أبريل 19, 2024

إسرائيل تبحث عن الأصدقاء والأمن والمال في أفريقيا

في ٤ من يوليو الجاري، بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جولته التي تشمل ٤ دول في شرق أفريقيا بدأها بأوغندا وتبعها متوجهاً إلى كينيا و رواندا واخيراً أثيوبيا. وتعد هذه هي الزيارة الأولى التي يقوم بها رئيس وزراء إسرائيلي منذ العام 1987. إذ تأتي هذه الزيارة في محاولة لتعزيز العلاقات الإسرائيلية مع دول شرق أفريقيا، حيث تركزت المحادثات على زيادة التعاون في مجالات الأمن والاقتصاد. فيما ركزت تصريحات المسؤولين على قضايا التبادل المشترك بشكل أساسي.

fb825dad69

المطامع الإسرائيلية في منطقة شرق أفريقيا تعد قليلة مقارنة بغيرها من المناطق، خاصة مع انخفاض معدل التجارة البينية إذ بلغت الصادرات الإسرائيلية إلى افريقيا في عام ٢٠١٥ قرابة المليار دولار وهو ملا لا يتجاوز ٢٪ من مجمل صادراتها. هذا عدا عن كون العلاقات التجارية علاقات غير رسمية وتشبه كثيراً العلاقات الشخصية المباشرة. فعلى سبيل المثال، نظم المسؤولون الأوغنديون بما فيهم الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني زيارات منتظمة إلى إسرائيل خلال السنوات الأخيرة. وكانت هذه الزيارات بمثابة مزود لعقد صداقات شخصية مع شخصيات إسرائيلية قوية بما فيها مسؤول الموساد السابق رافي إيتان، الذي يعد رائد الدعاية لضخ مزيد من الاستثمارات الإسرائيلية في أوغندا. ومع ذلك، ورغم كثرة الإشارات عن العلاقة الدافئة بين الطرفين إلا أن أياً منهما لا يملك بعثة دبلوماسية لدى البلد الآخر.

عاطفياً، حملت زيارة نتنياهو إلى أوغندا ذكريات كبيرة للإسرائيليين وعلى وجه الخصوص لنتنياهو نفسه. حيث تزامنت زيارته مع الذكرى ٤٠ لعملية عنتيبي الشهيرة والتي تمكنت فيها القوات الإسرائيلية الخاصة من الافراج عن ١٠٣ رهينة محتجز من قبل مقاومين فلسطينيين، وخلال تلك العملية قتل اللفتنانت كولونيل يونتان نتنياهو شقيق بنيامين نتنياهو.

علمياً، لم يقدم نتنياهو في زيارته لأفريقيا سوى عدد محدود من العروض المتواضعة لم تتجاوز قيمتها ١٣ مليون دولار سعياً لتعزيز العلاقات مع دول المنطقة. ستقدم هذه الأموال والمنح للملحقين الاقتصاديين الإسرائيليين في مناطق شرق أفريقيا بهدف انشاء مراكز لوكالة إسرائيلية للتعاون الإنمائي في الدول الأربعة التي شملتها الزيارة بالإضافة إلى تمويل عدد من المشاريع المختلفة أيضاً. وعليه فإن التمويل الإسرائيلي المحدود للغاية لمناطق شرق أفريقيا مقارنة بالتمويل الذي تقدمه دول الاتحاد الأوروبي أو الصين أو حتى بريطانيا والولايات المتحدة سيحد كثيراً من تأثيرات إسرائيل في مجالات مختلفة كالأمن والزراعة.

وكان نتنياهو قد حظي بمرافقة قرابة ٨٠ شخصية من كبار رجال الأعمال الإسرائيليين الذين مثلوا أكثر من ٥٠ شركة إسرائيلية مختلفة. وكان من ضمن الحاضرين المدراء التنفيذيون لأنظمة “ألبيت” المقاول الأول في إسرائيل لأغراض الدفاع العسكرية، وكذلك مدراء شركة “مغال” المتخصصة بتأمين المناطق المحيطة بالمطارات. بالإضافة إلى مدراء شركة “إيرونتيكس” المتخصصة بصناعة الطائرات دون طيار ومدراء شركة “إسرائيل للكيماويات” المنتج الأكبر للأسمدة في إسرائيل، ومدراء شركة “نتافيم” المتخصصة بإنتاج أنظمة الري بالتنقيط. ولعل ادراج مسؤولي واحدة من الشركات المنتجة لأنظمة الري في إسرائيل هو محاولة للاستفادة من “دبلوماسية المياه” حيث تعد مناطق شرق أفريقيا بحاجة ماسة إلى إيجاد طرق مبتكرة للتعامل مع المياه واستغلالها لأغراض الري وغيرها، وهو ما يمثل مجالاً متميزاً لإسرائيل على اعتبار أنها من أبرز الرواد في هذا المجال.

الجانب الأهم من التقنيات الزراعية بالنسبة لإسرائيل في مناطق شرق أفريقيا يتعلق بصناعة الأمن وضمان أمن إسرائيل القومي، حيث تملك إسرائيل شركات رائدة في مجال الأمن المادي والأنترنت وتملك القدرة على توفير الخبرة الفنية لدول شرق افريقيا التي تسعى الى تحسين قدراتها في مجال مكافحة الإرهاب. وفي ظل الدعم الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من أجل رفع جاهزية هذه الدول لمجابهة القاعدة وداعش وأنشطتهما المرتبطة فإن إدراج شركات إسرائيلية متخصصة بأمن المطار والمناطق المحيطة بها وشركات الطائرات بدون طيار يؤكد رغبة إسرائيل في المضي قدماً لبناء تعاون أمني مقبل.

ترى إسرائيل في مناطق شرق افريقيا كمناطق حلفاء محتملين خارج منطقة الشرق الأوسط المليئة بالاضطرابات. وعلى الرغم من مهادنة جل الحكومات لإسرائيل إلا أن النفس الشعبي العام الرافض لها وسرعة تقلب الأحدث تدفع إسرائيل إلى الاعتماد على دول مناطق شرق افريقيا. وعبر تحالفاتها الأمنية تسعى إسرائيل إلى منع استخدام القرن الافريقي لتهريب السلاح إلى غزة، وهو ما يجعل المنطقة هناك ساحة صراع مفتوح بين فصائل غزة وداعميها وبشكل أساسي إيران وبين إسرائيل. ويمكن وضع العلاقات الأمنية القوية مع دول كأثيوبيا وكينيا في خانة مراقبة السودان أيضاً الذي كان هدفاً سابقاً لعمليات عسكرية إسرائيلية بعد اتهامات للخرطوم بتزويد غزة بالسلاح.

هذا عدا عن التواجد الخليجي المتنامي في المنطقة، حيث باتت الإمارات مثلاً تمتلك خليج عصب في ارتيريا وهو ما يجبر إسرائيل على تعزيز تواجدها هناك بشكل أو بآخر ليس لدوافع اقتصادية فحسب بل حتى لدوافع أمنية وعسكرية مختلفة.

سبق أن هدد الإسلاميون المتشددون في مناطق شرق أفريقيا مصالح إسرائيل التجارية في المنطقة – تضم المنطقة عناصر من أعضاء تنظيم القاعدة وداعش وكذلك حركة الشباب الصومالية. فعلى سبيل المثال، سبق لمسلحين يشتبه بعلاقتهم بتنظيم القاعدة، أن هاجموا فندقاً مملوكاً لإسرائيل وعدداً من الطائرات في موم باسا في كينيا عام ٢٠٠٢، أدى هذا الهجوم حينها إلى مقتل ١٣ شخص وإصابة أكثر من ٨٠ في الفندق. ويمكن اعتبار هجوم حركة الشباب في عام ٢٠١٣ على ويست جيت مول في نيروبي ولو بشكل جزئي ينبع من رغبة ضرب المصالح الإسرائيلية نظراً إلى أن المركز كان مملوكاً بشكل جزئي لشركة إسرائيلية في ذلك الوقت.

A police officer holds a gun to provide cover for customers running out as a shooting took place at Westgate shopping mall in Nairobi September 21, 2013. Kenyan soldiers joined an operation to flush out gunmen who killed at least 15 people in a shopping centre in the capital of Nairobi on Saturday, a Reuters witness said.    REUTERS/Noor Khamis (KENYA - Tags: CIVIL UNREST CRIME LAW TPX IMAGES OF THE DAY)

وعليه فإن صغر حجم الاستثمار الإسرائيلي في افريقيا هذه المرة لن يعيقها من ان تمتلك تأثيراً كبيراً خاصة على الصعيد الأمني في المنطقة في ظل تعاون أمني عالمي كبير تحت مظلات مختلفة.

ضع تعليقاَ