أبريل 24, 2024

معهد دراسات الأمن القومي: كيف سيكون حال العراق في اليوم التالي لتحرير الموصل؟

 

 بدعمٍ من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، توشك قوات الأمن العراقية على تحرير مدينة الموصل من قبضة تنظيم الدولة. وكما هو الحال فيما يتعلق بإعادة السيطرة على الرقة مستقبلاً في سوريا، سيساهم انتزاع الموصل في تعزيز المساعي الدولية لإلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة بشكلٍ ملحوظ. وفي المقابل تظلّ الصدامات الداخلية والإقليمية التي عصفت بالعراق على امتداد العقدين الماضيين، والتي سمحت بتنامي ظاهرة “تنظيم الدولة”، قائمة. كما أنه من المحتمل استمرار نزعات الانقسام وعدم الاستقرار داخل البلاد.

وعلى الرغم من التصدّعات في صفوف العراقيين الشيعة، إلا أن الهيمنة الشيعية في العراق ستمكّن إيران من الحفاظ على مكانتها كأكثر القوى الخارجية نفوذاً في البلاد. كما ستواصل طهران الاستفادة ممَّا يحدث على أرض الواقع؛ بغية توسيع وتكثيف اختراقها للنظام في بغداد على جميع الأصعدة.

أمَّا بالنسبة للولايات المتحدة، فمن المرجح أن تتمثل مصلحتها الأساسية في الحدّ من وجودها في العراق، رغم أن ترجمة هذه النية إلى واقعٍ ملموس سترتبط بالأساس بمدى استمرارية نشاط “تنظيم الدولة” في العراق والمناطق المحيطة به.

بعد مرور ثمانية أشهر من القتال الذي خاضته القوات العراقية المدعومة من قبل الولايات المتحدة، أعلن رئيس الوزراء العراقي استعادة السيطرة على مسجد النوري في الموصل، معلناً أن هذه الخطوة تعدّ العلامة الفارقة التي تشير إلى قرب تحرير الموصل من يد “تنظيم الدولة” ونهاية الخلافة. في المقابل لا تعني هذه التصريحات أن الحملة العسكرية للقضاء على “تنظيم الدولة” قد انتهت بالفعل.

وعلى العكس من ذلك تماماً؛ ستواصل قوات الأمن العراقية جهودها العسكرية لتطهير المعاقل الأخرى التي تخضع لسيطرة “تنظيم الدولة” داخل العراق. ومن المتوقع أن يستمر “تنظيم الدولة” في شنّ هجماتٍ إرهابية ضدّ أهداف مدنية وعمومية في جميع أنحاء البلاد.

في تلك الأثناء لا يرى أيٌّ من الأطراف الداخلية في العراق، تماماً مثل القوى الخارجية الناشطة في البلاد على غرار الولايات المتحدة وإيران وتركيا، النجاح الذي تم تحقيقه في الموصل بمنزلة الكلمة الأخيرة للحملة أو وقفة لاسترجاع الأنفاس. في الواقع يمثل اليوم التالي لتحرير الموصل، من وجهة نظر هذه الأطراف، وقتاً حاسماً لتعزيز مكاسبهم وتشديد سيطرتهم في العراق.

بالإضافة إلى ذلك لا تزال التحديات الأمنية والاقتصادية والسياسية التي واجهها العراق في الماضي مستمرة، كما ستزداد حدتها خلال السنوات القادمة؛ ممَّا سيجعل تثبيت الاستقرار داخل البلاد أمراً صعباً للغاية.

والجدير بالذكر أن النظام الذي تندرج ضمنه القوى السياسية العراقية الداخلية، التي تتسم بانقساماتٍ عميقة داخلها وفيما بينها، لم يشهد تغييراً كبيراً خلال السنوات الأخيرة، تماماً مثلما هو حال الطريق المسدود الذي يعترض التوافق والمصالحة الوطنية.

 ويطغى على هذا الوضع المنافسة التقليدية بين الكتل الشيعية، التي تتجلى في التنافس من أجل السيطرة على حزب الدعوة الإسلامية الحاكم بين رئيس الوزراء العراقي السابق “نوري المالكي” الذي يواصل العمل وراء الكواليس، ورئيس الوزراء الحالي “حيدر العبادي”.

ويقف في مواجهة هاتين الشخصيتين أبرز القادة الشيعة على غرار زعيم المجلس الأعلى الإسلامي العراقي “عمار الحكيم” و”مقتدى الصدر” الذي تجذب حركته الشعبية العديد من العراقيين الشيعة.

 وفي الوقت ذاته تتسبب العديد من العوامل في تفاقم التوترات بين الأكراد والحكومة المركزية في بغداد. ومن بين هذه العوامل الانقسامات داخل حكومة إقليم كردستان، والنزعة القومية الكردية المتصاعدة، فضلاً عن خطة إجراء استفتاءٍ بشأن استقلال كردستان (مقرر عقده في 25 أيلول/سبتمبر سنة 2017).

في حين يشهد المعسكر السني، الذي يؤدّي دوراً هامشياً في العملية السياسية في العراق، المزيد من الانقسامات في صفوفه. وفي الحقيقة فإن السنة يتعرضون لتمييز كبيرٍ ضدّهم، ومن ثم تبدو الأرضية خصبة أمام “تنظيم الدولة” من أجل إعادة تعزيز سلطته داخل هذا القطاع.

من جانبٍ آخر تساهم الانتخابات البلدية العراقية، التي من المزمع إجراؤها أواخر سنة 2017، ما لم تؤجل، بالإضافة إلى الانتخابات التشريعية التي من المقرر إجراؤها خلال ربيع سنة 2018، في شحذ هذه الصراعات على السلطة.

 فضلاً عن ذلك لم تظهر الفصائل الشيعية والسنية والكردية، الممثلة في مجلس النواب، رغبةً تامة فيما يتعلق بصياغة خطة للمصالحة الوطنية. وعلى الرغم من أن ذلك عزز موقف الشيعة في بغداد، إلا أنه أثار ذات الشعور المناهض للشيعة الذي أدى إلى صعود “تنظيم الدولة”.

وفي السياق ذاته قد تثير الخلافات الرئيسية بين “نوري المالكي” و”مقتدى الصدر”، الذي يهدّد بمقاطعة الانتخابات القادمة ما لم تُجر إصلاحات للنظام الانتخابي، التوترات والمواجهات بين الشيعة الموالين لإيران المتشددين والراغبين في تعزيز إجماعٍ عراقيٍّ جديد غير منوط بإيران.

وفي خضمّ هذا الصراع الداخلي تقوم الأطراف الخارجية الرئيسية والمؤثرة في العراق؛ ألا وهي إيران والولايات المتحدة وتركيا، بدورٍ هامٍّ أيضاً. وفي الواقع لا تزال إيران، التي تعتبر العراق “الفناء الخلفي” لها، تمثل القوة الأجنبية الأكثر تأثيراً في البلاد. علاوةً على ذلك مكن عدم الاستقرار والهيمنة الشيعية في العراق إيران من توطيد هيمنتها في أجزاء كبيرة من البلاد، وتركيز جهودها لإنشاء طريق أرضي يربط بين طهران وبيروت.

وتوضّح عدة تطورات تنامي السطوة الإيرانية في البلاد، على غرار التقارير التي تشير إلى احتلال القوات الموالية لإيران لمعاقل على طول الحدود العراقية السورية، وتعيين الجنرال السابق في الحرس الثوري سفيراً لإيران في العراق، بالإضافة إلى الأخبار المتداولة بشأن الوجود المتكرر لقائد فيلق القدس “قاسم سليماني” في العراق خلال الأشهر القليلة الماضية. كما تحافظ كل العناصر الشيعية على علاقاتٍ وثيقة مع إيران والمليشيات الموالية لها، باستثناء مقتدى الصدر الذي أعرب عن معارضته للنفوذ الإيراني.

من جهتها وضعت إدارة ترامب، التي تواصل الحملة الأمريكية ضدّ “تنظيم الدولة” التي أطلقتها إدارة أوباما، هزيمة التنظيم على رأس أولوياتها في الشرق الأوسط. وفي الوقت ذاته تبدي الإدارة الأمريكية اهتمامها باتخاذ الخطوات التي تسمح لها بموازنة النفوذ الإيراني المتصاعد، حيث أذنت بناءً على ذلك بتدخل عسكريٍّ أكبر في العراق ونشر قوات إضافية، بما في ذلك أفراد من الجيش والقوات الخاصة.

علاوةً على ذلك يمثّل التدخل التركي في شمالي العراق ضغطاً خارجياً كبيراً على البلاد. وقد وجهت الحكومة العراقية انتقاداً لاذعاً إزاء إرسال تركيا قواتٍ إضافية إلى المنطقة في إطار محاربتها لحزب العمال الكردستاني في جبال قنديل وسنجار، ودفاعها عن التركمان العراقيين خاصةً في منطقة تلعفر.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا الواقع المعقد لعلاقات القوة في العراق من شأنه أن يُبقي أساساً على المصالح المشتركة لكل من الولايات المتحدة وإيران، والمتمثلة في الحفاظ على وحدة العراق، ومنع “تنظيم الدولة” والجماعات المتطرفة السنية الأخرى من ممارسة نشاطها داخل الأراضي العراقية. وعلى الرغم من أن أصواتاً في واشنطن تدعو الإدارة إلى عدم معارضة مسار الاستقلال الكردي، إلا أن السياسة الأمريكية تميل إلى الوضع الراهن لدولةٍ عراقيةٍ موحّدة.

ونتيجةً لذلك لا تملك الولايات المتحدة حالياً بديلاً أفضل من تقديم الدعم على مضض للعناصر الشيعية الموالية لإيران، والتي تشكل القوة السياسية الأساسية المهتمة باستقرار العراق. من ناحيةٍ أخرى تعتبر كلٌّ من الإدانة الأمريكية القاسية لنشاط إيران في المنطقة، والزيارة التي أداها الرئيس ترامب مؤخراً إلى السعودية، والجهود الرامية إلى إقامة جبهة من الدول السنية ضدّ إيران، دلائل تشير إلى رغبة الإدارة الأمريكية في اتخاذ إجراءات أكثر حزماً ضدّ التأثير المتنامي لإيران.

خلافاً لذلك، وبعد أن سجلت عناصر من المعسكر الشيعي الموالي لإيران نجاحاً في تثبيت سيطرتها ونفوذها على أجزاء كبيرة من البلاد، يبدو أن قدرة الولايات المتحدة على العمل ضدّ إيران داخل الأراضي العراقية لا تزال محدودة.

وتمثل مسألة الوجود الأمريكي المستمر في العراق واحدةً من القضايا الرئيسية التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار في اليوم التالي لتحرير الموصل، حيث إن هذا الوجود شكل تهديداً للمصالح الإيرانية. من هذا المنطلق تطالب معظم العناصر الشيعية الموالية لإيران بالانسحاب الأمريكي من العراق.

وعلى الرغم من التأكيد المتجدد لرئيس الوزراء العراقي “حيدر العبادي” لتعزيز التعاون الأمني والاقتصادي مع الولايات المتحدة، إلا أنه أعرب مؤخراً عن حاجة العراق للعمل مع نظام الأسد والمليشيات الشيعية التابعة له بهدف السيطرة على الحدود السورية العراقية. ويعكس ذلك إدراك العبادي ضرورة تماشيه مع المصالح الإيرانية.

عموماً من شأن القرار الأمريكي المتعلق بالبقاء في العراق أن يؤدي إلى تفاقم المواجهة بين الولايات المتحدة وخصومها. كما سيتأثر نطاق وشدة هذه المواجهة بشكلٍ كبيرٍ بتقدير قوة “تنظيم الدولة” ودرجة تهديدها للحكومة في بغداد، التي قد توافق على التدخل الأمريكي في إطار تحقيق مصلحتها المتعلقة بتدمير “تنظيم الدولة”.

علاوةً على ذلك تبدي إيران وحلفاؤها السياسيين اهتماماً بجذب الاستثمار الدولي عموماً، والاستثمار الأمريكي خاصةً، من أجل إعادة إعمار العراق وضمان استقراره. في المقابل لا يزال مدى استعداد إدارة ترامب لاستثمار الموارد الاقتصادية وغيرها لدعم العراق في اليوم التالي لتنظيم الدولة أمراً يشوبه الغموض.

وتجدر الإشارة إلى أن تحرير الموصل، مثله مثل استعادة السيطرة على الرقة في سوريا مستقبلاً، سيساهم بشكلٍ كبيرٍ في الجهود الدولية التي تقودها الولايات المتحدة لإلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة. ومع ذلك لا تزال الصراعات الداخلية والإقليمية التي شكلت العراق على امتداد العقدين الماضيين، والتي مهّدت لبروز ظاهرة “تنظيم الدولة” مستمرةً وستظل كذلك بدرجاتٍ متفاوتة خلال السنوات المقبلة.

ومن المرجح أيضاً أن يظل الانقسام وعدم الاستقرار سيّدا الموقف في العراق. كما أن التحدي الذي يطرحه الأكراد، الذين لا يزالون مصرّين على أهدافهم الانفصالية التي من المفترض أن تشتدّ بعد استفتاء الاستقلال، من شأنه أن يؤدي إلى تقلب الساحة العراقية الداخلية والمنطقة ككل. خلافاً لذلك، وفي ظل الهيمنة الشيعية في العراق على الرغم من الانقسام الذي يشهده هذا المعسكر، فمن المتوقع أن تظل إيران القوة الخارجية الأكثر تأثيراً ونشاطاً في البلاد.

في الواقع ستجني إيران ثمار ما يحدث على الأرض، كما أنه من المرجح أن توسع وتكثّف من تغلغلها داخل أروقة النظام في بغداد؛ ما سيعزز من مكانتها كطرفٍ مهيمن في العراق. ومن ثم يبدو أن المصلحة الأساسية للإدارة الأمريكية ستتمثل في تقليل الوجود الأمريكي في العراق، على الرغم من أن تطبيق ذلك عملياً سيكون منوطاً بمدى استمرارية نشاط “تنظيم الدولة” في العراق والمناطق المحيطة به.

الكاتبان: إلداد شافيت، جوشوا شوارتز

الموقع: معهد دراسات الأمن القومي

المصدر: http://www.inss.org.il/publication/iraq-day-liberation-mosul/

ضع تعليقاَ