مارس 28, 2024

فورين أفيرز: إيران وروسيا.. تزايد الخلاف بسبب ميليشيات الحرس الثوري الإيراني

 

‌تبدأ اليوم (29/11/2017) الجولة الأخيرة من محادثات السلام التي تجري بوساطة من الأمم المتحدة في جنيف، الهادفة إلى إيصال الرئيس بشار الأسد وفصائل المعارضة المسلحة المختلفة إلى تسوية سياسية يمكن أن تضع حداً لنصف عقد من الحرب الأهلية في البلاد.

وتأتى محادثات جنيف بعد أسبوع من مجموعة أخرى من المحادثات السورية، وهذه المرة في سوتشي، في اجتماع 22 تشرين الثاني/نوفمبر الذي ضم بعض اللاعبين الرئيسيين في النزاع -إيران وتركيا وروسيا- والذي كان يفترض أن يكون نقطة تحول في قضية مستقبل سوريا. على الأقل كان هذا أمل طهران. وبدلاً من ذلك سلطت المحادثات الضوء على الشقوق الناشئة بين داعمَي الأسد الرئيسيين، إيران وروسيا، بل حتى الانقسامات داخل إيران بين الحكومة المدنية للرئيس حسن روحاني وقيادة الحرس الثوري الإسلامي.

باختصار فإن الحرس الثوري الإسلامي، الذي فرض على مدى السنوات السبع الماضية وجوداً قوياً في سوريا من خلال ميليشياته المختلفة ووكلاء محليين، حريص على الحفاظ على مكاسبه أمام كل من إسرائيل والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة. وهذا الموقف قد يجعله قريباً في صراع مفتوح مع روسيا والجهات الفاعلة الأخرى، بما في ذلك الرئيس روحاني، الذي قد يكون أكثر انفتاحاً على تسوية سياسية متعددة الأطراف لإنهاء الحرب السورية. وعلى وجه التحديد، فإن الحرس الثوري الإيراني لا يرغب فقط في تأمين النفوذ الإيراني في سوريا بعد الحرب، ولكن أيضاً في تحويل الميليشيات السورية المتحالفة إلى قوة عسكرية سياسية مؤسسية في صورتها، والتي يمكن أن تصبح محرضاً محلياً على غرار الدور الذي يقوم به حزب الله في لبنان.

الشكوك في سوتشي

اتفق الإيرانيون والروس والأتراك في سوتشي ظاهرياً على نقطة رئيسية واحدة هي ضرورة احترام الوحدة الترابية السورية من قبل جميع الأطراف. ونوقشت مسائل أخرى، بما في ذلك كيفية مواصلة دعم عملية خفض التصعيد في المناطق التي تم الاتفاق عليها في أستانة في أيار/مايو. كانت سوتشي قبل كل شيء قمة تهدف إلى إظهار تزايد الشراكة الإيرانية الروسية التركية في سوريا.

على الرغم من ذلك لا يزال في طهران شك كبير في النيات الروسية والتركية في سوريا. والإيرانيون مدركون بشكل خاص، وباستياء، لخطط موسكو في العمل مع العديد من الشركاء المختلفين في المنطقة. وحالياً تقيم روسيا، من بين الدول الثلاث التي كانت في سوتشي، حواراً قوياً ومستمراً مع كل دولة منخرطة بمسألة مستقبل سوريا؛ من الولايات المتحدة إلى إسرائيل إلى الدول الخليجية. وتخشى طهران بدورها بشكل طبيعي أن يتم إبرام صفقات ضد مصلحتها.

فقبل يومين من قمة سوتشي، على سبيل المثال، عقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اجتماعاً لمدة أربع ساعات مع الأسد، الذي كان قد توجه جواً إلى المدينة للتشاور مع الزعيم الروسي. وتشير التقارير التي قامت بها وسائل الإعلام الإيرانية عن الزيارة إلى أن طهران لم تكن على علم مسبق بها. بيد أنه يبدو أن قرار بوتين، بشأن إطلاع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على خطط موسكو قبل قمة سوتشي، قد أغضب طهران فعلاً. وقد قرأ الإيرانيون هذه الخطوة كمحاولة روسية لتهدئة الولايات المتحدة، التي تعارض بشدة أي تسوية في سوريا من شأنها إضفاء الطابع المؤسسي على وجود إيران. وتهدئة واشنطن، والإيرانيون محقون بقلقهم منها، لا يمكن أن تكون إلا على حساب نفوذ طهران ومصالحها في سوريا بعد الحرب.

لذلك ليس من قبيل المصادفة أن الحرس الثوري الإيراني بدأ، في الأيام التي تلت قمة سوتشي، في التعبير عن قدرته على نشر الميليشيات المؤيدة لإيران في سوريا والحفاظ عليها وتعبئتها. هذا هو عرض القوة الصلبة، وبوتين ومستشاروه لا شك في أنهم جزء من الجمهور المقصود.

وبعبارة أخرى، مع استعداد موسكو لتحويل نفسها إلى ملك وصانع الدبلوماسية النهائي مع انتهاء الصراع السوري، يذكّر جنرالات الحرس الثوري الإيراني الجميع، بمن في ذلك الأسد والروس، بقوتهم ونفوذهم المستمر. وبينما تتطلع إيران إلى تحقيق أقصى قدر من أهميتها في سوريا بعد الحرب، فإن الفصيل المتشدد في البلاد، الذي يمثله الحرس الثوري الإسلامي، يجني ثمار سنوات الاستثمار في الميليشيات السورية وغيرها من الميليشيات العربية والكلفة ستسدد أخيراً.

لن تفعل الدبلوماسية شيئاً

كان قائد الحرس الثوري الإيراني، الجنرال محمد علي جعفري، أكثر وضوحاً على نحو متزايد في التعبير عن نياته لتنشيط الميليشيات المؤيدة لإيران في سوريا. على سبيل المثال قال الجعفري، في 23 تشرين الثاني/نوفمبر، إن الأسد يعرف أنه “مدين” لميليشيات الشعب، ويدرك أنها ذات أهمية حاسمة لبقائه السياسي. وجعفري ظن أيضاً أن الأسد “سيقوم بإضفاء الطابع المؤسسي على الميليشيات حتى تبقى ذات صلة بمواجهة التهديدات المستقبلية”. بالنسبة لجعفري فإن الأمر يرجع إلى الحرس الثوري الإيراني لتحديد هوية مثل هذه التهديدات المستقبلية، ومن الواضح أن الأهداف المعتادة ستكون على القائمة ولا سيما الولايات المتحدة وإسرائيل.

إن هدف الحرس الثوري الإيراني هو تحويل الميليشيات السورية في الوقت الحالي تحت سيطرتها إلى جهات شبه حكومية، ستصبح أدوات دائمة للنفوذ الإيراني في سوريا، على غرار كيفية عمل حزب الله في لبنان. ولعل هذه الاستراتيجية ليست مفاجئة، حيث إن الحرس الثوري الإيراني هو في حد ذاته نتاج لهذا التطور. في عام 1979، بعد الثورة الإيرانية مباشرة، بدأ الحرس الثوري الإيراني من مجموعة صغيرة من المتدينين المتشددين التابعين لآية الله روح الله الخميني. على مر السنين تحولت هذه الفرقة من المسلحين الإسلاميين من الخدمة المسلحة لرجال الدين الثوريين إلى دولة قوية داخل دولة تدير إمبراطورية واسعة من الرجال والمال.

هذا التصعيد المتزايد من قبل الحرس الثوري الإسلامي ليس موجهاً فقط للجماهير الأجنبية، فمستقبل الميليشيات الموالية لإيران في سوريا هو أيضاً جزء من نقاش داخل النظام في طهران. وقد أبقى روحاني علناً على مسافة بعيدة عن خطة الحرس الثوري الإيراني لإضفاء الطابع المؤسسي على الميليشيات التابعة له، لكنه لم ينتقد ذلك بشكل مفرط. ومع ذلك فإن وسائل الإعلام التي يسيطر عليها الحرس الثوري الإيراني تشير دائماً إلى أن حكومة روحاني لها أسلوب ناعم بشأن المطالب الغربية بالتخلي عن الميليشيات أو نزع سلاحها على الأقل. وبالنسبة للحرس الثوري الإيراني فإن الأمر منتهٍ.

ورداً على الحماس النسبي لروحاني، فإن موقف الحرس الثوري الإيراني ذو شقين: أولاً، سيكون من الغباء إبرام اتفاق مع الغرب (أو روسيا) بشأن مستقبل الميليشيات السورية. لماذا نتخلى عن النفوذ المكتسب على الأرض مقابل الوعود المشكوك فيها للتعاون الدولي في مستقبل سوريا؟ والمزاج السائد في طهران هو أن إيران قد عوملت بشكل غير عادل في الاتفاق النووي لعام 2015، ومن المفترض أن يعطي ذلك حجة للحرس الثوري الإيراني وزخماً أكثر من قبل.

ثانياً، كان الحرس الثوري الإيراني يسارع أيضاً إلى تذكير الجميع بأنه أفضل تجهيزاً من الحكومة المدنية لقيادة جهود إيران لتأمين شريحة من الإنفاق لإعادة الإعمار في سوريا. وهو ليس عمل روحاني. في الواقع ادعى جعفري أن فريقي روحاني والأسد قد اتفقا على أن المؤسسات الاقتصادية الخاضعة لسيطرة الحرس الثوري الإيراني، والتي يمكن أن تعمل مباشرة تحت حماية الميليشيات الخاضعة لسيطرة الحرس الثوري الإيراني، هي أفضل المرشحين لإدارة مشاريع إعادة الإعمار في سوريا. لكن روحاني لم يرد بعد على هذا الادعاء.

نحو الدفاع

لاحظ المراقبون داخل إيران وخارجها أن موقف الحرس الثوري الإيراني المتزايد بشأن المليشيات فظ وسيئ. ولكن في طهران فإن الحرس الثوري الإيراني له اليد العليا عندما يتعلق الأمر بسياسة سوريا، ويعتقد بوضوح أنه يمتلك مخططاً للنجاح: يريد مزيداً من نموذج حزب الله كلما كان ذلك ممكناً.

قادة الحرس الثوري الإيراني حريصون على التكرار، لكن البيئة الأمنية الإقليمية المتغيرة بسرعة تتطلب من إيران أن تكيف باستمرار استراتيجيتها العسكرية. يشار إلى ذلك في طهران باسم “الدفاع الأمامي”، ويقوم على فكرة أن إيران يجب أن تحارب خصومها خارج حدودها لمنع نشوب الصراع على الأرض الإيرانية. إن السيطرة على الميليشيات العربية في الخارج، مثل المتحالفين مع الحرس الثوري الإسلامي في سوريا، هي جزء لا يتجزأ من فكرة الدفاع عن النفس، ممَّا يجعل من غير المحتمل أن تغير إيران موقفها في الوقت القريب.

لكن من منظور سوري أوسع، من الصعب أن نرى كيف يمكن أن يتم ترسيخ السلم الدائم داخل البلاد إذا استمرت الجماعات المسلحة المحلية المسؤولة عنها منظمة أجنبية عدوانية ومؤدلجة مثل الحرس الثوري الإسلامي، في أداء دور حاسم في العملية السياسية.

المصدر: فورين أفيرز

الكاتب: أتيكس ألنكا

الرابط: https://www.foreignaffairs.com/articles/syria/2017-11-29/iran-and-russia-growing-apart

ضع تعليقاَ