مارس 28, 2024

ناشيونال إنترست: كيف يمكن لطموحات تركيا الجيوسياسية أن تغير الشرق الأوسط

ترجمة: آمال وشنان

في 26 ديسمبر 2017، وسعت تركيا وجودها العسكري في قطر من خلال نشر مئات من قيادة القوات المشتركة في منشآتها العسكرية في الدوحة. واكتسبت هذه القوات اهتماما كبيرا من وسائل الاعلام، إذ جاءت بعد يوم واحد فقط من صدور تقرير يكشف أن الجيش التركي تدخل نيابة عن قطر لمنع السعودية والإمارات العربية المتحدة من شن انقلاب ضد أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني في يونيو.

إن قرار الحكومة التركية بإظهار “عضلاتها العسكرية” نيابة عن قطر يؤكد على تحول كبير في استراتيجية أنقرة في الشرق الأوسط. منذ محاولة الانقلاب في تموز / يوليو 2016، تحولت تركيا من كونها عاملا ثوريا مزعزعا للاستقرار لأقوى مؤيد للاستقرار في الشرق الأوسط. وفي الأشهر الأخيرة، أكدت تركيا التزامها بالحفاظ على استقرار الدولة في العالم العربي، من خلال دعم إعادة توحيد سوريا في ظل حكومة مركزية قوية، ودعمها بقوة لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.

إن تبني تركيا لجدول أعمال مؤيد للاستقرار في العالم العربي يمكن تفسيره بقلق أنقرة المتزايد بشأن الاضطرابات الداخلية بعد أن واجهت سلطة أردوغان تحديا بسبب محاولة الانقلاب التي جرت في يوليو / تموز 2016. وأعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن اعتقاده بأن محاولة الانقلاب نظمتها وحدات عسكرية مارقة تابعة لرجل الدين الإسلامي فتح الله غولن بدعم من قوى خارجية، وعليه سعت تركيا إلى تقويض حركات التمرد القومية ومكافحة التدخل الخارجي المزعزع للاستقرار في الصراعات الإقليمية. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى منع محاولات الانقلاب التي تحدث في أجزاء أخرى من الشرق الأوسط، وإعادة إنشاء شبكة الدول القومية المستقرة التي حافظت على الأمن الجماعي في العالم العربي قبل حرب العراق عام 2003.

ومن أجل توطيد مكانتها بوصفها الضامن الرئيسي للأمن الجماعي في الشرق الأوسط، قامت تركيا بتنقيح نهجها الدبلوماسي بين الدول وعرضت قدرتها القهرية الهائلة على المجتمع الدولي. وعلى النقيض من التوازن غير العملي الذي أيده أردوغان قبل الربيع “عدم وجود مشاكل مع الجيران”، فإن دور تركيا الحالي لتحقيق الاستقرار تدعمه شراكات تكتيكية انتقائية مع الجهات الفاعلة الإقليمية التي تمتلك أهدافا جيوسياسية مماثلة. وقد وسعت هذه الشراكات شبكة حلفاء تركيا في العالم العربي، وحسنت الأضرار التي لحقت بسمعتها بسبب ردود أردوغان غير المتماسكة على الربيع العربي.

كما أن الأثر الرادع الذي توفره الموارد العسكرية الهائلة في تركيا، التي تمتلك ثاني أكبر جيش دائم في الناتو، عزز أيضا قدرة أنقرة على العمل كمستقر إقليمي. وكثيرا ما اضطرت البلدان التي تسعى إلى مواجهة الأهداف التركية إلى وضع خططها على الرفوف لأنها تخشى من انتقام عدواني من تركيا يمكن أن يضر بأمنها وطموحاتها الإقليمية في مجال إسقاط السلطة.

إن التزام تركيا بتعزيز الدول الهشة في العالم العربي يتجلى في توسيع نطاق مشاركتها الدبلوماسية والعسكرية في سوريا. وعلى الرغم من أن تركيا قدمت دعما ماديا حيويا للجماعات المتمردة السنية التي تسعى إلى الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد في السنوات الأولى من الصراع، ولا تزال ترى الأسد قائدا غير شرعي، إن سياسة أنقرة الحالية تفضل إعادة توحيد سوريا باعتبارها دولة مركزية مستقرة.

وعلى الرغم من أن أردوغان وصف مؤخرا الأسد بأنه “إرهابي” ليس له مكان على طاولة المفاوضات، فإن استراتيجية تركيا غير الرسمية في سوريا تنظر إلى الطموحات السياسية للمجموعات القومية الكردية، مثل قوات سوريا الديمقراطية وحزب الاتحاد الديمقراطي كأكبر معوقات الاستقرار في سوريا. وتعتقد الحكومة التركية أن إنشاء مركزين للسلطة في سوريا، أحدهما في دمشق بقيادة الأسد والآخر في روجافا بقيادة الفصائل القومية الكردية، يمكن أن يؤدي إلى موجة من الحواجز التي تقوض السلامة الإقليمية لدول الشرق الأوسط، وتزعزع الاستقرار في الشرق تركيا من خلال تمكين حزب العمال الكردستاني.

وترى تركيا أن الحفاظ على دولة موحدة في سوريا سيجنبها من الانزلاقات ويسهل إعادة إقامة دولة سورية مستقرة سياسيا. إن هيكل الدولة الموحد سيكون له إطار قانوني يضمن إحداث تغيير في النظام في سوريا ينتج حكومة معارضة تمارس السلطة السياسية على كامل البلاد. وستكون هذه النتيجة مفيدة للغاية لمصالح تركيا الجيوسياسية، لأنها ستسمح لسوريا بأن تصبح حليفا تركيا في حال سقوط الأسد من السلطة.

ولضمان التوصل إلى تسوية سلمية تحافظ على هيكل الدولة الموحد في سوريا، أقامت تركيا شراكات مع أصحاب المصلحة الإقليميين بهدف الحد من التأثير السياسي للجماعات القومية الكردية. وقد أدت هذه الجهود أيضا إلى تحسين تركيا لعلاقاتها مع إيران وروسيا. وقد وقعت تركيا اتفاقات هامة مع إيران حول أمن الحدود ومكافحة الارهاب وتبادل المعلومات الاستخباراتية، الأمر الذي يكفل قيام البلدين بتنسيق الجهود العسكرية ضد الجماعات المسلحة الكردية. كما تعاون الجيش التركي مع روسيا من خلال شن ضربات جوية مشتركة على معاقل المعارضة السنية في شمال سوريا. ولم يتسبب هذا التعاون حتى الآن في تخلي روسيا عن دعمها لدولة اتحادية في سوريا، ولكنه ساهم في إضعاف صلات موسكو مع قوات سوريا الديمقراطية واستعداد روسيا لتسهيل العمليات العسكرية التركية في مدينة عفرين الكردية.

كما تم عرض البعد الصلب للدور التركي بخصوص الاستقرار في سوريا، حيث أظهرت أنقرة استعدادها للتدخل عسكريا في النزاع السوري من خلال حملة “درع الفرات” ضد داعش في الفترة من 2016 إلى مارس 2017. يمكن اعتبار بيان الرئيس دونالد ترامب الصادر في تشرين الثاني / نوفمبر والذي يدعو إلى إنهاء المساعدة العسكرية التي تقدمها واشنطن إلى حزب الاتحاد الديمقراطي وسيلة لإرضاء تركيا ومنع أنقرة من شن حملة عسكرية متهورة ضد الموالين للولايات المتحدة خاصة قوات سوريا الديمقراطية. ويشير هذا التحول في السياسة إلى أن أردوغان نجح في تحويل عدم قابليته للتنبؤ –كمشكلة كبيرة-إلى مصدر للضغط وتعزيز الاحترام للقدرات العسكرية التركية في كل من الغرب والعالم العربي.

إن دعم تركيا لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا يعكس أفعاله في سوريا. منذ أن أعلنت تركيا عن قرارها بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع ليبيا في يونيو 2016، عملت الحكومة التركية بجهد لتوحيد ليبيا تحت قيادة حكومة قنا التي تتخذ من طرابلس مقرا لها وتقوض قوة جماعات الميليشيات في شرق ليبيا. كما عارضت تركيا بشدة تدخلات القوى الإقليمية، مثل مصر والإمارات العربية المتحدة، الذين يدعمون الفيدرالية في ليبيا ويسعون إلى تعزيز نفوذ قائد الجيش الموجود بطبرق خليفة حفتر.

كما هو الحال في سوريا، استخدمت تركيا جهودها لتعزيز مؤسسات الدولة في ليبيا لتوسيع وتعميق شبكة حلفائها داخل الجامعة العربية. وحليف تركيا الرئيسي في هذا المسعى هو قطر. إن تعبير الحكومة التركية عن التضامن مع الدوحة في أزمة الخليج يهدف إلى إثبات أن التحالف التركي-القطري ضد دولة الإمارات العربية المتحدة يمكن أن يتجاوز نطاق دول مجلس التعاون الخليجي. كما توددت تركيا للسودان، حيث تشاطر الخرطوم مخاوف أنقرة بشأن التأثير المزعزع للاستقرار لمبيعات الأسلحة غير المشروعة للجيش الليبي.

البعد الإكراهي لحملة تركيا لدعم السيادة الليبية أضعف مما هو عليه في سوريا، حيث أن رغبة تركيا في استخدام القوة العسكرية نيابة عن طرابلس لا تزال غير واضحة.  تاريخيا تعتبر قوات حفتر خطر التدخل العسكري التركي في ليبيا ضئيل، وقد تعزز هذا الرأي بسبب رد فعل تركيا الصامت على قصف الجيش الليبي في مايو / أيار 2015 لسفينة تركية متجهة إلى طبرق.

وعلى الرغم من هذه السابقة، أصبح حفتر أكثر حذرا بشأن استفزاز تركيا في الأشهر الأخيرة، حيث نشرت أنقرة قوات عسكرية في دول أفريقية، مثل الصومال والسودان، وتصاعدت التوترات مع مصر حول تأييد الرئيس عبد الفتاح السيسي لمحاولة الانقلاب التركية عام 2016. وهذا يضمن أن تركيا قادرة على حماية سيادة ليبيا مع خطر ضئيل لرد فعلٍ عسكري. ولذلك، فإن أنصار حفتر الدوليين، مثل روسيا، وسعوا من علاقاتهم الدبلوماسية مع طرابلس في جزء منها لتجنب عداء تركيا.

وعلى الرغم من أن سلوك أردوغان الذي لا يمكن التنبؤ به يعتبر مصدرا لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، فقد ركزت سياسة تركيا الخارجية في مرحلة ما بعد الانقلاب على جيرانها بشكل رئيسي وعلى حماية سيادة الدولة في العالم العربي وإحياء نظام الدولة الموحد المستقر قبل عام 2003. إذا نجحت تركيا في حماية سيادة سوريا وليبيا وقطر، فإن وضعها كضامن للأمن الجماعي في الشرق الأوسط سيزداد بشكل كبير، مما يعزز قوة حلفاء أنقرة دبلوماسيا ومكانة أردوغان كرجل دولة عالمي.

المصدر: ناشيونال إنترست

الكاتب: صامويل رماني

الرابط: http://nationalinterest.org/feature/how-turkeys-geopolitical-ambitions-could-change-the-middle-24207?page=2

ضع تعليقاَ