أبريل 24, 2024

تسايت: كيف تساهم وسائل الإعلام في انتشار كره الإسلام في المجتمع الغربي

برقع وقنابل، هكذا يتم تصوير الإسلام بشكل سلبي في وسائل الإعلام الغربية. إن هذه الصورة المشوهة على الإسلام من شأنها أن تؤدي إلى تنامي مشاعر معدات الإسلام في الأوساط الشعبية، فضلا عن أن ذلك وخدم الحركات الشعبوية.
في الواقع، تشهد المجتمعات الغربية حالة استياء كبيرة بسبب تدفق المهاجرين، إلا أن النخب الليبرالية تعمل على مقاومة هذا السخط والترحيب بالأجانب. وفي الأثناء، ساهم هذا الانقسام الاجتماعي بين التيارين في دعم توجهات الأحزاب اليمينية المتطرفة والحركات الشعبوية التي لا تتوان على نشر خطاب الكراهية والقومية في وسط المجتمع، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والشخصيات البارزة التي تعرف بتطرفها الفكري.
وعلى العموم، تباينت الحجج التي وظفتها وسائل الإعلام لتفسير الصعود المخيف للحركات اليمينية والشعبوية في دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا. وفي ظل هذا التباين في تفسير الأسباب وتقديم الحلول، نسيت وسائل الإعلام أن تذكر عاملا مهما ورئيسيا أدى لتفشي هذه الظاهرة: وهو الإعلام نفسه.

لوقت طويل، بثت وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة رسالة أحادية الجانب وسلبية حول الإسلام للرأي العام. وقد تحولت هذه النظرة السلبية تجاه المسلمين، في الوقت الر اهن، إلى حركات سياسية تجسدت من خلال الأحزاب الشعبوية اليمينية.
وعلى الرغم من أن العالم قد شهد، خلال السنوات الماضية، تراجعا ملحوظا على مستوى انتشار الأحكام المسبقة والجاهزة التي تعلقت ببعض العرقيات، على غرار العرب الذين كان يشار إليهم على أنهم أمة أنانية تستمتع بتعذيب الآخرين، نظرا للدعاية السلبية التي لحقت بهم، إبان أزمة النفط في سنة 1973، إلا أن بعض الدراسات الأخيرة تؤكد أن ما بين 60 إلى 80 بالمائة من إصدارات الإعلام الخاص والحكومي في ألمانيا، تربط دائما بين كلمة الإسلام والحديث عن العنف الجسدي وبقية الظواهر السلبية، مثل الإرهاب، واضطهاد النساء، والتعصب، فضلا عن الرجعية، والتخلف. ونتيجة لذلك، لم تعد هذه النظرة للإسلام مجرد أحكام مسبقة بل باتت تمثل مشاكل حقيقية وخطيرة.
في المقابل، تشكو التغطية الإعلامية لهذه المسألة من نظرة ضيقة للعالم الإسلامي؛ فعلى مدى عقود من الزمن، أظهرت وسائل الإعلام الألمانية فقط الجوانب الشاذة في المشهد الإسلامي. علاوة على ذلك، تم تضخيم بعض الظواهر الهامشية والنادرة، والتركيز عليها في إطار سيناريوهات مخيفة، مثل مسألة ارتداء البرقع الذي يغطي كامل الجسم، على الرغم من أنها ظاهرة نادرة جدا في ألمانيا، بالإضافة إلى ووجود أنصار التيار السلفي المتشدد، رغم أن أعدادهم لا تتجاوز المئات، أو ادعاء حدوث عمليات تحرش جماعية قام بها اللاجئون، رغم أن التحقيقات لم تثبت ذلك
ومن جهة أخرى، عكست “لغة الصورة” التي اعتمدتها أبرز الصحف والقنوات الألمانية، حقيقة سوداوية للإسلام، حيث تم عرض صورة لكتاب القرآن كتب فوقها “الكتاب الأقوى في العالم”، مع خلفية سوداء، كما تم الإشارة إلى أن البابا حارب ضد النبي محمد صلى الله عليه وسلم. فضلا عن ذلك، لم تتوان وسائل الإعلام الألمانية على طرح بعض الأسئلة الخبيثة حول ما إذا كان الإسلام “دين شر”.
وفي خضم هذه النظرة الانتقائية للإسلام، دأب الإعلام الغربي على تصويره كأنه بوطقة للفوضى والخوف.
ولكن للحقيقة جانب آخر، إذ أن هنالك ما لا يقل عن 1.5 مليار مسلم يعيشون في العالم، وحقيقة كل واحد من هؤلاء تختلف عن الآخر. فضلا عن ذلك، فإن الإسلام هو أيضا انعكاس للواقع، وتفكير عملي، وفعل اجتماعي، إذ أن المجتمعات الإسلامية تتميز بالتنوع والتعدد في داخلها بشكل مذهل، والدول الإسلامية مثل إندونيسيا، ولبنان، وتونس، وقبلها تركيا، تسير على نهج الديمقراطية.
خلافا لذلك، فإن الصورة المنحازة التي يقدمها الإعلام، توهم العالم بأن المجتمع الإسلامي هو النقيض المطلق للمجتمع الغربي، وكأن قيم التنوير والإنسانية والديمقراطية تعوضها ظواهر الوهم الديني والعنف والاستبداد، في العالم العربي.
وفي عصر الإعلام الحديث، يتم الترويج لتلك الصورة النمطية القديمة التي تحمل ثنائية “أرض الظلام” و”أرض النور”، والصراع المزعوم بين الثقافات. وقد عانى الإسلام من الدعاية السلبية في أوروبا على امتداد 1400 سنة، من الحروب الصليبية، إلى الحرب بين العرب والأتراك، مرورا بالأفكار المعادية للإسلام التي ظهرت في عصر النهضة، وصولا إلى الأفكار الشوفينية المتعالية التي عامل بها الاستعمار الدول المسلمة.
والجدير بالذكر أنه بالنسبة لوسائل الإعلام الغربية، التي تدعي التحضر ولا تدرك أنها تعاني من الإسلاموفوبيا، تصبح الشتائم الكلامية أمرا مقبولا سياسيا إذا كان يستهدف المسلمين. وفي الأثناء، تستيقظ تلك الأفكار القديمة التي عفى عليها الزمن، التي تدعي بأن الشعوب في المشرق شريرة وديكتاتورية.
وعلى ضوء هذه المعطيات، فإن حوالي نصف سكان القارة الأوروبية يعتبرون الدين الإسلامي أكثر عنفا من بقية الأديان، ويعتقدون أنه لا يتماشى مع الثقافة الغربية. وفي بعض المناطق في أوروبا، تصل نسبة المواطنين الذين يعادون الإسلام بشكل علني إلى ما يربو عن 70 أو 80 بالمائة.
ومن المثير للاهتمام، أن هذا الموقف يعد أقل انتشارا لدى فئة الشباب مقارنة بكبار السن، كما أن هذه النسب تختلف بين المدينة والريف. خلافا لذلك، ومن وجهة نظر علم الاجتماع الحديث، من الواضح أن حالة الشعور السائد بمعاداة الإسلام قد ترتبت عنها تأثيرات اقتصادية. وبالإضافة إلى ذلك، إن انتشار الأفكار المعادية للإسلام من شأنه أن يهدد قيم التسامح في المجتمعات الغربية، إذ أن معاداة الإسلام أصبحت أداة لتقسيم المجتمع بين شق عنصري ومتعصب وشق ليبرالي متسامح.

برامج الأحزاب المعادية للإسلام
في الواقع، تتعدد أسباب هذا الانقسام الاجتماعي، فلطالما تغاضى النظام السياسي في ألمانيا عن ظاهرة نشر الأفكار المعادية للإسلام في المجتمع. وفي الوقت الحاضر، أورد كل من حزب الخضر والحزب اليساري الألماني خطة لمعالجة هذه الظاهرة ضمن برامجهما. أما بالنسبة لحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الذي تقوده ميركل، والحزب الاشتراكي الديمقراطي، فإنهما لم يتطرقا لهذه القضية.
وعلى الرغم من العديد من المبادرات الإيجابية، إلا أن نظام التعليم في ألمانيا لا يولي مسألة الانفتاح والتعرف على الإسلام في المدارس والجامعات الاهتمام الكافي، وحتى مادة الدراسات الشرقية فقد تم تهميشها.  علاوة على ذلك، فإن مناهج التعليم، رغم أنها بشكل رسمي تمنع العنصرية، فإنها لا تعاقب عن التعبير عن الكراهية تجاه الإسلام.
في الحقيقة، من المهم أن يكون هناك تواصل مباشر بين المسلمين وغير المسلمين في الحياة اليومية، إذ أن ذلك من شأنه أن يقلص الهوة بين الشقين وفضلا عن أنه سيمنح المواطنين الغربيين الفرصة لتجاوز أحكامهم المسبقة بخصوص الإسلام.

معاداة الإسلام في صفوف التيارات الشعبوية واليمينية
في الواقع، تمثل ظاهرة معاداة الإسلام تحديا حقيقيا للمجتمع بأكمله، إذ أن معظم الأشخاص ليس لديهم مصدر بديل للحصول على المعلومات الصحيحة حول هذه المسألة. وبالتالي، فإن وسائل الإعلام تلعب دورا مصيريا، إذ أنها تشكل ثقافة هذا العالم ونظرته للمسلمين. وفي السياق ذاته، يجمع خبراء علم الاتصال على أن وسائل الإعلام لا تملي على الأفراد ما يجب أن يعتقدوه من خلال الأفكار التي تقدمها، ولكنها تمارس تأثيرا قويا عليهم.
ومن هذا المنطلق، لا يمكن أن نستغرب من انتشار مشاعر العداء ضد الإسلام، نظرا لأن المشاهدين يرون الإسلام، بشكل يومي، في صورة مشينة، من خلال ربطه بالإرهاب واضطهاد النساء. وعلى الرغم من أن نشر الأخبار باستمرار عن الإرهابيين المتطرفين الإسلاميين أصبح أمرا لا طائل منه، إلا أن وسائل الإعلام تواصل زرع بذور الانقسام والخوف، وتهيئة الأرضية والمناخ الاجتماعي الملائمين لنجاح السياسيين المعادين للإسلام.
فبالنسبة لكل من حزب البديل من أجل ألمانيا، وحزب الجبهة الوطنية الفرنسي، ودونالد ترامب، تعتبر معاداة الإسلام عنصرا أساسيا في قلب الحملات الانتخابية والاستراتيجية الاتصالية. وفي ألمانيا، ومنذ أن قررت أنجيلا ميركل تبني فكرة التعددية الثقافية في المجتمع، ودحض الإيديولوجيات القديمة في حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، من خلال رفع شعار ” الإسلام جزء من ألمانيا”، اتسعت الفجوة بين مختلف التوجهات في المجتمع، وظهرت التيارات الشعبوية اليمينية لتستغل الظرف. وفي الأثناء، أصبحت معاداة الإسلام في صلب برامج هذه الأحزاب، وجسرا للعبور وعقد التحالفات مع مختلف المساندين لهذا الفكر حتى لو كانوا مختلفين بخصوص مسائل أخرى.
ومن المثير للاهتمام، أن هؤلاء الشعباوين في أوروبا أصبحوا يرفعون شعارات صدامية على غرار، “صد الغزو الإسلامي”، و”منع بناء المساجد”، و”حظر بناء المآذن وارتداء الحجاب”. في الحقيقة، يعتبر هذا الأسلوب معاديا لقيم الحرية، وخاصة حرية المرأة.
وقد أصبح من الواضح أن المهاجرين القادمين من الشرق الأوسط يعدون بمثابة “كبش الفداء” الذي تستغله التيارات السياسية إذا ما أرادت الفوز بالانتخابات بأي طريقة.

الإعلام يفسح المجال لمنتقدي الإسلام
من اللافت للنظر أن وسائل الإعلام لا تؤثر فقط على الرأي العام من خلال ترويج الأفكار النمطية، بل إنها تأثر عليهم أيضا من خلال استضافة أكبر المنتقدين والمعادين للإسلام. وأبرز مثال على ذلك، هو الجدل الذي سببه السياسي المتطرف تيلو سارازيل في ألمانيا، الذي يتبنى أطروحات سخيفة عن “انهيار المجتمع الألماني بسبب الأتراك والمسلمين”.
والجدير بالذكر أن سارازيل قد أصبح يتردد على وسائل الإعلام بشكل مستمر ودون داع، وبذلك أصبح الأب الروحي للشعبويين في ألمانيا. وعلى الرغم من أن هذه الوسائل الإعلامية قد انتقدت في بعض المناسبات أطروحات تيلو سارازيل، إلا أن ذلك لا ينفي كونها قد سمحت باستضافة رجل متواضع الإمكانيات وليست لديه أية دراية بقضايا الهجرة، وبذلك قدمت له خدمة مجانية وجعلت منه نجما.

استياء الإعلام
في الوقت الراهن، يحظى الفكر الشعبوي بمساحة إعلامية واهتمام أكثر من أي حزب سياسي آخر. فحزب البديل من أجل ألمانيا، رغم أنه غير ممثل في البرلمان، يتم إظهاره في شكل الخصم والند للمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل. وفي فرنسا يدور الحديث دائما عن مواجهات بين مارين لوبان والأحزاب الكبرى.
وعموما، إن هذا التوجه الإعلامي لديه تأثيرات سلبية جدا على توجهات الرأي العام، إذ أن التجربة في الولايات المتحدة مع دونالد ترامب، قد أثبتت أن الاهتمام الإعلامي يصنع الاهتمام الشعبي.
هذا الأسلوب الإعلامي يكسب هذه الحركات الشعبوية زخما، ويشجع المحتجين والمستائين من الأوضاع على التحول إلى ناخبين فاعلين، ولذلك فإن الحل الأمثل لمواجهة هذه الحركات هو تجاهلها وليس محاربتها والتشهير بها.
ومن ناحية أخرى، يعتبر كل من التشويه الإعلامي للإسلام، وصعود التيارات الشعبوية وجهان لعملة واحدة، ويمكن الجمع بينهما في عبارة “الاستياء الإعلامي”، إذ أن مصدر المشكل الحالي ليس السياسيين في حد ذاتهم، بل الصورة السلبية التي يرسمها الإعلام عن هؤلاء، والتحريض الذي تتم ممارسته بشكل يومي. علاوة على ذلك، تروج وسائل الإعلام بشكل مستمر لقيادات التيار اليميني المتطرف، والشخصيات الإسلامية المتشددة، وهذا ما يعمق من خطورة الانقسام والكراهية.

نشرات الأخبار التي تنشر الإسلاموفوبيا
بالطبع لا يمكن تجاهل مشاكل العالم أو تزييفها، ولكن يتوجب على وسائل الإعلام أن تكون أكثر حذرا خلال عملية إيصال المعلومات للرأي العام، حتى لا تنقل معها الأفكار النمطية وتنخرط في روايات غير واقعية. وهنالك أمثلة إيجابية في هذا الصدد؛ حيث أن قناتي “أ أر دي” و” زاد دي أف” الألمانيتين قامتا بتوظيف صحفيين متخصصين في الشؤون الإسلامية، وبث برامج حول الإسلام لا تتضمن أحكاما سلبية أو خاطئة. كما أن العديد من الوسائل الإعلامية الليبرالية قد بادرت بنشر مقالات حول الإسلام، تدحض فيها الأفكار السائدة والسلبية عن هذا الدين.
خلافا لذلك، وإلى حد الآن، لم تنجح كل هذه المبادرات في تغيير الواقع، الذي يظهر الإسلام ديانة تحض على العنف، وذلك بسبب توجهات وسائل الإعلام المحرضة على عداء الإسلام.
وفي الأثناء، يقف العديد من الصحفيين المحايدين بلا حول ولا قوة أمام وسائل الإعلام المصابة “بداء الإسلاموفوبيا” التي تعمل جاهدة على تقديم الإسلام بطريقة منحازة.
وختاما، يمكن الجزم بأن هذا الأسلوب الذي تعتمده وسائل الإعلام يمكن أن يخدم مصلحتها من الناحية التجارية ويضمن لها نسبة مشاهدة عالية، ولكن، على المدى الطويل، فإن هذا الأسلوب يطرح عدة تساؤلات حول الدور الاجتماعي الحقيقي الذي يجب أن يلعبه الإعلام. عموما، لا يمكن لهذه الوسائل أن تلقي بالمسؤولية فقط على بقية قوى المجتمع (مثل الأحزاب والنخب وشبكات التواصل الاجتماعي)، بل عليها أيضا أن تتحمل جانبها من المسؤولية، وتحرص على أن تعتمد أسلوبا صحفيا يهدف لإطفاء فتيل الأزمة ومعالجة الانقسامات


حافظ كاي: أستاذ الاتصال الدولي في جامعة إيرفورت. عمل كمستشار مع عديد الحكومات الألمانية وكان عضوا في المؤتمر الإسلامي في ألمانيا


هذه المادة مترجمة من موقع صحيفة تسايت الألمانية للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا

ضع تعليقاَ