مارس 19, 2024

فورين أفيرز: انشقاق المرتزقة الروس..هل بدأ الكرملين يفقد السيطرة في سوريا؟

في ليلة 7 فبراير / شباط تعرض حقل نفطي يسيطر عليه الأكراد في شمال شرقي سوريا لهجوم مفاجئ من قبل قوات متحالفة مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وقامت القوات الجوية الأمريكية بالتصدي للهجوم، وأشارت التقارير الأولية إلى مقتل ما لا يقل عن 100 مقاتل موالٍ للحكومة في غضون ثلاث ساعات.

في الأسبوع الذي تلا الهجوم، بدأت المعلومات تُظهر أن العديد من القتلى كانوا مرتزقة روس تعاقدت معهم مجموعة فاغنر، وهي شركة عسكرية خاصة ذات صلات وثيقة بالكرملين. وكشف تسجيلان صوتيان باللغة الروسية أن عدد القتلى هو 200، وأظهرت تقارير أخرى أن  أرقام الإصابات تصل إلى 600 في صفوف هؤلاء المرتزقة. على الرغم من أن هذه الأرقام تبدو بسيطة في البداية، إلا أن مصادر روسية أخرى صرحت بأن عدد القتلى يتراوح من 20 إلى 25 قتيلاً، إلا أن الأدلة المطروحة تؤكد أن عدد الضحايا بلغ المئات. وأبلغ مقاتلو فاغنر السابقون الذين لهم صلة بمن قُتِلَ أن عدد القتلى ما بين 80 و 100 قتيلاً و 200 جريح، بينما عالجت المستشفيات الروسية مئات الجرحى. وذكر تسجيل باللغة الشيشانية من سوريا أن 170 من 200 مقاتل فاغنر شاركوا في الهجوم لقوا مصرعهم. ويبدو الآن أن 300 إصابة ليست رقماً معقولاً بل محتملاً. ويبدو أن العملية الأخيرة حدثت في وقت لم تكن فيه  الحكومة الروسية على استعداد تام. كانت تصريحات الكرملين الأولية تقتصر على سردية واحد في 14 فبراير/شباط وهو أنه “قد يكون هناك مواطنون من الاتحاد الروسي” يقاتلون في سوريا، ولكن هم “ليسوا مرتبطين” بالقوات المسلحة الروسية. وفي اليوم التالي، اعترفت وزارة الخارجية الروسية بأن “5 من الروس قد لقوا حتفهم” في هجوم فاغنر. وفي غضون ذلك، ظهرت عدة مقابلات مع أفراد أسر المتوفين بالإضافة إلى تأكيدات مستقلة أكدت وفاة عشرة أشخاص على الأقل. وفي 20 فبراير/شباط، صرحت وزارة الخارجية عن هذا العدد، موضحة بأن “عشرات” المواطنين من روسيا وغيرها من البلدان الناطقة بالروسية قتلوا أو جرحوا في سوريا. يبدو أن سلوك موسكو ينبع من قلق حقيقي وليس من محاولات للتضليل. على مدى السنوات الخمس الماضية، تطورت فاغنر لتصبح المقاول العسكري الروسي البارز، ولعبت دوراً محورياً في العمليات العسكرية لموسكو في سوريا وأوكرانيا. مع ذلك فإن هذا الارتباك حول الهجوم يشير إلى أن أعمال فاغنر الهجومية أدت إلى هزيمة لم يكن يتوقعها الكرملين. يبدو أن روسيا– المشكوك أصلاً بقدرتها على السيطرة على نظام بشار الأسد- تواجه الآن قضايا تقيد حتى متعاقديها من المرتزقة.

دوافع الربح

إذا كان هجوم 7 فبراير جاء بالفعل مفاجأة للكرملين، فكيف ولماذا حدث؟ في هذه الحالة، يقدم تقرير صادر عن صحيفة كومرسانت الروسية تفاصيل حاسمة. وقد قال موظف سابق في فاغنر ورفيق العديد من القتلى في الحادث إن هذه محاولة من قبل رجال الأعمال المحليين الذين يدعمون حالياً بشار الأسد للاستيلاء على حقول النفط والغاز التي يسيطر عليها الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة الأمريكية. ومن الواضح أن الخطة كانت تهدف إلى مهاجمة القاعدة الكردية والاستيلاء عليها قبل أن تتمكن القوات الجوية الأمريكية من ايقافها. وللوهلة الأولى، فإن هذه الخطوة لم يسبق لها مثيل، فبعد تدخل روسيا في سوريا في أيلول/سبتمبر 2015، لم تكن هناك مؤشرات موثوقة على أن فاغنر تعمل خارج قيادة الكرملين. ومع ذلك، فإن حادثاً في عام 2013 يحمل أدلة أكثر. في تلك السنة، تم التعاقد مع الفيلق السلافي – وهو السلف من فاغنر- من قبل عميل سوري مجهول للاستيلاء على حقول النفط في الشرق، في  المنطقة نفسها تقريباً حيث وقع القتال يوم 7 فبراير. هذا أيضاً كان هزيمة، فجماعة الفيلق السلافي كانت غير مجهزة تجهيزاً جيداً ودفعت من قبل المقاتلين السوريين المتمردين، لكنه يدل على أن مثل هذه الهجمات يمكن أن يحدث دون معرفة موسكو.

هذا الكشف يثير أسئلة أكثر مما يجيب، وأهمها هو إلى أي مدى وافقت الحكومة الروسية على الهجوم وعما إذا كان بريغوجين والسوريين على علم بالوجود الأمريكي في المنطقة. الجواب الأكثر منطقية في هذه المرحلة هو أن الكرملين كان على علم بأن فاغنر و بريغوجين تعتزمان إرسال إشارة للأكراد بناءاً على طلب دمشق، ولكن توقعوا القليل أو حتى عدم الرد من القوات الأمريكية، ولكن بالتأكيد لم يتوقعوا الهزيمة التي تلقتها فاغنر.

منافع ومضار المرتزقة

أظهر  حادث 7 فبراير الدور الذي لعبته فاغنر كأداة للسياسة الخارجية الروسية. بعد بداية مشؤومة كبداية الفيلق السلافي في سوريا في عام 2013، يزعم أن المجموعة شاركت في استيلاء فبراير 2014 على شبه جزيرة القرم. شارك مرتزقة فاغنر بشكل كبير في العمليات العسكرية الروسية في شرق أوكرانيا في عام 2014، بما في ذلك معركة ديبالتسيفي في أوكرانيا في يناير وفبراير 2015. وعلى الرغم من أن الشركات العسكرية الخاصة لا تزال غير قانونية من الناحية الفنية في روسيا نفسها، فإن موسكو تعاقدت مع المجموعة لعدد من المهام في سوريا بعد تدخلها عام 2015 هناك. كانت فاغنر نشطة بشكل خاص في وسط البلاد وشرقها، شارك مقاتلو فاغنر في السيطرة على تدمر السورية في مارس 2016، وكذلك في حملة أواخر عام 2017 في مدينة دير الزور بسوريا. وتشير التقديرات الحالية إلى أن أعداد فاغنر في سوريا حوالي 2500 جندي. في سبتمبر 2016 يقدر أن روسيا كان لديها أقل بقليل من 5000 فرد في سوريا، ما يجعل مرتزقة فاغنر يساوون حوالي نصف عدد القوات الرسمية. وكثيراً ما لعب المرتزقة دوراً صغيراً مثل الاستيلاء على الأراضي والقيام بالضربات الجوية، ولكن تم وضعهم أيضاً على الخطوط الأمامية. إن فائدة هذه المجموعة واضحة، فهي تسمح لروسيا بتوظيف قوات برية دون أن تتكبد مخاطر سياسية من احتمال وقوع إصابات في صفوفها. وهذا مفيد بشكل خاص عندما يكون هناك قتال عنيف، ففي أيلول / سبتمبر 2017 وحده، أفادت التقارير بأن فاغنر قد خسرت 54 قتيلاً. وتمت مكافأة المجموعة أمام الجمهور: شوهد بوتين وهو يقدم ميدالية إلى رئيس فاغنر ديمتري أوتكين في حفل الكرملين في ديسمبر 2016.

ومع ذلك فإن أحداث 7 فبراير تظهر أن فاغنر قد تقلل من المخاطر السياسية للإصابات ولكن لا يقضي على التهديد تماماً. من المستحيل التعتيم على معركة نتج عنها 100 حالة وفاة في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، وقد تحدث بعض الصحفيين بالفعل إلى أفراد عائلة القتلى. وقالت إحدى أمهات القتلى من بلدة صغيرة في الأورال إن أعضاء وحدته تعاملوا معهم  “كالخنازير المرسلة إلى الذبح”. وعبرت أم أخرى عن استيائها أيضا قائلة إن الحكومة الروسية “مسؤولة عن أفعالها”. والدعاية المدمرة ليست ما يحتاجه بوتين خصوصاً مع اقتراب الانتخابات العامة المقرر اجراؤها في منتصف مارس.

ولكن بالرغم من أن  هجوم 7 فبراير سيئ للجبهة الداخلية الروسية، إلا أنه من المرجح أن يكون تأثيره على الصراع السوري أسوأ. وتواجه موسكو بالفعل صعوبة في السيطرة على مسار الأزمة، حيث انتهى مؤتمر السلام السوري الذي طال انتظاره في سوتشي مؤخراً بكارثة. ولا يزال الصراع يشتد بين الأكراد السوريين وتركيا في الشمال الغربي، وتشير التقارير إلى أن الأكراد والنظام السوري – على ما يبدو- قد أوقفوا تورط موسكو في مفاوضاتهم. حتى لو كان اعتداء فاغنر قد تم الموافقة عليه بشكل ما من قبل الكرملين، إلا أن نتائجه الكارثية وحجم المعركة التي تلت ذلك لن يقدم لروسيا سوى القليل من الشرعية الروسية كقوة لتحقيق الاستقرار في سوريا. إن معرفة ما إذا كان  الكرملين لا يستطيع أو لا يمارس السيطرة على الوكلاء مثل فاغنر يطعن في ادعاءات روسيا بأنها تتحكم بالسلطة في سوريا. أما بالنسبة إلى فاغنر نفسها، فإن الخطوات التالية غير واضحة. ستسعى موسكو بالتأكيد إلى كبح جماح هذه المجموعة ومن المحتمل أن تعيد نشر عناصر من المنطقة  التي وقع فيها هجوم 7 شباط/فبراير في ضواحي دمشق حيث يلوح في الأفق هجوم كبير للنظام. ومن المرجح أن تصبح فاغنر أكثر انخراطاً في مقاطعة إدلب في شمال غرب سوريا التي أصبحت الآن محور القتال بين النظام والمجموعات المتمردة المتبقية. إن الكشف عن المعلومة التي تفيد بأن بريغوجين استخدم بشكل فعال فاغنر كأداة لدفع مصالحة الشخصية وعلاقاته المسؤولين السوريين – حتى لو كان معتمدا من قبل الكرملين- يدل على إمكانية تصعيد غير معروفة حتى الآن. وقد لقمت الولايات المتحدة الأمريكية فاغنر درسا كبيراً يلزمه بالتفكير مرتين قبل محاولة القيام بمثل هذه الحيلة مرة أخرى. ومع ذلك فقد تم تحديد الجماعة التي تقاتل القوات التي تدعمها الولايات المتحدة مسبقاً. بالنسبة لبوتين، يبدو أن هذا الهجوم هو الأخير فقط في سلسلة من التصعيدات غير المرغوب فيها في بلد أعلن فيها عن النصر منذ شهرين فقط، ودليل على أن قوات مثل فاغنر يمكن أن تعود بنتائج عكسية بطريقة غير مقصودة.

المصدر: فورين أفيرز

الرابط: https://www.foreignaffairs.com/articles/syria/2018-02-26/russias-mercenary-debacle-syria?cid=int-fls&pgtype=hpg

ضع تعليقاَ