أبريل 19, 2024

فورين أفيرز: كيف تبني حليفًا، التعاون الأمريكي – الهندي ومواجهة الصعود الصيني

Indian Prime Minister Narendra Modi (R) shakes hands with US President Barack Obama prior to a meeting in New Delhi on January 25, 2015. US President Barack Obama held talks January 25 with Prime Minister Narendra Modi at the start of a three-day India visit aimed at consolidating increasingly close ties between the world's two largest democracies. (Photo by Vinod Singh/Anadolu Agency/Getty Images)

في يناير من العام الماضي، قام الرئيس الأمريكي باراك أوباما بزيارة تاريخية إلى الهند للاحتفال بعيد الجمهورية الهندي. وخلال الزيارة أعلن البلدان عن توصها لتفاهمات متعلقة بالتنمية المشتركة عرفت باسم ” جهود الباحث عن الطريق” بهدف تعزيز التنمية المشتركة بين البلدين والوصول في نهاية المطاف إلى تعاون مرتبط بتصنيع الأسلحة الدفاعية.

ومنذ ذلك الحين،شهدت العلاقة بين واشنطن ونيودلهي تقدمًا سريعًا و على الرغم من تواضع المشاريع المشتركة نسبيًا بينهما، إلا أنها من الممكن أن تنطوي على تطور كبير قريباً خاصة في ظل سعي الهند لامتلاك التكنولوجيا الحساسة وتعزيز منظومتها الدفاعية وبالتالي، جعل الهند الشريك القوي الذي تحتاجه الولايات المتحدة لإعادة التوازن لمنطقة آسيا والمحيط الهادي.

من جانبها، تسعى الهند إلى تسريع الأمور بشكل كبير، حيث وقعت على الاتفاقات التأسيسية الثلاثة التي تطلبها الولايات المتحدة من جميع شركائها الدفاعيين.ويعد توقيع الهند لهذه الاتفاقات مؤشرًا على التزام الهند بالتعاون في مجال الدفاع ويساعد ذلك على استمرار التعاون مستقبلًا. في الوقت نفسه، ينبغي على الولايات المتخدة أن تضع في اعتبارها أن نجاح مشاريع الدفاع التعانوية الأمريكية السابقة في الهند اعتمد سابقًا على إدارة ثابتة واستراتيجية شاملة يقوم عليها التعاون. ومن هذا المنطلق فإن الولايات المتحدة لا تعتبر الهند مجرد حليف عادي، بل باتت تنظر إلى هذه العلاقة عبر منظور طويل الأمد لتوطيد وتيرة العلاقات الاستراتيجية بين الطرفين.

حلفاء طبيعين

منذ فترة حكم بيل كلنتون، اتبعت الولايات المتحدة خطًا تصاعديًا باتجاه تعزيز العلاقات مع الهند، وهو ما وصفه رئيس الوزراء الهندي وقتها ” أتال بيهاري فاجبايي” “بالأحلاف الطبيعية”، خاصة وأن الهند تعتبر من الديمقراطيات الصاعدة في العالم، عدا عن امتلاكها لطاقة ديمقراطية تشاركية تتوافق مع رؤية الولايات المتحدة الاستراتيجية لدول منطقة آسيا والمحيط الهادي والهندي.

وعلى الرغم من هذا، كان الرد الهندي فاترًا تجاه هذه المبادرات إلى حد كبير. فقد ترددت نيودلهي في مواءمة نفسها بشكل وثيق جدًا مع أي قوة عظمى، عدا عن امتلاكها لملاحظات على دعم الولايات المتحدة لباكستان وهو ما أفقد واشنطن الموثوقية لبعض الوقت. وفوق هذا، لم تكن هناك فترة زمنية فاصلة بين فرض الولايات المتحدة لعقوبات على الهند بسبب تجاربها النووية عام 1998.

لاحقًا، في 2008 روجت الولايات المتحدة للاتفاق النووي المدني بينها وبين الهند على أنه وسيلة لتعزيز الشراكة الاستراتيجية، ويبدو أنه ساهم كثيرًا في إصلاح وتعزيز العلاقات بين الطرفين. ومنذ توليه السلطة عام 2014، رحب مودي – رئيس الوزراء الهندي – بالانفتاح الوثيق على أمريكا وتمكين العلاقات معها لتحقيق أهداف اقتصادية تفيد الأمن القومي والاقتصادي الهندي.

ونتيجة لذلك، وحتى ما قبل الجولة الأخيرة من التنقل الدبلوماسي الهندي حول العالم، شهدت العلاقات الهندية الأمريكية الدفاعية نموًا كبيرًا. وشارك البلدين في مجموعة من المناورات العسكرية المشتركة في جميع الخدمات. وبإحصائية بسيطة فإن الهند تعد أكثر بلد أجرى مناورات عسكرية مع الولايات المتحدة خلال السنوات العشرة الماضية. وفي نفس الفترة ارتفعت التجارة البنية الدفاعية، إذ دفعت الهند ما يصل إلى 10 مليارات دولار للحصول على نظم دفاعية مختلفة من الولايات المتحدة، ومن المرجح أن تحتل الولايات المتحدة مرتبة متقدمة في توريد الصناعات العسكرية للهند متجاوزة أبرز موردين للسلاح للهند ( روسيا وإسرائيل).

والآن، تنتقل كل من الهند والولايات المتحدة على حبال التطور البيرقراطي الطبيعي لتحويل العلاقة فيما بينهما من مجرد علاقة ( بائع – مشتري) إلى مرحلة جديدة من التعاون. ومثل دول حلف شمال الأطلسي، تأمل الهند للانتقال إلى هذه المرحلة بنجاح وبشكل مربح.

وخلال زيارة أوباما الأخيرة، تم وضع اللمسات الأخيرة على عهد جديد من التعاون الدفاعي المشترك بين الهند والولايات المتحدة، والذي يظهر العزم المتجدد على تنفيذ فعال لمبادرة التجارة وتكنولوجيا الدفاع التي وقعت بين الطرفين عام 2012. وهي ما وضعت معايير واضحة لزيادة التجارة الدفاعية بين الولايات المتحدة والهند.

وبعد بضعة أشهر من زيارة أوباما، وتحديدًا في يونيو 2015، قام وزير الدفاع الأمريكي آِتون كارتر بتوقع بعد الوثائق والمعاهدات مع الجانب الهندي في إطار اتفاقات جديدة. وفي سبتمبر، قامت الولايات المتحدة باستحداث وحدة خاصة بالتعاون مع الهند في البنتاغون، ولاحقًا في ديسمبر التقى وزير الدفاع “مانوهار باريكار” بكارتر في واشنطن لمناقشة الخطوات المقبلة في مجال التعاون العسكري.

في الصناعات الدفاعية

تطمح الهند في المرحلة المقبلة من التعاون مع الولايات المتحدة على بحث مسارات تزيد من اعتمادها الذاتي في تصنيع المعدات الدفاعية الخاصة بها. وهدف الهند هذا بالاعتماد ذاتيًا على نفسها في عمليات التصنيع العسكري يملك فوائد واضحة لها، لكنه ما يزال بعيدًا بعض الشيء عن الدول النامية بسبب رأس المال العالي والخبرة الفنية الكبيرة التي يتطلبها.

إذاً فالخيار الأفضل القادم هو تحقيق ” التطوير المشترك” بحيث يشارك بلدين او أكثر في مجال البحث والتطوير لاستحداث منظومات دفاعية متطورة.ووفق هذا التعاون المشترك، ستحتفظ البلدان المشاركة بتكنولوجيا خاصة بها بطبيعة الحال، لكنها ستتمكن من مشاركة البحوث والأرباح من المبيعات.

وعادة لا تنظوي اتفاقات “التطوير المشترك” على  نقل للتكنولوجيا من بلد إلى آخر لأن المنتج النهائي عادة ما ينطوي على التكنولوجيا الجديدة التي طورت وأنتجت طوال فترة التعاون. ويمكن لهذه الترتيبات أن تكون خادعة بسبب البيروقراطية وصعوبات الإداراة والتنفيذ. وهو ما يتطلب من كلا البلدين أن يكونا على اتفاق كامل حول ماهية البنود التي ستكون مفيدة للتطوير لكلا الجانبين.

الخطوة اللاحقة لعملية “التطوير المشترك” ستكون الانتاج المشترك، وهي تنطوي على تصنيع المواد الدفاعية باستخدام التقنيات المطورة أو على الأقل ضمن التكنولوجيا المعروفة لكل دولة. الانتاج المشترك يقدم عدد من الفوائد الاقتصادية، بحيث يوفر قاعدة صناعية ويخلق العديد من فرص العمل، على الرغم من أن عمليات نقل التكنولوجيا تكون عادة محدودة. إلا أن مشاريع الانتاج المشتركة تكون جديرة بالاهتمام أيضًا بحيث تسمح بانتاج التكنولوجيا الدفاعية للاستخدام الداخلي وعمليات البيع والتصدير للدول الأخرى.

في مراحلها المبكرة، ركزت مبادرات التعاون العسكرية الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة على التطوير المشترك بمستوى منخفض بالإضافة إلى بعض مبارادت الإنتاج المشترك. وهو ما جعل مشاريع ( باثفايندر ) الأربعة متواضعة فيما يتعلق بالتحدي التقني والحساسية العسكرية. وكان من بين هذه المشروعات، مشروعان حكوميان في التعاون المشترك بهدف تطوير مصادر الطاقة الهجينة الكهربائية المحمولة بالإضافة إلى جيل متطور من السترات الواقية للجسد. هذا بالإضافة إلى مشروعين آخرين في الانتاج المشترك في الطائرات بدون طيار والتي لا تزال في طور الإعداد حتى الآن. ويعود التباطؤ النسبي في تقدم المشروعين الآخرين إلى إحجام الهند عن التعاون حينما تعرض الولايات المتحدة تكنولوجيا غير متطورة بالشكل الكافي بالنسبة للهند فيما تصر الولايات المتحدة على عرض تقنيات أقل حساسية وتطورًا مراعية مسائل الملكية الفردية والمشتركة.

وحتى الآن، التزم الجانبان بهذه الشراكة بشكل منع تعطيل العمليات المشتركة بينهما، فيما تستمر المشاريع الجديدة التي يتم مناقشتها. وفي الوقت نفسه تقوم مجموعات عمل خاصة بدارسة إمكانية نقل تكنولوجيا حاملات الطائرات والمحرك النفاث والطائرات الصغيرة إلى الهند بهدف المساعدة في تطوير الصناعة الهندية. ولكن الفشل في أي عملية نقل يولد احباطًا كبيرًا ويعرق التقدم في هذا التعاون بين الدولتين.

الهبة الحمقاء؟

وفيما تستمر الضغوط الحالية، يبدو أن الولايات المتحدة في طريقها إلى الاستفادة بشكل خاص من سجلها الخاص في الانتاج والتعاون المشترك.

بدأت الولايات المتحدة لأول علاقات دفاع تعاونية بعد الحرب العالمية الثانية للمساعدة في بناء قواعد دفاع دول حلف شمال الأطلسي,. وقد صممت هذه العلاقة بحيث تضمن التفوق العسكري والتكنولوجي على الخصوم المحتملين. ومع ذلك، كانت فكرة الولايات المتحدة متمثلة ببعد سياسي آخر يتمثل بالحفاظ على التفوق العسكري والتكنولوجي لدى حلفائها من خلال البيع المباشر، وهو ما فضلته الولايات المتحدة مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية عبر برامج المساعدات العسكرية الخاصة بها وبرامج المبيعات العسكرية الخارجية وصولًا إلى مشاريع الانتاج والتطوير المشترك لاحقًا.

لاحقًا، ساهم تعافي اقتصادات دول حلف شمال الأطلسي في زيادة تطلعها لتوطين الدفاع، وهو ما دفع الولايات المتحدة نحو تطبيق خطط الانتاج المشترك ولاحقًا خطط التطوير المشترك. وعلى سبيل المثال، مثل التطوير المشترك لنظام الدفاع الجوي ( هاوك) وهو النظام المستخدم ضمن نطاق الناتو مرجعًا لشروط التعاون بحيث يكون صافي الربح للولايات المتحدة مع تخفيض تكاليف الانتاج وتحسين قابلية التشغيل البيني والاستغلال الأجنبي للحد الادنى من التكنولوجيا المنقولة.

وعلى النقيض من ذلك، بدأت الترتيبات الدفاعية مع اليابان بالتببد في ثمانينيات القرن الماضي، حينما أصبح التنافس الاقتصادي قوة مؤثرة لتقسيم الدولة. ويذكر التاريخ ان الانتاج والتطوير المشترك بين اليابان والولايات المتحدة لمقاتلة ( FSX) باستخدام تقنيات طائرة F-16  الأمريكية، قد تم تجميده بسب المخاوف الأمريكية من استخدام اليابان للتقنيات المكتسبة والمطورة لتعزيز ميزاتها التنافسية في تجارة الطيران العالمية.

من منظور استراتيجي، ساعد المشروع في تعزيز التحالف بين الولايات المتحدو واليابان، ولكن من منظور اقتصادي، تسبب المشروع بتقويض القدرة التنافسية بين الولايات المتحدة واليابان وساهم في تآكل هوامش الربح.

وسبق لهذه المشاريع ان حظيت بانتقادات واسعة من القطاعات الحكومية الأمريكية والجماهير المختلفة بسبب تشكيلها تهديد للسيطرة العسكرية الأمريكية عدا عن إخلالها بمبادئ التفوق الاقتصادي. لكن وجود مشاريع قوية منتشرة حول العالم لتسليح حلفاء الناتو ضد الاتحاد السوفيتي ساعد في تهدئة هذه المخاوف بشكل مؤقت على الاقل، لكن التعاون الدفاعي في كثير من الأحيان يخضع لمعايير التغير في التحالفات أو تبديد التهديدات.

في الوقت الحالي، يحظى التعاون العسكري الهندي الأمريكي بدعم من الحزبين الحاكمين في الولايات المتحدة والهند، وذلك لكون الهند قوة ديمقراطية عدا عن ارتفاع نسب المصالح الاستراتيجية المشتركة بين البلدين في منطقة آسيا والمحيط الهادي. ومن المرجح أن تستمر هذه الشراكة حتى في ظل إدارة أمريكية جديدة وذلك لكونها مجدية لكلا الطرفين. وعلى الرغم من حاجة العلاقة إلى مزيد من الإيضاح لكلا الطرفين إلا أن التوقعات الواردة حول تفاصيلها منذ البداية وانعكسات وجهات النظر لدى الحكومة والأطراف الصناعية والجيش يدل على تنسيق فعال طوال الوقت.

الآن، سيشكل توقيع الهند للاتفاقات التعاونية التأسيسية الثلاثة الأمنية مفتاحًا لمزيد من التعاون والانفتاح. سابقًا رفضت الهند لوقت طويل التوقيع على مذكرة الاتفاقية المتعلقة بالأمن ( CISMOA ) والذي يسمح بتبادل معلومات واتصالات سرية بين الشركاء خلال التدريبات الثنائة أو المتعددة الجنسية أو خلال العماليات بما في ذلك عمليات الدعم اللوجستي، بما يسهل تبادل الدعم اللوجستي والإمدادات والخدمات بين الجيش الأمريكي والقوات المسلحة للدولة الشريكة بالإضافة لاتفاق أساسي آخر يسمى ( BECA ) المتعلق بتبادل معلومات استخباراتية جغرافية. ولم تعلن الحكوة الهندية أن أيًا من هذه الاتفاقيات سوف يخرق السيادة الهندية.

لا يتوقع لاتفاقية التعاون بين الهند والولايات المتحدة أن تكون مريحة للجميع، خاصة إذا كات القواعد والشروط الموضحة للتعاون العسكري بين الدولتين غير واضحة بالقدر الكافي الذي يضمن عدم انحراف الهند عن قواعد التعاون الدفاعي المتوقع. تصر الولايات المتحدة على اتفاقية مع جميع المتحالفين عسكريًا معها، وفي حالة الهند، كانت الولايات المتحدة قادرة على قصر التعاون والاتفاقيات على تعاوني دفاعي معين يقضي بنقل مستوى منخفض من التكنولوجيا الدفاعية والمحافظة على إجراء تدريبات مشتركة، ولكن هذا لن يستمر إلى المالانهاية فلا بد في مرحلة ما من الوصول إلى تسوية متعلقة بتبادل التقنيات الحساسة.في الواقع هناك الكثير على المحك في هذا الأمر سواءً عسكريًا أو اقتصاديًا.

وبعد زيارة الوزير الهندي باريكار، يقال أن الهند وافقت على استئناف المحادثات حول الاتفاقات الأخرى بما يظهر استعدادها لاعادة تغيير رأيها حول المواقف الأخيرة وعلى الرغم من أن هذا التصريح يشكل تقدمًا جيدًا إلا أنه لا يزال بعيدًا كل البعد عن اي اتفاق صريح بهذا الخصوص.

مكافأة التعاون

لا يمكن حصر فوائد تحصيل التعاون العسكري الدفاعي، فبالنسبة للولايات المتحدة النتيجة ستكون شريك قوي في تغيير منطقة مثيرة للقلق، ناهيك عن فتح أسواق جديدة أمام الشركات الأمريكية الخاصة. بالنسبة للهند فيمكن للشراكة أن توفر زيادات هائلة في البحث والتطوير والوصول إلى تقنيات أعلى وأكثر فعالية من حيث تكلفة عمليات الانتاج وسرعته.

في الوقت الراهن ستستمر مشاريع الدفاع المشترك بين الولايات المتحدة والهند طالما أنها توفر فوائد اقتصادية في  تقليل تكلفة الانتاج وخلق فرص عمل وزيادة الصادرات. ولكن بالنسبة للمشاريع فإن الطريق ما يزال طويلًا ويحتاج لمزيد من التطوير في الشراكات الدفاعية المعقدة التي تشمل نقل تكنولوجيا حرجة وهو ما يعتمد على متانة وثبات العلاقة الاستراتيجية بين الهند والولايات المتحدة.

ووفق هذا، ستحتاج الهند لإظهار جديتها من خلال التوقيع على الاتفاقات التأسيسية، وهو ما سيدفع الولايات المتحدة للاستمرار في العلاقة وتعزيزها بما يثبت الهند كبلد شريك يمكن الاعتماد عليه على المدى الطويل. وفي حال  تباعدت المصالح الاستراتيجية الأمريكية والهندية، فقد أثبتت التجارب التاريخية أن مشاريع الإنتاج الدفاعية المشتركة يمكن أن تتلاشى عبر مشاريع أحادية بشكل سريع.

ضع تعليقاَ