مارس 28, 2024

بوبليكو: تعرف على خمسة محركات وخمس مخاطر تحوم حول الاقتصاد العالمي

وصف صندوق النقد الدولي الاقتصاد العالمي بأنه يتبع نسق نمو مستدام، ولكن بزخم ضعيف ومحدود. ولهذا السبب حذر البنك الدولي من “تجمع مالي طفيف” للحكومات والمؤسسات، أمام إمكانية حلول أزمة اقتصادية مستقبلية.

وفقاً للتحليل الذي تبلور على خلفية اجتماعات الخريف لصندوق النقد الدولي، يبدو الأمر واضحاً: “لا يزال تعافي النشاط الاقتصادي العالمي مستمراً” خلال سنة 2017، لكن لا يمكن تأكيد هذا التطور والتثبت منه نظراً لأن “مرحلة التعافي لم تكتمل بعد”. وقد دُون هذا الاستنتاج في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي.

فيما يتعلق بالجزء الأول من هذه الفرضية، يتوقع أن يرتفع النمو العالمي ليصل إلى حدود 3.6 بالمئة خلال سنة 2017. وعند مقارنة هذه النسبة بالنسبة التي حققها النمو العالمي في سنة 2016 (التي كانت في حدود 3.2 بالمئة)، يتضح أن النمو العالمي سيبلغ أدنى مستوياته، على مستوى الدينامية، منذ بداية الأزمة العالمية المالية. وعموماً يبدو أن هذا السيناريو لن يشهد تغييرات بشكل جوهري.

بالنسبة لتنبؤات النمو لسنة 2017، خلال هذا الخريف، فقد كانت أعلى ممَّا تم تحديده في الربيع الماضي في تقرير “آفاق الاقتصاد العالمي”، بمقدار 0.1 نقطة مئوية. ويعد رفع توقعات ناتج النمو على نطاق واسع في بعض المناطق، في ظل هذا النمو المتواضع، أمراً حاسماً. وتتمثل هذه المناطق التي رفعت فيها توقعات ناتج النمو أساساً في اليابان، ومنطقة اليورو، والشركاء الناشئين في أوروبا وآسيا، وروسيا، في النصف الأول من هذه السنة. في المقابل، ساعد رفع هذه التوقعات على تعويض وتجاوز حجم التخفيض الذي شهدته التوقعات حول نتاج النمو في دول “الأنجلوسفير”؛ أي الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة بشكل أساسي.

من جانب آخر، خضع تحسن النشاط العالمي في النصف الثاني من سنة 2016 لسلسلة من الضغوط الممنهجة الكبرى. في الأثناء، شهدت أسعار السلع والطاقة استقراراً على مدار هذه الفترة (وقد كانت توقعات صندوق النقد الدولي لأسعار البرميل الواحد من النفط خلال هذه السنة، وخلال السنة الماضية، في حدود 50 دولاراً).

فضلاً عن ذلك، شهدت الدول ذات الدخل المرتفع تضخماً مالياً (في حدود 1.7 بالمئة). وتكشف هذه المعطيات عن تباطؤ حاد فيما يتعلق باتخاذ القرارات الرامية إلى تعزيز الاستهلاك والاستثمار؛ أي الطلب المحلي بشكل عام. ولم تتمكن الأسواق المالية، في الوقت ذاته، من الوصول إلى معدلات سرعة ثابتة، ما من شأنه أن يضمن تحقيق الأرباح بشكل طبيعي.

وفي هذا السياق، ولدت الأوضاع العالمية الكثير من العوامل التي تمهد لجملة من التهديدات التي تلوح في الأفق، والتي يمكن أن تظهر للعلن على المدى القريب.

دول البريكس:

استعادت دول البريكس، خلال هذه السنة المالية، قوتها من جديد. فقد تمكنت الأسواق الناشئة الكبرى من التجديد وفك ارتباطها بالاقتصادات الصناعية الكبرى، علماً أن الأمر ذاته حدث خلال السنوات الأولى التي تلت الأزمة الاقتصادية الكبرى. ومرة أخرى تتصدر الصين (6.8 بالمئة) والهند (6.8 بالمئة ) قائمة أكبر عشر اقتصادات في العالم. في المقابل، يبلغ الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة الأمريكية نسبة 2.2 بالمئة، أما منطقة اليورو فقدر ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 2.1 بالمئة.

وتجدر الإشارة إلى أن روسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا تعتبر من البلدان التي تجددت قوتها، وانبثقت من جديد من بقايا رمادها كالعنقاء؛ بعد عامين من الركود. وسيرتفع الناتج المحلي الإجمالي الروسي، خلال هذه السنة، إلى حدود 1.8 بالمئة، في حين ستُسجل البرازيل وجنوب أفريقيا نمواً بنسبة 0.7 بالمئة. في المقابل تبقى هذه النسب أقل بكثير من إمكانيات هذه الدول، على الرغم من أنها ستشهد انتعاشاً في نشاطها خلال السنوات القادمة.

بالنسبة للصين، فما فتئ صندوق النقد الدولي يحثها على مواصلة التصدي للمديونية التي تعاني منها مصارفها وشركاتها، التي ستتجاوز نسبة 156 بالمئة من ناتجها الداخلي الخام. كما شدد صندوق النقد الدولي على ضرورة مراقبة سوق العقارات، ووضع تاريخ نهائي لسياسة مراقبة صرف العملات. في الأثناء، تسير الصين بخطى ثابتة في خضم مشروعها نحو التحول إلى نموذج إنتاجي، يعير الثقل الأكبر للطلب المحلي. لكن يجب الأخذ بعين الاعتبار أن هذا التحول قد أدى إلى إبطاء النمو الاقتصادي.

على العموم، كسبت الصين رهان التجديد وقامت بتصحيح بعض الثغرات وعلاجها عبر زيادة عدد الأثرياء في البلاد والأسر متوسطة الدخل. وقد ساعدت هذه المعطيات على دفع الاستهلاك والاستثمار في الأعمال التجارية.

أما الهند فقد خفض صندوق النقد الدولي توقعاته المتعلقة بنمو نشاطها في السنتين القادمتين؛ بسبب اتباع ما يعرف بإستراتيجية “نزع الألغام”. وتهدف هذه الآلية الاقتصادية إلى إزالة جزء كبير من القطع النقدية ذات قيمة الألف والـ500 روبية؛ ما من شأنه أن يساعد على مكافحة الجريمة المنظمة وتمويل التنظيمات الإرهابية العالمية.

فضلاً عن ذلك، ستدخل بموجب هذه الآلية قاعدتان أساسيتان حيز التنفيذ، وذلك بغية ضمان المصداقية الاقتصادية. في الأثناء، أدت بعض العوامل إلى تباطؤ نشاط الاقتصاد الهندي عند دخول هذه القواعد حيز التنفيذ، لعل أبرزها وحدة السوق الداخلية الضخمة، وفرض الضرائب على السلع والخدمات.

فيما يتعلق بالبرازيل، فقد حثها الصندوق على المضي قدماً في برنامجها الإصلاحي والتقدم نحو تحقيق الاستقرار المالي، ودفع برامج التحفيز الاقتصادي. ومن المرجح أن تساعدها هذه الإجراءات على إنعاش ناتجها المحلي الإجمالي الذي يجب تثبيته عن طريق دورة جديدة من المفاوضات.

نأتي الآن لروسيا، التي يحفزها صندوق النقد الدولي على تعزيز قدر أكبر من الأمن في مجال القانون؛ ما قد يساعدها على تجنب هروب رؤوس الأموال. فضلاً عن ذلك، ستعزز هذه الإستراتيجية قدرة روسيا على المراقبة القصوى لنشاطات أصولها المصرفية والسوق؛ ممَّا سيضمن لها تنويع أنماط نموها بعيداً عن النفط.

في المقابل، نصح صندوق النقد الدولي جنوب أفريقيا بإيجاد حل للتوترات السياسية داخلها، حيث تمثل العائق الرئيسي أمام منح الثقة للاستثمار فيها وقيمة عملتها، الراند، على حد السواء.

وتجدر الإشارة إلى أن جنوب أفريقيا تواجه العديد من التجاذبات على الساحة السياسية. ولعل أبرزها التهم التي تلاحق رئيسها جاكوب زوما، الذي نجا من عملية التصويت لحجب الثقة في شهر آب/أغسطس الماضي. بالإضافة إلى ذلك تسود حالة من التوتر في البلاد؛ بسبب الشكوك حول من سيخلف زوما في منصب مرشح حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في انتخابات سنة 2019، الأمر الذي من المتوقع أن يحسم خلال الأشهر المقبلة.

 آسيا، القارة الأكثر دينامية على المستوى الإقليمي:

عند التمعن في التوزيع الجغرافي، نتبين أن آسيا تعتبر القارة الأكثر دينامية في العالم، وذلك في ظل انتعاش تقدر قيمته بنحو 6.5 بالمئة. فضلاً عن ذلك، فمن المرتقب أن تشهد ثلاثة من اقتصاداتها دينامية مماثلة للدينامية التي يعرفها العملاقان القاريان الأكثر بروزاً فيها؛ أي الصين والهند. ومن المثير للدهشة أن القارة الآسيوية ستتفوق على القارة العجوز بنحو نقطتين مئويتين؛ نظراً لأن النمو الذي ستحققه القارة الأوروبية سيكون في حدود 4.5 بالمئة.

في المقابل، سيكون أكبر حجم من الدينامية من نصيب رومانيا بنسبة نمو تقدر بنحو 5.5 بالمئة، وتركيا بنسبة 5.1 بالمئة، وبولونيا بنسبة 3.8 بالمئة. أما بالنسبة للثلاثي المؤسس لليورو فسيكون انتعاش ناتجها المحلي الإجمالي في حدود 1.5 بالمئة. وفي الوقت ذاته سيكون الانتعاش الاقتصادي في فرنسا وبلجيكا في حدود 1.6 بالمئة.

خلافاً للمعطيات الآنف ذكرها، أشار خبراء الصندوق إلى نمو منخفض الكثافة في منطقة أمريكا اللاتينية، مع انتعاش طفيف بنسبة 1.2 بالمئة. في الأثناء، لن يمكن هذا الرقم المنطقة من تحقيق هدفها التاريخي المتمثل في خفض معدلات الفقر فيها. وعموماً حققت بنما انتعاشاً بنسبة 5.3 بالمئة. أما الانتعاش في جمهورية الدومينيكان فكان في حدود 4.8 بالمئة، في حين وصلت بوليفيا إلى معدل في حدود 4.2 بالمئة.

من جانب آخر، لم يكن النشاط الاقتصادي مزدهراً في منطقة الشرق الأوسط، شأنها شأن المغرب العربي وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، في ظل زيادة في النمو قدرها 2.6 بالمئة. وحتى في الجمهوريات السوفيتية السابقة كان الانتعاش الاقتصادي طفيفاً، حيث كان في حدود 2.2 بالمئة.

مع الأخذ بعين الاعتبار الأرقام السابق ذكرها، لا يمكن لصندوق النقد الدولي الحكم على هذا النمو على اعتباره نمواً عالمياً متواضعاً، وإنما اكتفى بوصفه بأنه نمو غير متكافئ. عموماً، يتمثل العامل المشترك بين المناطق الجغرافية ذات “الأرقام السوداء”، في غياب الحماس وإساءة توظيف أسعار المواد الخام، وتقلبات أسعار صرف العملات الأجنبية، أو اختلال التوازنات المالية المستمر.

 ليبيا وماكاو ونيبال؛ المحركات العالمية:

في الحقيقة، لن يساهم الناتج المحلي الإجمالي لأي من هذه الدول في تحسين سجلاتها خلال هذه السنة المالية. فقد سجلت ليبيا زيادة مذهلة في النشاط الاقتصادي العالمي بقيمة 55.1 بالمئة. في الأثناء، تخلت ليبيا عن اقتصاد الحرب الذي كانت تخضع له منذ سنة 2011، إبان بروز الآثار الأولى لثورة الربيع العربي التي أنهت ولاية الدكتاتور معمر القذافي. في المقابل، كانت تكلفة الثورة العربية على الأراضي الليبية مأساوية.

من جهة أخرى، لا يكاد يعادل حجم الاقتصاد الليبي ثلث حجمه خلال السنة التي سبقت التوترات الاجتماعية التي شهدتها البلاد. وعلى الرغم من ذلك، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تشهد ليبيا انتعاشاً إضافياً بقيمة 31 بالمئة بحلول سنة 2018. والجدير بالذكر أن إقلاع الاقتصاد الليبي يعزى بالأساس إلى الدخول المكثف لصناعة النفط الليبية في سوق النفط.

بالنسبة لماكاو، فقد قدرت نسبة انتعاش اقتصادها بنحو 13.4 بالمئة، في حين بلغت نيبال نسبة متواضعة نوعاً ما، تقدر بنحو 7.5 بالمئة.

من جهة أخرى، سجلت فنزويلا انخفاضاً حاداً بنسبة 12 بالمئة؛ نتيجة التراجع الحاد في قيمة العملة. ومن الأسباب الأخرى التي أدت إلى هذا الوضع تدني الإيرادات الضريبية، والتضخم المفرط. وقد ترتب على ذلك تفاقم مشاكل استيراد المنتجات الأساسية والقدرة الشرائية للسكان.

إلى جانب انهيار القوة الاقتصادية الأمريكية اللاتينية الرابعة، ظهرت مجموعة أخرى من الدول التي تعاني حالة ركود. ومن بين هذه المجموعة غينيا الاستوائية، في ظل انكماش بنسبة 7.4 بالمئة. بالإضافة إلى ذلك، نذكر الدولتين اللتين تعيشان تحت وطأة اقتصاد حرب؛ أي جنوب السودان (انخفاض قدره 6.3 بالمئة)، وجمهورية الكونغو (تراجع قدره 3.6 بالمئة). ويضاف إلى هذه القائمة المنطقتان الكاريبيتان ترينيداد وتوباغو (انخفاض بنسبة 3.2 بالمئة)، وسورينام (انخفاض بنسبة 1.2 بالمئة).

ونجد في القائمة ذاتها دولاً مثل الكويت واليمن والعراق، بانخفاض يقدر بنحو 2.1 بالمئة و2 بالمئة و0.4 بالمئة على التوالي. ويضاف إلى هذه المجموعة أيضاً دول مثل بروناي (بانخفاض في حدود 1.3 بالمئة) وأذربيجان (بتراجع بمعدل نقطة واحدة).

 منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ونموها المشترك:

بدا أن الأوضاع العالمية، في نهاية هذه السنة المالية، تشوبها التناقضات. ويتجلى ذلك من خلال حقيقة أن جميع الدول الشركاء التي تشكل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، قد حققت نمواً في ناتجها المحلي الإجمالي. وعموماً يعتبر هذا التطور المشترك مكسباً تاريخياً للمنظمة منذ بداية توسعها في بداية هذا القرن. أما بالنسبة لصندوق النقد الدولي فلا تزال هذه النسب بعيدة عن إمكانيات النمو لكل شريك في هذه المنظمة.

في الأثناء، تبدو هذه الظاهرة أكثر وضوحاً بالنسبة للدول ذات الدخل المرتفع. من جانب آخر، حققت كل من هذه الدول تقدماً ضئيلاً فيما يتعلق بمهمتها الرامية إلى تعديل اختلال توازن مواردها المالية العامة، والمخاطر الاقتصادية المحلية والعالمية.

وفي هذا السياق عززت البلدان الناشئة فارق النمو فيها بأكثر من نقطتين مقارنة بالاقتصادات المتقدمة. وكانت هذه القيمة في حدود 4.6 بالمئة مقارنة بنحو 2.2 بالمئة في سنة 2017. ومن الممكن أن تتعمق هذه الفجوة في السنة المقبلة بمعدل نصف نقطة، وستكون هذه القيمة في حدود 4.9 بالمئة مقارنة بنحو 2.2 بالمئة.

من هذا المنطلق دعا خبراء صندوق النقد الدولي الدول المصنعة إلى استخدام كل الإجراءات الضريبية المتاحة؛ من أجل خفض ديونها وإعادة تركيز عوامل الاستقرار الاقتصادي. وذلك عبر وضع مخططات واضحة لتقوية القطاع المالي، وإضفاء التوازن على ميزان المدفوعات والمقابيض، بشكل منطقي وفعال. وتأتي هذه النصائح في شكل تذكير بضرورة تركيز إصلاحات هيكلية عميقة للوقاية من الأزمات المحتملة.

أما بالنسبة للدول النامية في الجانب الآخر، فقد شدد الخبراء على وجوب توخي الحذر. في الوقت ذاته، يرى الخبراء أن هذه الدول تعلمت كيفية مواجهة مشكلة هروب رؤوس الأموال نحو الخارج، خلال الفترة بين سنة 2015 وسنة 2016؛ ممَّا مكنها من الحصول على نحو 200 مليار دولار في شكل استثمارات خارجية مباشرة في النصف الأول من سنة 2017.

في المقابل، يبقى نمو هذه الدول هشاً جداً أمام العوامل الظرفية والخارجية، على غرار حدوث تصحيح للتضخم المالي عبر خفض قيمة العملة، أو تعزيز حجم الصادرات عبر خفض أسعار المواد الأولية، أو زعزعة ثقة الشركات والمستهلكين عبر تغيير القوانين المالية المحلية.

إسبانيا تقود الاقتصادات الصناعية

تحتل إسبانيا، على مستوى القطاع الصناعي، موقع الريادة ضمن مجموعة الدول الصناعية. وقد ذكر صندوق النقد الدولي أن النمو المحقق سيبلغ 3.1 بالمئة خلال السنة الجارية، و2.5 بالمئة في سنة 2018. وسيحقق الاقتصاد الهولندي بدوره النتائج ذاتها، أي بنسبة 1 من 10 بالمئة أكثر مقارنة بمعدل نمو الناتج المحلي الخام في كندا.

خلافاً لذلك، وبالنظر إلى الأضرار الجانبية التي تولدت على خلفية مساعي إقليم كتالونيا للاستقلال وتأسيس دولة مستقلة؛ ممَّا عقد الوضع السياسي في إسبانيا، قد يكون لهذه التوترات تأثيرات ليس فقط على اقتصاد إسبانيا ككل وكتالونيا بشكل خاص، بل أيضاً على الجار البرتغالي وباقي دول الاتحاد الأوروبي بشكل عام.

وفي هذا الصدد، حذر كبير خبراء الاقتصاد في صندوق النقد الدولي، موريس أوبسفيلد، من تداعيات هذا الأمر. وقد دعا أوبسفيلد طرفي النزاع في إسبانيا لاعتماد الحوار للخروج من هذه الوضعية المقلقة، وتجاوز الأزمة السياسية الحادة التي تهدد اقتصاد البلاد. أما وكالات التصنيف العالمية، على غرار “ستاندارد أند بورز”،  فقد أشارت إلى أن الناتج المحلي الخام في مقاطعة كتالونيا سيتضرر بشكل لا يمكن إصلاحه مستقبلاً، إذا تعمق التوتر مع العاصمة مدريد.

في واقع الأمر، كشف صندوق النقد الدولي في تقريره السنوي الصادر قبيل المنتدى الاقتصادي العالمي، أن إسبانيا عادت لمستويات الناتج المحلي الخام التي كانت تحققها قبل أزمتها الاقتصادية؛ ممَّا ساهم في خلق بعض فرص العمل. في المقابل، وفي الوقت ذاته، أحال الصندوق إلى أن هذه الوظائف الجديدة، التي تمثل 2 بالمئة من سوق العمالة الإسبانية، تبقى هشة وغير جذابة بالنسبة للقوى العاملة، حيث يعد أغلبها مجرد عقود مؤقتة مع احتمالات ضعيفة بشأن تحولها لوظائف قارة.

في سياق متصل، أعرب صندوق النقد الدولي، من خلال هذا التقرير، عن عدم رضاه إزاء التقدم المحرز فيما يتعلق بتعزيز الشفافية في القطاع المالي، وسداد الديون التي تناهز 100 بالمئة من الناتج المحلي الخام. بالإضافة إلى ذلك، ذكر التقرير عدم استحسان الصندوق الجهود المبذولة لتعديل الميزان التجاري، خاصة أن التهرم السكاني السريع سيتسبب بإضعاف الصناديق الاجتماعية، ويحد من مجال المناورة والتحرك بالنسبة لأصحاب القرار في المستقبل. علاوة على ذلك، حذر التقرير من أمر آخر أكثر خطورة يتمثل في أن أنظمة الرعاية الاجتماعية استهلكت بشكل مفرط مواردها من إيداعات معاشات الموظفين.

في هذا الإطار، أكد تقرير صندوق النقد الدولي أن المصارف لا تزال بعيدة عن تحرير نفسها من التركة المسمومة التي خلفتها أزمة الرهن العقاري، في حين أن المحاولات الأخيرة التي يجري القيام بها لتغطية هذه الخسائر ستكلفها نحو خمس نقاط من الناتج المحلي الخام. وأضاف الصندوق أن هناك خطراً آخر لا يزال قائماً. ففي الواقع، يعتمد النظام المالي بشكل كبير على السندات التي يمكن أن تفقد جزءاً كبيراً من قيمتها إذا تم فرض إجراءات مشددة على عمليات التمويل والإقراض.

وتجدر الإشارة إلى أن تركيبة الناتج المحلي الخام الإسباني لم تتغير كثيراً مقارنة بالماضي، حيث تعتمد بشكل كبير على قطاع المصارف والسياحة والعقارات ومشاريع البناء.

بوادر أزمة مالية جديدة

تطرق صندوق النقد الدولي بشكل صريح إلى احتمال اندلاع أزمة جديدة، إلا أنه لم يحدد تاريخاً معيناً لها. في الأثناء، تضمن تقرير الصندوق إشارة إلى العوامل التي قد تتولد على إثرها هذه الأزمة، من خلال استعراض جملة من الاختلالات التي لا تبعث على التفاؤل:

  1. أصول الشركات تضررت بسبب جمود البورصة:

لا تزال أصول الشركات ترزح تحت ثقل الديون التي تؤثر سلباً على موازناتها. وقد أدى ذلك إلى بروز حالة خمول في تداولات أسهم هذه الشركات في سوق الأوراق المالية. ولعل ما عمق المشكلة أكثر الدعوات المتزايدة للحذر من هذه الأسهم، والمطالبات بتصحيح الاختلالات في موازنات الحكومات والشركات، فضلاً عن فرض انضباط ضريبي على الجميع. وبناء على ذلك أخذ شبح حصول كارثة جديدة في السوق المالية العالمية في الظهور.

في الوقت الراهن، هناك حاجة ماسة لإصلاحات هيكلية في القطاع الاقتصادي، تتركز على زيادة الإنتاجية والنشاط، فضلاً عن تطوير البنية التحتية والاستثمار في التعليم. ويهدف كل ذلك إلى تشجيع تشغيل الشباب وإعادة إدماج العاطلين عن العمل في سوق الشغل، عبر تمكينهم من فرص التدريب في اختصاصات مطلوبة من قبل الشركات.

من أجل خلق مناخ ملائم لزيادة الأجور، يدعو مستشار صندوق النقد الدولي لتعزيز المبادلات التجارية، وإدخال إصلاحات شاملة على أنظمة المصارف، ومقاومة مشكلة التهرب الضريبي. فضلاً عن ذلك، لا بد من فرض قوانين للحد من انبعاثات غاز الكربون، وزيادة المساعدات الحكومية الموجهة للقطاعات التي تحتاجها.

  1. الخوف من أزمة جديدة:

بات هذا الموضوع يحتل حيزاً كبيراً من النقاشات الدائرة على الساحة العالمية. ففي الحقيقة، لا يعد صندوق النقد الدولي الجهة الوحيدة التي حذرت من هذا السيناريو الكارثي، حيث يعتقد وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله، بدوره، أن غرق اقتصاديات العالم في دوامة الديون والإفراط في ضخ السيولة المالية يعتبر احتمالاً وارداً. فقد خلقت سنوات طويلة من السياسات المالية التوسعية مع نسب فائدة قريبة من الصفر، فقاعة مالية جديدة، قد تؤدي في النهاية لانهيار قطاع المصارف والبورصات من جديد.

من ناحية أخرى، حذر كبير خبراء الاقتصاد في صندوق النقد الدولي من أن الدول المتقدمة لم تستعد بعد مستويات النمو الاقتصادي التي دأبت على بلوغها قبل الأزمة العالمية. كما لم تحقق أيضاً مقدار الثروة الضروري لخفض الفائدة الموظفة على ديونها. ويحيل ذلك تبعاً إلى أنها لم تحقق الخطوات المالية اللازمة لكي تصبح لديها ضمانات ائتمانية قوية تمكنها من مواجهة أي أزمة مقبلة.

  1. التجارة ورأس المال في حالة شلل:

بالإضافة إلى حالة الركود، يعاني الاقتصاد العالمي أيضاً من انعدام التناسق. فقد ساهم قطاع التجارة الخارجية بنسبة 75 بالمئة في التعافي الاقتصادي الذي تم تحقيقه، ولكن الاقتصاد المحلي لم يستعد بعد عافيته في حين كانت مساهمته محدودة.

على الرغم من ذلك، وللمرة الأولى منذ سنة 2008، تجاوزت حصيلة التجارة الدولية بصعوبة قيمة الناتج العالمي الخام، مع العلم أنها لا تزال بعيدة عن مستوياتها السابقة التي كانت تحققها قبل 10 سنوات. ويتوقع صندوق النقد الدولي ارتفاعاً بنسبة 4.2 بالمئة في التجارة خلال هذه السنة، أي بنحو ستة أعشار أكثر مقارنة بآخر توقع لمنظمة التجارة العالمية.

والجدير بالذكر أن صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية لا تعتبران الجهتين الوحيدتين اللتين حذرتا من ركود النشاط الاقتصادي العالمي. فقد تناولت وكالة التجارة والتنمية التابعة للأمم المتحدة، التي تقدم الضمانات لتدفق الاستثمارات عبر العالم، أيضاً مسألة انخفاض الاستثمار الخارجي المباشر في سنة 2016، من 13 بالمئة إلى 1 بالمئة، أي بقيمة 52 تريليون دولار. ووفقاً للخبراء، يعزى هذا التراجع إلى المرابيح الضعيفة وغير المؤثرة في قطاع التجارة، الذي لم يصل بعد لمستويات النشاط التي من شأنها أن تجعله مساهماً في تعافي الاقتصاد العالمي.

  1. تزايد المخاوف من قيام ترامب بخفض الضرائب:

لا يشعر صندوق النقد الدولي بالارتياح تجاه خطط ترامب الاقتصادية. وقد بدا ذلك واضحاً من خلال حالة البرود التي استقبل بها الصندوق وصول الرئيس الأمريكي للبيت الأبيض. من جانبه، يعتزم ترامب القيام بخفض مضاعف في الضرائب من 35 بالمئة إلى 15 بالمئة على مداخيل الشركات؛ ممَّا يشكل خطراً على المدى المتوسط بالنسبة للاقتصاد العالمي. ففي الغالب سيحفز هذا الإجراء نشاط الإنتاج والتجارة، إلا أنه سيتسبب في ارتفاع معدلات التضخم، التي تعد الظاهرة الأسوأ على الإطلاق سياسياً واجتماعياً. ففي الواقع، عادة ما يدفع ثمن هذه الظاهرة الفقراء والأغنياء على حد السواء.

وبحسب توقعات مارك كابانا، الخبير المصرفي الأمريكي، سيضمن هذا الإجراء ما بين 40 إلى 60 نقطة قاعدية بالنسبة للناتج القومي الخام للولايات المتحدة خلال 10 سنوات. فضلاً عن ذلك، سيشجع هذا الأمر أصحاب رؤوس الأموال على إعادة توطين نشاطاتهم الاقتصادية وثرواتهم، بعد أن كانوا قد نقلوها للخارج بحثاً عن الامتيازات الضريبية. في المقابل، يبدو أن صندوق النقد الدولي متخوف من حقيقة أن الثروات ما فتئت تتكدس أكثر فأكثر بين أيدي الأقلية الأكثر ثراء، تماماً مثلما حدث بعد الخفض الضريبي الذي أقره الرئيس الأسبق جورج بوش في سنة 2003.

  1. الضغط الضريبي على الأثرياء، والأجر الأساسي العالمي:

لم يصدر هذان المقترحان عن المنتدى الاقتصادي العالمي، بل قدما عن طريق “المرصد الضريبي”، التابع لقسم الشؤون الضريبية في صندوق النقد الدولي. فقد اقترح مدير هذا المرصد، البرتغالي فيكتور غاسار، في تقريره زيادة الضغط الضريبي على الأكثر ثراء؛ بغية إطلاق مبادرة “الأجر الأساسي العالمي”. ويهدف ذلك إلى تعزيز نسب النمو الاقتصادي ودفعها في العالم، وتصحيح الاختلالات وانعدام العدالة بين الشعوب والفئات عبر اعتماد مقاربة شاملة.

بعبارة أخرى؛ يعني ذلك تحقيق توزيع أكثر عدالة للثروة على مستوى العالم. وفي حين يتناسب هذا المعطى مع برنامج حزب العمال البريطاني، على سبيل المثال، فهو يتناقض في المقابل مع سياسات دونالد ترامب، الذي يسبح ضد التيار على ما يبدو. وقد تجلى ذلك من خلال سياساته الضريبية، وسعيه لإلغاء امتيازات الرعاية الصحية التي كان يتمتع بها الفقراء في أمريكا سابقاً، بفضل القانون المسمى “أوباما كير”.

ومن المثير للاهتمام أن العلاقات بين البيت الأبيض وصندوق النقد الدولي كانت دائماً وثيقة تحت مظلة “اتفاقية واشنطن الاقتصادية” التي تجمع بينهما، والتي حددت مصير الاقتصاد العالمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. في المقابل، أخذت هذه العلاقة تشهد بعض البرود والتوتر منذ وصول دونالد ترامب للحكم. ويرتبط هذا التدهور، بشكل خاص، بميل ترامب لاعتماد سياسات الحمائية في مجال التجارة والصناعة، وامتناعه عن المشاركة في جهود مكافحة التغير المناخي، على الرغم من أن هذا الملف بالذات يعتبره صندوق النقد الدولي من الأولويات الملحة خلال الفترة المقبلة.

الصحيفة: بوبليكو

الكاتب: من تحرير الصحيفة

الرابط: http://www.publico.es/economia/cinco-motores-cinco-riesgos-latentes-economia-mundial.html

ضع تعليقاَ