أبريل 19, 2024

ستراتفور: روسيا تبقي أصدقائها قريبين وتبقي تركيا أقرب

 

يذكرنا هنري كيسنجر بأن الدول والعلاقات الناظمة بينها لا تملك أصدقاء دائمون أو أعداء دائمون وإنما توجد فقط مصالح دائمة. ترددت أصداء هذا الدرس في سانت بطرسبرغ، حيث قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمقابلة صديقه “العزيز” فلاديمير بوتين تحت مظلة “عفا الله عما سلف” في عرض ساخر ومفرط إلى حد ما كمصالحة الدبلوماسية.

 

وخلال سبعة أشهر فقط، تحولت تركيا وروسيا من كونهما الأعداء رقم 1 إلى خانة الأصدقاء القدامى. ويبدو أن أردوغان وبوتين ينوون علاج ما عرض بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية في نوفمبر 2015 على اعتبار أنها كانت وضعاً شاذاً في العلاقة بين البلدين. وكما قال بوتين:” اولويتنا تتمثل في إرجاع علاقاتنا إلى مستوى ما قبل أزمة الطائرة”. ووفق هذا الأساس يسعى الطرفان إلى تجاوز هذه الحلقة القبيحة وإعادة كل شيء إلى طبيعته السابقة.

 

وإن لم تكن بهذه السهولة، لكانت روسيا وتركيا الآن بالفعل تخوضان مساراً تصادمياً عنيفاً لا مفر منه على إثر اسقاط الطائرة الروسية. روسيا من جهتها ظلت لسنوات تعمل للحفاظ على نفوذها ضد الزحف الغربي، وأظهرت من خلال حملاتها في جورجيا عام 2008 وأوكرانيا عام 2014 بأنها مستعدة لاستخدام القوة عند الضرورة للحفاظ على جيرانها وحماية خلجانها من الخصوم. لكن تلك الإجراءات الروسية لم تزد الموقف الأمريكي إلى تصلباً للدفاع عن حلفائها في محيط روسيا، وبالتالي تعميق المواجهة بين واشنطن وموسكو. ولدفع واشنطن للنظر إلى مطالب موسكو بشكل جدي، وجدت روسيا نفسها مضطرة لكي تصبح مفسدة ووسيطاً في آن معاً في صراع طويل يحظى بانتباه الولايات المتحدة. أولاً اتجهت روسيا نحو إيران، وبمجرد نجاح المفاوضات مع إيران وتوصل الولايات المتحدة لاتفاق مع إيران، تحولت روسيا بتركيزها نحو سوريا.

 

في الوقت نفسه، انتشرت ظاهرة فراغ السلطة عبر الشرق الاوسط، وسحب هذا التطور تركيا تدريجياً للعمل خارج حدودها. ومع استمرار الحرب الأهلية السورية، تشعر تركيا بالقلق وعدم الاستقرار وانتشار النزعة الانفصالية الكردية عدا عن الإغراءات التي برزت لتركيا في فرص إعادة تشكيل بلاد الشام تحت السيطرة السنية والوصاية التركية. وتماماً كما قررت روسيا أن تتعمق في مشاركتها في سوريا، امتلكت تركيا خططاً للتدخل والتعامل مع تهديد الدولة الكردية وداعش المتنامي.

تركيا وروسيا، تشاركا كثيراً طرق الانطلاق، فهما تملكان مجالات متداخلة من النفوذ في منطقة البحر الأسود وأجزاء من الشرق الأوسط والقوقاز وآسيا الوسطى. لكن في هذا المفترق الجيوسياسي على وجه التحديد، كان الشرق الأوسط الذي اصطدمت فيه كل من تركيا وروسيا. وبقدر ما استفادت الولايات المتحدة من الخلاف التركي – الروسي، خاصة أن تركيا في هذه الحالة ستثبت التزاماً أكبر تجاه الناتو، إلا أن البيت الأبيض رأى أن تسهيل التقارب بين موسكو وأنقرة هو الخيار الأفضل له خاصة إذا ما كان يعني تقليل خطر اصطدام قادم بين الطرفين في سوريا بحيث تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة للتدخل – بحكم التزامها بحلف الناتو مع تركيا.

 

يستخدم بوتين وأردوغان مجموعة من الوعود الاقتصادية ليظهرا للعالم أن العلاقات التركية – الروسية تستعيد عافيتها وأن كل شيء على ما يرام، لكن فعلياً من ناحية الدينامية الجيوسياسية لم يتغير شيء وهنا تكمن مكامن الخلاف الأساسي بين البلدين. ولعل هذا هو السبب الذي دفع أردوغان وبوتين إلى عقد مؤتمر صحفي بمجرد مناقشة رفع الحظر على التجارة واستعادة الحركة السياحية واستئناف التعاون في مجال الطاقة، وقبل الدخول في الموضوع الشائك “سوريا”. فالتعاون الاقتصادي هو الجزء السهل الذي يستفيد منه كلا الطرفين عبر التعامل سوياً، فتركيا لا يمكنها العيش دون الغاز الطبيعي الروسي، وروسيا في حاجة ماسة إلى طريق إمدادات بديل مع أوروبا عوضاً عن أوكرانيا حيث تواجه إشكاليات معقدة. وحتى وإن كان هناك تعليق لبعض عمليات الخصومات وأنظمة التسعير وبعض المشاريع الكبيرة، إلا أن هناك تكلفة قليلة على أردوغان وتركيا أن يدفعها لدفع هذا التعاون الاقتصادي إلى أعلى مستوى.

 

على أي حال، تبقى سوريا أحد المجالات التي لا يمكن لتركيا وروسيا تجنبه وهما هناك على طرفي نقيض. فالمعركة الجارية في حلب هي مثال حي على ذلك، فبوتين وأردوغان يمكنها مناقشة رغبتهما في التوصل إلى تسوية سلمية في سوريا، لكن الطرفين الرئيسيين في المفاوضات – الثوار السنة المدعومين من تركيا وقوات الحكومة السورية التي يقودها العلويون وتحظى بدعم روسي – لا يزالان في صراع على المدينة وكل قطعة أرض تملك أهمية استراتيجية هناك. ولن يأتي أي منهما بجدية إلى طاولة المفاوضات طالما لم يتمكنوا من فرض سيطرتهم على حلب بشكل حازم. وبنظرة إلى تطورات القتال التي تخللها الشهر الماضي في حلب – حصار الموالين، وهجمة المتمردين المضادة- فنحن بعيدين تماماً عن نقطة يمكن القول حينها أن أحد الطرفين قام بالسيطرة على المدينة.

روسيا ستواصل استخدام الأزمة السورية ضد تركيا حتى في ظل تعاون أردوغان وبوتين، فروسيا تريد التأكد من أن تركيا تظهر بوجه واضح امام روسيا قدر المستطاع – هذا أمر أساسي لاتخاذ أي قرار عبر حلف شمال الأطلسي لبناء قوات في البحر الأسود، وأيضاً تركيا لاعب كبير في القوقاز حيث تسعى روسيا لتعميق نفوذها من خلال النزاع في ناغورنو – كاراباخ. ومع تركز أولويات تركيا في سوريا، يمكن لموسكو إبقاء تركيا على الحافة من خلال الاستمرار في دعم الانفصاليين الاكراد وتعقيد التطلعات التركية في سوريا عبر الحفاظ على الوجود الروسي في ساحة المعركة. وفي أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، يمكن لبوتين، المتمرس في شؤون الأمن الداخلي، أن يحمل فوائد تبادل المعلومات الاستخباراتية ونقل التقنيات التي تفيد في محو آثار الانقلاب وهو ما يمكن أن يأتي في إطار الحفاظ على أنقرة بالقرب من موسكو.

يتشارك بوتين وأردوغان في الطموحات الجيوسياسية الكبرى، وهما لا يملكان مجالاً لتكوين صداقات، بل إنهما ملتزمان بالسعي لتحقيق مصالحهما الوطنية. وبكل تأكيد، سيكون هناك المزيد من النقاط المقبلة التي تتضارب عندها المصالح القومية التركية والروسية.

 

هذه المادة مترجمة من موقع ستراتفور والمصطلحات الواردة في الترجمة وفق ما ورد في الموقع الأصلي 

ضع تعليقاَ