أبريل 17, 2024

فرانسيس ستيوارت: من الحرب إلى العمل

إن مما لا شك فيه بإن للصراع تأثيرات سلبية كبيرة بما في ذلك موضوع التوظيف ولكن المفهوم السائد عن العلاقة بين الصراع والتوظيف لا يأخذ بالحسبان بشكل كامل تعقيدات تلك العلاقة وهذا التقصير يقوض سياسات التوظيف الفعالة في الدول الهشة.

إن الحكمة التقليدية هي أن الصراع يدمر الوظائف كما أن البطالة يمكن أن تؤدي لمزيد من الصراعات حيث يجد الشباب العاطل عن العمل التأثير والمكاسب الإقتصادية من خلال الحركات العنيفة ولهذا السبب يجب أن يكون لخلق الوظائف دوراً مركزياً في سياسة ما بعد الصراع ولكن بينما من المؤكد أن هذا الكلام يبدو منطقيا فإن تلك الإفتراضات كما ذكرتها بالتفصيل في ورقة بحثية سنة 2015 ليست بالضرورة صحيحة بشكل كامل.

إن الإفتراض الأول– الصراعات العنيفة تدمر الوظائف- يتجاهل حقيقة بإن كل صراع هو فريد من نوعه والبعض مثل الحرب الإهلية السريلانكية سنة 2008-2009 إنحصرت في منطقة صغيرة نسبيا مما ترك معظم البلاد بما في ذلك الإقتصاد غير متأثرة بالصراع .

وحتى الصراعات المزمنة مثل الحرب الإهلية الحالية في الكونجو يمكن أن لا يكون لها تأثير رئيسي على صافي التوظيف فالوظائف التي يتم فقدانها في القطاع العام أو بين مصدري البضائع على سبيل المثال يتم تعويضها بشكل عام عن طريق وظائف جديدة في الحكومة وقوات الثوار المسلحة والإنتاج غير الرسمي الذي يسبتدل الواردات والنشاطات غير القانونية مثل إنتاج المخدرات والتهريب.

إن الإفتراض الثاني بإن البطالة هي سبب رئيسي للصراع العنيف لا يعكس الإختلافات الدقيقة والجوهرية فأولا القطاع الرسمي يشكل جزءا بسيطا فقط من إجمالي التوظيف في معظم الدول المتأثرة بالصراع .
إن معظم العمالة موجودة في القطاع غير الرسمي وعادة ما تكون تلك العمالة منخرطة في نشاطات ذات دخل منخفض بالإضافة إلى كونها ذات إنتاجية ومكانة منخفضة كذلك والتي يمكنها مثل البطالة أن تولد السخط وأن تحفز الشباب على الإنضمام للحركات العنيفة.
نظراً لذلك فإن توسيع التوظيف في القطاع الرسمي لن يكون كافيا ما لم يحسن كذلك من وضع الشباب في القطاع غير الرسمي منخفض الدخل ولكن سياسات التوظيف ما بعد الصراع تتجاهل في كل الحالات تقريبا القطاع غير الرسمي والأسوأ من ذلك هو أن الاحكام والانظمة الجديدة مثل منع إستخدام الدراجات في الأمور التجارية في فريتاونبسيراليون- تعيق أحيانا النشاطات غير الرسمية المنتجة للشباب .لكن حتى التركيز على القطاع غير الرسمي ليس كافيا فلقد أظهرت الأبحاث بإن الفقر والتهميش لا يكفيان لوحدهما من أجل التسبب بالصراعات ولو كانوا كذلك لكانت معظم الدول الفقيرة في حالة صراع معظم الوقت وهذا لا ينطبق على الوضع الحالي على الإطلاق.
تحدث الصراعات العنيفة عندما يكون عند القادة الحافز لحشد أتباعهم للإنخراط بها وهذا الحافز يمكن أن ينبعمن مجموعة مختلفة من الأسباب والتي أكثرها إنتشارا هو الإقصاء من السلطة وفي تلك الحالة يستهدف القادة هوية مشركة على سبيل المثال الدين في حالة الصراعات المعاصرة في الشرق الأوسط أو العرق في العديد من الصراعات الإفريقية-من أجل حشد الأتباع.
بالطبع، هناك حاجة لما هو أكثر من الهوية المشتركة من أجل حشد الأتباع ولكن الناس سيتجاوبون بشكل عام مع تلك الدعوات فقط لو كانت لديهم مظالم بالفعل وخاصة لو شعروا بإن مجموعتهم تواجه التمييز عند محاولة الوصول للموارد والوظائف وبهذا المعنى فإن التوظيف وثيق الصلة بالموضوع ولكن المهم ليس المستوى المطلق من التوظيف ولكن توزيع الوظائف الجيدة على المجموعات الدينية أو العرقية.
بعبارة أخرى فإن خلق المزيد من الوظائف ببساطة بدون الإهتمام بتوزيعها لن يخفف من التوتر ولو إستمر إنعدام التوازن فإن خلق الوظائف قد يزيد الأمور سوءا ومع ذلك ما تزال سياسات التوظيف في مرحلة ما بعد الصراع تتجاهل في معظم الحالات ما يطلق عليه “عدم المساواة الأفقية” فعلى سبيل المثال فإن سياسات التوظيف لم تفعل الشيء الكثير لتخفيف الإختلالات الإقليمية القوية والتمييزوالتي لا تزال قائمة ضمن المناطق في البوسنة والهرسك بعد الحرب التي حصلت هناك في التسعينات.
نظراً لذلك الفشل فإن من غير المفاجىء أن صافي تأثيرات سياسات التوظيف هو بالعادة صغير جدا مقارنة بحجم المشكلة ففي كل من كوسوفو والبوسنة والهرسك كان يعتقد بإن خلق الوظائف هو أمر حيوي من أجل جهود حفظ السلام لمرحلة ما بعد الصراع ومع ذلك وصلت نسبة البطالة في كوسوفو إلى 45 % بعد ست سنوات من إنتهاء الحرب وفي البوسنة خلقت البرامج الجديدة 8300 وظيفة بينما تم تسريح 450 ألف شخص من القوات المسلحة وبعد 20 سنة على إنتهاء الصراع يصل معدل البطالة إلى 44%.
إن هناك مثال جيد على سياسة التوظيف الناجحة لما بعد الأزمة فلقد سعت الحكومة النيبالية لتوسيع الفرص في القطاع غير الرسمي بعد الحرب الأهلية في البلاد حيث طبقت برامج تركز على بناء البنية التحتية ومنح قروض صغيرة وتوفير المساعدة التقنية بحيث تستهدف المناطق والطبقات الإجتماعية الأكثر حرمانا.
لقد لاحظت الحكومة النيبالية الدور الذي تلعبه التوترات العرقية والطبقية في إشعال الصراع وعليه قامت الحكومة بتصميم برامج توظيف خصيصا للمناطق الريفية تشبه برنامج التوظيف الهندي بحيث يتم ضمان 100 يوم عمل لكل عائلة . لقد حظيت البرامج بدعم الحكومة النيبالية والجهات المانحة الخارجية حيث ركزت على المناطق والقرى الأكثر فقرا  وضمن تلك المناطق والقرى على الطبقات الإجتماعية الأكثر فقرا .
إن الفترة التي تلي الصراع مباشرة هي فترة دقيقة وحساسة ويتوجب على القادة أن يستغلوا تلك الفترة أفضل إستغلال بحيث يتحققوا من أن كل سياسة يتبنوها هي سياسة فعالة بقدر الإمكان وعندما يتعلق الأمر بالتوظيف فإن هذا يعني تصميم برامج تعكس كيف يقوم الناس فعليا بقضاء حياتهم العملية بالإضافة إلى التعامل مع المظالم الحقيقية التي تتسبب بالتوترات وإلا فإنهم سيخاطرون بإن يسمحوا إن لم يكن يشجعوا العودة مجددا للعنف المنظم .
***فرانسيس ستيوارت: أستاذة فخري في اقتصاديات التنمية في جامعة أكسفورد
هذه المقالة منقولة عن موقع Project Syndicate

ضع تعليقاَ