أبريل 18, 2024

فورين أفيرز: الإسلام وأزمة القيم الليبرالية في أوروبا

ألكسندر بيتس

تستمر أوروبا في مكافحتها للتعامل مع التدفق الكبير للاجئين، خاصة مع وصول العدد إلى قرابة مليون لاجئ قدموا عبر البحر الأبيض المتوسط. وتقريباً كلهم يعتنقون الإسلام. هذه القضية تحديداً، ساهمت بتأثير على الرأي العام والسياسي لكنها نادراً ما نوقشت بصراحة وصدق. فهل يمكن للدول الأوربية ال 28 تحمل مسؤولية حصة أصغر من حصة “لبنان” من اللاجئين؟ بكل تأكيد يمكن ذلك، ومعظم الدول الأوروبية بحاجة ماسة لقوى عاملة.

المعضلة الأساسية في أوروبا مرتبطة بالإسلاموفوبيا. والحقيقة المجردة تشير إلى رفض الدول الأوروبية الترحيب باللاجئين المسلمين، وهذا كان واضحاً في حالات الأحزاب اليمينية المتطرفة والبلدان الأوروبية المركزية صاحبة الحكومات القومية المسيحية. لكن على الطرف الآخر، امتنعت النخب السياسية الليبرالية في أوروبا عن الإقرار بأن أكبر عقبة تواجههم في عملية استقبال اللاجئين هي الإسلام. وقد روجت أحزاب اليمين المتطرف إلى أن هذه المخاوف تأتي من متلازمة كراهية الأجانب بوضوح فيما التزمت باقي أحزاب وأطياف المجتمعات الأوروبية اصمت إزاء هذا الموضوع.

وفوق هذا، لا يمكن النظر إلى مشكلة أوروبا على أنها غير قادرة على التعامل مع مشكلة اللاجئين وتدفقهم، فالتاريخ أثبت قدرتها على ذلك وتعاملت مع تدفقات كبيرة من اللاجئين على مر التاريخ. فخلال الحرب الباردة على سبيل المثال، انتقل الملايين من أوروبا الشرقية باتجاه أوروبا الغربية هرباً من الشيوعية، عدا عن استقال أوروبا مئات الآلاف من الفيتناميين خلال الحرب الفيتنامية وهم من جرى اعادة توطينهم في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. عدا عن استقبال أوروبا لأعداد كبيرة من المهاجرين من البوسنة وكوسوفو في التسعينات أيضاً وهم من كان بينهم الكثير من المسلمين ولكن كل هذا كان قبل الخوف الأوروبي من الاسلام السياسي والانتشار الحاد للاسلاموفوبيا. وفي نفس الوقت، كان هناك الكثير من التشكيك حول اللاجئين القادمين من أفغانستان أو العراق سابقاً و الآن سوريا.

وترافق  الرفض الحالي لاستقبال اللاجئين مع حوادث الاعتداء في باريس وحوادث الاغتصاب والاعتداء في كولونيا الألمانية وهو ما ساعد في ترويج وجهة نظر اليمينيين في رفضهم لاستقبال اللاجئين. ففي كولونيا، خلال ليلة رأس السنة الميلادية، افادت تقارير الشرطة بأن رجالاً عرباً ومن شمال أفريقيا اعتدوا على أكثر من 100 إمرأة، وجرى فوراً ربط الأمر باللاجئين السويين في المدينة ومحاولة إلصاق التهم بهم. ساهمت الحملات الإعلامية هذه في تغيير وجهة النظر بعض الأحيان في مسألة استقبال اللاجئين، حتي بين الداعمين لها، لكن التحول الأكثر تطرفاً كان في موقف سلوفاكيا التي أعلنت رفضها لاستقبال أي لاجئ مسلم، واقتصار تعاملها على المسيحيين منهم.وهو ما يشير إلى أن الخوف من الإسلام هو المحرك الأساسي لسياسة معاداة اللاجئين في أوروبا.

وبشكل عام، أظهر الساسة الأوروبيون فشلاً كبيراً في محاولاتهم  لتشكيل رؤى مختلفة لدى سكان الدول الأوروبية وفصل مصطلحات مثل “اللاجئين ” و “المهاجرين” عن “الإرهابيين” و “المجرمين” على سبيل المثال. واختلصت ردود الأفعال الأوروبية على هذا الأمر بين تردد ومواراة، فيما التزمت العديد من البلدان الأوروبية في ترحيل عشرات الآلاف من اللاجئين على الرغم من معرفتهم عدم عملية هذا الخيار من الناحية اللوجستية. فيما أظهر السياسيون الأوروبيون خوفاً من تحديد ذلك في إطار الإسلاموفوبيا أو الإسلام، وذلك لتجنب تبادل الاتهامات في وسائل الإعلام أو خلال الانتخابات. وعلى أي حال، أظهرت هذه السياسات تناقضاً صارخاً مع القيم الليبرالية في جميع أنحاء أوروبا.

إحصائياً، لا يوجد هناك احتمال كبير بمشاركة اللاجئين في أي عملية إرهابية أو إجرامية ضد السكان في الدول المستقبلة. ولكن الانطباع هو ما يؤثر، فبلد كألمانيا التي انتهجت سياسة “الباب المفتوح” امام اللاجئين، استغلت فيها وسائل الإعلام وأحزاب اليمين المتطرفة حادثة سلبية وقعت مع اللاجئين للتأثير على وجهة النظر العامة وقرار الحكومة وزيادة الضغط لتعزيز الرقابة على الحدود أو إغلاقها.

ويزيد من صعوبة كسر هذا النمط حقيقة أن السياسة الوسطية في أوروبا شهدت تراجعاً وإنكساراً حاداً. وترافق ذلك مع انهيار حصص  الأحزاب الرئيسية – أحزاب الوسط- من أصوات الناخبين. ففي المملكة المتحدة على سبيل المثال، يمكن تشبيه التنافس بين رئيس الوزراء المحافظ ديفيد كاميرون وزعيم العارضة جيريمي كوربين بالمناخ السياسي الذي ساد في ثمانينات القرن الماضي، حين كانت مارغريت تاتشر رئيسة للوزراء هناك. ويعود التراجع في حصص الأحزاب الرئيسية إلى عجزها عن ايجاد اجوبة مقنعة حول قضايا مثل العولمة والهجرة والاندماج. وهو ما يجعل اليسار يستخدم أوراق النمق الخطابي ومناقشة الأمور الحساسة فيما يستغل اليمين ورقة الأمن لزيادة حصته من أصوات الناخبين.

وترك هذا الاستقطاب الأوروبين في حالة من عجز اللغة في النقاشات التي تتركز على الإسلام أو اللاجئين أو الهجرة. ونقطة البداية هنا تكون بإيجاد نقطة إنطلاق واضحة للإفصاح عن قيم المجتمعات الليبرالية.

اسست أوروبا الحديثة على مبدأ الاعتقاد المشترك في الحرية الفردية، وهكذا شملت القيم الأوروبية تاريخياً الالتزام بحقوق الانسان والديمقراطية والمساواة بين الجنسين، وحرية التعبير والدين والحق في اللجوء، ومعظم الأوروبيين يؤمنون بهذه القيم بشكل كبير لكنهم يواجهون مشاكل مختلفة في تطبيقها.

أولاً، يجب على الأوروبين تجنب الميل إلى العقاب الجماعي، ففي بورنهيمن الألمانية مثلاً، حظر على جميع الذكور البالغين من اللاجئين استخدام برك السباحة العامة بعد أن صدرت بعد التقارير المتعرضة بالاعتداء أو التحرش الجنسي من قبل بعضهم. ووفق العقلية الأوروبية فهذا العقاب الجماعي مرفوض، وكما نطلب من المهاجرين إلى أوروبا أن يلتزموا بقيم وثقافة المجتمع يجب أن تتم محاكمتهم كأفراد وليس كجماعات.

ثانياً، يتعين على أوروبا أن تلتزم بمبدئها بحرية التدين، ففي مجتمع ليبرالي، يجب أن يسمح للناس بتصديق معتقداتهم الخاصة والإلتزام بها. ومع ذلك، فبعض السياسات الأوروبية تقوم على أساس التمييز، ففي كارديف مثلاً، أجبرت المملكة المتحدة طالبي اللجوء على ارتداء سوار أحمر في جميع الاوقات،سياسة توقظ مشاعر تاريخية مؤلمة في نفوس الجميع.

ثالثاً، يجب أن تقدم أوروبا مساهمة أكبر في سبيل دعم حرية التعبير، فتسمية فكرة بأنها “متدينة” لا يجعلها ” مقدسة ” بعيداً عن اي نقاش أو نقد. وعلى الرغم من أن خطاب الكراهية يتطلب إيجاد نظام “عقوبات وتجريم له” لكنه بحد ذاته قد لا يكون مجرماً. فصورة تشارلي أبو للطقل الكردي أيلا، وهو الذي قضى غرقاً في البحر المتوسط غرقاً، حيث صوره الكاريكتور كرجل فاسق جنسي. أثار الرسم غضب الكثيرين، ولكن نيته المجردة كانت السخرية. فهو يسخر من فكرة أن جميع اللاجئين السوريين مدمنين جنسياً. وعلاوة على ذلك، يجب على السياسيين ان يقاوموا إغراءات تقييد حرية التعبير في الجامعات ففي المملكة المتحدة على سبيل المثال، تم اعتماد مشروع قانون بدعم جماعات مكافحة الإرهاب يسمح للكليات بمنع المتحدثين المتطرفين من التحدث للعامة.

أخيراً، على أوروبا أن تحمي الحق في اللجوء، على الساسة الأوروبيين ان يشرحوا سبب كون اللاجئين فئة مميزة من المهاجرين. فألمانيا قررت مثلاً ترحيل المهاجرين المداين بحوادث كولونيا الأخيرة. يبدو هذا أمراً جيداً لكن مع مراعاة أن لا يتم ترحيلهم إلى البلاد التي قد يتعرضون فيها للإضطهاد مجدداً.فالقيم الأوروبية واضحة في عدم استغلال أخطاء أحدهم لإخضاعه للاضطهاد أو التعذيب أو المعاملة القاسية اللاإنسانية. ومع ذلك، فما تزال هناك مناقشات ومناظرات واسعة حول ترحيل اللاجئين، وهو ما دفع الدول الأوروبية لاعتماد سياسات أكثر صرامة للتعامل مع طلبات اللجوء، بما في ذلك قرار الدنمارك الأخير بحرمان اللاجئين من حقهم في الملكية وفرض قيود زمنية على عملية جمع شمل أسر اللاجئين.

التهديد الأمني الذي تواجهه أوروبا حقيقي، فداعش وغيرها من الجماعات الإرهابية تشكل تهديد حقيقي على الحياة والقيم. عدا عن أن العديد من اللاجئين القادمين لأوروبا يفرون من أعمال داعش هذه. وبلا شك فالطريق الأفضل لمواجهة التحديات الأمنية يكون من خلال تحسين الاستخبارات والعدالة الجنائية وليس من خلال فرض مزيد من القيود على حق اللجوء. نجحت المملكة المتحدة في تجنب الكثير من الاعتداءات الإرهابية خلال العقد الماضي بسبب امتلاكها أجهزة استخبارات متفوقة وليس بسبب سياستها المتعلقة بالمهاجرن. فتعزيز تلك الخدمات بدل تقويض القيم الليبرالية هو أفضل رد على الإرهاب.

والسؤال الصعب الذي يطرح الأوروبين دوماً، “هل يتوافق الإسلام مع الليبرالية؟”. عموماً، نعم، وفي صياغة السياسات يكفي للقادة الأوروبيين ان يكونوا حكيمين ويعملون مع الزعماء الدينيين المسلمين ليدركوا أن لا تعارض بينهما.

وتبقى الأسئلة القادمة من إدارة الهجرة ذات اهتمام اجتماعي وسياسي واسع، لكن لا بد من معالجتها من خلال نقاشات واعية وعقلانية. وعلى خلفية واضحة وغير مشوشة تعترف بحاجة أوروبا إلى سياسة وسطية جديدة تحكمها. تستند إلى الليبرالية وتتجاوز كراهية اليمين للأجانبي والنسبية الأخلاقية لليسار. قوة الوسط ستساعد أوروبا على الانتقال من طور الخوف الحالي، وستكون حينها أوروبا قادرة على التعامل بصراحة وصدق مع اللاجئين والهجرة في عالم متغير بشكل متواصل.

ضع تعليقاَ