أبريل 25, 2024

إدلب آخر جبهات القتال في الحرب الأهلية السورية

إن المرحلة التالية الأكثر احتمالاً في إدلب والحرب الأهلية السورية هي جهد منسق للقضاء على هيئة تحرير الشام  (وفروعها مثل حراس الدين)، وقبول وجود تركي أكثر ديمومة في شمال غرب سوريا

هذه المادة مترجمة عن موقع geopolitical futures، يمكنك الاطلاع على المادة الأصل من هنا

بقلم: ألكسندر سنايدر            |           ترجمة: آمال وشنان.

ملخص:

بعد سبع سنوات من النزاع، قد ترتبط مسألة التهدئة في الحرب الأهلية السورية مستقبلاً بمعركة السيطرة على إدلب. لقد استعاد الرئيس السوري بشار الأسد السيطرة على جزء كبير من البلاد، وهذه المقاطعة الشمالية الغربية هي آخر معقل للمتمردين المتبقين.

لكن إعادة إدلب لن تكون سهلة. في الواقع، سيكون الأمر أصعب وأكثر تعقيدًا من العديد من الحملات الأخيرة في الجنوب لسببين. أولاً، إنها منطقة أكبر بكثير من المناطق في الجنوب، مثل درعا والغوطة الشرقية والقنيطرة، التي استولى عليها الجيش السوري في الأشهر الأخيرة. ومن ثم، فهي أيضاً أكثر كثافة من حيث المتمردين، ويرجع ذلك جزئياَ إلى عمليات وقف إطلاق النار التي توسطت فيها روسيا في الجنوب والتي سمحت للمتمردين بالمرور الآمن من هذه المناطق إلى إدلب. ثانياً، تركيا لها وجود عسكري في إدلب. هذا يعقد الوضع بالنسبة لجميع الأطراف المعنية لأن تركيا والنظام السوري لديهم مصالح متضاربة في هذه المنطقة. روسيا تدعم النظام لكنها لا تريد خوض حرب مع تركيا، وهي تحتاج إلى الحفاظ على علاقات جيدة معها. لهذا السبب، يخشى السوريون أن يتخلى الروس عنهم. وفي الوقت نفسه، تريد تركيا مساحة للمناورة في علاقتها بالولايات المتحدة، وتتجنب علاقة عداوة مع روسيا والتي من شأنها أن تحد من خياراتها.

لذلك فإن معركةً على إدلب ستشكل تهديدًا لجميع الأطراف المتورطة في النزاع. في الصراع على نطاقٍ أوسع بين البلدان في هذه الحرب، قد تكون معركة إدلب أكثر من مجرد إضطراب، بل هي خطر. كسب معركة عسكرياً قد يكلف أكثر من المتوقع. وللنجاة من هذا المستنقع سيُطرح خيار آخر: إتفاق بين هذه الدول للإطاحة بالجماعة المتمردة التي تسيطر على جزء كبير من الإقليم. كل هذه الأطراف لها مصلحة في القضاء على هذه المجموعة -وهي واحدة من أكثر المجموعات تطرفًا في إدلب -وبالتالي فهي المنطقة الوحيدة التي يمكن أن تتعاون فيها جميع الأطراف. قد لا يحصلون على كل ما يريدون من الإتفاق، لكنهم سيستفيدون جميعًا بطريقة أو بأخرى. وفي هذه المرحلة، قد يكون هذا أفضل الخيارات.

معركة إدلب

في مطلع عام 2015، بدا الأسد وكأنه يخسر الحرب السورية. لم تستطع روسيا، وهي أحد حلفاء سوريا الرئيسيين، أن تسمح بحدوث ذلك، وفي وقتٍ لاحقٍ من ذلك العام قررت أن تنضم إلى الصراع من أجل إبقاء الأسد في السلطة. لقد بدأ تدخلها، وخاصة دعمها الجوي للقوات السورية على الأرض، في تحويل كفة الميزان لصالح الأسد. الآن، بعد استعادة الكثير من الجنوب، يضع الأسد إدلب نصب عينيه.

من المحتمل أنه سيحاول الحصول على مساعدة موسكو، لكن بالنسبة لروسيا، فإن إدلب تنجم عنها بعض العواقب. من المؤكد أن استعادة الإقليم سيكون انتصاراً كبيراً للنظام السوري، لكن حتى أذا ضم إدلب تحت حكمه، ستظل هناك مناطق من الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون في الشمال والمناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة. لكن بالنسبة لتركيا، تتمتع المقاطعة بأهمية استراتيجية كبيرة. وترى أنقرة أنها منطقة يمكن من خلالها شن هجمات ضد الجماعات الكردية السورية، بما في ذلك وحدات حماية الشعب، التي تعتبرها منظمة إرهابية. كما ترى تركيا إدلب كمنطقة عازلة، حيث أنها تقع على الحدود التركية السورية، أين يمكنها الحد من تدفق اللاجئين، والتي تعد مشكلة متنامية بالنسبة لأنقرة. ولذلك كانت تركيا تقوم بتحصين “مراكز المراقبة” – المواقع العسكرية التي أقرتها اتفاقات أستانا في أواخر عام 2017 – مع الدفاعات الجوية والجدران الخرسانية، وبناء المستشفيات ومواقع لنزول المروحيات.

تعرف روسيا أن مهاجمة المواقع التركية في إدلب سيُعتبر عملاً حربياً ضد أنقرة التي تريد تجنبها. تركيا هي قوة إقليمية وعضو في الناتو، وقد يؤدي الهجوم على القوات التركية إلى جذب أعضاء حلف الناتو الآخرين في الدفاع عن أنقرة. وهذا من شأنه أن يوحد تركيا والغرب في الوقت الذي تتزايد الانشقاقات في العلاقة بين أنقرة وواشنطن. (على الرغم من ذلك، إذا رفض حلف الناتو التدخل نيابةً عن تركيا، فإن ذلك من شأنه أن يعمق الانقسام في التحالف). وحتى الهجوم على الوكلاء الأتراك من المحتمل أن يدفع تركيا نحو الغرب. لذلك تبحث روسيا عن مخرج من هذا المستنقع.

حالياً ، جزء كبير من إدلب تتحكم فيه مجموعة واحدة: هيئة تحرير الشام والتي أصبحت جزءا من الأحداث في يوليو 2017 ، أي قبل ثلاثة أشهر من دخول الجيش التركي إلى إدلب. في ذلك الوقت، كانت تركيا تتعاون بالفعل مع الميليشيات هناك، بما في ذلك، أحرار الشام، التي كانت تسيطر على إدلب قبل يوليو / تموز 2017. لكن انشقاق في أحرار الشام بدأ ينمو بين فصيلين: البراغماتيين ، الذين أرادوا إقامة حزب إسلامي قادر على اكتساب الشرعية الدولية وحتى الحصول على دعم من الغرب ، والمتطرفين، الذين كان نهجهم أقرب إلى تنظيم القاعدة والذين أرادوا إقامة دولة إسلامية. هذا التقسيم أضعف أحرار الشام وأفسح المجال لهيئة تحرير الشام وأتباعهم حراس الدين.

هيئة تحرير الشام هي نتاج اندماج بين فرع القاعدة في سوريا “جبهة النصرة”، وعدة مجموعات متمردة أخرى. أرادت جبهة النصرة إقامة دولة الخلافة الإسلامية وكانت النصرة من بين الجماعات الأقوى إيديولوجيا والأكثر نشاطاً في ذلك الوقت. وهكذا استطاعت هيئة تحرير الشام جذب المتشددين من مجموعات أخرى، بما في ذلك أحرار الشام. وأصبحت المجموعتان عدوين شرسين مع تزايد قوة هيئة تحرير الشام في إدلب وتراجع أحرار الشام. أعلن زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني علانية استقلال الجماعة عن القاعدة، وفي مايو 2017، أعلنت القاعدة أنها قطعت كل العلاقات مع هيئة تحرير الشام.

عندما كانت تركيا تستعد لدخول إدلب، كان أمامها خياران: محاولة القضاء على هيئة تحرير الشام بالقوة، أو التعاون مع  الوكيل الذي يعتبر منافس قوي في المحافظة. اختارت تركيا هذا الأخير. كانت شراكة نابعة من الضرورة – شراكة لم تكن تريدها تركيا ،لأن الأخيرة أصبحت أمام خيارات متساوية. لكن تركيزها في ذلك الوقت كان على تأسيس وجود على طول الحدود التركية السورية الذي يمكنه امن ممارسة الضغط على وحدات حماية الشعب وإدارة تدفقات اللاجئين عبر الحدود.

لكن الآن، لدى تركيا يد أقوى للعب. غزت عفرين -محافظة في شمال غرب سوريا كانت تحت سيطرة وحدات حماية الشعب – في يناير 2018 وعبر هذا التدخل تسيطر حالياً على جزء كبير من الأراضي السورية في الشمال. ويمكن بالتالي أن تركز أكثر على هيئة تحرير الشام، وهي مجموعة من الميليشيات التي لم تثق بها أبدًا ولم تستطع السيطرة عليها.

منذ ذلك الحين، أقامت تركيا علاقات مع مجموعات متمردة أخرى في إدلب. في فبراير / شباط ، انضم ما تبقى من أحرار الشام إلى مجموعة أخرى تدعى نور الدين الزنكي لتشكيل الجبهة الوطنية للتحرير، التي كان من المفترض أن توازن وجودها في إدلب. بدأت هيئة تحرير الشام في شن هجمات على الجبهة الوطنية للتحرير، ولمدة  ثلاثة أشهر، قاتل الاثنان من أجل السيطرة على المقاطعة. ونظراً لعلاقات تركيا بأحرار الشام وعدم الثقة في هيئة تحرير الشام، فإن تركيا قد شجعت على الأرجح تشكيل الجبهة الوطنية للتحرير لخلق توازن مع هيئة تحرير الشام أو إضعافها أو، على الأقل، معرفة مواقع القوة التي تتمركز فيها هيئة تحرير الشام.

في يوليو / تموز، ساعدت تركيا في تشكيل الجبهة الوطنية للتحرير، وهي ائتلاف من الجماعات المتمردة في إدلب شملت جبهة تحرير سوريا. وتشير التقديرات إلى أن لدى الجبهة الوطنية للتحرير ما بين 85،000 إلى 100،000 متشدد. وبحسب ما ورد دعت تركيا هيئة تحرير الشام للانضمام إلى الجبهة الوطنية للتحرير، لكنها رفضت، مما يثبت أن أنقرة لا تزال لا تستطيع السيطرة على المجموعة. تواصل هيئة تحرير الشام مهاجمة مواقع الجيش السوري حول إدلب -الأمر الذي قد يدفع الأسد إلى شن هجوم على المحافظة. تفضل تركيا ألا تواجه النظام السوري هناك، لكنها لا تستطيع أن توقف هيئة تحرير الشام من مهاجمة قوات النظام في جنوب إدلب وشمال حماة. قد تكون الشراكة مع هيئة تحرير الشام قد ساعدت تركيا على المدى القصير، ولكن إذا غزا الأسد إدلب ، فقد يكون  ذلك مكلفًا على المدى الطويل.

كيف سيبدو هذا الاتفاق؟

إدلب هي مكان واحد يجمع مصالح كل الأطراف المشاركة في الحرب: أنهم جميعا يريدون القضاء على هيئة تحرير الشام. إذاً، كيف سيبدو الإتفاق بين هذه الدول؟ أحد أكثر السيناريوهات المحتملة هو موافقتهم-سواء بشكل رسمي أو غير رسمي – على توحيد الجهود للقضاء على المجموعة من المقاطعة. بعد أن يتم إجبار جمهورية إيران الإسلامية على المغادرة، سيُسمح لتركيا بالبقاء في المحافظة، لكنهم قد يتخلون عن أجزاء من جنوب إدلب – حيث تحظى هيئة تحرير الشام بحضور قوي -لنظام الأسد. ستدعم روسيا الأسد في جنوب إدلب لكنها لن تصل إلى مستوى الدعم الجوي الذي يجعلها في مواجهة مباشرة مع تركيا. سيتم السماح لتركيا بالبقاء، طالما أنها تستطيع السيطرة على وكلائها ومنعهم من مهاجمة النظام السوري. في واقع الأمر، فإن هذا الأمر سيشكل استحواذًا شبه دائم على الأراضي من قبل تركيا، حتى لو لم يكن أي طرف مستعدًا للاعتراف بهذا الأمر.

في مثل هذا السيناريو، ستنتهي تركيا بإدارة أجزاء من إدلب وعفرين، وفي المقابل، ستحمي هذه المناطق من النظام السوري، الذي سيضطر إلى القيام هجوم أقوى بكثير مما فعله في الجنوب إذا أراد تحدي تركيا ووكلائها. جماعات المتمردين التي عصيت تركيا واستمرت في مهاجمة النظام إما أن تُطرد من إدلب من قبل وكلاء تركيا أو، إذا غادروا إدلب لمواصلة الهجوم على الجيش السوري، يتم التعامل معهم من قبل الأسد.

هذا الترتيب من شأنه أن يؤدي إلى توازن أكبر بين اللاعبين الرئيسيين في الحرب الأوسع وربما حتى إلى راحة في القتال لمدة معينة. قد لا يكون حلًا دائمًا، ولكنه قد يدخل المرحلة التالية من الصراع. لماذا تتفق كل من هذه الأطراف على التعاون للتخلص من هيئة تحرير الشام؟

تركيا:

تفضل تركيا عدم التعامل مع هيئة تحرير الشام على الإطلاق. لأن سلوكها غير قابل للتنبؤ ويمكن أن تهدد مكانة تركيا في إدلب. وتتركز قوات هيئة تحرير الشام في جنوب إدلب، لذا من المحتمل أن تتطلب الصفقة انسحاب تركيا من ذلك الجزء من المحافظة، والذي سيسيطر عليه الجيش السوري، بدعم من روسيا. في أجزاء أخرى من إدلب حيث توجد تركيا، سيكون الأمر متروكًا لوكلاء الأتراك للقضاء على القوات المتبقية من هيئة تحرير الشام.

لكن من الصعب تخيل إنسحاب كلي لتركيا من إدلب. يبقى اهتمامها الأساسي هو وحدات حماية الشعب في الشمال، ولا تريد مشاكل في إدلب لتهديد موقعها في عفرين. أما التنازل عن إدلب لصالح النظام سيجعل تركيا مهددة من قبل الأخير، كما أن مقاطعة هاتاي التركية ستكون عرضةً لتدفق اللاجئين الناجمة عن هجوم النظام. كما أنه سيعطي قوة الدفع في الصراع للنظام، والذي يمكن أن يركز بعد ذلك على استعادة الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد. هذا أمر غير مقبول بالنسبة لتركيا، لأنها ستفقد القدرة على مواصلة الضغط العسكري على وحدات حماية الشعب في سوريا. الإنسحاب الكامل من إدلب يمكن أن يؤدي إلى إنسحاب كامل من شمال سوريا، وعند هذه النقطة، سيكون على تركيا أن تثق في النظام السوري للسيطرة على السكان الأكراد في الشمال بطريقة تتفق مع مصالح تركيا. من المرجح أن تبقى تركيا على الأرض في شمال إدلب بمساعدة وكلائها.

وكلاء تركيا

وكلاء تركيا أيضاَ حريصون على التخلص من هيئة تحرير الشام. وقد أدى نهج المجموعة إلى نشوب صراع وانقسام بين الجماعات المتمردة الأخرى التي تفضل التركيز على معركتها ضد الأسد. إنهم قلقون من أن عدم وجود وحدة ضد النظام يمكن أن يخلق فراغاً في السلطة، والذي يمكن أن تملؤه الدولة الإسلامية.

سوف تتعاون المجموعات التي تشكل الجبهة الوطنية للتحرير مع اتفاق يركز أولاً على تفكيك هيئة تحرير الشام، لكنهم لا يريدون أن يثبطوا عن مواصلة قتالهم ضد الأسد. قد تختار بعض هذه المجموعات الإنفصال عن الجبهة الوطنية للتحرير، لكن هذا القرار سيعرضها لخطر الإستهداف من قبل تركيا، وكلاء تركيا والحكومة السورية. أما الجماعات الأخرى الموالية لتركيا التي تختار الإلتزام بالإتفاق، فتقبل سيطرة تركيا على المنطقة في مقابل الحماية من قوات النظام. ويمكن لهذه القوى أن تتقدم بوقتها في انتظار الحصول على فرصة للاستفادة من الحل المحتمل للاتفاقية.

النظام السوري

من المرجح ألا يشعر الأسد بالراحة التامة مع صفقة تترك مساحة كبيرة إلى حد ما تحت حماية تركيا. لكنه مع ذلك سيميل إلى القبول به لأنه سيقضي على الجماعات المتمردة الأكثر سيطرةً والأكثر تطرفاً في إدلب، وربما يساعده على استعادة المزيد من الأراضي في جنوب إدلب. بالنسبة للأسد، إنها خطوة في الاتجاه الصحيح.

حتى إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، فمن غير المرجح أن يشن الأسد هجوماً على الإقليم لثلاثة أسباب. أولاً، لن يستطيع الإعتماد على الدعم الجوي الروسي في المناطق التي تتواجد فيها تركيا. ثانياً ، سيكون عليه مواجهة عدد أكبر بكثير من المقاتلين هناك أكثر مما واجهه في المعارك جنوب سوريا، مما يجعل القتال أكثر دموية وأكثر تكلفة وأقل قابلية للتنبؤ. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الصفقات التي توسطت فيها روسيا في الجنوب سمحت للمتمردين بالفرار وضمان مرورهم الآمن إلى إدلب في مقابل تسليم الأراضي إلى الأسد. في العديد من المناطق التي استعادها الأسد، لم يقم فعليًا بالقضاء على المسلحين الذين يقاتلون ضده. انتقلوا ببساطة إلى جزء آخر من البلاد. ثالثًا،على الرغم من أن الأسد قد أعاد مؤخرًا تثبيت قبضته على أجزاء كبيرة من البلاد ، فإن شريحة كبيرة من جيشه غير قادرة على القيام بعمليات هجومية، نظرًا لأنها تُستخدم بشكل أساسي في مهام الدفاع. وهذا يعني أن الخسائر الكبيرة التي يمكن أن يتكبدها الجيش السوري ستكون بين صفوف الأسد الأكثر خبرة و الأكثر تدريباً -الأمر الذي قد يشجع المتمردين على تحدي النظام في مناطق أخرى، مع العلم بأن موارده ستصل إلى أدنى حد. من الأسلم أن يقبل الأسد بوجود القوات التركية ووكلائها، في الوقت الحالي، بينما يعيد بناء بلده ويؤمن مكاسبه السابقة. يمكن للأسد أن يستفيد من فترات الاستقرار لإعادة دعم جيشه.

روسيا

كما ستدعم روسيا صفقة بشأن إدلب لأنها ستقرب الأسد خطوةً أخرى للحصول على الحكم في جميع أنحاء البلاد. لكن روسيا لا تحتاج في الواقع إلى أن يسيطر الأسد على كل سوريا. على العكس من ذلك، فإن روسيا مسرورة أكثر من غيرها بلعب دور الوسيط بين مختلف الكيانات التي تقاتل بعضها بعضاً في سوريا – أبرزها تركيا ، الأسد، الأكراد السوريون وإيران. السماح لتركيا بالاحتفاظ بجزء من سوريا تحت سيطرتها سيقيد إيران في سوريا ويحد من أهدافها التوسعية في جميع أنحاء المنطقة. لدى روسيا مصلحة في منع الهيمنة الإقليمية من الظهور في الشرق الأوسط والتي يمكن أن تضع  القوقاز نصب عينيها، الأمر الذي من شأنه أن يهدد روسيا بشكل مباشر.

الاتفاق الذي من شأنه أن يضع حداً مؤقتاً لإنهاء الأعمال العدائية من شأنه أيضاً أن يبين قدرة  روسيا على إبراز نوع من الانتصار في سوريا. آخر شيء تريده روسيا الآن هو أن يجرها الأسد إلى مواجهة مع تركيا من شأنها أن تضع حدا للتحسن التدريجي للعلاقات بين موسكو وأنقرة، وتدفع تركيا إلى الارتياح إلى الغرب. يمكن للهجوم الذي تدعمه روسيا في إدلب أن يفعل ذلك بالضبط.

الولايات المتحدة:

كانت مشاركة الولايات المتحدة في إدلب محدودة، لكنها ترحب بهزيمة مجموعة مرتبطة بالقاعدة هناك. إن التوقيع على صفقة تسمح لتركيا بحضور دائم أكثر في إدلب يمكن أن يساعد أيضا على تحسين العلاقات بين واشنطن وأنقرة، التي توترت في الآونة الأخيرة. كما أنه سيحد من وصول الأسد ويضمن، في الوقت الحالي على الأقل، أن لا يتمتع بسيطرة كاملة على كل سوريا.

كيف يمكن أن ينهار الاتفاق؟

إن التوصل إلى اتفاق للقضاء على هيئة تحرير الشام سيكون في مصلحة جميع الأطراف. لكن الاتفاق  يمكن أن ينهار بطريقتين.

الأولى ستكون من خلال رفض جماعات المتمردين قبول السيطرة التركية. حتى المتمردون الذين يشكلون جزءاً من الجبهة الوطنية للتحرير التي تدعمها تركيا قد يتعبون من الوضع الراهن ويريدون الانفصال عن التحالف لمواصلة محاربة الأسد. وسيؤدي إضعاف قبضة تركيا على الجبهة إلى مطالبة عدد كبير من المتمردين بمغادرة الجبهة الوطنية للتحرير دفعة واحدة. ولكن إذا حدث ذلك، سيضطر الأسد إلى الرد بغض النظر عما إذا كان سيحصل على دعم جوي روسي. تفضل موسكو البقاء خارج اللعبة، ولكن حتى لو قدمت للأسد بعض المساعدة، فستكون محدودة ولن تستهدف المواقع التركية مباشرة.

مع مرور الوقت، قد يؤدي هذا إلى انسحاب تدريجي لتركيا من مناطق أخرى في شمال إدلب، حيث أن إضعاف وكلائها سيجبرها إما على زيادة مشاركتها العسكرية أو العودة إلى عفرين. سوف تصر تركيا على الوقوف في موقعها في عفرين ومنبج ، لكن قدرتها على تكريس المزيد من القوى البشرية والموارد في أي مكان في سوريا ستكون، على غرار إيران، متوقفة جزئياً على وضعها الاقتصادي في الداخل ، وهو  في حالة غير مستقرة حالياً.

أما الانهيار الثاني المحتمل، فهو مرتبط بقيام الأسد بتحركات لاستعادة السيطرة على إدلب. لكن هذا يعتمد إلى حد كبير على مقدار الدعم الذي يمكن للنظام الاعتماد عليه من حليفه القوي الآخر، إيران. بالنظر إلى عدم الاستقرار الأخير في إيران، خاصة مع فرض المزيد من العقوبات في نوفمبر والمحادثات في الولايات المتحدة لقطع إيران عن شبكة SWIFT المصرفية ، من الصعب التنبؤ بمدى تورطها في سوريا وأين ستركز جهودها. لن تنسحب من الحرب تماماً – لا يمكن أن تخاطر بانهيار نظام الأسد – ولكن إذا اشتعلت الاحتجاجات الضخمة، مثل تلك التي اندلعت في بداية هذا العام، مرة أخرى، فقد تضطر إلى الحد من إنفاقها على المغامرات في الخارج والاستثمار في الحفاظ على اقتصادها الداخلي.

في هذه الحالة، سيكون لها نفوذ محدود في إدلب. وستدعم القضاء على الجماعات المتمردة التي تتحدى سلطة الأسد، وبالتالي ستؤيد التوصل إلى اتفاق للتخلص من هيئة تحرير الشام، على الرغم من أن إيران ذات الأغلبية الشيعية لن ترحب بالوجود المستمر لتركيا ذات الأغلبية السنية في سوريا. على الرغم من ذلك، لا تريد إيران دفع تركيا أكثر نحو المدار الغربي ، وذلك لأسباب اقتصادية خاصة بها. إن احتمالات استمرار تركيا في شراء الغاز الطبيعي من إيران حتى بعد شهر تشرين الثاني (نوفمبر) أصبح أقوى بعد أن توترت العلاقات بين واشنطن وأنقرة. (في الواقع ، قد لا تريد تركيا أن تعتمد أكثر على روسيا في مجال الغاز الطبيعي مقارنةً بما تفعله حالياً، لذا فإن لديها مصلحة في شراء الطاقة من موردين آخرين.)

إذا عكست إيران مسارها وأصبحت أقوى مما هي عليه الآن، فقد تشجع بعد فترة من الوقت الأسد على اتخاذ إجراءات أكثر جرأة في إدلب بغض النظر عن وجود تركيا هناك. وسيكون هدف إيران القضاء على الجماعات المتمردة السنية في سوريا التي يمكنها تحدي موقفها في البلاد. هذا السيناريو سيقرب تركيا وإيران من المواجهة التي توقعنا أن تحدث في مرحلة ما.

أما الآن، فإن المرحلة التالية الأكثر احتمالاً في إدلب والحرب الأهلية السورية هي جهد منسق للقضاء على هيئة تحرير الشام  (وفروعها مثل حراس الدين)، وقبول وجود تركي أكثر ديمومة في شمال غرب سوريا. إن حل الصراع في هذه المنطقة من البلاد أقل أهمية من العلاقات بين اللاعبين الكبار في هذه الحرب. لذلك يجب أن تتضمن نوعًا من التوازن فيما بينها، ربما مع قتال صغير الحجم متقطع وغير حاسم، ولكن بدون محاولة دموية للفوز بشكلٍ كاملٍ.

ضع تعليقاَ