أبريل 20, 2024

عاد يوم النكبة.. لكن الفلسطينيين لم يعودوا

في عام 1955 أجرى صحفي مقابلات متفرقة مع عدد من اليساريين الإسرائيليين الذين كانوا يقطنون منازل طرد منها أصحابها الفلسطينيون الأصليون عام 1948. أحدهم، لم يذكر الصحفي اسمه، ويعد بارزاً كيساري إسرائيلي، لم يبد بأي شكل من الأشكال أسفه أو اعتذاره على ما حصل للفلسطينيين الذين بات يقطن منزلهم. وقال :” ليست لدي أي مشكلة مع حقيقة طردنا لهم، ولا نريدهم أن يعودوا أبداً، لأننا نريد دولة يهودية هنا”.

في ذكرى النكبة هذا العام، حث الكثير من المتابعين الفلسطينيين على ” المضي قدماً” والتوقف عن ” العيش في الماضي” وهي صراحة مفيدة. ففي الوقت الذي تتصاعد الجهود لنفي الإنسانية عن الفلسطينيين وقضيتهم ونزع الشرعية عن أي تضامن معهم، فإننا بحاجة ماسة للتذكير فيما يكمن بقلب الصراع ” الإسرائيلي – الفلسطيني ” وما يمثل من نزوح للاستيطان الاستعماري والمقاومة الحاصلة له.

خلال النكبة ” المرادف العربي للكارثة” فرغ ما يصل إلى 80% من البلدات والقرى الفلسطينية وأصبحت جزءً مما بات يعرف بإسرائيل، 200 قرية منها تم طرد سكانها قبل 15 مايو 1948 ” التاريخ الرسمي لتأسيس دولة إسرائيل”. ومنذ ذلك الحين، قتل اللاجؤون الذين حاولوا العودة إلى ديارهم عبر خطوط الهدنة برصاص القوات الإسرائيلية.

تحقق التطهير العرقي في فلسطين عبر الطرد المباشر والأعمال الوحشية والتخويف من الفظائع، وعبر نشر “همس ” وشائعات حملة الترهيب وقرار مجلس الوزراء الإسرائيلي حينها بمنع اللاجئين من العودة إلى ديارهم حتى بعد إنتهاء الأعمال الحربية وإعلان الهدنة. وقبل عام 1952 مرر الكنيست الإسرائيلي عدداً من التشريعات التي جردت الفلسطينيين المطرودين من أراضيهم وحقوق المواطنة وبذلك حققت إسرائيل الأغلبية اليهودية التي تريد.

كيف تبدو النكبة؟ إليك بعض الأمثلة

قرية الخصاص كانت إحدى القرى الواقعة في أقصى شمال فلسطين، في ديسمبر 1947، قامت قوات النخبة “الهاغاناه” بتنفيذ عملية لتفجير المنازل في جوف الليل بينما كان سكان القرية نائمين. أسفر الهجوم عن مقل 10 إلى 15 قروياً، وصنف رئيس وزراء إسرائيل لاحقاً دافيد بن غوريون العملية ضمن قائمة العمليات الناجحة.

معظم سكان الخصاص غادروا القرية في مايو من عام 1948، وقليل منهم أدرك أنه لن يعود, من بقي من سكان القرية أجبرته القوات الإسرائيلية على المغادرة وتم تحميلهم عبر شاحنات خاصة خلال العام التالي ليطردوا خارج قريتهم، اعطيت أراضي القرية لكيبوتس جديد لتصبح جزءً من الأراضي التابعة لأحد الفنادق هناك ” عزبة بيت أمير”.

قرية أخرى تدعى سعسع، مزدهرة بالمدارس والمساجد والأسواق، في فبراير 1948 دخلت قوات الهاغاناه القرية ليلاً، وعلى الرغم من عدم وجود مقاومة  في القرية، قامت العصابة بتفجير المنازل بشكل عشوائي وقتلت 11 فلسطينياً بينهم 5 أطفال صغار، وبعد ذلك بأشهر طرد القرويون من القرية وتشير الوثائق الإسرائيلية إلى أن الكثير من السكان قتلوا أثناء عملية التهجير الثانية.

في عام 1949، تأسس كيبوتس ساسا على أراضي القرية ” كما يقر موقع الكيبوتس على الانترنت” وكان أول سكانه أولئك القادمين من الولايات المتحدة. ويشير أحد سكان الكيبوتس الأوائل إلى أنه وجد في مخازن القرية الكثير من عدد السكان المهجرين ومحاصيلهم الزراعية والقمح المخزن، فيما تم تحويل المسجد إلى متحف.

مثال أخير، هو ما حدث في المجدل، حيث فر معظم السكان خوفاً من احتلال البلدة.ومن تبقى من الفلسطينين حاصرتهم القوات الإسرائيلية في منطقة صغيرة وطوقتها بالأسلاك الشائكة فيما يشبه الغيتو لتقوم قوات الاحتلال لاحقاً بطردهم عام 1950، والمجدل الآن باتت جزءً من مدينة “عسقلان”.

النكبة ما تزال حاضرة بأشكالها، فهناك أكثر من مليوني لاجئ فلسطيني داخل إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة، بما في ذلك اللاجئين المسجلين ضمن سجلات الأمم المتحدة والمواطنين الفلسطينيين الذين منعوا من العودة إلى أرضهم وممتلكاتهم. والغالبية العظمن من اللاجئين بما في ذلك أولئك المتواجدين في الدول المجاورة يعيشون على بعد عشرات الأميال من قراهم ومدنهم الأصلية المدمرة.

ثمانية وستون عاماً ولا يزال مستوى الجهل والحرمان المتعلق بالنكبة عالٍ جداً، خاصة على مستوى السياسيين الغربيين. فبعضهم يشير إلى نوايا الساسة الإسرائيلين التي لم تكن في هذا الاتجاه، فيما يتحدث البعض الآخر أن حملة التطهير العرقي بحق 800 ألف فلسطيني جاءت كنتيجة مأساوية للحرب. وهناك عدد قليل آخر يتحدث عن الأساطير التي تشير إلى أن السكان تركوا قراهم وفق ” أوامر عربية”.

الأمر الأكثر إزعاجاً هو ما يتعلق بالاعتراف بسجلات النازحين والعنف والإقصاء وتبرير ذلك رغم كل الحقائق المثبتة. مثل ذلك الصحفي اليساري الذي يقر بطرد الفلسطينيين ولا يجد أي حرج بذلك أو مثل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق مناحيم بيغين الذي قال :” كنا بحاجة للأرض وصادرناها من العرب وكان علينا إنشاء دولة يهودية وفعلنا ذلك”.

الفلسطينيون ليسوا السكان الأصليين الوحيدين الذين واجهوا رعب الاستعمار الاستيطاني لكن هذه العملية بالنسبة للفلسطينيين لاتزال مستمرة  ولم تنته حتى اللحظة. فسياسة مصادرة الأراضي والتهجير لم تنته حتى اللحظة سواء في الجليل أو النقب أو وادي الأردن أو تلال الخليل. واللاجؤون على مرآى من أراضيهم وراء تلك الأسوار والجدران.

يُنظر إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين على أنها “تهديد” من قبل إسرائيل وأنصارها لانها ” ستربك التركيبة السكانية التي تسمح ببقاء النظام الانتوقراطي عبر الوسائل الديمقراطية. ويوم النكبة هو يوم للتذكير بكيفية نشوء قضية اللاجئين وما حل بهم لإنشاء ذلك النظام الديمقراطي.

بين وايت: مؤلف كتاب ” الفصل العنصري الإسرائيلي : دليل المبتدئين” وكتاب ” الفلسطينيون في إسرائيل: الفصل والتمييز والديمقراطية” ينشر مقالاته بشكل دوري في مواقع الجزيرة والعربي والجارديان.

ضع تعليقاَ