مارس 19, 2024

تصويت الجمعية العامة بشأن القدس بعيون الصحافة الغربية والإسرائيلية

شكل قرار ترامب بخصوص القدس تحديا حقيقيا للإرادة الدولية، حيث اتجهت العديد من الدول الى الهيئة الأممية العالمية “الأمم المتحدة” مستخدمة في ذلك كل الآليات الدبلوماسية، تقنيات التفاوض والضغط للحيلولة دون تنفيذ هذا القرار، وقد عرقلت الولايات المتحدة هذا الأسبوع قرارا لمجلس الأمن باستخدام الفيتو، لكن العديد من الدول قررت التوجه نحو الجمعية العامة التي لا تتضمن الاجماع كآلية لاتخاذ القرار بل يكفي أن يصوت الثلث من الدول الأعضاء حتى يمر القرار الدولي، وقد قدم مشروع القرار  للتصويت على مستوى الجمعية العامة وصوتت 128 دولة لصالح القرار، 9 ضد القرار فيما امتنعت 35 دولة عن التصويت، حظي قرار الأمس بتغطية واسعة من الصحف العالمية بل وتصدر أغلبها، حيث وصفت الغارديان بقلم باتريك وينتور- دبلوماسي سابق- في عنوان شديد اللهجة  سلوك ترامب “بالبلطجة” وجاء كالتالي ” تسلط وبلطجة ترامب بخصوص القدس خبر سيئ للأمم المتحدة”. حيث حاول كاتب المقال ابراز التناقض الموجود في خطابات ترامب على مستوى الهيئات الأممية، ففي مناسبات سابقة ركز على قيم التنوع والاختلاف واحترام آراء وارادات الدول، لكن في أول اختبار سقطت كل هذه المبادئ بل وتحولت تحولا جذريا من التفهم والقبول الى الرفض والتهديد والابتزاز، كما أشار باتريك وينتور الى مصطلح القوة الناعمة الذي تبناه المنظر جوزيف ناي وقال إن الدبلوماسية الأمريكية مؤخرا تحولت الى قوة صلبة وليس قوة ناعمة، كما وصف حق الفيتو بالمؤشر المخيف والمعيق للحلول التي تقترحها دول كثيرة.

أما وول ستريت جورنال فلم تختلف كثيرا عن الغارديان وجاءت المادة المنشورة للكاتب فرنار فاشيني تحت عنوان ” تصويت الأمم المتحدة يوبخ أمريكا بشأن قرار القدس“. حيث يرى الكاتب أن التهديدات بقطع المساعدات المالية لم تجدي نفعا والتصويت بالأغلبية هو صفعة وتوبيخ للولايات المتحدة الأمريكية.

أما فوكس نيوز فتناولت الموضوع من زاوية مختلفة، حيث كتبت خبراً بعنوان ” نيكي هالي تعلن تنظيم استقبال للدول التي دعمت الولايات المتحدة في الأمم المتحدة”. حيث وجهت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هالي دعوة يوم الخميس الى ال 65 دولة التي صوتت ضد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة للتنديد باعتراف الرئيس ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل والدول التي امتنعت عن التصويت. وكانت الدعوة إلى حفل استقبال ب 3 يناير خطوة رمزية من الولايات المتحدة لشكر الدول على صداقتهم ووفائهم لها.

في الشأن نفسه كتبت الإندبندنت مقالا توضيحيا بقلم جيريمي وايت وتحت عنوان:” تصويت الأمم المتحدة في القدس: ماذا تعني الهزيمة بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة والفلسطينيين؟“، حيث حاول توضيح حيثيات القرار ودلالاته لكل من إسرائيل وفلسطين والولايات المتحدة الأمريكية، وانطلق الكاتب من مسلمة مفادها أن قرار ترامب يثير الشكوك حول السياسة الخارجية الأمريكية وحول دورها في صنع السلام في الشرق الأوسط، وتساءل بعدها عن مضمون القرار “على ماذا صوتوا” حيث كان القرار رد فعل على اعتراف دونالد ترامب رسميا بالقدس عاصمة لإسرائيل. ويشدد القرار على ضرورة حل مشكلة القدس من خلال المفاوضات ويعرب عن “أسفه الشديد” للمضمون واعلانه باطلا ولاغيا”. وفي إشارة إلى تعهد ترامب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، فإن قرار الجمعية العامة يحث “جميع الدول على الامتناع عن إنشاء بعثات دبلوماسية في مدينة القدس الشريف”. ماذا يعني هذا بالنسبة لإسرائيل؟ بالنسبة لإسرائيل، أكد هذا التصويت أساسا الوضع الراهن على الصعيد العالمي: في حين يرى كثير من الإسرائيليين أن القدس عاصمتهم الأبدية غير المجزأة، فإن الكثير من العالم يرى أن السيطرة الإسرائيلية على المدينة هي مطالب غير مشروعة بغنائم الحرب التي تم الاستيلاء عليها في نزاع عام 1967، ماذا عن الفلسطينيين؟ هو دليل آخر لصالح الفلسطينيين ويوضح أنهم يتمتعون بتأييد واسع لقضيتهم، بما في ذلك في الأمم المتحدة، وهي مؤسسة كانت متعاطفة تاريخيا مع كفاحهم. وأشاد متحدث باسم الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالتصويت على أنه “انتصار لفلسطين”، واقترح أن تعتبر القيادة الفلسطينية الهيئة الدولية، وليس أميركا، الشريك الأفضل في مسيرتها نحو تقرير المصير. أما بالنسبة لترامب اعترافه رسميا بالقدس عاصمة إسرائيل، هو تجاوز لاعتراض المجتمع الدولي. كما أن ترامب ارتكب خطأ عندما هدد الدول بقطع المساعدات، لكن وصف الكاتب سياسات ترامب ب “المتسقة” مع شعار حملته الانتخابية “أمريكا أولاً”.

من زاوية أخرى نقلت الهافنغتون بوست موقف المدير السابق لجهاز الاستخبارات الأمريكي جون برينان، وكتبت ماري بابنفوس الخبر بعنوان ” ترامب نرجسي وحاقد بخصوص قرار الأمم المتحدة” وفي تغريدة على تويتر وُصف ترامب بأنه يشبه الحكام “المستبدين النرجسيين”، كما أنه حذر من تبعات ذلك على الأمن القومي الأمريكي.

في عنوان مشابه قالت رويترز بأن “أكثر من 120 دولة في الأمم المتحدة تتحدى قرار القدس”. فبالرغم من تهديدات واشنطن، فقد وجدت الأخيرة نفسها معزولة عندما صوت العديد من حلفائها الغربيين والعرب لهذا الإجراء. وبعض هؤلاء الحلفاء، مثل مصر والأردن والعراق، هم من المتلقين الرئيسيين للمعونة العسكرية أو الاقتصادية الأمريكية، على الرغم من أن التهديد الأمريكي بخفض المساعدات لم يحدد أي بلد. ووصف المتحدث باسم الرئيس الفلسطيني المدعوم من الغرب محمود عباس التصويت ” انتصارا لفلسطين “. ورفض رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو التصويت. وجاء عنوان نيويورك تايمز مشابها “تحدي ترامب، الجمعية العامة للأمم المتحدة تدين المرسوم الأمريكي بشأن القدس”.

حاولت تايمز أوف إسرائيل قياس مدى جدية تهديدات ترامب بقطع المساعدات المالية، وذكر أهم الدول المستفيدة من المعونات، وعنونة الخبر كالتالي “تهديد الأمم المتحدة علامات قليلة على تنفيذ التهديد”، وقالت الصحيفة أن ترامب يواجه سؤالا كبيرا فحواه “ما مدى مصداقيته العالمية؟” في واشنطن، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية هيذر نويرت أن قطع الدعم على الدول التي عارضت الولايات المتحدة ليس أمرا مفروغا منه، مضيفة “أن فريق السياسة الخارجية للرئيس قد تم تفويضه بدراسة خيارات مختلفة للمضي قدما مع هذه الدول “. وقال مسؤول كبير في ادارة ترامب أنه “لا توجد خطة للمضي قدما في قطع المساعدات”، من بين أفضل 10 مستفيدين من المساعدات الأمريكية هذا العام، صوتت إسرائيل فقط “لا” أما بقية الدول فتحدت ترامب بالتصويت “نعم”، باستثناء كينيا، التي لم تصوت. أفغانستان، التي تم تخصيص حوالي 4.3 مليار دولار أمريكي من أموال الولايات المتحدة في عام 2017، صوت “نعم” لتوبيخ ترامب. وصوتت ب “نعم” مصر التي تلقت ما يقرب من 1.4 مليار دولار من المساعدات الأمريكية والأردن التي تلقت حوالي 1.3 مليار دولار. وعلى الرغم من أن الدولتين العربيتين شريكتان أمنيتان وثيقتان يعتمدان على الدولار الأمريكي، فإن كلا منهما سيخاطر بالاضطرابات السياسية في الداخل إذا لم يعربوا عن معارضتهم  لفكرة القدس عاصمة إسرائيل. الأمر الذي يثير التساؤل: هل تريد الولايات المتحدة، أن تقطع المساعدات عن الأردن ومصر، وهما الدولتان العربيتان اللتان لديهما اتفاقات سلام مع الدولة اليهودية؟ وقال الكاتب يبدو أن هذه الخطوة غير مواتية نظرا إلى أن ترامب يحتاج إلى دعم تلك الدول للنجاح في تأمين اتفاق السلام الإسرائيلي –الفلسطيني.

ضع تعليقاَ