أبريل 19, 2024

باراك مندلسون: الحرب الأهلية الجهادية.. معركة داعش والقاعدة المستعرة

عملية إطلاق النار الأخيرة في الملهى الليلي في أورلاند والتي أسفرت عن مقتل 49 شخص وإصابة 53 آخرين تعد الأحدث في سلسلة الهجمات الإرهابية في الغرب. ومن السابق لأوانه الحديث عما إذا كان منفذ الهجوم، عمر متين ، قد تم توجيهه مباشرة من قبل داعش أم أنه استوحى الفكرة والإلهام من التنظيم فقط.لكن الهجوم الذي يأتي بعد هجمات باريس وبروكسل والدعوات المتكررة لمواجهة الذئاب المنفردة يعكس اهتمام داعش في توسعة ساحة المعركة إلى الغرب.

والسؤال المركزي هنا يتمحور حول ما إذا كانت هذه الهجمات تعد مؤشراً على تحول  داعش أو ” الخلافة” كما تحب ان تسمي نفسها نحو الفكر الجهادي العالمي الخاص بتنظيم القاعدة.  وإذا كانت الإجابة نعم، ومن الواضح أنها كذلك فهذا يعني أن داعش باتت مثل تنظيم القاعدة ومن المحتمل أن نشهد تعاوناً بينهما خلال الأيام القادمة وبالتالي فإن التهديد الذي تتعرض له الولايات المتحدة سينمو أيضاً.

وكان الباحث البارز في شؤون الإرهاب بروس هوفمان قد توقع إمكانية توحد المجموعتان الإرهابيتان على الرغم من العداء المستحكم بينهما حالياً.

ولكي يؤكد نظريته، ولمزيد من الحظر قدر هوفمان أن هذا الاندماج سيحدث خلال خمس سنوات من الآن وليس في المستقبل القريب المنظور. ومن المحتمل أيضاً أن تشهد هذه الفترة أيضاً فترة من التعاون التأكيكي أو تشكيل الأحلاف قبل أن يكون هناك توحيد شامل بينهما. وعلى الأغلب فإن المجموعتان ستتحدان في عام 2021 ولعل هذا الاتحاد لا يشغل بال الغربيين الآن. فحتى وقت قريب، ركز المتابعون والمتخصصون على خطر قدرة داعش “الناجحة” على استيعاب القاعدة داخلها. لكن سلسلة الهزائم التي منيت بها داعش في كل من الرمادي وتدمرر وسنجار قلبت المعادلة بشكل أو بآخر. وهذه الخسائر تستطيع أن تحدث تغييرات ديناميكية داخل الحركة الجهادية مع تداعيات حرب كبيرة في كل من سوريا والعراق ومكافحة للإرهاب في الغرب.

في ظاهر الأمر، تحمل مقاربة هوفمان كثيراً من المنطق، فتنظيم القاعدة وداعش يملكان من النقاط المشتركة ما يلفت النظر، فكلاهما خرج من رحم السلفية الجهادية ويسعون إلى استعادة الخلافة الإسلامية عبر استخدام العنف العشوائي ضد الغربيين. وحتى سابقاً كانت داعش فرعاً من تنظيم القاعدة، لكن كل هذه النقاط تبقي احتمال توحد المجموعتين قليلاً للغاية.

تعود الفوارق الكبيرة بين المجموعتين إلى التفاوت الكبير في قوة كل واحدة منهما. فداعش، تقوم وظائفها على أنها دولة وتسيطر على أراض واسعة تضم الملايين من السكان، في حين يعمل تنظيم القاعدة في المقام الأول كمنظمة بموارد أقل بكثيرمن داعش،لدرجة أن فروع القاعدة تسيطر على ممتلكات إقليمية، وكلها مجتمعة أصغر بكثير وذات أهمية استراتيجية أقل من تلك التي تسيطر عليها داعش. داعش ترى في إعادة الخلافة أولوية أساسية فيما يرى تنظيم القاعدة أنها خطوة لا بد من تأجيلها في سبيل استمرار عمل التنظيم.

بالإضافة إلى ذلك، بعد ردة الفعل التي اعقبت انهيار تنظيم القاعدة عام 2008 في العراق – أصبح لاحقاً مكوناً أساسياً لداعش-   أظهرت القاعدة ليونة أكثر من ذي قبل، عدا عما استفادته القاعدة من الربيع العربية وأحداثه، فأسامه بن لادن وخليفته الظواهري آمنوا أن كسب ود وتعاطف المسلمين وقلوبهم شرط أساسي من أجل تحقيق النجاح. وتماشياً مع التركيز المتزايد على السكان المسلمين، نددت القاعدة بإعلان داعش للخلافة واعتبرتها سابقة لأوانها، لكنها لم تنكرها وإنما ركزت على أنها عملية غير شريعة لأنها نفت حق المسلمين في اختيار الخليفة وساعدت على ترويج الانقسامات وعمقتها بدلاً من تعزيز الوحدة.

ووفقاً للخبير في الشؤون السورية “تشارلز ليستر” فإن تنظيم القاعدة لا يزال يرغب في إقامة إمارة – شكل أكثر تواضع من الخلافة – في مناطق شمالي سوريا ويلجأ تنظيم القاعدة عادة إلى الاعتماد إلى حد كبير على التعاون مع الجماعات الإسلامية الأخرى وتقساهم السلطة في المواقع التي يسيطر عليها وهو ما يفعله الآن في محاولة استخدام جبهة النصرةر من أجل كسب تأييد الجماعات الإسلامية البارزة الأخرى وفي المقام الأول أحرار الشام.

داعش على النقيض من ذلك ترفض تقاسم السلطة مع أي كان، بل إنها تصر على تقبل الجماعات الجهادية لسلطتها خاصة في سوريا والعراق، إن كان في بعض المواقع كمصر ونيجريا حافظت بعض الجماعات التي انضمت لداعش على سلطة حكم ذاتية بسيطة. وفي الواقع، تم قبول بوكو حرام وأنصار بيت المقدس كلاً مجملاً ضمن جيوش داعش على أن تتلقى التمويل والتوجيه من داعش نفسها فيما تحتفظ هي بهايكلها التنظيمية الخاصة بها. وعليه فجميع أعداء داعش يأملون في عدم قدرتها من السيطرة أو ضم الجماعات الإسلامية الأخرى. وبكل وضوح لم يكن القصد من إعلان أبوبكر البغدادي كخليفة لداعش كمجرد منصب ديني وإنما كان لإجبار الجماعات الجهادية الأخرى على قبول سلطة داعش وتبرير أي عقوبات شديدة قد يتعرض لها من يقوم بأي انتقاد أو تمرد ضد داعش.

وبمعنى أوضح، يتطلب تعاون داعش والقاعدة تنازل داعش عن مطالبها بتحصيل الطاعة من الجماعات المحلية وتنازلها عن الأسلوب الصارم الذي تتبعه تجاه الجماعات الإسلامية الأخرى وهو من المستبعد جداً أن تخضع داعش لأي تحول فيه. وبدلاً من ذلك قد ينتج التعاون عن تغير لموقف تنظيم القاعدة تجاه فرعه السابق وقبول سلطته. ولكن تبقى كمية الدماء والاقتتال الذي حصل بين المجموعتين عائقاً في الوصول إلى مثل هكذا تفاهم.

من جانب آخر، قد يكون اشتراك القوات الغربية والروسية والإيرانية في حربي العراق وسوريا دافعاً للمجموعتين يعينهما على تجاوز الخلافات الاستراتيجية بينهما. فتصاعد الضغوط من القوى الخارجية الأخرى سيعمق المصالح المشتركة بينهما، ومن وجهة نظرهما فإن وجود القوات الأجنبية يؤكد مزاعمهم بان هناك حرباً على الإسلام السني والدول السنية لا تهتم بسنة العراق أو سوريا وحتى تلك التي تدعم مجموعات المعارضة لا يمكن الوثوق بها على الإطلاق.

العائق الأكبر سيكون في التغلب على عطش قادة داعش للاستيلاء على السلطة وفي تجاوز معركة الأنا بين قادة المجموعتين عدا عن المصالح التنظيمية المتبانية فيما بينهما ونهجيهما المختلفين لعلاج مشاكل المسلمين. فعلى الرغم من قتال داعش الآن على جبهات مختلفة إلا أنها ما زالت تنادي وتطلب من أنصارها القيام بهجمات “الذئاب المنفردة” بشكل فردي دون تعاون مع الجماعات الجهادية المحلية في أي مكان، وهو ما يؤكد إصرار داعش على توجهها حتى وهي في أحلك ظروفها بحيث ترفض تقديم أي تنازلات للجماعات الأخرى  بما لا يدع مجالاً لتقويض مزاعمها للسلطة.

وفي إطار عدم قبول داعش لأي سيطرة من تنظيم القاعدة عليها، دأبت على اتباع سياسات للتخريب على أي جماعة تنتمي للقاعدة في محاولة لتقويد التنظيم من الداخل. حيث قامت داعش بوضع ضغط كبير على الحلفاء القديمين في المجموعة بهدف نقل ولاءاتهم. وبشكل ملحوظ أثبت تنظيم القاعدة قدرة عالية على الصمود أمام الهجمة الشرسة حتى الآن حيث ما زالت جل فروعه تؤكد ولاءها للظواهري.

فارس في داعش أفضل من جندي عادي في القاعدة، دعاية قوية من داعش وجهت لكل فروع المجموعة بغية الانضمام لداعش. شرائح صغيرة للغاية بينها عدد قليل من الشخصيات رفيعة المستوى في التنظيم انشقت من القاعدة واتجهت لداعش. لكن تنظيم القاعدة ما زال يثابر، مجموعات صغيرة جديدة تعهدت بالولاء لجبهة النصرة وتنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية يدرب مئات المتطوعين الجدد في أفغانستان وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب يوسع هجماته على مواقع جديدة في غرب أفريقيا.

قدرة القاعدة في الصمود بوجه صعود داعش يؤكد على أنها لن تستلم الآن خاصة و أن داعش تعاني من فقدان السيطرة على الأرض سريعاً وتكبدت خسائر عسكرية عديدة. في الوقت نفسه، يمكن لأعضاء المجموعتين أن يتعاونوا خارج منطقة الشرق الأوسط حيث غالباً ما تلعب العلاقات الشخصية دوراً أكثر وضوحاً من الانتماءات التنظيمية.

العلاقة المتغيرة بين القاعدة وداعش تملك  انعكاسات مهمة على المخططين الأمريكيين، ففي حين يجب معالجة تهديد كلا الفريقين، يجب على الولايات المتحدة التمعن والنظر في عدم اقتراف أي خطأ قد يكون سبباً في توحد المجموعتين تحت ضغط ما.

فاغتيال الظواهري أو البغدادي هو فعل من شأنه أن يحدث هزة في العلاقة بين الطرفين، وعلى الرغم من ضآلة احتمال تعاون الطرفين الآن إلا أن التغيرات على الساحة الجهادية كبيرة للغاية، وينبغي على الولايات المتحدة الاعتماد على تقييم أكثر شمولية للتهديدات التي يشكلها كل طرف منهما.

باراك مندلسون: استاذ علوم سياسية مشارك في كلية هارفرد وزميل في معهد أبحث السياسة الخارجية. صدر مؤخراً له كتاب بعنوان. القاعدة: الامتداد والعوائق.

فورين أفيرز

ضع تعليقاَ