اقدمت روسيا على خطوة جريئة للغاية قبل أيام قليلة في سوريا، وما زالت الأحاديث تتوارد عما إذا أتى التصرف الروسي كحيلة للفت الولايات المتحدة إلى ضرورة التنسيق مع الولايات المتحدة أم أنه جاء لتقويض جماعة متمردة قد تشكل تهديداً محتملاً.
وكانت الطائرات الروسية قد شنت سلسلة من الغارات الجوية في 16 يونيو الجاري ضد جماعة متمردة مدعومة من الولايات المتحدة ” الجيش السوري الجديد” على مقربة من مخيم التنف وهو المعبر الحدودي بين العراق وسوريا قرب الأردن.
روسيا من جهتها نفت تنفيذ هذه الهجمة، لكن أدلة تمثلت في شريط فيديو يظهر الحادث والضرر الناتج أيضاً وبقايا القنابل العنقودية الروسية في الموقع شكلت إثباتاً كافياً.
الولايات المتحدة من جهتها أوردت تفاصيل متعلقة بالحادثة مبينة كيف قامت بإرسال طائرة لتحذير الطائرة الروسية من نوع سوخوي- ٣٤ المقاتلة، والتي عادت لاحقاً إلى الموقع لتنفيذ المزيد من الهجمات بعد أن غادره المقاتلين المدعومين من واشنطن بغية التزود بالوقود. ومهما يكن من ذلك، فهذا التصرف يمثل تطوراً خطيراً ويصنف على أنه خطوة وقحة من جانب روسيا.
يشن الروس وحلفاؤهم الموالين للنظام السوري غارات جوية منتظمة تستهدف القوات المتمرد المدعومة من الولايات المتحدة في سوريا. لكن التطور الجديد في قصف مخيم التنف كانت في استهداف القوات الروسية لقوات الجيش السوري الجديد التي تختص فقط بقتال داعش دون غيرها على غير باقي الفصائل المتمردة. واستهدف القصف المشار إليه ما بات يعرف بالجيش السوري الجديد وهي مجموعة صغيرة نسبياً مدربة ومجهزة بشكل رئيسي من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا والأردن وتنشط عادة في المناطق الصحراوية جنوب شرق سوريا حيث تسعى للاستيلاء على مزيد من الأراضي الخاضعة لسيطرة داعش شرقاً باتجاه دير الزور.
يحظى “الجيش السوري الجديد” بدعم كبير من قوات التحالف الجوية وسبق للقوات البريطانية والأردنية في كثير من الاحيان أن كانتا جزءً لا يتجزأ من قواته بصفات استشارية مختلفة، وهو ما يزيد من خطر الضربة الجوية الروسية ويشير إلى التصعيد الذي ستحدثه. روسيا من جهتها كانت تكفيها أهدافها الاستراتيجية في المنطقة لتنفيذ هذه الضربة الجوية بغض النظر عن خطورتها.حرصت روسيا منذ بدء تدخلها العسكري في سوريا إلى الحصول على تعاون من الولايات المتحدة في الصراع السوري، وانضمت إلى المفاوضات المتعلقة بإنهاء القتال وهو ما كان مدفوعاً بأمل روسيا بأن هذه المحادثات قد تسفر عن حل للقضايا الجوهرية الأخرى العالقة مع الأمم المتحدة مثل العقوبات المفروضة على روسيا والنزاع في أوكرانيا. وسعت موسكو حينها إلى إجبار واشنطن على العمل مباشرة مع القوات الروسية والسورية الموالية للنظام السوري وهو ما من شأنه أن يجبر واشنطن على الاعتراف بحكومة بشار الأسد.
الولايات المتحدة من جهتها رفضت كافة التدابير الروسية حينها وأصرت على تجاوز تدابير أجبارها على التدخل في سوريا وأصرت على توسيع مفاوضات السلام السورية. وعند هذه النقطة كانت موسكو حريصة على انخراط واشنطن في المعمعة بأي وسيلة. وبلاشك، فإن الدعم الروسي المتحمس لهجوم الموالين لنظام بشار على الرقة هو محاولة أخرى من أجل نيل اهتمام الولايات المتحدة. وكذلك يصنف الهجوم على مواقع الجيش السوري الجديد محاولة أخرى وإن كانت أكثر خطورة من سابقاتها. وربما تكون بالفعل محاولة لتدفيع الولايات المتحدة ثمن نفيها لما أعلنته روسيا في ١٩ يونيو الجاري عن توصلها لاتفاق مع الولايات المتحدة بهدف زيادة التنسيق في سوريا، حيث نفت الولايات المتحدة الإعلان الروسي وأعلنت أنه ورد من جانب واحد فقط.
ربما وإن كان بنسبة قليلة أن الاضطراب الذي حصل قد يكون بسبب خوف روسيا من كون الجيش السوري الجديد منافس محتمل للقوات الموالية لبشار الأسد في أجزاء من شرق سوريا بما في ذلك في محافظة دير الزور، حيث يضم الجيش الجديد أعدادً كبيرة لا تزال تحافظ على صلات كبيرة ببعضها البعض. وعلى العكس من ذلك، لم يتسبب الهجوم الروسي بكثير من التعطيل لتقدم الجيش السوري الجديد، حيث تمكنت المجموعة من الاستيلاء على نقطة الزبيدة بالقرب من الحدود العراقية في ٢٠ يونيو الجاري. لكن الضرر الأكبر لهذه الضربات قد يكون متعلقاً بالرسائل التي تحملها هذه الضربات للقوات الجديدة ويخلق تشكيكاً بين الجنود فيما إذا كانت قوات التحالف قادرة بالفعل على حماية هذه المجموعة.
وأياً كان السبب وراء هذه الضربة المحفوفة بالمخاطر فإن التكاليف المحتملة لهذه المناورة ستكون عالية إلى حد ما، وخلافاً لغرب سوريا حيث يحتدم القتال بين القوات الموالية للنظام وقوات المتمردين تشكل داعش – في المنطقة الغربية – ما يشبه المنطقة الفاصلة بين القوات المدعومة من أمريكا والقوات الروسية وحلفائها. هو ما مكن الولايات المتحدة وحلفائها من تأمين مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية والجيش السوري الجديد بعيداً عن خطر القوات التي تدعمها روسيا. ولكن مع زيادة تقدم كلا القوات على حساب داعش فسوف تأتي نقطة في نهاية المطاف تؤدي إلى الاتصال المباشر بين القوتين. ولأن العديد من الأطراف التي تقاتل في كل طرف تعتبر الطرف الآخر عدواً تاريخياً فإن لقاءهم سيكون صعباً حتى لو جاء ضمن أفضل سياق متوقع. ولعل الغارات الجوية الروسية كشفت عن المواقف المتخذة أصلاً ضد قوات الجيش السوري الجديد الجديد التشكل.
ستراتفور