مارس 28, 2024

ميديابار: كيف خطط الأسد لاستهداف شعبه بالغاز السام؟ ومنذ متى وهو يعد السلاح الكيميائي؟

كشف علماء سوريون، يعيشون حالياً في المنفى، اللثام عن إشرافهم على تصنيع السلاح الكيميائي الذي استعمله النظام السوري ضد شعبه.

وهناك مؤشرات تدل على أنّ ديكتاتور الشام كان مستعداً لاستعمال الغاز السام لقمع معارضيه منذ سنة 2009، أي قبل سنتين من هبوب رياح التغيير واندلاع الربيع العربي في سوريا.

منذ سنة 2009، اتخذ النظام السوري قرار اعتماد الغاز السام، خصوصاً غاز السارين الذي يدمّر الأعصاب، ضد شعبه في حال نشوب احتجاجات داخل سوريا. ومع حلول شهر تموز/ يوليو من سنة 2011، تسببت الانشقاقات العسكرية في صلب الجيش السوري على إجبار بشار على تعزيز أمن مواقع إنتاج السلاح الكيميائي. كما أصدر الأسد أمراً مباشراً للضباط المسؤولين عن هذه المواقع بضرورة الإسراع في تأمين الذخيرة الحاملة لمكوناتٍ كيميائية على غرار، الذخائر، والقنابل، وقذائف المدافع المضادة للدبابات.

وتجدر الإشارة إلى أن الأمر الذي أصدره بشار الأسد، سنة 2009، بخصوص السلاح الكيميائي تمثّل في تعزيز سبعة قواعد جوية عسكرية بهذا السلاح، مع مدها بكميةٍ كبيرة من قنابل غاز السارين والقذائف الكيميائية. وتمثلت نية الأسد في ذلك الوقت بتسميم شعبه في حال تعرض نظامه للتهديد.

ومع احتداد الثورة السورية، استعمل نظام الأسد السلاح الكيماوي ضد شعبه، مع العلم أن معاهدة الأمم المتحدة، المسجلة بتاريخ شهر كانون الثاني/ يناير سنة 1993، تنص على تجريم استعمال غاز السارين في المعارك. وفي ذلك الوقت، يذكر أنّ سوريا لم توقع على هذه الاتفاقية قبل أن تجبر على توقيعها بالإكراه سنة 2013.

لم يمنع ذلك الديكتاتور السوري من مواصلة نكرانه لاستعمال ترسانته من السلاح الكيماوي ضد شعبه وبالأخص غاز السارين، إذ أنه من الصعب كشف هذا الغاز السام لأنه عديم الرائحة واللون. ويمكن لهذا الغاز أن يسبب الموت في غضون دقائق، حيث يضرب مباشرة الجهاز العصبي والجهاز التنفسي ويتسبب في شلّهما. كما أنه يسبب
للناجين الذين استنشقوه أضراراً عصبية دائمة.
وفي وقتنا الحاضر، من بين 300 ألف شخص الذين قتلوا في الحرب الأهلية السورية، قرابة 2000 شخص منهم وقعوا جراء استعمال قوات النظام السوري للسلاح الكيماوي، وذلك بحسب مصادر منبثقة عن منظمات إنسانية وطبية تنشط على عين المكان في سوريا.

وفي هذا الخصوص، أجرت صحيفة “ميديابار” عدة محادثات جمعتها بعلماء، وخبراء، ومهندسين سوريين من بين الذين أشرفوا على تصنيع السلاح الكيمياوي في سوريا. يعيش أغلبهم منفيين في دول أوروبية وأخرى شرق أوسطية. وقد أقدمت الصحيفة على هذه الخطوة لتفهم سبب إصرار وتعمد ديكتاتور الشام استعمال سلاحٍ بهذه الخطورة ضد شعبه.

والجدير بالذكر أن هؤلاء العلماء لم يقع الكشف عن هويتهم في هذا التقرير. كما أنهم انشقوا عن النظام واختار البعض منهم الالتحاق بصفوف المعارضة المسلحة السورية، حيث دربوهم على كيفية تجنب التعرض إلى الغاز السام وكيفية حماية أنفسهم منه. وفي هذا الموضوع، سرّب هؤلاء الخبراء السوريون معلومات جديدة للصحيفة بخصوص المجمع العسكري-العلمي في سوريا.

وقد تطرق العلماء للحديث عن طبيعة وحجم ترسانة النظام السوري من الأسلحة الكيميائية، وكشف العلماء أيضا عن مصدر المادة الأولية المستخدمة في تصنيع هذا النوع من الأسلحة القتالية المحظورة دولياً، وعن الوسائل المستخدمة في عملية الإنتاج. فضلاً عن ذلك، أماطوا اللثام عن مواقع البحوث والدراسات لتصنيع السلاح الكيماوي، وكشفوا عن وسائل نقل الجيش السوري لهذا السلاح، خصوصاً كيفية تضليل الخبراء الأمميين التابعين لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية الدولية.

من جهة أخرى، فسر العلماء أسباب خدمتهم لصالح نظام بشار الأسد أو لصالح والده، وتطرقوا للحديث عن سبب هروبهم وخروجهم من سوريا. وفي الإطار ذاته، كشف هؤلاء العلماء السوريون عن بعض “أسرار تصنيع” السلاح الكيماوي التي من شأنها أن تؤكد بالدليل القاطع استعمال النظام السوري لهذا السلاح ضد شعبه. وبالتالي، ستحفظ هذه الشهادات وتقدّم كدليل إدانةٍ ضد بشار الأسد وحاشيته في حال عُرض على محكمةٍ دوليةٍ يوماً ما.

وفي الإطار نفسه، تعد شهادتهم وتجاربهم الخاصة مصدراً أساسياً في الكشف عن طبيعة سياسة النظام السوري، وشخصية قياداته وجرائمهم المرتكبة بحق السوريين. والجدير بالذكر أن الخبراء الفرنسيين قد استفادوا من المعلومات المقدمة من قبل هؤلاء العلماء المنشقين، حيث ساعدت شهاداتهم خلال التحقيق في إيجاد آثار غاز السارين على ضحايا قصف بلدة خان شيخون في إقليم إدلب، تحديداً حيث توفي 88 شخصاً، بينهم 31 طفلاً، جرّاء استعمال طيران النظام السوري للسلاح الكيماوي يوم 4 نيسان/ أبريل من سنة 2017.

ذكر الباحثون أن آل الأسد قد بدأوا بتصنيع السلاح الكيماوي منذ 30 سنة تقريباً. كما أشاروا إلى أن المواد التي استخدمت في تصنيع هذا السلاح تعد “كلاسيكية” مع تعديلها لتتكيف مع بعض التوليفات المحلية. ونتج عن هذه التعديلات الوصول إلى تركيبة تفضي إلى تصنيع منتجين لنشر الغاز السام في الجو. يتمثل المنتج الأول في مادة “ميثيل فوسفونات”، وهي تعد تركيبة ثانوية في مجمل تركيبة الغاز السام. أما المنتج الثاني، فيتمثل في مادة “هكسامين”، التي استعملها الكيميائيون السوريين بهدف تيسير تدفق التركيبة ككل. وأضيف هذان المركبان إلى تركيبة تصنيع ما يعرف بغاز السارين “على الطريقة السورية”. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المواد المستخدمة يسهل الكشف عنها في المخابر، حيث تستقر المادتين، المذكورتين في صنع غاز السارين، بشكل دائم في التربة، وبقايا الذخيرة، والدم، وفي بول وثياب الضحية.كما يمكن تحديد الكمية المستعملة في المخابر المخصصة لذلك باستعمال تقنية ” رحلان كهربائي” أو باستعمال طرق أخرى متطورة للتحليل.

وبالعودة إلى تحقيقات مجزرة بلدة “خان شيخون”، فقد وقع جمع أدلةٍ لا غبار عليها تدين بشار الأسد ونظامه. وعلى ضوء هذه التحقيقات المكثفة، تحصل الباحثون والمنقذون والأطباء على أدلةٍ من عين المكان، ثم وقع تحويل العينات إلى خبراء تابعين لجهاز المخابرات الفرنسية بهدف تحليلها مستندين على توضيحات باحثين سوريين منشقين عن النظام.  وبعد ثلاثة أسابيع، اتهم “جان مارك أيرو” رسمياً _وهو وزير الشؤون الخارجية في حكومة “فرانسوا هولاند”_ النظام السوري بقصف المدنيين في خان شيخون بالسلاح الكيماوي وغاز السارين.

ولسائلٍ أن يسأل، ما الذي غيّر بشار الأسد، الذي كان يحاول منذ خلافة والده سنة 2000 أن يعكس صورة الرئيس “العصري” والمتقبل لفكرة الانفتاح السياسي؟ إلى درجة أن ساركوزي استدعاه في موكب 14 تموز/ يوليو سنة 2008. لماذا بدأ يعدّ منذ سنة 2009 استراتيجيةً تقتضي استعمال السلاح الكيماوي ضد شعبه ومعارضيه، في الوقت الذي منح والده “حافظ الأسد” هذا السلاح لسوريا بهدف تذليل الفارق في القدرات العسكرية مع الجارة النووية إسرائيل؟

تأثير احتجاجات الانتخابات الإيرانية سنة 2009، أو كما تسمى “بالثورة الخضراء” 

ذكر أحد العلماء السوريين، من بين الذين تحدثت معهم الصحيفة: “أن بشار الأسد قد انتابه خوفٌ شديد عشية احتجاجات الانتخابات الإيرانية سنة 2009. خوفاً على نظامه، وقد أعطى تعليماتٍ بتعزيز سبعة قواعد جوية عسكرية بالأسلحة الكيميائية وبقنابل وذخائر مجهزة بغاز السارين. وقد استعد لذلك بعد بعد أن خاف من أن تلسعه نيران نفس الانتفاضة التي اشتعلت في وجه الرئيس الإيراني، أحمدي نجاد، حيث نزل طلبة وجزءٌ من الشعب الإيراني للشارع احتجاجاً على إعادة انتخاب نجاد، والذي اتهمته المعارضة بالتلاعب بنتائج الانتخابات…. أما بالنسبة لبشار، فهو مستعد لقمع أي احتجاج ضده قبل أن يبدأ حتى لو كلفه ذلك استعمال السلاح الكيماوي”.

وأشار مهندس سوري آخر من بين ضيوف الصحيفة إلى أن أكبر دليل على أن بشار قد انتابه رعبٌ شديد من قيام احتجاجات ضده، يتمثل في توريده لقرابة 10 آلاف قنبلة غاز مسيل للدموع من إيران. كما طلب منها المساعدة في تركيز نظام مراقبة شامل ومتطور داخل أكثر المناطق حركةً في دمشق.

وأضاف المهندس المنشق عن النظام السوري “أنّ هذا النظام يحوي كاميرات مراقبة عالية الجودة، حيث لا تقتصر مهمته على مراقبة الحركة في الشارع فحسب، بل بإمكانه التقاط صورة واضحة للأشخاص والتعرف على ملامح وجوههم. وقد أكد خبراء في ذلك الوقت، أنّ بشار الأسد يعمل على توفير نظام شبكة مراقبة “وتجسس فريدة من نوعها بهدف السيطرة على الحشود. علاوة على ذلك، ركز الأسد نظام رقابة يشمل مراقبة شركة الاتصالات اللاسلكية.

مركز الدراسات والبحوث العلمية السوري

يعد مركز الدراسات والبحوث العلمية السوري أحد المؤسسات “المدللة” من قبل بشار الأسد ووالده. وللتوضيح أكثر، فإن مركز الدراسات والبحوث العلمية السوري هوعبارة عن مركب عسكري-علمي تأسس سنة 1970. وقد حظي هذا المركز بمكانة خاصة لم تحظ بها سائر المراكز العلمية الأخرى على غرار، مراكز البحوث الجامعية. فضلاً عن ذلك، يشرف قصر الرئاسة مباشرة على مركز الدراسات والبحوث العلمية، ولا يخضع لإشراف وزارة التعليم. لكن مكانة المركز المرموقة لدى النظام السوري ليست أمراً عرضياً، نظراً لأنه المركز الوحيد المختص في البحوث الخاصة بالتسليح في البلاد.

وفي شأن ذي صلة، يمارس كل من الجيش وخصوصاً جهاز المخابرات السوري رقابة صارمة ويقظة خلال انتداب طاقم العمل داخل المركز وخارجه، كما أن موقعه يمتد على طول منطقة شبه عسكرية. وقد أسس هذا المركز علماء تم تكوينهم في دول غربية. وينقسم مركز الدراسات والبحوث العلمية السوري إلى خمسة أقسام وهم على التوالي: قسم رقم 1000، المختص في الإلكترونيات، قسم رقم 2000 المختص في الميكانيكا، قسم رقم 3000 المختص في الكيمياء، وقسم رقم 4000 المختص في الطيران، أما القسم الخامس فيتمثل في المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا المختص في الصناعات العسكرية.

وفي سياق مغاير، وقع إخفاء انجاز المشروع السري، والذي أطلق عليه اسم “مشروع 99″، حيث عملت سوريا على تصنيع وإنتاج صواريخ سكود الخاصة بها مع توريد بعض مكونات تركيبه من كوريا الشمالية. ويذكر أن كل قسم من مركز الدراسات والبحوث العلمية لديه فروعه الخاصة المنتشرة في كامل أنحاء البلاد تقريباً، حيث تستقطب هذه الفروع عدة عمليات تجربة وتدريب.

وبحسب العلماء المنشقين عن النظام، فإن قرابة 9000 عامل كانوا ينشطون في مركز الدراسات والبحوث العلمية السوري، حيث كان قرابة 5500 عامل منهم ينشطون في الأقسام المتعلقة بالطيران، والإلكترونيات، وتطوير صناعة الصواريخ والقنابل وذخيرة المدافع المضادة لدبابات.

أما بالنسبة للقسمين 1000 و2000 فيتكفلان بتزويد باقي الأقسام بقطع الغيار الإلكترونية، بالإضافة إلى تصنيع أنظمة التوجيه ومنصات إطلاق الصواريخ المركز فوق الشاحنات المصفحة. وفي السياق ذاته، كان قرابة 300 شخص يتظاهرون بالعمل في القسم 3000، وهو كما أشرنا القسم المختص في الكيمياء، حيث يتظاهر هؤلاء بالعمل بهدف التمويه وتغطية الفرعين الذين يمثلان قسم الكيمياء والمشغلين بين 3100 و3600 عامل.

في المقابل، يختص قسم 3100 في مجال البحث والتطوير في علم الأحياء، ودراسة المواد السامة، والإنتاج الكيميائي، والدهانات للاستخدام العسكري. كما يختص نفس القسم في تركيب الأسلحة الكيميائية ومضادّاتها على غرار، أجهزة كشف مناطق التلوث بالمواد الكيميائية وتطهيرها. ومن هنا، أكدت صحيفة “ميديابار” أنه من بين العلماء الذين استجوبتهم باحثون عملوا أو تقلدوا مسؤوليات هامة ضمن هذا القسم أو هذه الوحدة.

الاستعمال الأول في كفر تخاريم في شهر تشرين الأول/ أكتوبر من سنة 2012

كلّف الفرع الآخر (3600) من قسم الكيمياء بإنتاج الأسلحة الكيميائية. ويمتلك هذا الفرع قواعد أخرى في الصحراء، تبعد حوالي60 إلى 100 كم عن دمشق، من بينها موقع الضمير التاريخي الذي دُمر جزئياً بعد الاتفاق الروسي الأميركي حول حظر استعمال الأسلحة الكيميائية سنة 2013 من قبل الأمم المتحدة. ويُدعا المدير الحالي لقسم 3000 – الذي تغيرت تسميته مؤخرا كي يحمل اسم قسم 5000 بهدف إعادة “خلط أوراق اللعبة”- “زهير فضلون”.

علاوة على ذلك، هاجمت الطائرات الإسرائيلية موقع آخر لقسم 3000 التابع لمركز الدراسات والبحوث العلمية والواقع في منطقة “جمرايا”، تحديداً فوق سفوح جبل قاسيون (شمال غرب دمشق)، حيث يتم تجميع وتخزين الصواريخ. في الحقيقة، تكرر هذا الهجوم في مناسبتين، في شهر كانون الثاني/ يناير ثم في شهر أيار/ مايو من سنة 2013. ولتفسير هذه العمليات، زعم الجيش الإسرائيلي أنه استهدف هذه النقطة لتدمير مركبات كيميائية خطرة أو توشك أن تُنقل إلى حزب الله.

على ضوء هذه المسألة، صرح أحد العلماء المنشقين والذي كان مسؤولاً عن الفرع 3000 قائلاً “انتدب مركز الدراسات والبحوث العلمية العديد من الإطارات من بينهم أنا، إثر تحصلنا على شهادة البكالوريوس، ويعود ذلك إلى ارتفاع درجاتنا في المواد العلمية. كما دُعينا أيضا إلى مواصلة دراساتنا في سوريا وفي خارجها، وحظينا بمنح دراسية قدمها لنا المركز. ونظرا لمساهمة هذا المركز في تحديث الوسائل العسكرية، صرنا من المدافعين عن الوطن، مثل الجنود تماما”.

وأضاف هذا المسؤول السابق “بالنسبة لي، تشكل المساهمة في تطوير المكاسب الاستراتيجية الوطنية المتمثلة في الأسلحة الكيميائية، طريقة لحماية أرضنا من أي خطر إسرائيلي أو هجوم معادي محتمل. وتجدر الإشارة إلى أن الشعور بهذا الخطر قد تنامى وانتشر في صفوف الكثير من أبناء وطني. كما ستدعم هذه الخطوة موازين قوى سوريا، الأمر الذي سيمكنها من التفاوض ندّاً لندّ مع إسرائيل لاستعادة منطقة الجولان.

وفي هذا السياق، أفاد نفس المصدر “أنّ الحرب لن تسمح لبلدنا بتحقيق هذا الهدف. أنا لست علوياً، كما لا تربطني أي صلة بنظام عشيرة حافظ الأسد، لكنني اعتبر أن رئيس الدولة مناور جيد خاصةً في علاقاته مع إسرائيل، بغض النظر عن توصله إلى اتفاق سلام معها أم لا. لهذا، لا يطرح العمل على إنتاج أسلحة كيميائية استراتيجية، ذات إمكانات ردعية حقيقية، وطائرات وصواريخ قادرة على توزيع ذخائرنا الكيميائية أي مشكلة بالنسبة لي”.

وأضاف الشخص نفسه أنه “وفي الحقيقة، بدأت الشكوك والمشاكل بالبروز عندما تم تعييننا لتجهيز القواعد الجوية السبعة وأمرنا بتصميم ذخائر “غاز المنمنم”. لم تكن مسارات المطارات المختارة طويلة بما يكفي للسماح بإقلاع مقاتلات “سوخوي 22″ و”ميغ 23″ التابعة لطيراننا، لذلك لم تكن تخدم أي استعمال استراتيجي للأسلحة الكيميائية. بالإضافة إلى ذلك، لم تتسع إحدى القواعد إلا للمروحيات فقط. أما بالنسبة لقاعدة السويداء الواقعة في الجنوب، فإن قربها من الحدود مع إسرائيل جعلها عُرضة للتدمير التام باستعمال مدفع واحد، في حال مست مصالح الكيان”.

وفي هذا الصدد، استنتج هذا المسؤول السابق قائلاً “يبدو أنه لا معنى لتزويد هذه القواعد بأنظمة لتخزين غاز السارين وبالمعدات اللازمة لشحن القنابل به. ولكن، السبب الوحيد الكامن وراء هذه التعليمات تمثل في تخطيط الحكومة لاستخدام هذا السلاح في الداخل السوري، لقمع ثورة محتملة. كنت قد أعربت، حينها، عن شكوكي إلى رئيسي في العمل. كما نبهت أيضا رئيس الاستخبارات، علي مملوك، من أننا تلقينا أوامر سخيفة، وغير منطقية. لكن في الحقيقة، كانت فكرة استخدام غاز السارين ضد المعارضة مقترحة من قبله”.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر سنة 2012، اعتقد عمّال مركز الدراسات والبحوث العلمية في كفر تخاريم، الذين أعربوا عن شكوكهم أو تحفظاتهم أو ترددهم إزاء هذه الأوامر وأشاروا إلى أنه من المتوقع أن يقع تسريحهم من وظائفهم على خلفية ذلك، وسيرفق ذلك بفضيحة دولية ستهز أرجاء العالم قريبا، وبأن النظام سيضطر، على الأقل، لشرح ذلك وربما التخلي عن هذه الاستراتيجية.

إلا أن كل هذه التوقعات كانت خاطئة، ذلك أن حجم الهجمات كان محدوداً، كما أن أغلب ضحايا أولى استعمالات السلاح الكيميائي كانوا من مقاتلي المعارضة المسلحة. في الواقع، لم تحظ هذه الواقعة بالتغطية الإعلامية اللازمة. والأسوأ من ذلك أن تداعياتها الدبلوماسية كانت مدعاة للسخرية.

ونتيجة لكل هذا، أدرك بشار الأسد أنه قادر، باللجوء إلى بعض الاحتياطات، وشجعه مرور الزمن والإفلات من العقاب على التخلي عنها، على مواصلة مهاجمة خصومه بالغاز السام. لكن الأشخاص الذين أنتجوا الأسلحة، ثم عبروا عن رفضهم لما أقدم عليه الأسد وشهدوا على ارتكابه لجرائم ضد الإنسانية، مع سابق الإصرار والترصد، صاروا يعانون من الألم والإرهاق المستمرين بالتزامن مع استمرار نزيف الجرح السوري.

وفي ذلك الوقت بالذات، وتحديدا في شهر أيلول/سبتمبر من سنة 2012، تم اختطاف “بشار هاموي”، أحد المسؤولين عن برنامج التسليح الكيميائي، من قبل أجهزة الاستخبارات من أمام مكتبه في مركز الدراسات والبحوث العلمية. وصرح أحد زملائه السابقين بأنه “منذ ذلك الحين، لم يردنا أي خبر بخصوص حياته أو وفاته. لكن تواصل إنتاج الأسلحة المنمنمة، الذي كان يُشرفه عليه، وتواصل استعمالها هذه المعدات العسكرية في مرات عديدة بعد حادثة اختفائه المريبة. لا نستبعد فرضية أن يكون مخطوفاً إلى يومنا هذا ومجبراً على مواصلة عمله في السر، مقابل سلامة عائلته الرهينة”.

غازات قتالية من المتوقع أن تكون قد استخدمت أكثر من 130 مرة

اكتشف أحد إطارات قسم 3000، الذي تم إعفاؤه من مهامه بعد مخالفته لتعليمات النظام، ظهور اسمه في إحدى المنتديات المنددة بمصنعي الغاز القتال والمطالبة بقتلهم. وفي هذا السياق، أورد هذا الإطار أنه “بدلاً من أن يقدم النظام على تصفيتي بطريقة مباشرة، كشف عن هويتي للرأي العام على أمل أن تقوم المعارضة بالقضاء علي. وفي أعقاب ذلك، أدركت أنه عليّ مغادرة البلاد مع عائلتي. ومن حسن الحظ أن لدي أصدقاء من المعارضة وأقارب في الخليج وأوروبا… لقد سافرت”.

وعلى الرغم من بعض الانشقاقات، إلا أن قسم الأسلحة الكيميائية، التابع لمركز الدراسات والبحوث العلمية، الذي لا يعتمد على الجيش بل على فرع الطيران في المخابرات، واصل العمل على تطويع السارين ليُستخدم في داخل سوريا، وعلى تصميم الذخيرة المنمنمة القادرة على القيام بهذه المهمة، وتقديم ذلك لمصالح الطيران.

وإلى حدود سنة 2008، وقع تخزين سلائف للأسلحة الكيميائية في وحدتين للمخابرات الجوية: وحدة 417 وحدة 418. وإثر الجدل الذي أثارته قضية فساد مجموعة من الجنود عمدوا إلى الاستيلاء على جزء من الميزانية المخصصة لأمن المخزونات، عُزل الضابط “غيث علي”، وعدد آخر من زملائه.

وتجدر الإشارة إلى أنه تم ربط الوحدات بمركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية بطريقة مباشرة، حيث أصبح فرع 450 مسؤولاً عن تخزين المنتجات وتزويد فرعي 451 و452 بها. وهكذا، ظنت السلطة أنها ستنجح في التخفيض من نسب الفساد الذي تفشى في صفوف الجيش، على الرغم من أنه لم ينتشر بعد في المركز. وفي هذا الإطار، تعززت المراقبة المفروضة على المعهد المسؤول عن الأسلحة الكيميائية وزادت سرية استخدام الغازات القاتلة في الداخل السوري.

ومع حلول شهر تموز/ يوليو سنة 2011، وفي الوقت الذي أعلن فيه الجيش السوري الحر عن تكونه، بدأ فرع 450 بملأ خزانات عدد من القواعد الجوية بالغازات القاتلة. وتلقت وحدات مروحية أولى القنابل اليدوية المشحونة بالسارين. أما في تشرين الأول/ أكتوبر من سنة 2012، ومع استمرار “عسكرة” الانتفاضة، تم الاشتباه باستخدام الجيش السوري لغاز السارين في كل من كفر تخاريم وسلقين، التي تبعد حوالي 60 كيلومتراً عن غرب حلب، ثم في حرستا قرب دمشق في تشرين الثاني/ نوفمبر، وصولاً إلى حمص في شهر كانون الأول/ديسمبر.

وفقا لإحصاء “مزاعم استخدام الأسلحة الكيميائية” الذي أجرته المديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسي، والذي عمل “التقييم الوطني” الصادر عن وزارة الخارجية الفرنسية في شهر نيسان/ أبريل المنصرم على التدقيق في معطياته، استُخدمت الغازات السامة حوالي مائة وثلاثين مرة في سوريا، في الفترة الممتدة بين تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2012 ونيسان/ أبريل من العام الجاري، ضد المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. استهدفت هذه الهجومات المواقع التي يسيطر عليها المقاتلون أو أهداف مدنية على حد السواء.

والجدير بالذكر أن العشرات من هذه العمليات كانت قد سبقت الاتفاق الروسي الأمريكي بخصوص تدمير الأسلحة الكيميائية السورية في أيلول/ سبتمبر 2013. كما سبقت أيضاً انضمام سوريا، في الشهر ذاته، إلى الاتفاقية الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية. أما بقية الهجمات فقد تلت هذه الوقائع، الأمر الذي يؤكد الخرق الواضح للقوانين الدولية، بل وسخرية نظام دمشق المطلقة منها. وهو احتقار وسخرية يعززهما خمول المجتمع الدولي من ناحية والدعم العسكري والدبلوماسي الحاسم الذي يُقدمه الحليف الروسي.

ووفقاً للوثيقة التي أدلت بها المديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسي، فإن الأجهزة الفرنسية لم تتمكن من إثبات ثلاثة أرباع شكوك استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل النظام السوري. فقد دارت هذه “المزاعم” حول “فرضيات قوية حول استخدام “السارين” و”الكلور” في هجمات مختلفة. في حلب وجوبر وسراقب، في نيسان/ أبريل 2013، ثم في دمشق في شهر آب/ أغسطس من العام ذاته، وصولاً إلى الهجوم على مدينة خان شيخون الذي حدث بتاريخ 4 نيسان/ أبريل من هذا العام، فقد نجحت هذه الدولة الأوروبية في الوصول إلى أدلة “استخدام غاز السارين”. وفي نفس الفترة، تعرضت مدينة “الحسكة” إلى ثلاثة هجمات باستعمال غاز الخردل. وخلال شهر حزيران/ يونيو سنة 2015، تعرضت مدينة “مارع” لهجوم بنفس الغاز المستعمل في الحسكة.

وأثناء إحدى الهجومات التي أثبتت فيها الأجهزة الفرنسية استخدام هذا الغاز القاتل، ألقت طائرة هليكوبتر تابعة للجيش السوري ثلاث قنابل من نفس النوع على الأحياء الواقعة شرق مدينة سراقب. فانفجرت القنبلة الأولى دون أن تسبب أي إصابات، أما الثانية فقد قتلت شخصاً، وجرحت عشرين آخرين. ولم تنفجر القنبلة الثالثة التي تمكنت الأجهزة الفرنسية من الوصول إليها. وأظهرت نتائج تحليلها أنها تتضمن “خليطا صلبا وسائلا من 100 مليلتر من السارين، يُقدر معدل نقائه بستين بالمائة تقريباً.  كما تم اكتشاف تواجد مادة “الهيكسامين”، و”دي إف” ومنتج ثانوي، وغازات أخرى فيها، حسب الكيميائيين الفرنسيين. ويدين استخدام طائرة هليكوبتر، ونوع الذخيرة، وتحليل المركبات الكيميائية المتواجدة في القنبلة النظام السوري بصورة واضحة.

في الواقع، انتهك النظام “الخط الأحمر” الذي نص عليه أوباما في شهر آب/ أغسطس سنة 2012 تماماً، دون أن يُثير ذلك ردود فعلٍ حازمة. والدليل على ذلك، أنّه بعد بضعة أشهر، وتحديداً بتاريخ 21 آب/ أغسطس من سنة 2013، وقعت مجزرة الغوطة، التي خلّفت حوالي 1400 قتيلٍ و5000 جريحٍ.

الصحيفة: ميديابار

الكاتب: روني باكمان

المصدر: https://www.mediapart.fr/journal/international/010617/comment-bachar-al-assad-gaze-son-peuple-les-plans-secrets-et-les-preuves?page_article=4

ضع تعليقاَ