أبريل 20, 2024

فورين أفيرز: الوجه المعتدل لتنظيم القاعدة

 

كيف قام التنظيم بتجديد نفسه؟

خضع الفرع التابع للقاعدة في سوريا، منذ عام 2016، لسلسلة من التغييرات الجديدة؛ من جبهة النصرة إلى جبهة فتح الشام إلى هيئة تحرير الشام، في محاولة لتقديم نفسه كنسخة معتدلة لأكثر المجموعات الناشطة في سوريا تطرفاً، بما فيها الدولة الإسلامية (داعش).

وعلى الرغم من أن إعادة تسمية التنظيم كان ينظر إليها على أنها خدعة واضحة من قبل العديد من مختصي مكافحة الإرهاب، فإنها قد تكون عملت على إعادة صياغة صورة القاعدة داخل سوريا. وكان قرار القاعدة في سوريا محسوباً بعناية ومضمونه هو أن تنأى بنفسها عن المنظمة الأصلية، في محاولة لتصوير نفسها كقوة شرعية قادرة ومستقلة في الحرب الأهلية السورية.

وكان الهدف الآخر مرتبطاً بإثبات أن المسلحين كانوا موجودين لمساعدة السوريين على الانتصار في نضالهم. وأخيراً، تلقي القاعدة المركزية نوعاً من الإنكار المعقول سيمهد الطريق لحلفائها الآخرين للحصول على الاعتراف، وكذلك المساعدات العسكرية من مجموعة من الدول الأجنبية.

في ظل التغيرات في سوريا، لم يخسر تنظيم القاعدة قدرته على الإطاحة بالديكتاتور الوحشي بشار الأسد خاصة لدى السوريين السنة. والآن بعد أن فقد داعش عاصمته في الرقة قد تكون القاعدة المجموعة الوحيدة القادرة عسكرياً على تحدي قبضة نظام الأسد على السلطة. وعلى عكس داعش ينظر إلى القاعدة على أنها تعمل مع السكان المحليين، وتمتلك الموارد اللازمة لتوفير مظاهر الحكم.

ولا يزال من غير المتصور لكثيرين أن مصطلح “معتدل” يمكن أن يطلق على أي شخص تابع للتنظيم المسؤول عن هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001. لكن حظوظ القاعدة في سوريا برزت كبديل أقل تطرفاً من تنظيم داعش داخل العالم الجهادي، ويمكن أن يُفسر ذلك على المدى الطويل. قد تتشابه القاعدة مع تنظيم “حزب الله” اللبناني، وهو جهة فاعلة عنيفة غير حكومية، عززت الشرعية السياسية مع الحفاظ على قدرتها على القيام بأعمال إرهابية واسعة النطاق، فضلاً عن ممارسة العنف السياسي.

rtr2ngeh

بديل معتدل:

كانت الخطوات الأولى التي اتخذها تنظيم القاعدة في تقديم نفسه على نحو أكثر توازناً هي التنديد بالطائفية الصارخة، والعمل على إقناع أحد فروعه الرئيسية بذلك (القاعدة في العراق)، حيث طالبتها بالتخلص من الطائفية “كمبدأ موجه” فيما أصبح يعرف بحادثة “سيئة السمعة”، حين مرر الزعيم المستقبلي لتنظيم القاعدة أيمن الظواهري، في تموز/يوليو 2005، رسالة إلى زعيم تنظيم القاعدة في العراق أبو مصعب الزرقاوي، موبخاً إياه بسبب ذبح مجموعة من الشيعة بطريقة وحشية، وشدد الظواهري على الضرر الذي ألحقه الزرقاوي بالصورة العامة للقاعدة، وحثه على تجنب استهداف المسلمين الآخرين. وقد تجاهل الزرقاوي أساساً مشورة الظواهري؛ ممَّا عزز سمعة تنظيم القاعدة كمنظمة طائفية أصبح العنف فيها غاية في حد ذاته.

وقد أظهرت القاعدة أيضاً براعة براغماتية عندما نشطت في خضم حروب أهلية في بلدان أخرى، وسوريا ليست استثناء؛ إذ عملت في اليمن ومالي وفي أماكن أخرى بطريقة يمكن وصفها بالطفيلية. حيث يقوم مقاتلو القاعدة، بعد التسلل إلى صفوف الجماعات المتمردة المحلية، بالدفاع عن مظالمهم وأهدافهم الضيقة. وتقوم القاعدة، بعد أن ينخرط مقاتلوها ضمن شبكات المتمردين الموجودة، بتنشيط جهودها “التبشيرية”، وتقدم سرداً يجمع بين القضايا المحلية والجهاد العالمي.

كما يبدي تنظيم القاعدة استعداده للعمل مع جماعات أخرى، كما فعل في سوريا، حيث يضع السكان المحليين عادة كمسؤولين عن المناطق التي يحكمها، بينما يتعاون مع المعارضة أو حتى يدفع بمقاتليه إلى مواقع أقل أهمية داخل التسلسل الهرمي للمعارضة. وقد اتسع نطاق تنظيم القاعدة للتعاون إلى ما بعد مناطق الصراع النشط أيضاً، كما يتضح من التعاون التكتيكي المتكرر مع إيران.

وفي الوقت نفسه تمكن التنظيم من تعزيز صورته من خلال توفير الخدمات المحلية، بما في ذلك المياه والكهرباء، مع العمل أيضاً على دعم المخابز المحلية ومراقبة أسعار المواد الغذائية الأساسية في السوق. وقد بينت الجماعة علناً أنها ستمتنع عن مهاجمة الغرب (حتى لو كان ذلك مؤقتاً) حتى لا تكون هدفاً للجهود الأمريكية في إطار مكافحة الإرهاب، وتجميع كل موارد التنظيم وتركيز جهوده على هدف واحد هو الإطاحة بنظام الأسد، وهي الأولوية العليا لسنة سوريا.

في الوقت الراهن يبدو أن النقاش حول “العدو القريب/العدو البعيد” قد حسم، وبالرغم من اعتبار القاعدة على نطاق واسع تنظيماً عالمياً، فقد اعترف بأنه أكثر نجاحاً إلى حد كبير عندما يركز على القضايا المحلية بدلاً من صراع غير منظم مع الغرب.

انتهاج داعش سياسة الأرض المحروقة

تزامنت جميع محاولات تنظيم القاعدة للاعتدال مع استراتيجية داعش الطائفية والوحشية.

اعتمد داعش على الطائفية بشكل كامل؛ ممَّا جعل قتل الشيعة على ما يبدو سبباً لوجوده. وقد تم استهداف الشيعة وغيرهم ممَّن يطلق عليهم “الكفار” بطرق متطرفة من القتل؛ من الإعدام الجماعي إلى قطع الرأس أمام العامة، والاغتصاب، والصلب، وقد تستمر صورة القاعدة في التلاشي لدى الشيعة، ولكنها بشكل عام تعد أفضل نهجاً من داعش.

وبدلاً من العمل مع الجماعات المحلية تصرفت داعش على الدوام كجيش محتل، وتجاوزت القادة المحليين بدلاً من العمل جنباً إلى جنب معهم، أو من خلالهم. كما قامت بفرض ضرائب على السكان المحليين، وابتزازهم، وضبطهم من قبل دوريات داعش الدينية لضمان التقيد الصارم بالشريعة.

وقد انعكس نهج داعش في الحرب على أسلوبها القتالي، حيث اعتمدت الجماعة على الوسائل التقليدية للحرب، بما في ذلك المدفعية والدبابات، إلى جانب بعض التكتيكات غير المتماثلة مثل الأجهزة المتفجرة يدوية الصنع التي تنقلها المركبات. وعندما يسيطر تنظيم داعش على رقعة معينة من الأراضي فإنه غالباً ما يمنح القيادة للأجانب مثل الشيشانيين والتونسيين والأوزبك.

وتحملت داعش، نتيجة لعقيدتها العسكرية،، تداعيات عمليات مكافحة الإرهاب من الولايات المتحدة وحلفائها. لقد تركت الدعاية الدؤوبة التي قامت بها داعش والموجهة إلى الغرب خياراً واحداً للتحالف الدولي وهو تفكيك الخلافة، وهذا ما أعطى للقاعدة في سوريا حرية إعادة بناء مصداقيتها وشرعيتها السياسية بين السوريين المحليين.

الشرعية الدائمة

مستقبل تنظيم القاعدة وداعش سوف يتم تعريفه إلى حد كبير من خلال المنافسة بين الاثنين. وقد زعم تنظيم داعش أنه يقود الحركة الجهادية العالمية على مدى السنوات الثلاث الماضية، ولكن التراجع الحالي قد يكون مصحوباً بشكل جيد بقاعدة صاعدة. في محافظة إدلب السورية، نجحت القاعدة في زرع الدعم الشعبي، وتقبل الآن مقاتلي داعش السابقين في صفوفها، وهو مؤشر واضح على أن استراتيجيتها للصبر والحرب تؤتي ثمارها. تدرك قيادة تنظيم القاعدة أن استجابة الجماعة للربيع العربي كانت متصلبة، وهي الآن تقوم بتعديل وتركيز مواردها وطاقتها على المخاوف الأبرز للسوريين السنة، وهي استراتيجية ساعدت القاعدة على نشر جذورها في جميع أنحاء الجزء الشمالي الغربي من البلد.

إن النضال المستمر سيحدد السيطرة على الأراضي، والقدرة على تجنيد مجموعة من الجهاديين، وربما قبل كل شيء، التأثير، ويهدف نهج القاعدة الأكثر توازناً وقابلية للتنبؤ نحو كسب الدعم الشعبي. ولن تبالي القاعدة في حالة القضاء على مقاتلي داعش، حيث يسعى داعش إلى تطبيق معايير دينية صارمة، أما تنظيم القاعدة فهو أقل صرامة.

بالنسبة للنقد الذي يواجهه الظواهري بسبب نقص الكاريزما، يعطي الظواهري للقاعدة ميزة الاستمرارية والتقدير التاريخي لما عمل وما فشلت فيه نضالات الجهاديين المتواصلة ضد خصومهم. وقد اعتمد التنظيم تصحيحات نابعة من “التجربة والخطأ”، وسعى بجد لتعديل الأخطاء السابقة في العقيدة والاستراتيجية.

في العام المقبل، 2018، بمناسبة الذكرى الثلاثين لتأسيس القاعدة، فإن قدرتها على تأسيس شرعية سياسية واسعة النطاق من خلال صورة مجددة يمكن أن تدفع التنظيم بشكل جيد خلال العقد الثالث وما بعده.

المصدر: فورين أفيرز

الكاتب: كولين كلارك

الرابط : https://www.foreignaffairs.com/articles/syria/2017-10-24/moderate-face-al-qaeda

ضع تعليقاَ