوات الجيش السوري الحر واللاجئين. كما أن هذه القاعدة القريبة من الحدود العراقية والأردنية، تمثل موقعا استراتيجيا في مواجهة القوات الإيرانية والفصائل التابعة لبشار الأسد في المنطقة.

وأخيراً(خامساً)، أوضحت الولايات المتحدة أن الإفراج عن مسلحي تنظيم الدولة، الذين وصفهم المسؤول الأمريكي بأنهم “إرهابيون أجانب”، والذين لا تزال تحتجزهم قوات سوريا الديمقراطية المكونة أساسا من وحدات حماية الشعب الكردي، هو أمر غير مقبول. واعتبر هذا المسؤول أن إيجاد ترتيب مناسب لهؤلاء السجناء يجب أن يكون على رأس الأولويات.

ويُشار إلى أن قيادات قوات سوريا الديمقراطية هددت خلال الأسابيع الماضية بإطلاق سراح هؤلاء السجناء، متحججين بأنهم يعانون من نقص العنصر البشري ويخشون من خطر التعرض لهجمات تركية من الشمال. 

وذكر مصدر مطلع على المحادثات التي جرت في أنقرة أن المسؤولين الأتراك خلال هذا اللقاء وافقوا على عدم تنفيذ أي عمليات عسكرية ضد أهداف تابعة لوحدات حماية الشعب الكردي، بينما لا تزال القوات الأمريكية في سوريا. ولكنهم كرروا موقف أنقرة التي تعتبر وحدات حماية الشعب الكردي منظمة إرهابية، تمتلك تركيا كل الحق في إبعادها عن حدودها.

وفي مقابلة له مع قناة “أن تي في” التركية يوم الخميس، صرح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بأنه يمكن أن يتم إطلاق عملية عسكرية إذا أخرت الولايات المتحدة انسحابها وتحججت بذرائع واهية. وقال جاويش أوغلو: “نحن عازمون على الأرض وعلى طاولة المفاوضات، وسوف نقرر الوقت بأنفسنا ولن ننتظر إذنا من أي أحد”.

وذكر المصدر الأمريكي أن بولتون بحث أيضا في حالة المفاوضات بين تركيا وروسيا حول مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي. وردا على تساؤلاته، رفض المسؤولون الأتراك الكشف عن أي تفاصيل حول اتصالاتهم الديبلوماسية مع موسكو.

120 يوما

يتوقع المسؤولون الأتراك أن الانسحاب الأمريكي سوف يحدث خلال 120 يوما. وحسب المصدر الأمريكي فإن المسؤولين الأمريكيين يحتاجون خلال هذه الفترة لإظهار حسن النوايا من أجل تبديد المخاوف التركية. ومن جهتهم، دعا المسؤولين الأتراك نظراءهم الأمريكيين إلى الالتزام بخارطة طريق منبج التي تم الاتفاق عليها مسبقا، والمسارعة بإخراج وحدات حماية الشعب الكردي من هذه البلدة، إلى جانب مجلسها العسكري. وفي حال لم يحدث هذا الأمر، فإن قوات النظام السوري أو القوات الروسية يمكن أن تسيطر على هذه البلدة. وقد بدأت الشرطة العسكرية الروسية، مسبقا، بتسيير دوريات في المنطقة قرب بلدة منبج، بحسب تقرير للتلفزيون الحكومي الروسي يوم الأربعاء.

على إثر اللقاء في المجمع الرئاسي في أنقرة، التقى دانفورد بشكل مستقل مع وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، ونظيره التركي الجنرال ياسر غولر. وقد ركزت التصريحات التركية والأمريكية حول هذا اللقاء بين القيادات العسكرية من الجانبين، على الحاجة للتنفيذ السريع لما تبقى من مكونات خارطة طريق منبج.

 ويقول مدير الدراسات الأمنية في مركز سيتا في أنقرة، مراد يشيلتاش، إن “منبج يمكن أن تكون أول منطقة يتم فيها إحراز تقدم نحو حل واسع النطاق يمكن تنفيذه”. وأضاف مراد يشيلتاش: “هناك تفاهم بين تركيا وروسيا حول منبج أيضا”. وهناك علامات أخرى في الإعلام التركي تشير إلى على أن الاتفاق حول منبج هو أمر محتمل.

مقترح بشأن نقل ضريح سليمان شاه

يوم الأحد، كتب حسن بصري يالسين، المحرر في صحيفة “صباح” التركية، أن تركيا يجب أن تقوم بعملية عسكرية تعيد بها ضريح سليمان شاه إلى موقعه الأصلي قرب منبج. فهذا الضريح التابع للسيادة التركية بموجب اتفاقية بين سوريا وتركيا، نُقل من الضفة الشرقية لنهر الفرات نحو الحدود التركية بالقرب من مدينة كوباني السورية سنة 2015.

أما إدارة ترامب، فقد واصلت إرسال إشارات متناقضة حول مخططات انسحابها يوم الأربعاء. كما جدد وزير الخارجية مايك بومبيو تأكيده على أن قرار ترامب كان واضحا، وأن التهديدات التركية ضد أكراد سوريا لن تمنع عملية الانسحاب.

وعند سؤاله في إربيل عما إذا كانت ضغوط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن حماية الأكراد تضع كامل عملية الانسحاب في خطر، أجاب بومبيو المراسلين: “لا، نحن نجري محادثات معهم حتى عندما نتحدث حول كيفية تنفيذنا لهذه العملية بطريقة تحمي قواتنا. من المهم جدا أن نقوم بكل شيء في وسعنا لضمان أن يحظى هؤلاء الأشخاص الذين قاتلوا معنا بالحماية، وقد قدم أردوغان التزاما وهو يفهم هذا الأمر”. ويقول يشيلتاش إن “المسؤولين الأتراك لا يريدون القيام بأي شيء يسبب نتائج عكسية ويدفع ترامب للعدول عن قرار الانسحاب”.

ضع تعليقاَ