مارس 28, 2024

فورين بوليسي: في حال أراد ترامب حرباً في الشرق الأوسط ستكون إيران له بالمرصاد

أظهرت الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، للشرق الأوسط، أن الشيء الوحيد الذي يوحد الولايات المتحدة وإسرائيل والعديد من دول العالم العربي هو معارضتها جميعاً لأنشطة إيران الإقليمية. وبينما تعترف إدارة أوباما بأن الإكراه وحده لن يجدي نفعاً في تغيير سلوك إيران؛ ممَّا يعني أنها كانت تفضل مبدأ الثواب والعقاب، تميل إدارة ترامب إلى البحث عن طرق أكثر صرامة لتضييق الخناق على طهران.

وفي الحقيقة المنطق الأساسي لهذا النهج واضح وجلي، والهدف منه الضغط على إيران من خلال دفعها نحو العزلة الإقليمية، وفرض مزيد من العقوبات عليها، ومواجهة الجماعات التي تدعمها في كل من سوريا واليمن؛ ممَّا يجبر الجمهورية الإسلامية على الانسحاب أو التخلي عن طموحاتها الإقليمية. ولكن هناك مشكل واحد متمثل في أن إيران لن تتراجع مهما حدث ومهما كلفها الأمر.

بالنسبة لإيران يعد عملاؤها الإقليميون، خاصة في العراق وسوريا واليمن، المفتاح الرئيسي لتحقيق هدفها الاستراتيجي المتمثل في إنهاء الدور العسكري الأمريكي في الخليج العربي، والتنافس مع جيرانها العرب على السيادة الإقليمية. وبدلاً من التراجع عن التهديدات ستواصل طهران استخدام عملائها لزيادة نفوذها على حساب الولايات المتحدة وحلفائها أينما استطاعت.

والجدير بالذكر أن جولة ترامب في الشرق الأوسط جاءت في أعقاب إعادة انتخاب الرئيس الإيراني الإصلاحي، حسن روحاني، الذي وُضع الآن في موقف صعب. فخلال حملته الانتخابية كان روحاني يأمل أن يتمكن من التوصل إلى حل توفيقي مع الغرب، على افتراض أنه يريد التخفيف من حدة التوتر مع جيرانه وخصومه. لكن هذا الأمر يعني أنه سيتعيّن عليه تغيير السلوك الإقليمي لطهران بطريقة أو بأخرى، لكن من غير المحتمل أن يحدث ذلك لأن حكومة روحاني لا تتمتع بسلطة اتخاذ القرارات الاستراتيجية في السياسة الخارجية.

في الواقع هذه السلطة بيد المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي أقر منذ فترة طويلة بالخطة الاستراتيجية للحرس الثوري الإيراني، أقوى مؤسسة عسكرية إيرانية. ونتيجة لسيطرة الحرس الثوري الإيراني، نأت طهران بنفسها عن باقي المنطقة أكثر من أي وقت مضى، منذ الحرب الإيرانية العراقية التي اندلعت في الثمانينات. ويرغب المرشد الأعلى الإيراني والحرس الثوري في خروج الولايات المتحدة الكامل من المنطقة، غير أن جيران إيران يرون أن الولايات المتحدة هي البلد الوحيد القادر على الحد من نفوذ الجمهورية الإسلامية.

عموماً أدت هذه الرؤى المتضاربة إلى تأجيج الصراعات في سوريا واليمن، حيث دعمت إيران وخصومها أطرافاً مختلفة، ولكنها تسعى إلى تحقيق نتائج عكسية. في الحقيقة يعتبر الحرس الثوري تلك الحروب، بما في ذلك الحرب في العراق، نتيجة أعمال عصابة الولايات المتحدة (التي تضم إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وتركيا والأردن والدولة الإسلامية والمتطرفين السنة الآخرين) الذين يهدفون إلى تدمير الجمهورية الإسلامية وحلفائها الأوفياء (لا سيما حزب الله اللبناني، ونظام بشار الأسد، والحوثيين في اليمن، والحكومة الشيعية في العراق).

من وجهة نظر جيران إيران، يعتبر عملاء طهران المتشددين الناشطين في المنطقة أكثر أسلحة الحرس الثوري الإيراني فتكاً وخطورة، خاصة أنهم في السنوات الأخيرة قد أصبحوا أكثر فاعلية. فقبل احتلال الولايات المتحدة للعراق، ركز برنامج عملاء الحرس الثوري الإيراني على تزويد إيران برادع استراتيجي موثوق به.

وتجدر الإشارة إلى أن عملية تحصين إيران كانت أساساً من خلال رعاية مجموعات مثل حزب الله، وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني، الذي يمكن أن يستهدف إسرائيل بضربات صاروخية أو هجمات إرهابية. ولكن بعد الإطاحة بصدام حسين قامت فرقة القوات الخاصة التابعة للحرس الثوري، المعروفة باسم فيلق القدس، بتطوير عملاء مسلحين عراقيين يمكن استخدامهم لأهداف أكثر عدوانية.

وتحت إشراف قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، أصبح هؤلاء العملاء العسكريون حجر الزاوية في الجهود الإيرانية لتحويل العراق من عدو سابق إلى جار صديق. وفي الآونة الأخيرة قام الحرس الثوري بنشر عملائه بشكل كبير؛ أولاً في الحرب الأهلية السورية، حيث يُحكم سيطرته على القوات الموجودة هناك أكثر من الحكومة السورية، وثانياً في الحرب ضد تنظيم الدولة في العراق. كما أقام علاقات وثيقة مع الحوثيين في اليمن، ودعم محاولات تلك المجموعة لتأمين السيطرة على الدولة اليمنية.

في كل بلد من تلك البلدان نما النفوذ السياسي الإيراني بالتوافق مع نفوذه العسكري. ومن خلال هذه الجهود أقام الحرس الثوري الإيراني تحالفاً عسكرياً عابراً للحدود، مؤيداً لإيران التي أثبتت قدراتها في الحرب التي تشمل المبادئ الأيديولوجية للنظام الثيوقراطي الإيراني. وقد كانت تغذية حلفائها بمثل هذا التفكير المتشدد الهدف الأساسي للحرس الثوري الإيراني منذ نشأته. وبعد مرور ما يربو على أربعة عقود بدأ الجيش الإيراني في تحقيق مآربه وطموحاته.

ونتيجة لكل ذلك يبدو جلياً أن أنشطة إيران خارج الحدود الإقليمية ليست مسألة هينة، وإذا افترضنا أن روحاني لديه أولويات دبلوماسية ويعارض ذلك فسيتحتم عليه تقبلها ولو على مضض. في المقابل يظل من غير الواضح إن كان نهج روحاني تجاه الشرق الأوسط يختلف كثيراً عن الحرس الثوري الإسلامي. كما يقال إن الحرس الثوري الإيراني اعترض على إعادة انتخاب روحاني جزئياً؛ لأنه عمل على كبح جماحه في اليمن خلال مفاوضات الاتفاق النووي. ولكن تقف الحكومة المسيرة لهذا الجيش وراء الأعمال الإيرانية العلنية في المنطقة، وتنكر جميع عملياته السرية.

 علاوة على ذلك، سيكون من شبه المستحيل إقناع روحاني للمرشد الأعلى بالتخلي عن دعم برنامج الحرس الثوري. وللقيام بذلك سيتحتم عليه تقديم حجج مقنعة تؤكد أن أنشطة الحرس الثوري الإيراني لم تعد تخدم مصالح النظام أو معادية له.

 في الواقع يمكن لأي مُطلعٍ على الشأن الإيراني أن يدرك أن أنشطة الحرس الثوري الإيراني كان لها تأثير سلبي على اقتصاد إيران وعلى مكانتها الدولية، فضلاً عن مساهمته في زعزعة الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. ولكن من وجهة نظر خامنئي المعادية للولايات المتحدة، فإن جهود الحرس الثوري الإيراني تعزز المهمة الأساسية للجمهورية الإسلامية. وقد أصبحت مجموعة من العملاء تشكل امتداداً للقوة العسكرية الإيرانية، وهو ما يمكن أن يصعب في مأمورية روحاني أمام كل من خامنئي والحرس الثوري الإيراني.

في معركة السيطرة على الشرق الأوسط، كان عملاء الحرس الثوري الأطراف الفاعلة. وفي حين ضخ جيران إيران مليارات الدولارات لشراء الأسلحة التقليدية، استثمرت إيران في قوات وكلائها الرخيصة نسبياً، التي أثبتت فعاليتها في العديد من المسارح. من بين إنجازاتها أنها حالت دون تحول العراق إلى دمية في يد الولايات المتحدة، وأنقذت سوريا من الوقوع تحت سيطرة الأمريكيين والمتطرفين السنيين المدعومين من السعودية. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت في تشتيت موارد وانتباه السعودية والإمارات بعيداً عن سوريا بإشعال الحرب في اليمن.

ما لا يعلمه خصوم إيران أن العملاء الأجانب قد مكّنوها من الحفاظ على خصومها في مرماها، لكن ذلك جعلها تواجه خطر التصعيد مع خصومها الإقليميين والولايات المتحدة. حتى الآن ظل الصراع خارج حدود طهران، لكن سوء التقدير يمكن أن ينجم عنه نشوب حرب داخل الأراضي الإيرانية.

في الوقت الراهن، يعد العراق نقطة الخلاف الرئيسية بين كل من طهران وواشنطن. ففي حين تدعم الولايات المتحدة الحكومة العراقية، تستمر الجماعات المدعومة من قبل إيران في التهديد باستهداف القوات الأمريكية. وفي حال تدخلت الولايات المتحدة بشكل أكبر ضد الأسد في سوريا أو الحوثيين في اليمن، فإن هذه الجماعات قد تعطي الضوء الأخضر لطهران لتجديد مثل هذه الهجمات. وبهذه الطريقة يمكن أن يخرج الصراع عن نطاق السيطرة.

في خضم احتدام المنافسة بين القوى الإقليمية، ترغب إيران في الدخول في معركة مع الولايات المتحدة، ويمكن للحرس الثوري الإيراني أن يتعامل مع الخصوم من خلال قوات الوكالة، بيد أنه إذا دخلت في حرب مباشرة مع الجيش الأمريكي فإن فرصها في الفوز ستكون ضئيلة. وفي حال خرجت الأوضاع عن السيطرة في العراق سيكون التصعيد العسكري هو النتيجة الحتمية لضراوة المواجهات.

في الحقيقة تعد قدرة إيران على التأثير في مجريات الأحداث خارج حدودها العامل الرئيسي لانعزالها، وأحد الركائز الحيوية لاستراتيجيتها الخارجية. إن حل هذه المفارقة يتطلب نقلة نوعية في الأجندة السياسية والأيديولوجية الشاملة للجمهورية الإسلامية. ولكن ما دامت العداوة الأمريكية هي المبدأ السائد في تطلعات النظام الإيراني، وما دامت هذه التطلعات تتعمق من خلال المغامرات العسكرية الخارجية، فإن الإيرانيين لن ينعموا بالسلام والاستقرار اللذين يستحقونهما.

الكاتب: أفشون أوستوفار

الصحيفة: فورين بوليسي

الرابط: http://foreignpolicy.com/2017/06/02/if-trump-wants-a-fight-in-the-middle-east-iran-will-give-him-one/

 

ضع تعليقاَ