أبريل 20, 2024

صناعة القتل: خط الأسلحة إلى الشرق الأوسط تجاوز 1.2 مليار يورو

في ليلة ٢٨ نوفمبر من عام ٢٠١٥، حلقت طائرة الشحن البيلاروسية “روبي ستار اليوشن ٧٦” حاملة على متنها أسلحة إلى مناطق صراعات بعيدة. اتجهت هذه الطائرة إلى مطار جدة في المملكة العربية السعودية.

كانت هذه الرحلة واحدة من ٦٨ رحلة على الأقل خلال ١٣ شخراً لنقل آلاف أطنان الأسلحة والذخيرة من وسط وشرق أوروبا إلى دول الشرق الأوسط وتركيا، والتي بدورها قامت بتسريب هذه الأسلحة إلى حقول الحروب الأهلية الوحشية في اليمن وسوريا وفق ما توصلت إليه مجموعة تحقيقات البلقان (BIRN) وشبكة الإبلاغ عن الجرائم والفساد (OCCRP). ولا تشكل هذه الرحلات الجوية إلا جزءً صغيراً مما يصل إلى ١.٢ مليار يورو في صفقات السلاح بين الدول منذ عام ٢٠١٢ إثر ثورات الربيع العربي إلى صراع مسلح.

وفي الوقت الذي كان فيه مئات الآلاف من اللاجئين يفرون إلى الشمال، كان الشمال يغدق بإرسال الأسلحة إلى الجنوب، وهو الأمر الذي لم يستمر طويلاً، فطرق اللاجئين إلى أوروبا باتت أصعب وأكثر تعقيداً إن لم تكن مغلقة بسبب إجراءات الدول الأوروبية بينما ما يزال خط أنابيب الأسلحة يعمل ليل نهار، مستخدماً السفن والطائرات لتغذية صراعات الشرق الأوسط.

وبكل تأكيد فإن هذه التجارة لا يمكن اعتبارها قانونية أبداً، وفق ما يشير إليه خبراء الأسلحة في مجال حقوق الإنسان. ووفق باتريك ويلكن، فإن الأدلة تشير إلى نقل هذه الأسلحة بشكل منهجي إلى الجماعات المسلحة المتهمة بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، وينظر قانون كمعاهدة الأمم المتحدة لتجارة الأسلحة لهذه الحالة على أنها غير قانونية وهو ما تتفق عليه قوانين أخرى متعلقة بتجارة الأسلحة تؤكد على ضرورة إيقاف هذه التجارة فوراً.

وبعيداً عن كل هذه القوانين، فإن مئات الملايين ومصانع الأسلحة الإقليمية والبلدان المصنعة تملك حافز قوي للسماح بازدهار صناعتها، ولم تتوانى أبداً عن إصدار تراخيص لتصدير الأسلحة، التي يفترض بها أن تضمن وجهة البضاعة النهائية قبل السماح بتصديرها، ورغم علم هذه الدول بأن وجهة الأسلحة النهائية ستكون إلى سوريا وامتلاكها أدلة واضحة على ذلك، إلا أنها لم تتوانى عن الاستمرار في ارسالها إلى جماعات مسلحة متهمة بارتكاب انتهاكات وفظائع واسعة النطاق لحقوق الإنسان.

من جهته أشار روبرت ستيفن فورد، سفير الولايات المتحدة في سوريا بين أعوام ٢٠١١ و٢٠١٤ إلى أن تجارة الأسلحة تتم بتنسيق وإشراف من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وتركيا ودول الخليج عبر مراكز في الأردن وتركيا، ومع ذلك فإن الأسلحة في كثير من الأحيان تتدفق عبر طرق التفافية عن هذه المنظومة.

ووفق الفحص الذي أجراه معدوا هذا التقرير لبيانات تصدير الأسلحة وتقارير الأمم المتحدة وسجلات الرحلات وعقود الأسلحة عبر تحقيقات استمرت لأكثر من عام، تكشف للباحثين كيف تدفقت آلاف البنادق الهجومية وقذائف الهاون وقاذفات الصواريخ والأسلحة مضادة للدبابات والمدافع الرشاشة الثقيلة بشكل غزير إلى المنطقة المضطربة، علماً بأنها صنعت في معظم الأحيان في مناطق البوسنة والهرسك وبلغاريا وكرواتيا والجمهورية التشيكية والجبل الأسود ورومانيا وصربيا وسلوفاكيا.

ومنذ تصاعد النزاع السوري في عام ٢٠١٢ قامت هذه الدول الثمانية بتصدير ما لا تقل قيمته عن ١.٢ مليار يورو من الأسلحة والذخائر إلى مناطق المملكة العربية السعودية والأردن والإمارات العربية المتحدة تركيا.

makingakilling-infographic2

وبكل تأكيد فإن الأرقام الحقيقية أكبر بكثير من الأرقام الموجودة بين أيدينا، فالبيانات الخاصة بأربعة من الدول الثمانية المصدرة للسلاح في عام ٢٠١٥ غير متوفرة، بينما سبعة من الثمانية لا تتوافر بياناتهم لعام ٢٠١٦. وبشكل عام لم تكن كل من سوريا واليمن صاحبات تاريخ طويل في شراء الاسلحة من مناطق أوروبا الوسطي والشرقية فيما قبل عام ٢٠١٢. وبكل تأكيد فإن وتيرة الشراء لم تتباطأ في عام ٢٠١٥ بل شهدت بعض الصفقات الكبيرة وعززت نموها المضطرد.

وخلال البحث أيضاً تم تحديد الأسلحة والذخيرة القادمة من مناطق أوروبا الوسطى والشرقية عبر دراسة أكثر من ٥٠ مقطع مصور وصورة جرى نشرها في وسائل الإعلام الاجتماعية، ولم يقتصر استخدامها على مقاتلي الجيش السوري الحر المدعوم من الغرب، بل وصلت أيضاً إلى بعض الجماعات الإسلامية مثل جماعة أنصار الشام وجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة ـسابقاً*- وداعش وعدد من الفصائل التي تقاتل إلى جانب قوات بشار الأسد بالإضافة إلى عدد من القوى السنية في اليمن.

فيما تمكن الباحثون أيضاً من تحديد المنشأ وتواريخ الإنتاج لبعض هذه الأسلحة وهو ما يكشف عن انتاجها بكميات كبيرة عبر خطوط الإنتاج في الدول المصدرة في عام ٢٠١٥.

ومن الجدير بالذكر هنا أن قرابة ٥٠٠ مليون يورو من أصل ١.٢ مليار يورو – حجم تجارة الأسلحة- تمت تسليمها وفقاً للمعلومات التجارية للأمم المتحدة وتقارير تصدير الأسلحة الوطنية الصادرة في بلدان المنشأ.

من جهة أخرى، تمكن الباحثون من تحديد عدد ووتيرة رحلات الشحن، حيث تم تحديد ٦٨ رحلة على الأقل في حدود العام، وهو ما يكشف عن التدفق المستمر للأسلحة من مطارات أوروبا الوسطى والشرق باتجاه القواعد العسكرية والمطارات في الشرق الأوسط.

ومن ناحية الاستخدام، فقد احتلت طائرة –اليوشن II-76 صدارة الاستخدام، حيث تملك قدرة على حمل ما يصل إلى ٥٠ طناً من البضائع، وهو ما يوازي ١٦ ألف بندقية من طراز كلاشنكوف AK-47 أو ما يوازي ثلاثة ملايين رصاصة. فيما تصل قدرة طائرة بوينج 747 -الشائعة الاستخدام أيضاً – إلى ما قرابة ضعف هذه الكمية أيضاً.

وبكل تأكيد فإن الأسلحة والذخائر تسلك طرقاً أخرى غير الطريق الجوي، فقد تمكن عدد من المراسلين من تحديد ٣ شحنات قدمها الجيش الأمريكي ونقلها من موانئ في البحر الأسود إلى البحر الأحمر، وتقدر هذه الحمولات بما يصل إلى ٤٧٠٠ طن من الأسلحة والذخيرة جرى نقلها عبر هذا الطريق منذ ديسمبر ٢٠١٥.

المواقف المتباينة هنا متعددة، ففي الوقت الذي تستفيد الدول المصنعة من هذه التجارة، يشير السويدي بودلي فاليرو، عضو البرلمان الأوروبي إلى أن هذه التجارة تدعو إلى الخجل، وقال في تصريح له:” ربما لا تشعر دول سلوفاكيا وبلغاريا وكرواتيا بالعار أبداً، لكنني أؤمن بضرورة ذلك، فالدول التي تبيع الاسلحة إلى السعودية أو في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا لا تقوم بإجراء تقييمات مخاطر جيدة وكافية ونتيجة لذلك فهي تخرق قوانين الاتحاد الاوروبي والقوانين الوطنية”.

ولدى سؤال ممثلي حكومات دول كرواتيا وتشيك والجبل الأسود وصربيا وسلوفاكيا، ردوا جميعهم بأنهم ملتزمون بتعهداتهم الدولية، فيما ذكرت بعض الدول إلى أن المملكة العربية السعودية لا تقع ضمن أي القوائم السوداء الدولية لمنع بيع الأسلحة، كما أشار بعضهم الآخر إلى أن بلدانهم لا تحمل أي مسؤولية تجاه مصير الأسلحة التي يقومون بتصديرها.

المملكة العربية السعودية – ملوك الأسلحة-

يمكن الرجوع إلى شتاء عام ٢٠١٢ على أنه موعد ميلاد قناة الأسلحة هذه، عندما أقلعت عشرات من طائرات الشحن محملة بأسلحة تعود إلى الحقبة اليوغسلافية، حيث قامت السعودية بشرائها ونقلت من زغرب باتجاه الأردن. وبعد فترة قليلة، ظهرت المشاهد الأولى للأسلحة الكرواتية في ساحة المعركة بسوريا.

ووفقاً لتقرير صحيفة نيويورك تايمز الصادر في فبراير ٢٠١٣، فإن مسؤولا كرواتياً كبيراً عرض مخزون بلاده من الأسلحة القديمة لكي يتم نقلها إلى سوريا خلال زيارته إلى واشنطن في صيف عام ٢٠١٢. لاحقاً، تم ترتيب اتصالات بين زغرب والسعوديين الذين بدورهم عملوا على تمويل عمليات الشراء، في حين ساعدت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في إعداد الخدمات اللوجستية لعمليات النقل الجوي والتي بدأت بدورها في وقت متأخر من ذلك العام.

وفي الوقت الذي نفت فيه الحكومة الكرواتية أي دور لها في نقل الأسلحة إلى سوريا بشكل مستمر، أكد سفير الولايات المتحدة في سوريا في حديثة لمعدي التقرير وجود طرف مجهول يعمل في الصفقة، لكنه عاد ليؤكد أنه لا يمتلك أي حرية لمناقشة الأمر.

هذه الصفقة كانت مجرد بداية تدفق غير مسبوق للأسلحة من ثمانية دول إلى منطقة الشرق الأوسط، وترافق ذلك مع توسيع خط الإمداد ليشمل سبعة دول أخرى. حرص التجار المحليون على تأمين الأسلحة والذخائر من بلدانهم وتوسطوا لتأمين الذخيرة من أوكرانيا وروسيا البيضاء، بل إنهم حاولوا تأمين نظام سوفيتي مضاد للدبابات تم شراؤه من المملكة المتحدة  في توسعة لنطاق سوق الأسلحة الأوروبية.

وبالعودة إلى ما قبل الربيع العربي الذي اندلعت أحداثه في عام ٢٠١١، نجد أن تجارة الأسلحة بين مناطق أوروبا الشرقية والمملكة العربية السعودية والأردن والإمارات وتركيا – الداعمين الرئيسيين للمعارضة السورية – لا تكاد تذكر أبداً أو أنها غير موجودة بالأساس وفقاً لما نتج عن تحليل بيانات الصادرات.

لكن التغير في عام التطور الذي حدث في عام ٢٠١٢، أدى إلى تصدير هذه الدول الأوروبية الثمانية لما يزيد عما قيمته ٨٠٦ مليون يورو من الأسلحة والذخائر إلى السعودية وحدها – تعتمد هذه البيانات على تقارير تصدير الأسلحة الوطنية والاتحاد الأوروبي فضلاً عن بعض المصادر الحكومية.

الأردن على سبيل المثال خصص لها ما قيمته ١٥٥ مليون يورو من تراخيص التصدير ابتداءً من العام ٢٠١٢، أما الإمارات فخصص لها ١٣٥ مليون يورو أما تركيا فوصلت قيمة تراخيصها إلى ٨٧ مليون يورو، وعليه يصل المبلغ الإجمالي إلى ١.٢ مليار يورو.

ولعل ما يعزز نظرية أن الأرقام ما تزال أكبر من المعروض هو عدم ظهور اسم قطر في أي من تراخيص التصدير من أوروبا الوسطى والشرقية رغم أنها تعتبر مورد رئيسي للمعدات والأسلحة لصالح المعارضة السورية.

وفي هذا الصد يشير جيرمي بيني، الخبير في مسائل تسلح الشرق الأوسط بمجلة جينز ديفينس ويكلي، ويعد أحد أبرز المصادر الأكثر ثقة لما يتعلق بمعلومات الدفاع وأمن المعلومات، بأن جل هذه الأسلحة القادمة من مناطق أوروبا الوسطى والشرقية توجهت إلى سوريا وبنسبة أقل إلى اليمن وليبيا.

ويضيف جيرمي:” مع بعض الاستثناءات، فإن الجيوش السعودية والأردنية والتركية وجيش الإمارات يستخدمون أسلحة وذخائر غربية أكثر من استخدامهم لأسلحة وذخائر سوفيتية، وبالتالي فمن المرجح أن شحنات كبيرة من هذه المواد تم إرسالها إلى حلفاء هذه الدول في سوريا واليمن وليبيا”.

وخلال العمل على هذا التحقيق، حصل المعدون على وثائق سرية وموثقة من وزارة الدفاع الصربية تخص ملاحظات على اجتماعات وزارية في عام ٢٠١٣، وتظهر في هذه الوثائق كيف أن الوزارة أبدت قلقها من مغبة إقدام السعودية على نقل الأسلحة إلى سوريا وأشارت المذكرة أيضاً إلى أن السعودية لا تستخدم الأسلحة الموجودة في وسط وشرقي أوروبا عدا عن أنها تمتلك تاريخاً في تزويد المعارضة السورية بالسلاح. قامت الوزارة بعد ذلك بإلغاء رخصة التصدير لكنها سرعان ما أعادتها ووافقت على نقل شحنة جديدة من الأسلحة إلى السعودية لتحقيق المصالح الوطنية.

ومن المعروف أن القوات السعودية تعتمد في تسليحها على المصنعين الغربيين كثيراً، وعليه فإنها تستخدم كميات محددة فقط من المعدات المصنعة في أوروبا الوسطى والشرقية. وهذا بعض الشاحنات العسكري المصنعة في التشيك، او بعض البنادق الهجومية المصنعة في رومانيا. ومع ذلك، فإن المعدات المستخدمة من قبل القوات السعودية تثبت الحجة، نظراً لمشاركتهم في الصراع الدائر في اليمن.

وتعد هولندا أول دولة ضمن الاتحاد الأوروبي توقف صادرات أسلحتها إلى السعودية بسبب عدد القتلى المدنيين الكبير في الحرب الأهلية في اليمن، وهي دعت كذلك البرلمان الأوروبي لحظر تصدير الأسلحة للسعودية على نطاق الاتحاد الاوروبي.

الإمدادات اللوجستية: رحلات الشحن الجوية والإنزال

يتم نقل الأسلحة عادة من دول أوروبا الوسطى والشرقية إلى الشرق الأوسط عبر رحلات شحن جوية وعبر السفن أيضاً، وتمكن المراقبون من تتبع تدفق الأسلحة في الاوقات الفعلية عبر التعرف على الطائرات والسفن المخصصة لتسليم الأسلحة.

وساهم التحليل المفصل للجداول الزمنية الخاصة بالمطارات والبضائع وتواريخ النقل وبيانات تتبع الرحلات وبالاعتماد على مصادر مراقبة الحركة الجوية في تحديد ٦٨ رحلة استخدمت لنقل الأسلحة على بؤر الصراع في الشرق الأوسط خلال الأشهر الـ ١٣ الماضية. وظهرت مدن بلغراد وصوفيا وبراتيسلافا كمحاور رئيسية للنقل الجوي.

makingakilling-infographic

وتظهر البيانات أن الرحلات الجوية من بلغراد، عاصمة صربيا كانت الأكثر شيوعاً في هذا المجال. ووفق البيانات فإن الرحلات كانت تحمل أسلحة وتتجه إلى السعودية أو إلى الإمارات أو أنها كانت تتم عبر عمليات شحن سلاح روتينية. وكثيراً ما كانت تقف الرحلات في محطات عبر الطريق في مناطق مختلفة من أوروبا الوسطى والشرقية، وهذا يعني أنها كانت على الأرجح تتوقف هناك بغية تحميل مجموعة إضافية من الأسلحة والذخائر قبل أن تصل إلى وجهتها النهائية.

ويضاف إلى هذه المعلومات ما توفره إحصائيات رحلات الاتحاد الاوروبي. حيث تكشف عن أن الطائرات التي حلقت بين بلغاريا وسلوفاكيا قامت بتسليم ٢٢٦٨ طن من البضائع منذ صيف عام ٢٠١٤ باتجاه القواعد العسكرية في السعودية والإمارات – ما يعادل ٤٤ رحلة من الطائرة الأكثر شيوعاً ( إليوشن  II-76).

توزيع الأسلحة

لاحقاً يتم توجيه الأسلحة التي تم شراؤها لسوريا عن طريق السعوديين والأتراك والأردنيين والإماراتيين من خلال إثنين من مراكز القيادة السرية – تدعى مراكز التشغيل العسكرية (MOC)- والتي تتمركز في الأردن وتركيا وفق ما صرح به فورد السفير الأمريكي السابق في سوريا.

تضم هذه الوحدات مسؤولين عسكريين وأمنيين من دول الخليج وتركيا والأردن والولايات المتحدة وتعمل على تنسيق توزيع الأسلحة على جماعات المعارضة السورية الموثوقة، وفقاً للمعلومات الواردة من مركز كارتر في أتلانتا، وهو مركز أبحاث يملك وحدة لرصد النزاعات.

ويضيف فورد:” كل دولة هناك معنية بمساعدة المعارضة المسلحة تحتفظ بسلطة في اتخاذ القرار النهائي حول اختيار المجموعات التي ستتلقى السلاح”.

وكانت وثيقة تم العثور عليها قد ساعدت في توفير عدد من الدلائل على كيفية إيصال الإمدادات العسكرية السعودية للمتمردين السوريين.

ووفقاً للوثائق التي حصل عليها معدوا هذا التقرير، فقد أنجزت شركة “إيرو ترانز كارجو” الملدوفية ستة رحلات في صيف عام ٢٠١٥، ونقلت على متنها ما يصل إلى ٢٥٠ طن من الذخائر ما بين القواعد العسكرية في السعودية ومطار إيسينبوجا الدولي في أنقرة، والذي ينظر إليه على أنه نقطة لإيصال الأسلحة والذخائر للمتمردين السوريين.

من جهته أشار بيتر ويرزمان، الباحث في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أنه يشتبه في أن هذه الرحلات هذه كانت جزءً من عملية لوجستية لتزويد المتمردين السوريين بالذخيرة. ويتم عادة نقل الذخيرة براً إلى الحدود السورية عبر التنسيق مع غرفة العمليات المشتركة، أو تلجأ الأطراف المزودة إلى إسقاطها من الطائرات العسكرية في المناطق المعنية.

وتعزز رواية أحد قادة الجيش الحر من حلب – رفض الكشف عن اسمه لأغراض أمنية – ما يتم تناقله عن وصول هذه الأسلحة إلى سوريا، إذ قال أن الأسلحة القادمة من أوربا الوسطى والشرقية توزع عبر مقر التحكم المركزي في سوريا، وأضاف أنهم – كثوار- لا يهتمون بمصدر الأسلحة وكل ما يعرفونه أنها أتت من مناطق أوروبا الشرقية.

ويضيف فورد أن السعوديين والأتراك قاموا بتقديم أسلحة بشكل مباشر إلى جماعات إسلامية غير معتمدة من قبل الولايات المتحدة، والتي وصلت بها الأمور أحياناً إلى محاربة الفصائل المدعومة غرف العمليات المشتركة.

ومن المعروف أن السعودية تقوم بعمليات إنزال للأسلحة لحلفائها في اليمن، وفيما يبدو أنها قامت بإسقاط بنادق هجومية صربية هناك.

ويعود فورد للإشارة إلى دور محتمل لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية في المفاوضات التي حدثت مع صربيا وبلغاريا ورومانيا لتوريد الأسلحة إلى سوريا. ويقول بهذا الصدد:” من الصعب أن تتم هذه العمليات دون أن يكون هناك تنسيق عالي بين أجهزة الاستخبارات، وقد تكون هذه المفاوضات محصورة بشكل صارم في قنوات الاستخبارات فقط”.

ولا يقتصر دور الولايات المتحدة على تقديم دور لوجستي هنا لبرنامج تسليح المعارضة السورية عبر دول الخليج من خلال إدارة قيادة العمليات الخاصة بالدفاع (سوكوم)، وإنما قد يمتد ليشمل تقديم الولايات المتحدة لكميات كبيرة من الأسلحة التي جرى تصنيعها في دول أوروبا الشرقية للمعارضة السورية  كجزء من المنحة الأمريكية التي تصل إلى ٥٠٠ مليون دولار للتدريب والتجهيز.

ومنذ ديسمبر ٢٠١٥، قامت (سوكوم) بنقل ثلاث سفن شحن تحمل على متنها ٤٧٠٠ طن من الأسلحة والذخائر انطلاقاً من موانئ كونستانتا في رومانيا وبورغاس في بلغاريا إلى مناطق الشرق الأوسط، والتي كانت على الأرجح جزءً من منحة الأسلحة السرية إلى السوريين.

وشملت الشحنات أسلحة رشاشة ثقيل وقاذفات صواريخ وأسلحة مضادة للدبابات – وكذلك رصاص وقذائف الهاون والقنابل اليدوية والصواريخ والمتفجرات وفق ما شملته وثائق المشتريات في الولايات المتحدة.

ولا يزال مصدر الأسلحة التي جرى نقلها عبر (سوكوم) غير معروف فيما تظهر المواد الواردة من المخزونات في جميع أنحاء أوروبا الوسطى والشرقية.

ولم يمض وقت طويل على تسليم الشحنة الأولى حتى قامت واحدت كردية تتلقى دعماً من (سوكوم) بنشر صور على تويتر وفيس بوك تظهر مستودعات مكدسة بالأسلحة في مناطق شمال سوريا وتحتوي صناديق ذخيرة تحمل أختاماً وعلامات أمريكية. وبطبيعة الحال لم تؤكد أو تنفي (سوكوم) تقديمها لمعونات عسكرية في سوريا.

وفيما يتعلق بالوثائق فإنها تكشف أن الولايات المتحدة تملك سجلاً تجارياً ل(سوكوم) بين أعوام ٢٠١٤ و٢٠١٦، ويشمل هذا السجل ٢٧ مليون دولار مشتريات من بلغاريا و ١٢ مليون دولار مشتريات من صربيا، كانت كلها عبارة عن أسلحة وذخائر تم تسليمها للمتمردين السوريين في إطار عملية سرية.

تجارة مزدهرة

يشير الباحث في مجال الحد من التسلح ويلكين إلى أن دول أوروبا الوسطى والشرقية استفادوا بشدة من الطفرة الهائلة في الطلب على الأسلحة عقب الربيع العربي.

ويضيف في حديثه:” التقارب الجغرافي وتراخي ضوابط التصدير وضعت بعض دول البلقان في أوائل المنطلقين للاستفادة من هذه التجارة، وفي بعض الحالات استفادوا من برامج المساعدة الأمريكية السرية، وبهذا استعادت أوروبا الشرقية صناعة الأسلحة كما كانت قبل نهاية الحرب الباردة وأصبحت مصدر دخل هائل لها”.

أما رئيس الوزراء الصربي “فوتشيش” قد تباهى مؤخراً بمضاعفة بلاده انتاجها من الأسلحة خمس مرات خلال الفترة الماضية ومع ذلك فهي ما تزال عاجزة عن سد الطلب كاملاً.

أما في البوسنة والهرسك وصربيا فإن مصانع الأسلحة تعمل بكامل طاقتها وتضيف نوبات عمل إضافية، فيما توقفت مصانع أخرى عن أخذ الطلبات لشدة الضغط.

فيما اضطر كبار المسؤولين السعوديين الذين اعتادوا على التفاوض مع الدول الغربية للحصول على طائرات مقاتلة نفاثة أو قاذفات صواريخ بمليارات الدولارات، وجد هؤلاء المسؤولين أنفسهم مضطرين للتفاوض مع حفنة صغير من سماسرة السلاح العاملين في أوروبا الشرقية للحصول على بعض أسلحة كلاشنكوفAK-47أو راجمات الصواريخ.

فيما لعب وسطاء مثل شركة CPR الصربية وEldon السلوفاكية دوراً حاسماً في توريد الأسلحة والذخائر إلى الشرق الأوسط.

وعادة ما يجهل المستلمون الجهة المصنعة لكل شحنه، لكن شهادتي استخدام نهائية ورخصة تصدير واحدة تكشف الكثير عن المدى الاستثنائي الذي كان يتم التعامل به مع السوق السوري للسلاح.

فعلى سبيل المثال، أظهرت وزارة الدفاع السعودية اهتمامها بالتعامل مع تاجر صربي (CPR) بغية الحصول على عدد من الأسلحة بما فيها مئات من دبابات  T-55 و  T-72القديمة، وملايين طلقات الذخيرة وأنظمة الصواريخ متعددة الإطلاق وقاذفات الصواريخ. وعليه، تم انتاج الأسلحة المدرجة في دول يوغسلافيا السابقة وروسيا البيضاء وأوكرانيا بالإضافة إلى جمهورية التشيك.

makingakilling-infographic3

لاحقاً بوقت قصير تم إصدار رخصة تصدير لشركة سلوفاكية معروفة تسمى Eldon في شهر يناير من عام ٢٠١٥، وهو ما منح الشركة حق نقل آلاف القاذفات من أوروبا الشرقية بالإضافة إلى آلاف القذائف الصاروخية والمدافع الرشاشة الثقيلة وما يقرب من مليون رصاصة تصل قيمتها إلى نحو ٣٢ مليون يورو وكلها ذهبت للسعودية.

ويظهر التحليل الذي قام به معدوا هذا التقرير للمواد الواردة من وسائل الإعلام الاجتماعي أن الاسلحة التي تم تصنيعها في دول تشيكوسلوفاكيا ويوغسلافيا السابقة وصربيا وكرواتيا وبلغاريا موجودة الآن في ساحات القتال في سوريا واليمن.

ويعتقد خبراء التسليح أن تواصل الدول في التنصل من مسؤوليتها، وهو ما سيزيد من قنوات السلاح الممتدة إلى مناطق الصراع الساخن وهو ما سيزيد في بؤس تلك المناطق. ويشير ويليكن إلى أن انتشار الأسلحة هناك تسبب في معاناة إنسانية لا توصف، ونتج عنها أعداد هائلة من النازحين عدا عن ارتكاب أطراف النزاع لانتهاكات خطيرة بالمجمل لحقوق الانسان بما في ذلك عمليات الخطف والاعدام وحالات الاختفاء القسري والتعذيب والاغتصاب.

شارك في اعداد التقرير كل من أتاناس تشوبانوف و دوسيكا توموفيك و جيلانا كوسك وجيلانا سيفرسيس وليندتا سيلا وبافلا هالتشوفا بالإضافة إلى رايس مولدوفا.

المصدر: OCCRP

ضع تعليقاَ