مارس 29, 2024

لاكروا: الجبهات الجديدة لداعش… التنظيم ينقل الحرب إلى عقر دار أعدائه؟

 

بالتزامن مع خسارتهم للمزيد من الأراضي في سوريا والعراق، فإن مقاتلي تنظيم الدولة  يعملون على زيادة نفوذهم وقدراتهم على شن الهجمات في العديد من البلدان الأخرى خارج الشرق الأوسط، وخاصة في آسيا.

هجوم لم يتم تبنيه بعد

في الساعات القليلة الماضية، وصلت العمليات الإرهابية إلى روسيا. وتشير الحصيلة الأولية للتفجير الذي وقع يوم الإثنين 3 نيسان/أبريل في عربة للمترو في مدينة سانت بطرسبورغ، إلى وقوع 14 قتيلا وحوالي 50 جريحا، فيما أعلنت السلطات الروسية فتح تحقيق في الحادث باعتباره عملا إرهابيا.

وعلى الرغم من مرور أكثر من يوم على هذه العملية، إلا أنه لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنها. وفي الأثناء، أصبحت روسيا هدفا معلنا لتنظيم الدولة، منذ شهر أيلول/سبتمبر سنة 2015، الذي شهد بداية التدخل العسكري الروسي في سوريا لإنقاذ نظام بشار الأسد.

التعرف على أحد المشتبه بهم

بعد ساعات من الانفجار، توصلت الأجهزة الأمنية الروسية إلى تحديد مشتبه به. وقد اكتشفت الأجهزة الأمنية أن هذا الانتحاري المفترض ولد في قرغيزستان، الجمهورية التابعة سابقا للاتحاد السوفييتي، والواقعة في آسيا الوسطى. والجدير بالذكر أن هذه منطقة زودت تنظيم الدولة بعدد كبير من المقاتلين في الفترة الأخيرة، وصل عددهم إلى 600 شخص التحقوا بصفوف التنظيم، حسب الأرقام الرسمية التي قدمتها الحكومة القرغيزية.

في الحقيقة، لوحظ تغير في تعامل السلطات الروسية مع هذه العملية في الساعات التالية، على عكس ما قامت به في الأسابيع التي تلت تفجير طائرة الإيرباص آي 321 في 31 تشرين الأول/أكتوبر سنة 2015، أي بعد شهر واحد من انطلاق التدخل الروسي في سوريا. فقد تمسكت حينها موسكو بإنكار الحقيقة، ولزمت الصمت.

وفي الأثناء، أعلن تنظيم الدولة، الذي كان حينها يمتلك مواقع ومجموعات تابعة له في سيناء، مسؤوليته عن الهجوم. في المقابل، انتظرت موسكو إلى حين وقوع هجمات باريس في 13 تشرين الثاني/نوفمبر، لتعترف في غمرة تلك الأحداث بالطابع الإرهابي لحادث سقوط الطائرة.

أصابع الاتهام تتجه إلى تنظيم الدولة

في واقع الأمر، يبدو أن تواتر فرضية تورط تنظيم الدولة في هذا الهجوم الذي وقع في مدينة سانت بطرسبورغ لم يأت من فراغ، مع العلم أن مقاتلي التنظيم منشغلون في الفترة الأخيرة بالدفاع عن معاقلهم في سوريا والعراق، في ظل انحسار المساحات التي يسيطرون عليها، وظهور بوادر تلاشي الخلافة التي أعلنوها.

في المقابل، وعلى الرغم من مع وجود هذه الصعوبات التي يمر بها التنظيم، إلا أن ذلك لم يمنعه من السعي لتوسيع مناطق نفوذه وقدرته على إزعاج أعدائه البعيدين، في شمال إفريقيا، وجنوب الصحراء الإفريقية، وآسيا الوسطى، وآسيا الشرقية، والشرق الأوسط، وفي العديد من البلدان الأوروبية.

تنظيم الدولة بصدد التمدد

وذلك بدءا من أفغانستان وصولا إلى الفلبين، التي شهدت انضمام جماعة “أبي سياف” إلى تنظيم الدولة في سنة 2014، بعد أن كانت قد تأسست في أوائل التسعينيات بمساعدة تنظيم القاعدة. وفي نيجيريا أيضا، أعلن تنظيم “بوكو حرام” ولاءه لقائد التنظيم، أبي بكر البغدادي. أما في مصر، فتنشط العديد من المجموعات التي تتبع للتنظيم، وتعمل على شن الهجمات ونشر الرعب.

في مصر ، ومنذ عملية إسقاط طائرة الإيرباص الروسية في سيناء، واصل تنظيم الدولة التمدد وتوسيع قدراته ومجال نفوذه في شبه جزيرة سيناء. وقد نجح، الشهر الماضي، على الرغم من التعزيزات العسكرية الكبيرة والتأهب الأمني، في دخول مدينة العريش الواقعة شمال سيناء، وتنفيذ هجمات عنيفة ضد الأقباط.

فرع التنظيم في أفغانستان يتعرض لضغوط كبيرة

أما بالنسبة لأفغانستان، فقد تنامى حضور تنظيم الدولة، وعلى الرغم من أن تهديده هناك انحسر نوعا ما، بفضل الضغط الكبير من السلطات، فإن هذا التنظيم أظهر قدرة على شن الهجمات. فمنذ تموز/يوليو سنة 2016، نفذ عمليات في أربع مناسبات ضد الطائفة الشيعية في العاصمة كابول. كما أعلن التنظيم مسؤوليته عن الهجوم الذي حدث في الثامن من آذار/مارس المنتهي ضد المستشفى العسكري، المعروف بتحصينه الجيد ضد الهجمات، وقد أوقع هذا الهجوم أكثر من 100 قتيل.

في واقع الأمر، بدأ التنظيم بإيجاد موطئ قدم له في أفغانستان منذ سنة 2015، حيث شرع حينها في زرع الرعب في القرى الموجودة شرق البلاد، والقريبة من الحدود الباكستانية. وفي أغسطس/آب سنة 2015، نشر التنظيم على شبكة الإنترنت مقاطع فيديو تظهر تنفيذ عمليات إعدام ضد رجال كبيري السن تم إجبارهم على الجثو على ركبهم فوق أراض ملغومة.

وفي هذا الصدد، ذكر جاويد، أحد أبناء قرية كوت الأفغانية، أن “عدد مقاتلي التنظيم عند وصولهم إلى المنطقة لم يكن كبيرا، وكانوا ينشرون أيديولوجيتهم المتشددة، وبما أن الناس وقتها كانوا خائفين من تنظيم طالبان، فقد انضم إليهم عدد كبير، وبذلك تزايد وجود التنظيم، وأصبح قادرا على فرض تعليماته، مما دفع بالآلاف من الأفغان للهروب من كوت ومدن أخرى، على غرار أشين وباتشيراغان”.

وحسب ما ورد على لسان مساعد حاكم جلال أباد، فلم تبق قرية أو مقاطعة في هذه المنطقة لم يدخلها تنظيم الدولة. ونتيجة لذلك، تم إطلاق عمليات مشتركة بين القوات الأفغانية ونظيرتها الأمريكية ضد هؤلاء المسلحين الذين يختبؤون في الجبال والغابات. وبفضل هذه الجهود، انخفض عدد مقاتلي التنظيم من حوالي 3000، منتشرين في 11 مقاطعة، إلى حوالي 700، موجودين في ثلاث مقاطعات فقط شرقي البلاد، حسب تأكيدات المتحدث باسم قوات حلف الناتو في أفغانستان.

باكستان تحصن نفسها خوفا من التنظيم

نظرا للأوضاع التي تعيشها جارتها أفغانستان، وبهدف التصدي لمحاولات التسلل التي قد يقوم بها مقاتلو تنظيم الدولة، شرعت أفغانستان بتشييد جدار عازل بطول 2400 كيلومتر، على امتداد حدودها مع أفغانستان، وقامت أيضا بغلق نقطتين حدوديتين لمدة شهر كامل.

في الحقيقة، تعد هذه المعركة شديدة الحساسية بالنسبة لإسلام أباد، فتنظيم الدولة الذي يبحث عن تقوية نفسه، يتحرك دائما بالتعاون مع عدد من الفصائل والمجموعات التي كانت سابقا تابعة لتنظيم طالبان باكستان. مؤخرا، أصدر التنظيم مقاطع دعائية يشجع فيها هذه الفصائل والمجموعات على “الدخول تحت راية الخلافة”. على العموم، شهدت باكستان هجوما وحيدا تبناه تنظيم الدولة، كان عبارة عن عملية انتحارية في شباط/فبراير سنة 2017، أودت بحياة 88 شخصا في أحد الأضرحة الصوفية في سند.

وفي السياق ذاته، وصف الخبير الأمني، أمير رانا، الأوضاع في باكستان قائلا: “تنظيم الدولة ليس لديه منطقة محددة يعتمد عليها في باكستان، أو يمتلك فيها شبكة من الخلايا النائمة، التي يمكنها التحضير للعمليات وتحديد الأهداف والثغرات الأمنية”. ولعل من الواجب العودة إلى شهر تموز/يوليو 2014، لتحديد آثار تنظيم الدولة في البلاد، حين قام باستقطاب مئات المقاتلين وإرسالهم إلى سوريا.

من جهته، أفاد إعجاز، الأستاذ في جامعة بيشاور، الذي يمتلك دراية كبيرة بالشبكات الإرهابية، أن “تنظيم الدولة أصبح على درجة كبيرة من القوة في باكستان، من خلال احتلال المساحات التي كانت سابقا تحت سيطرة تنظيم القاعدة، إلا أنه يعتمد أسلوبا أكثر تطرفا وخطورة”. فضلا عن ذلك، يعتقد الأستاذ الجامعي أن ما يثير الخوف الآن هو سعي التنظيم في الأشهر والسنوات المقبلة لاحتلال جزء من أراضي باكستان، وهذا هو هدفه المقبل.

في بنغلادش… حضور مرفوض

من المرجح أن يكون أحد أهداف التنظيم بنغلادش، البلد الذي يعيش فيه 160 مليون شخص، أغلبهم من المسلمين. وعلى الرغم من تصاعد وتيرة الهجمات منذ ثلاث سنوات هناك، إلا أن الحكومة في العاصمة دكا تواصل نفي ضلوع تنظيم الدولة في هذه العمليات، وذلك خوفا من إثارة ذعر المستثمرين الأجانب.

وفي هذا الإطار، وحسب الصحفي، ديفيد بيرغمان، سافر العديد من المقاتلين من بنغلادش للانضمام إلى تنظيم الدولة في سوريا والعراق. وقد عادوا في الفترة الأخيرة، وقاموا بدورهم في عمليات استقطاب جديدة، إلا أن عددهم رغم ذلك يبقى محدودا، وتحركات التنظيم تبدو كمبادرات فردية. وقد أعلن التنظيم مسؤوليته عن حوالي 20 هجوما في البلاد منذ 2016، وهجوم آخر في 24 أذار/مارس المنقضي.

وفي شأن ذي صلة، تركز الحكومة البنغالية جهودها في محاربة منظمة جمعية المجاهدين، وهي مجموعة محلية أعلنت ولاءها لتنظيم الدولة في سنة 2015، ونفذت مجزرة في تموز/يوليو سنة 2016 في مقهى في العاصمة دكا، أودى بحياة 22 شخصا، منهم 18 أجنبيا. خلافا لذلك، نفى منير الإسلام، قائد وحدة مكافحة الإرهاب في الشرطة البنغالية، بشدة ضلوع التنظيم في هذا الهجوم، حيث صرح أن “منفذي هجوم دكا كانت لديهم أسلحة بسيطة جدا، كما أن منظمة جمعية المجاهدين تعتمد على عمليات السرقة للحصول على التمويل، وهو ما يثبت محدودية إمكانياتها”.

آسيا ليست خارج دائرة الخطر

تواجه دول أخرى في آسيا الخطر نفسه، على غرار ماليزيا والصين، التي يوجد فيها مقاتلون من أقلية الأيغور المسلمة في إقليم شينجيانغ، وكذلك في بورما، حيث يمثل هؤلاء أهدافا لعمليات التجنيد التي يقوم بها تنظيم الدولة.

وفي كوالالمبور عاصمة ماليزيا، تقوم الأجهزة الأمنية بمراقبة شبكات اتصالات التنظيم في البلاد. في الوقت نفسه، أكدت السلطات أنها تمكنت إلى الآن من إيقاف أكثر من 100 مواطن ماليزي يشتبه في ارتباطهم بالتنظيم، وإفشال عدد كبير من الهجمات التي تم كشفها قبل وقوعها. وفي هذا الإطار، حكم على شابين ماليزيين يبلغان من العمر 22 و25 سنة بالسجن مدة 25 سنة، في آذار/مارس سنة 2017، بعد أن نفذا في تموز/يوليو هجوما بالقنابل اليدوية في ملهى ليلي، واعترفا بانتمائهما لتنظيم الدولة.

من جانب آخر، أكد براندونبيريرا، رئيس تحرير صحيفة ماليزيا إنسايد أن “انتشار الفكر المتطرف في ماليزيا يتم بوتيرة سريعة، في بلد تبلغ نسبة المسلمين فيه 70 في المائة. وقد أضحى وجود تنظيم الدولة في البلاد أمرا واقعا، إلا أن الحكومة تعتمد سياسة صارمة جدا في التعامل مع كل المجموعات والتيارات التي تمارس التطرف باسم الدين”.

ومن جهتها، تقدر الحكومة الماليزية أن حوالي 100 شخص غادروا البلاد للالتحاق بصفوف تنظيم الدولة في سوريا، وقد شملت عملية التجنيد التي نجح التنظيم في القيام بها أساتذة ورجال شرطة، وهو ما يثير قلق السلطات. وفي هذا الصدد، أفاد براندون أن “الأوضاع المعيشية ليست سيئة، ولا توجد في بلادنا حرب، لذلك لا يمكن القول إن الفقر أو غياب العدالة هو السبب وراء انضمام المواطنين إلى هذا التنظيم، والتفسير الوحيد هو أن الأيديولوجية نجحت في التسلل إلى أدمغتهم”.

داعش تتقهقر في معاقلها 

في 29 حزيران/يونيو سنة 2014، أعلن تنظيم الدولة “الخلافة” على مساحة واسعة بين سوريا والعراق. وبعد ثلاث سنوات، خسر التنظيم مساحات كبيرة في شمال سوريا، كمناطق منبج وجرابلس، وفي محيط دمشق. وفي وسط العراق خسر التنظيم أيضا الفلوجة والرمادي، فضلا عن أنه بصدد خسارة الموصل شمالا، التي كانت تعد أحد أهم معاقله. كما اضطر مقاتلو التنظيم في ليبيا إلى الهروب من سرت، التي كانوا قد أعلنوها ولاية تابعة للتنظيم.

تراجع قدرة التنظيم على التجنيد

نجح التنظيم منذ ظهوره في استقطاب حولي 20 ألف مقاتل أجنبي، منهم حوالي خمسة آلاف أوروبي، ولكن تدفق الأجانب على صفوف التنظيم في سوريا والعراق تراجع بشكل واضح. وحسب وزير الدفاع البريطاني، فسيتم طرد تنظيم الدولة من أهم المدن التي تشهد وجوده في العراق قبل نهاية سنة 2017.

تراجع موارد التنظيم

على الصعيد الاقتصادي، وتحديدا في قطاع التمويل، تراجعت الموارد المالية التي كان التنظيم يجنيها من بيع النفط ومشتقاته في كل من العراق وسوريا، والتي تم قدرت قيمتها سنة 2015 بما يتراوح بين 380 و475 مليون يورو. في المقابل، انخفضت تلك العائدات في 2016 لتصبح 246 مليون يورو فقط.

 

هذه المادة مترجمة من موقع لاكروا للاطلاع على المادة الاصلية اضغط هنا 

 

ضع تعليقاَ