أبريل 23, 2024

كارنيغي: إيران في مرحلة انتقالية .. انعكاسات التغيرات الديموغرافية في الجمهورية الإسلامية

في أواخر الثمانينيات أطلقت الحكومة الثورية الإيرانية مجموعة من خدمات “منع الحمل” وخدمات استشارية أسرية، لتصبح واحداً من أكثر برامج تنظيم الأسرة التطوعية فعالية في العالم. حيث انخفض معدل الخصوبة الكلي للبلد (وهو متوسط عدد الأطفال المُتوقع أن تحمله المرأة الإيرانية خلال حياتها) من خمسة ونصف في بداية البرنامج إلى طفلين لكل امرأة، بعد عقدين من الزمن. ونتيجة لذلك دخلت إيران فرصة ديمغرافية سانحة ذات مزية اقتصادية، يتفوق فيها عدد السكان الذين هم في سن العمل وتسديد الضرائب على عدد الأطفال والمعالين من كبار السن. ولهذا التحول انعكاسات مهمة على المسار الاقتصادي والسياسي للبلاد، وكذلك على سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران.

الملف الديموغرافي المتغير في إيران

– يقع متوسط البنية العمرية الإيرانية في الوسط بين معظم جيرانها من الدول الإسلامية غير المستقرة، والتي تتمتع ببنية عمرية في طور الشباب الديموغرافي (أفغانستان، العراق، باكستان، سوريا، اليمن)، وبين الدول الأخرى ذات البنية العمرية الأكثر نضجاً (الصين، روسيا، كوريا الجنوبية، الولايات المتحدة). حيث تعد البنية العمرية الحالية في إيران ناضجة مقارنة بمعظم سكان الشرق الأوسط، ولكنها أصغر بكثير منها في اليابان أو في الدول الأوروبية؛ ممَّا يضعها تماماً في ما يصفه ديموغرافيو الأمم المتحدة بالـ “الفرصة الديموغرافية السانحة”.

– تتيح هذه الفرصة السانحة لطهران مواصلة السياسات والإصلاحات المواتية للنمو التي تسخر مخزونها المتزايد من الموارد البشرية، مثلها مثل اقتصادات شرق آسيا السريعة النمو التي انتقلت إلى الخصوبة المنخفضة قبل الجمهورية الإسلامية. وخلال هذه الفرصة تستطيع إيران حساب نسب نمو القوى العاملة كي تتباطأ إلى مستويات تتناسب أكثر مع معدل نمو الوظائف لديها. كما أن معدل حجم الأسرة في البلاد يجب أن يبقى صغيراً بما فيه الكفاية للوالدين والدولة، لتوفير مستويات مرتفعة نسبياً من الاستثمار في التعليم والرعاية الصحية للطفل الواحد.

– ترتبط الفرصة الديموغرافية بالمتوسط العمري لذا فإن مدتها تختلف عادةً لتدوم ما بين أربعة إلى ستة عقود في معظم الدول. تتجاوز إيران إطارها الديموغرافي بسرعة نسبياً، وتشير توقعات الأمم المتحدة إلى أن هذه الظروف الاقتصادية المواتية ستستمر حتى ما بين عامي 2040 و2045. وقبل حلول ذلك الوقت تواجه إيران ضغوطاً لإصلاح نظام التأمين الاجتماعي المتصدع في البلاد، وإعداد نظام الرعاية الصحية للمستقبل، حيث يُتوقع أن يكون واحد من بين كل خمسة أشخاص إيرانيين بالغين فوق الـ65 سنة بعد خمسة وعشرين عاماً فقط.

– على الرغم من المحاولات الأخيرة للحكومة الإيرانية لتشجيع الخصوبة المرتفعة، يشير التحليل الأخير لتعداد البلاد لعام 2016 إلى أن معدل الخصوبة الكلي لإيران لا يزال يقترب من طفلين لكل امرأة.

الآثار الاستراتيجية والسياسية

– الديموغرافيا ليست مصيراً. وكما هو الحال مع الموارد الطبيعية والبشرية يجب أن تدار الخصائص الديموغرافية المواتية على الوجه الصحيح. قد يتوقف المسار الاقتصادي الإيراني على ما إذا كانت طهران تعطي الأولوية لأيديولوجيتها الثورية للمقاومة المناهضة للغرب، أو تسعى بدلاً من ذلك إلى إعادة اندماج اقتصادي وسياسي أكبر.

– غالباً ما تنظر المؤسسة الأمنية في طهران إلى الاستثمار الأجنبي ورجال الأعمال المحليين والشركات المتعددة الجنسيات بشكوك. وحتى يتغير هذا الوضع فمن المرجح أن تظل السياسات المواتية للأعمال التجارية والاستثمار الأجنبي المرموق، الذي أدى إلى نمو هائل في اقتصادات شرق آسيا، مقيدة في الجمهورية الإسلامية.

– يمكن أن تتلاشى فوائد الديموغرافيا المواتية لإيران إذا استمرت البلاد في نزف أفضل عقولها، وفشلت في إصلاح الخدمات الاجتماعية بشكل استباقي. ويقدر بعض المسؤولين الإيرانيين أن 150.000 إيراني متعلم يهاجرون سنوياً إلى الخارج، مكلفين البلاد أكثر من 150 مليار دولار سنوياً.

– مع انخفاض الزيادة في الشباب الإيراني وارتفاع متوسط العمر في البلاد، من المرجح أن يصبح السكان أقل استعداداً للمواجهات العنيفة الخطيرة مع النظام. ونتيجة لذلك يمكن للتغيرات السياسية في طهران أن تتحرك ببطء أكبر ممَّا قد ترغب فيه واشنطن. كيف تقترح “أمريكا” تجنب التهديد المتزايد بالحرب الذي اتسمت به الفترة المركنتيلية؟ لقد اعترفت إدارات الولايات المتحدة منذ عام 1945 بقيمة المؤسسات والاتفاقيات الدولية التي توفر إطاراً للدول للمنافسة والتعاون وحل الخلافات سلمياً. وفي غياب القيادة والدعم الأمريكيين سيضعف هذا الإطار، ويزداد خطر نشوب نزاع بين الدول.

لمحة تاريخية:

– استجاب الشعب الإيراني بعد الثورة الإيرانية وما بين عامي 1980 و1988 لدعوة آية الله الخميني لزيادة النسل للدفاع عن الجمهورية الإسلامية، نتيجةً للحرب التي خاضتها مع العراق. وارتفعت نسبة الخصوبة إلى أكثر من 6.5 أطفال للمرأة في منتصف الحرب تقريباً.

– وبعد عام 1989، وخلال حكم الرئيس هاشمي رفسنجاني (1989-1997)، ونتيجةً للآثار الاقتصادية للحرب تبنت الحكومة حملة واسعة منسقة بين عدة وزارات إيرانية للتثقيف، وتعميم سياسات تحديد النسل وضمان وصولها لكل المناطق، ومن ضمنها المناطق الريفية والنائية. وأشارت تقارير الديموغرافيين الإيرانيين إلى زيادة كبيرة في استخدام وسائل تحديد النسل في كل أنحاء البلاد.

وانخفضت نسبة الخصوبة من نسبة 6.5 أطفال التي كانت عليها في أواسط الثمانينيات، إلى 2.5 طفل للمرأة خلال إدارة الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، الذي كان داعماً جداً للبرنامج. لتصبح بذلك أسرع نسبة خصوبة مسجلة لدى شعبة السكان في الأمم المتحدة (UNDP) انخفاضاً منذ عام 1950 وحتى وقتنا الحاضر. وقد حققت إيران ذلك بسياستها الصحية دون اللجوء لفرض قوانين قسرية كتلك الموجودة في الصين مثلاً.

– لطالما انتقد المحافظون سياسة الإصلاحيين في تحديد النسل، ومع وصول الرئيس محمود أحمدي نجاد إلى الحكم في 2005 أعاد تشكيل السياسة الصحية، محتجاً بأن تحديد النسل كان مؤامرةً غربية لإبقاء إيران ضعيفة. وبدأ في 2010 سياسة جديدة لتحفيز العائلات على رفع عدد السكان، وسانده في ذلك المرشد الأعلى آية الله الخامنئي. وبحلول 2014 تم سن تشريعات في إيران لمنع وسائل تحديد النسل المجانية، وقامت الحكومة بسلسلة من الإجراءات والتشريعات المشجعة على الإنجاب.

ونظراً لتغير السياسات وقصر الوقت الذي انقضى على تأثيرها فمن الصعوبة إبداء تصريح محدد لديموغرافية إيران في السنوات القليلة الماضية، كما أن نتائج آخر استطلاع ديموغرافي وصحي إيراني IDHS-2015 لم تصدر بعد. لكن التوقعات تشير إلى أن نسبة الخصوبة في إيران في 2016 بلغت ما بين 2.0 و 2.1 مولوداً للمرأة.  

المصدر: موقع كارنيغي

الكاتب: ريتشارد سينكوتا، وكريم سجادبور

الرابط: http://carnegieendowment.org/2017/12/18/iran-in-transition-implications-of-islamic-republic-s-changing-demographics-pub-75042

ضع تعليقاَ