مارس 29, 2024

المركز الروسي للشؤون الدولية: روسيا تتجه نحو أسواق الأسلحة والمعدات العسكرية في أفريقيا

نشر المركز الدولي الروسي للشؤون الدولية دراسة تناول فيها موضوع سوق الأسلحة الأفريقية التي أصبحت أكثر انفتاحا، نظرا لحالة الاحتقان والتوتر التي تشهدها مختلف بؤر التوتر في القارة السمراء. وتجدر الإشارة إلى أن هناك مختلف الدول الأفريقية التي ترضخ تحت وطأة الصراعات بين القوى الفاعلة في سوق الأسلحة العالمية، لتتحول بذلك القارة إلى رقعة شطرنج. وبما أن سوق الأسلحة تعتبر من عوامل إبراز القوة والهيمنة لأي بلد في العالم، فإن روسيا تعمل على فرض مكانتها على الساحة العالمية باعتبارها من أهم منتجي الأسلحة.

 

وفقا للعديد من التقارير والدراسات، ارتفع حجم النفقات العسكرية في القارة الأفريقية كثيرا في السنوات العشر الأخيرة. وعلى هذا الأساس، فإن بروز أفريقيا كقطب جديد مؤثر في سياسة العالم واقتصاده  ليس مجرد توقعات وإنما واقع ملموس. وبالتالي، يبدو جليا أن مخطط تطوير الترسانة العسكرية يندرج ضمن محاولة الأطراف الفاعلة في عدد من الدول الأفريقية للاستحواذ على موارد القارة وثرواتها الطبيعية.

 

السباق نحو التسلح في أفريقيا

خلال السنوات الماضية، تنامت النفقات العسكرية في الدول الأفريقية، لترتفع من 17.2 مليار دولار سنة 2000، إلى 39.1 سنة 2015، وبمواصلة هذه الأقطار الأفريقية على نفس الوتيرة بلغت قيمة النفقات العسكرية في دول شمال أفريقيا، على سبيل المثال، 82.5 مليار دولار، أما بلدان جنوب الصحراء فتجاوزت نفقاتها 107.3 مليار دولار.

 

وفي إطار السباق نحو التسلح، استوردت البلدان الأفريقية أسلحتها ومعداتها العسكرية الثقيلة من القوى العالمية المصنعة والمصدرة للأسلحة على غرار الولايات المتحدة الأمريكية، التي بلغ حجم صادراتها 5 مليار دولار، تليها فرنسا ما يناهز 2 مليار دولار، في الفترة المتراوحة بين 2006 و2015، وقد تضاعفت هذه الأرقام مقارنة بالسنوات السابقة. في المقابل، بلغت حصة الدول الأفريقية من الصادرات العالمية للمنتجات العسكرية خلال السنوات الست الأخيرة 13 بالمائة.

 

وفقا لهذه المعطيات، تعود الزيادة الكبيرة في حجم النفقات العسكرية إلى عدة عوامل أهمها تنامي التهديدات الإرهابية، ونزعة التدخل الدولي في شؤون بعض الدول الداخلية، فضلا عن انتشار الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات والقرصنة وغيرها من الآفات الأخرى. كما يعزى ذلك عوامل أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها، على غرار؛ تفاقم الصراعات على القيادة والتحديات التي يفرضها وجود الحركات الانفصالية على السلطة، ومحاولة بعض الأطراف الأجنبية استغلال الموارد الطبيعية تحت ذريعة الإرهاب وحماية الديمقراطية.

 

جعلت كل هذه الرهانات عددا من البلدان الأفريقية تشرع في تنفيذ برامج إعادة هيكلة القوات المسلحة وتحديث الترسانة العسكرية والمعدات التقنية. لكن هذه التدابير تتخذ بدرجات متفاوتة من قبل البلدان الأفريقية وذلك حسب ظروفها الداخلية والخارجية وبناء على إمكانياتها المادية ومصالحها المستقبلية.

 

روسيا في الواجهة

ورثت روسيا منذ الحقبة السوفيتية إمكانيات هامة في مجال التعاون العسكري، حيث كان الاتحاد السوفييتي بطريقة أو بأخرى يشجع على إنشاء الجيوش وتعزيز القوى العسكرية. ووفقا لبعض الخبراء الغربيين، بلغت صادرات الاتحاد السوفييتي من الأسلحة والمعدات العسكرية إلى القارة الأفريقية بين سنتي 1967 و1976 40 بالمائة.

 

أما في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات، وصلت نسبة الدبابات سوفيتية الصنع في صفوف الجيوش الأفريقية إلى 70 بالمائة، و40 بالمائة بالنسبة للطائرات و35 بالمائة بالنسبة للمروحيات. وفي تلك الحقبة، وافقت القيادة السوفيتية على إقامة نقاط دعم عسكري وتقني في ست بلدان أفريقية، كما قدمت مساعدات عسكرية إلى العديد من البلدان الأخرى.

 

ترك هوس التنافس في المجال العسكري وفي الأيديولوجيات بين الشرق والغرب بصمته على السياسة الخارجية الروسية، ليتعدى التعاون الروسي الأفريقي النطاق العسكري ويشمل العلاقات التجارية والاقتصادية. ولكن، عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، دخلت العلاقات الاقتصادية بين روسيا والدول الأفريقية مرحلة ركود ما أدى إلى انخفاض حجم صادرات  الأسلحة إلا أن ذلك لم يدم طويلا. فبحلول سنة 2000، عادت الأسلحة إلى التدفق من جديد نحو أفريقيا، حيث بلغت قيمة صادرات الأسلحة 3.7 مليار دولار، واستمر ذلك إلى غاية سنة 2005 ليتجاوز الرقم 6 مليار دولار، وظلت قيمة صادرات الأسلحة في تذبذب منذ تلك الفترة.

 

خلال سنة 2006، بعد مفاوضات مع فلاديمير بوتين والرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، توصل الطرفان إلى اتفاق يفضي إلى تسوية الديون الجزائرية المتعلقة بشراء الأسلحة والمعدات العسكرية الروسية. وبين سنتي 2000 و2013، زودت روسيا أفريقيا بأسلحة تفوق قيمتها أكثر 5 مليار دولار، وهو ما يعادل 13 بالمائة من إجمالي صادرات الأسلحة الروسية.

 

عموما، لم يتغير حجم الصادرات الروسية من الأسلحة الثقيلة الموجهة إلى أفريقيا خلال السنوات الخمس الأخيرة، علما وأنه كان يشهد تذبذبا  في السنوات السابقة؛ ففي سنة 2006 بلغ 296 مليون دولار، بينما بلغ 1 مليار دولار سنة 2009. أما بين سنتي 2014 و2015، انخفض معدل الصادرات الروسية إلى دول شمال أفريقيا، ليصبح التركيز موجها نحو عملاء آخرين في منطقة جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى، حيث وقعت عمليات تسليم إلى 20 بلد في المنطقة.

 

ومن بين أكبر موردي الأسلحة الروسية في القارة الأفريقية؛ الجزائر، وأنغولا، ومصر، والسودان وأوغندا. أما في الوقت الراهن، تعتبر الجزائر أهم شريك استراتيجي لروسيا في القارة في مجال التعاون العسكري، حيث بلغت إمدادات الأسلحة الثقيلة الروسية إلى الجزائر 7.6 مليار دولار. وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أن الإمدادات العسكرية الروسية للجزائر تهيمن عليها الأسلحة ذات التكنولوجيا الفائقة، والطائرات العسكرية المتطورة وأنظمة الدفاع الصاروخية والمدرعات من أحدث الموديلات. وتبعا للخبراء الدوليين، توجد عقود مبرمة بين شركات روسية والجزائر تقضي بتسليم الجزائر 190 دبابة طراز ت-90 و42 طائرة هيلكوبتر وغواصتين.

 

 لا تقتصر المعاملات الجزائرية على شريك وحيد في مجال التعاون العسكري، فقد توصلت إلى اتفاق بشأن توريد الأسلحة والمعدات العسكرية من ألمانيا، وطائرات نقل عسكري وأجهزة إلكترونية معقدة لمراقبة الحدود من الولايات المتحدة الأمريكية. أما في صائفة سنة 2014، حصل الجيش الجزائري على عديد الأسلحة الصينية المتطورة من ضمنها مدفعية ذاتية الدفع، ومع ذلك تظل أغلب أسلحة الجيش الجزائري من إنتاج الشركات الروسية.

 

أما مصر، كانت انطلاقة تعاونها مع الاتحاد السوفييتي في مجال شراء الأسلحة العسكرية سنة 1955، كذلك من المعروف أن حجم التعاون العسكري تطور بسرعة في فترة حكم جمال عبد الناصر، حيث لجأ هذا الأخير إلى السوفييت لإقامة شبكة صواريخ من طراز سام-1 وسام-2 على امتداد الضفة الغربية لقناة السويس. لكن في عهد السادات، انتكست العلاقات بين مصر والاتحاد السوفييتي ما أثر سلبا على مجال التعاون العسكري بين البلدين. ومنذ سنة 1979، توفر الولايات المتحدة مساعدات عسكرية لمصر تقدر بنحو 1.3 مليار دولار.

 

وعلى الرغم من الاضطراب الذي شهدته العلاقات الروسية المصرية، فإن التعاون العسكري بينهما لم يتوقف بشكل كليّ، فمنذ وصول حسني مبارك إلى السلطة سنة 1981 تواصلت المعاملات رغم محدوديتها إذ بلغت 1310 مليون دولار بين سنتي 2000 و2013، بينما كانت تقدر بنحو 230 مليون دولار بين 1990 و2000. وعلى هذا الأساس، احتلت مصر المرتبة الثانية بين المشترين للمعدات العسكرية الروسية على المستوى القاري. والأمر سيان بالنسبة للنظام السياسي الحالي، نظرا لأن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي فتح آفاق جديدة في مجال التعاون العسكري بين مصر وروسيا منذ تسلمه سدة الحكم سنة 2014.

 

وبين سنتي 2014 و2015، بلغت الإمدادات العسكرية الروسية إلى مصر 105 مليون دولار، فضلا عن توقيع البلدين على بروتوكول خاص بالتعاون العسكري في  شهر آذار/ مارس سنة 2014. كما أقام الطرفان مفاوضات اتفقا فيها على توريد مصر 24 طائرة طراز ميغ-آم 29 وأنظمة صواريخ ساحلية وغيرها من المعدات العسكرية الثقيلة التي تقدر قيمتها بنحو 3 مليار دولار. لكن التعاون الروسي المصري يواجه عدة العقبات لعل أهمها الوضع المالي غير المستقر للبلاد.

 

وكما ذكر آنفا، فإن العقد الماضي شهد زيادة كبيرة في حجم التعاون العسكري بين روسيا وبلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث بلغت حصة روسيا من الصادرات العالمية من الأسلحة الثقيلة الموجهة إلى هذه البلدان 27 بالمائة. ومن بين شركاء روسيا في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى؛ أنغولا ونيجيريا وأوغندا وأثيوبيا.

 

بالنسبة لأنغولا، بدأ التعاطي مع صفقات الأسلحة السوفيتية منذ سنة 1960، أي تزامنا مع اندلاع الكفاح المسلح ضد الاستعمار البرتغالي. وتلت تلك الفترة النضال المسلح ضد العدوان من جنوب أفريقيا، التي أرسلت قواتها إلى جنوب أنغولا، ثم الحرب الأهلية التي تلت الإعلان عن الاستقلال سنة 1975. وقد حدثت كل هذه الوقائع التاريخية في الفترة الممتدة بين 1980 و1990. وبالعودة إلى العقود الأخيرة، شهد حجم الصادرات الروسية إلى أنغولا، بين سنتي 2000 و2002، ارتفاعا مطردا حيث بلغت قيمتها 96 مليون دولار. لكن، في الفترة الممتدة بين 2003-2013، كان هناك غياب تام للتعاون بين كلا البلدين.

 

أما في نيجيريا، التي تعد أحد أقوى البلدان الأفريقية، تميز التعاون العسكري بينهما وبين روسيا بالتذبذب، حيث كانت بداية التصدير في مع نشوب الحرب الأهلية، المنجرة عن نضال الحكومة المركزية ضد الحركات الانفصالية في إقليم بيافرا (1967-1970)، وبما أن الاتحاد السوفييتي كان يقف إلى صف الحكومة المركزية، عمل على تزويد  نيجيريا بالدبابات والطائرات الحربية والمروحيات وأنظمة الدفاع الجوي. والجدير بالذكر، أن  حجم الإمدادات العسكرية الروسية الثقيلة إلى هذه الدولة بلغ 209 مليون دولار، في فترة 2014-2015، ويعود تمكن نيجيريا من الحفاظ على هذا القدر من المعاملات إلى امتلاكها ثروات طبيعية على غرار الاحتياطات الضخمة من النفط والغاز الطبيعي والمواد المعدنية.

 

أما أثيوبيا، فهي من بين أكبر خمس دول موردة للأسلحة والمعدات العسكرية الروسية في أفريقيا. وفي عهد الاتحاد السوفييتي بلغ حجم الصادرات الروسية من الأسلحة لهذا القطر أكثر من 5 مليار دولار. لكن عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، شهد هذا المعدل انخفاضا، إلا أنه تم استئناف التبادل العسكري في سنوات تفاقم النزاع مع الدول المجاورة بين سنة 1998-1999. وعلى الرغم من انقضاء تلك الفترة، إلا أن أثيوبيا مازالت عرضة للعديد من التهديدات الأمنية الخارجية، لأن الحدود الأثيوبية تمثل أرضية للصراعات العرقية والدينية، فضلا عن نشاط القراصنة.

 

الطريق إلى نجاحات جديدة

على مدى العقدين الماضيين، تمكنت روسيا من تعزيز مكانتها في سوق الأسلحة الأفريقية. على العموم، يقدر نصيب أفريقيا من صادرات الأسلحة الروسية 11 بالمائة، و27 بالمائة بالنسبة لبلدان أفريقيا جنوب الصحراء، بينما يقدر نصيب بلدان شمال أفريقيا من صادرات الأسلحة الروسية بأكثر من 30 بالمائة في الفترة الممتدة بين 2014 و2015. وفي ظل تزايد المنافسة في مجال تصنيع وتصدير الأسلحة، انخفضت الصادرات الروسية قليلا، إلا أن موقفها لا يزال قويا. ومن أهم مميزات الأسلحة الروسية في سوق الأسلحة العالمية والأفريقية، تمكنها من التوفيق بين السعر والجودة، فالمعدات العسكرية الروسية تتميز بمواصفات مطابقة للمعايير العالمية، ومتاحة بأسعار تتناسب مع الاحتياجات العسكرية والقدرات المالية للعملاء الأفارقة.

 

لكن، نظرا لدورة حياة أنظمة الأسلحة الحديثة، التي تتراوح بين 20 و30سنة، فإن  خدمة الصيانة بعد البيع تعد من بين المميزات التي تقدمها شركات الأسلحة العسكرية العالمية لعملائها. ونظرا لاحتدام المنافسة، بدأت روسيا العمل على تطوير هذه النقطة في مجال صيانة المعدات والأسلحة العسكرية بعد البيع منذ بضع سنوات، فضلا عن إقامة مراكز لصيانة الطائرات والمروحيات الروسية.

 

ومنذ سنة 2014، دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين  الشركات الروسية إلى تنفيذ برامج فاعلة لتعزيز مكانة الأسلحة والمعدات العسكرية الروسية في الأسواق الخارجية. ومن هذا المنطلق، عاد الشركاء الروس إلى العمل بالقروض التجارية ما شجع دولا مثل أوغندا على توقيع عقد في مجال التعاون العسكري مدته ثلاث سنوات، في تشرين الأول/ أكتوبر سنة 2013.

 

وفقا للمعطيات السابقة، تعد الدول الأفريقية شريكا واعدا في مجال التعاون التقني والعسكري بالنسبة لروسيا، فقد تمكنت الشركات العسكرية الروسية من الحصول على موطئ قدم لها في القارة السمراء فضلا عن أنها تعتزم في المستقبل توسيع مجال نشاطها في سوق الأسلحة الأفريقية. وخلال سنة 2012، تم الإعلان أنه بحلول سنة2020 ستستثمر الحكومة الروسية 100 مليار دولار في الأسواق الأفريقية، وستشرع أولا في رفع المستوى التكنولوجي في صناعة الأسلحة الدفاعية.

 

لا تزال مداخيل روسيا من تصدير الأسلحة والمعدات العسكرية تحتل المرتبة الثانية بعد مداخيل قطاع الطاقة، حيث تصل حصة الأسلحة من الصادرات الروسية إلى 70 بالمائة. والجدير بالذكر أن الصادرات تحتل حيزا مهما في التجارة العالمية وتلعب دورا فاعلا خاصة في السوق الإفريقية، فضلا عن أن روسيا تسعى إلى إيجاد أسواق جديدة. وفي هذا السياق، تعد مسألة الزيادة في حجم المبيعات العسكرية الروسية الموجهة للدول الأفريقية غاية في الأهمية، نظرا لأنها تعتبر من وسائل بسط النفوذ في العصر الحالي.

 رابط الدراسة الأصلية على المركز الدولي الروسي للشؤون الدولية

 

ضع تعليقاَ