مارس 28, 2024

فورين أفيرز: كيف تعمل خلايا داعش الأوربية.. لا مزيد من الذئاب المنفردة الإرهابية

الهجوم الذي استهدف بروكسل قد يكون صادماً، لكنه لم يكن أبداً مستغرباً، خاصة وأن أوروبا تخضع لحملة إرهابية منسقة أطلقها تنظيم داعش. وكما أفاد مسؤولون أوروبيون في الأيام التي تلت ذلك الهجوم، فإن داعش تمكنت من إرسال 400 مقاتل إلى أوروبا بغية استهدافها، هؤلاء الإرهابيون – ومعظمهم من أصول أوروبية -، صدرت تعليمات لهم “لبناء خلايا إرهابية” ووفق المسؤولين فإن الاعتماد على القرار الذاتي لاختيار الهدف والتوقيت والأساليب تخضع لطريقة عمل المجموعات نفسها. فمن المرجح أن الدماء التي أريقت في مارس ليست الأخيرة ضمن سلسلة الدماء المراقة في ظل هذا الاشتباك.

والآن بعد أن أمضى مقاتلوا داعش فترة جيدة في سوريا والعراق وعادوا إلى أرض الوطن في سبيل ربط عدد من أصدقائهم وزملائهم السابقين ليتحركوا نحو خطة جديدة في استهداف المدنيين والمنشآت في أوروبا، ففي حال فشلهم سينتقلون إلى خطة جديدة وهكذا.

خطر الشبكة

كان “عبد الحميد أباعود” العقل المدبر للهجمات التي استهدفت عدداً من المقاهي وقاعة للحفلات الموسيقية وملعباً لكرة القدم في باريس في 13 نوفمبر2015، هذا الشخص تحديداً كان ينبغي أن يكون في السجن في تلك المرحلة، ففي يوليو 2015، أدين عبد الحميد وحكم عليه بالسجن 20 عاماً بعد إدانته بتدبير هجوم فاشل في مدينة “فيرفيرس” البلجيكية، وبعد وقت قصير من تلك العملية الفاشلة والتي راح ضحيتها إثنان من المشتبه بهم، تمكن أبا عود من السفر إلى داعش ثم عاد مرة أخرى إلى أوروبا في وقت لاحق من العام 2015. ومنذ ذلك الحين اتهمت الحكومة الفرنسية هذا الشخص بتنسيق 4 هجمات من أصل 6 تم احباطها في فرنسا منذ الربيع الماضي.

أباعود لم يكن وحيداً، فصديقه القديم من “مولينبيك” البلجيكية، صلاح عبد السلام، سافر وعاد مجدداً إلى بروكسل. وأظهر تعقب لاحق لهاتف أباعود -أجري بعد هجمات باريس- أن الإثنين كانا على اتصال دائم أثناء تواجدهما في بروكسل، وبعد اعتقال أبا عود في 18 مارس الجاري، تبين دور كثير ممن وفروا المساعدة لأباعود ومكنوه من الاختباء والتخفي طوال 4 أشهر من الملاحقة مستخدماً هويات ووثائق مزورة.

الشبكة المعقدة من الاتصالات بين الأخوة وأصدقاء المدرسة وأفراد العصابة ورفاق السجن والجيل الأكبر سناً من الموجهين الذين تشاركوا مع أبومصعب الزرقاوي إبان ذروة عمل تنظيم القاعدة في العراق، كل هذه شكلت عوامل حقيقية مكنت داعش من إطلاق وتشكيل خلاياها في أوروبا.

أحد منفذي هجمات مطار بروكسل الأخيرة وصف بأنه مصنّع الأحزمة الناسفة التي استخدمت في كل من هجمات باريس و بروكسل السابقة. يعرف هذا الشخص بإسم “نجم لاتشوري”، وعرف سابقاً باسم “يوسف كيال”.

تم توقيف لاتشوري في سبتمبر الماضي عند معبر الحدود الواصلة بين المجر والنمسا، كان في سيارته يومها أيضاً “صالح عبد السلام” وشخص آخر عرف حينها على أنه ” سمير بوزيد”، يرجح أن تلك الرحلة كانت رحلة عودة الثلاثة إلى أوروبا بعد أن ذهبوا إلى أراضي داعش، وبالفعل كان “كيال” و”بوزيد” على اتصال مع أباعود إبان هجمات باريس.

كشف لاحقاً عن هوية “بوزيد” ليتبين أنه ” محمد بلقايد” الجزائري الذي عاش في السويد حتى أبريل من عام 2014، حينها ترك زوجته السويدية ليسجل اسمه في قوائم انتحاريي داعش، وقتل “بوزيد” في 15 مارس خلال مداهمة قوات الأمن لشقة كان يتشاركها مع صلاح عبد السلام في إحدى أحياء بروكسل، وخلال الغارة وجدت السلطات آثار الحمض النووي لـ “بلال هادفي”، أحد منفذي هجمات باريس الأخيرة.

الإرهابيان اللذان لا يفترقان

بعد سنوات من القلق مما يطلق عليه ” الذئب المنفرد الإرهابي” – إشارة إلى الإرهابيين الذين يعملون فرادى – اتضح أن الإرهابيين الخطرين حقاً لا يفترقون، فالتركيز العالي من الانتحاريين المستعدين للتفجير والقتل العشوائي في حي صغير واحد يمكن فهمه عبر النظر إلى الخطر الإرهابي كفيروس اجتماعي ينتشر عبر عملية عدوى معقدة. فالانتقال إلى مرحلة الإرهابي بات ينطوي على فعل إرادي- غير ناتج عن الاتصال فقط، أي أنه ناتج عن دافع داخلي محض. ولهذا فإن التفاعل الوثيق بين الأشخاص المنتمين إلى جماعات فرعية مختلفة تتبنى نفس نظام المعتقدات المتطرفة سيكون لديهم نوع معين من التأثير، فهو تطبيع لشيء غير طبيعي ومع الوقت ستزداد أعداد المنضمين والمقتنعين بالفكرة الإرهابية ” حاملي العدوى”.

التجنيد في داعش يمر عادة عبر ثلاثة مراحل، أولها عبر الدعاة في الشارع العاملين على توريد الأفكار، لاتشوري وأباعود ينتميان إلى شبكة بلجيكية يقودها خالد زركاني، الذي يعمل على التجنيد والوعظ في شوارع مولينبيك. وقبل هجمات بروكس، تمت محاكمة لاتشوري غيابياً أمام إحدى محاكم بلجيكا مع 31 متهماً آخر بدعوى قتالهم ضمن صفوف داعش، جل هؤلاء المتهمين ينتمون لشبكة الزركاني، والتي تم ربط أعضائها بعملية “فيرفيرس” عام 2015، حيث تم استهداف الشرطة البلجيكية وخطط لها أباعود نفسه.

بالإضافة إلى الزركاني، شارك أباعود مع خطيب بلجيكي آخر كبير يدعى “فؤاد بلقاسم”، والذي يقود جماعة “الشريعة لبلجيكا”، بلقاسم والزركاني في السجن الآن، هذان الرجلان بالذات لم يكونا داعيين للإسلام يوماً بل إنهما تزعما عصابة ساهمت بإرسال 125 بلجيكي للقتال ضمن صفوف داعش.

وبالفعل، اصدرت داعش تسجيلات مصورة باللغات الإنجليزية والفلمنكية والفرنسية تتبنى فيها مسؤولية الهجمات التي وقعت في بروكسل، المتحدث في هذه الفيديوهات كان “هشام شايب”، أحد أعضاء مجموعة ” الشريعة لبلجيكا” وكان الحارس الشخصي لبلقاسم حتى سجنه، حيث توجه الشايب إلى سوريا لاحقاً، يعد الشايب أحد نجوم وسائل الإعلام الاجتماعي لداعش، خاصة على تويتر حيث ظهر في إحدى الصور مع أربعة رؤوس مقطوعة.

المرحلة الثانية في مراحل تجنيد داعش، تتمثل في تجربة السجن خاصة بعد التورط بتهم العصابات أو المخدرات والجريمة. عرف عن أباعود إدمانه للمخدرات والكحول، كما كان الأخوة عبد السلام بالإضافة إلى شقيق صالح عبد السلام “إبراهيم” – أحد انتحاريي باريس – كانوا كلهم على اتصال مع شبكات بيع المخدرات غير المشروعة، أدين كل من صالح عبد السلام وأباعود بتهم السطو المسلح، وفي السجن تعززت علاقتهم أكثر من قبل، أما الأخوة باكوري فقد عثر على بعض المسروقات بحوزتهم ما دفع السلطات للتغاضي عن حقيقة كونهم جهاديين، أما إبراهيم الذي فجر نفسه بمطار بروكسل فكان قد حكم عليه بالسجن لمدة تسع سنوات بعد إدانته بسرقة بندقية عام 2010، فيما كان قد حكم على شقيقه، الانتحاري في القطار، بالسجن لخمسة سنوات بعد اتهامه بسرقة السيارات عام 2011. وبسبب الإزدحام في السجون البلجيكية، أطلق سراحهم قبل إكمال عقوباتهم، أشخاص آخرون ظهرت اسماءهم ضمن أعضاء هذه المجموعات الإرهابية كان من بينهم “مهدي نيموشه”، وهو الذي سبق وأن أمضى 5 سنوات في السجن بتهمة السرقة، ليقوم بعد الإفراج عنه بمهاجمة متحف يهودي في بروكسل عام 2014.

الخطوة الثالثة على طريق الانضمام لداعش، حدثت مع معظم منفذي الهجمات في وقت مبكر من عام 2013، الأمر ينحصر في الانتماء والتعود على وحشية طقوس (الخلافة) باختصار، بعد حادثة فيرفيرس، أصدر تنظيم داعش فيديو ظهر فيه أباعود مبتسماً بشكل جنوني وهو يقود شاحنة مليئة بالجثث، وبعد هجمات باريس، صدرت مجموعة فيديوهات من داعش تضم سبعة أعضاء من خلية باريس وهم ينفذون عمليات إعدام جماعية لأشخاص مجهولين تجاوزت أعدادهم 17 ضحية مستخدمين سكاكين لقطع الرؤوس وإطلاق نار مباشر على الرؤوس. وهذا يشير إلى الخطوة الثالثة في الانتماء عبر التعايش مع التوحش وتحقيق رغبات النفس.

الهجوم التالي

الدافع وراء الكتابة عن خطورة داعش هو ما حدث بعد يومين من اعتداء بروكسل، حيث اتضح أن السلطات البلجيكية تمكنت من ضبط مواد متفجرة في شقة يشتبه أن لها صلة بهجوم باريس، والتي أظهرت تحضيرات لهجمات أكبر تستهدف محطة الطاقة النووية على الحدود البلجيكية – الألمانية.

الأخوة باكراوي، الذين قاموا بتنفيذ هجمات بروكسل الأخيرة، كانوا جزءً من هذه الخطة. حيث كان إثنان منهم يقومان بتصوير بعض من كبار العلماء النوويين في البلاد، وهذا يشير إلى علم السلطات البلجيكية بالتهديد بوقوع هجمة أو تمكن المجموعة من تصنيع “قنبلة قذرة”، هذا التحذير تحديداً جاء بعد أن وقع أحد الأخوة في ديسمبر الماضي في يد السلطات التركية أثناء محاولته الذهاب إلى سوريا، حيث أعادته السلطات التركية إلى أمستردام من حيث جاء، ولكن وفي إخفاق مخابراتي كبير، أفرج عنه الهولنديون لينفذ هذه الهجمات.

mccantsmeserole_thefrenchconnection_brussels

يوم الخميس الماضي على سبيل المثال، اعتقلت السلطات الفرنسية شخصاً يدعى، “رضا كريكيت”، وهو الذي أدين غيابياً في يوليو الماضي بسبب علاقته بعملية فيرفيرس، يعد رضا أحد العائدين من سوريا بعد العمل مع داعش، وهو أحد أعضاء مجموعة زركاني. خلال الغارة، عثرت السلطات الفرنسية على بعض المتفجرات وأعلنت عن تمكنها من احباط هجوم آخر، لكنها لم تكشف عن هدف ذلك الهجوم.

عملية الاعتقال تلك في باريس جلبت إلى الذاكرة اعتقالاً درامياً آخراً حدث في بروكسل وتحديداً في محطة مترو سكاربيك، عندما أظهرت مقاطع فيديو مسجلة قيام الشرطة بإطلاق النار على ساق أحد المتواجدين في المحطة، ليأتي روبوت آلي لفحص التفجرات بعد ذلك لالتقاط القنابل التي كانت تتساقط من حقيبته، تحدثت تقارير صحفية أن ذلك الشخص الذي ظهر في الفيديو هو عبد الرحمن أميرود.

أدين أميرود سابقاً في بلجيكا عام 2005 لمساعدته اثنين من التونسين بالإضافة لمواطن بلجيكي في عملية اغتيال أحمد شاه مسعود، زعيم المعارضة الأفغانية المدعوم من الغرب، وقع هذا الهجوم قبل يوم من هجمات 11 سبتمبر، وينظر لهذه العملية على أنها لصالح أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة و الملا عمر زعيم حركة طالبان.

أدين أميرود مجدداً بتهم الإرهاب عام 2007، وهذه المرة جاءت إدانته بسبب اتصال مع مخيم أقيم في غابة فونتينبلو قرب باريس لتدريب فرنسيين للقتال في العراق، هذا الشخص هو مثال آخر على فشل النظام القضائي البلجيكي في حبس الرجال الخطيرين وتجنيب المجتمع أخطارهم.

فشلت الأجهزة الأوروبية بشدة، وحتى الآن انهال اللوم على بلجيكا، الإرهاب هو مسؤولية الحكومة في الدولة والسلطات المحلية هناك تبدو وكأنها سعيدة لأنها لا تفعل شيئاً.

نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن رئيس بلدية موليبيك قوله أنه لا يعتبر نفسه مسؤولاً عن تواجد إرهابيين داخل البلدة التي يعيش بها، استقال بعض الوزراء البلجيكيين بعد الهجوم الإرهابي، واعترف قائد في الشرطة المحلية في بلجيكا أثناء زيارته لبعض المناطق الشمالية هناك :” زميل لنا نسي أن يمر على المعلومات” في إشارة إلى مكان وجود عبد السلام وعملية إلقاء القبض عليه في ديسمبر الماضي.

في الأيام الاخيرة، شنت الأجهزة الأمنية حملة اعتقالات واسعة على خلفية هجمات بروكسل، خاصة في نقاط معينة في هولندا وألمانيا وايطاليا. حيث جرى اعتقال احد المشتبهين بعد أن توجه إلى مركز للشرطة للحصول على تصريح للإقامة.

تتشابه طريقة التعامل البلجيكية وطريقة التعامل الفرنسية مع هذه الهجمات، إلا أن بروكسل لا تملك نفس سلطة قانون الطوارئ التي تسمح للسلطات الفرنسية باعتقال اعداد كبيرة من المشتبهين ووضع الكثير منهم تحت الإقامة الجبرية أيضاً، وبالتالي سيكون هناك بالتأكيد فصل جديد تتكشف فيه خيوط فشل أجهزة الاستخبارات.

يتحرك النظام القضائي البلجيكي ببطيء، ويتم اطلاق سراح المشتبه بارتكابهم جرائم إرهاب، على أن يحضروا إلى المحاكم مجدداً خلال أسابيع أو أشهر من تاريخ إطلاق سراحهم، لذا لا يزال هناك الكثير من هؤلاء حراً في شوراع غوتنبرغ وكونهاغن وفيلفورده وملبورون وضواحي باريس وكثير غيرها.

جيتي كلاوسن: أستاذ التعاون الدولي في جامعة برانديس، يعمل في مركز الدراسات الأوروبية في جامعة هارفارد.

ضع تعليقاَ