مارس 29, 2024

فورين أفيرز: الطموحات النووية الروسية في الشرق الأوسط

لم يتمتع الشرق الأوسط بآفاق جيدة فيما يتعلق بالطاقة النووية قبل بضع سنوات، خاصة وأن عوامل عدم الاستقرار السياسي أضرت كثيراً بالاستثمارات الطويلة الأجل في مجالات البنية التحتية النووية للأغراض المدنية. فعلى سبيل المثال، كانت مصر في مراحلها الأخيرة من دراسة عروض خاصة ببناء مفاعل نووي قبل اندلاع الانتفاضة الشعبية عام 2011. وعبر الحكومات الانتقالية في مصر لم تغادر خطط المفاعل النووي رفوف المكاتب الإدارية في الحكومات المصرية. هذا عدا عن حادثة مفاعل فوكوشيما الياباني عام 2011 والتي أدت إلى اهتزاز ثقة الجمهور في جميع أنحاء العالم في مدى سلامة الطاقة النووية وأثارت تساؤلات كثيرة حول مستقبل هذه الصناعة. لكن، الآن على الأقل يبدو أن الشرق الأوسط في طريقه للعودة والتركيز على مجال الطاقة النووية. ففي أبريل الماضي، أعلنت شركة “روس أتوم” الروسية العاملة في مجال الطاقة النووية أنها ستفتتح مكتباً لهاد في إمارة دبي في الإمارات، وسيعمل مكتبها هناك على الإشراف على عدد من مشاريع الطاقة النووية في كل من مصر وإيران والأردن وتركيا، وتأمل الشركة عبر تواجد مكاتبها في دبي أن تساهم في فتح آفاق جديدة لمجال الصناعة النووية في المنطقة.
تعد الخطوة الروسية ذكية للغاية ودقيقة في التوقيت، فالشرق الأوسط يعج الآن بكثير من ” الوافدين الجدد على المجال النووي” حيث يمكن اعتبار 6 من بلدان المنطقة في طريقها لدخول مجال الطاقة النووية. عام 2011، كانت إيران الدولة الأولى في المنطقة التي تنجح في تشغيل مفاعل نووي، وكانت خطط إيران تشمل على المدى الطويل التوسع في هذا المجال وصولاً لامتلاك 8 مفاعلات نووية إضافية، وهو ما يمكن أن يتعطل تحت تأثير الصفقة النووية الأخيرة.
من جانبهم، بدأت دول المملكة العربية السعودية والإمارات في تطوير مجالات الطاقة النووية أعوام 2010 و 2009 على الترتيب. وتنطلق دوافع الدولتين من خلال جهودهم المبذولة لتنويع مصادر الطاقة الخاصة بهم عبر استخدام الطاقة النووية باعتبارها رمزاً لمكانتها في سياق التنافس الاستراتيجي مع إيران.
قد تملك المملكة العربية السعودية الخطط النووية الأكثر طموحاً، فهي تهدف إلى بناء 16 مفاعلاً نووياً بحلول العام 2032. فيما يعتبر المفاعل النووي الإماراتي الاول حالياً قيد الإنشاء ومن المتوقع أن يتم بناؤه في عام 2017. مصر من جهتها أحيث خطتها في بناء سلسلة من مفاعلات الطاقة النووية في منطقة الضبعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، تركيا والأردن انضمتا للسباق أيضاً، حيث من المتوقع أن تتم الشركات الروسية بناء أول مفاعل نووي تركي عام 2020 وكذلك أول مفاعل نووي أردني عام 2025.
وعبر هذا التدافع، تمكنت حكومات الشرق الأوسط من التواصل مع مزودي التكنولوجيا النووية والحصول على أفضل الممارسات التنظيمية وفرص التدريب. فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، تزايدت اتفاقات التعاون النووي بين الحكومات الإقليمية والموردين المحتملين بشكل مطرد. وبشكل عام تعد روسيا البلد الأكثر استفادة من هذه العروض خاصة وأنها اتبعت استراتيجية تصدير فريدة وخطط طموحة في جميع أنحاء المنطقة.
على صعيد آخر، بجانب التطور الذي تشهده المنطقة فيما يتعلق بالجانب النووي، يشهد السوق النووي العالمي تحولاً كبيراً. فالهند وروسيا ضخت استثمارات كبيرة في مجالات البنية التحتية النووية المحلية. وتعد بكين الآن في مراحل مبكرة من وضع استراتيجية لتصدير تقنيتها الأصلية. روسيا من جهتها تبرز نموذجها الخاص بالتصدير بشكل متطور بما يمثل جاذبية فريدة لحكومات الشرق الأوسط. فشركة روس أتوم على استعداد لبناء وامتلاك وتشغيل المفاعلات النووية وبيع الكهرباء المتولدة مرة أخرى إلى البلاد بأسعار مضمونة. ووعدت روسيا أيضاً بتوفير فرص التدريب والتعليم في مجال التكنولوجيا النووية للسكان المحليين وهو ما سيساعد على خلق فرص للعمل هناك.
يقدم النموذج الروسي فوائد واضحة للطرفين، فشركاء روسيا في المجال النووي يحصلون على كهرباء وطاقة من مصادر مستدامة حتى انهم يتجنبون عبر هذا النموذج تكاليف البناء الأولية والتي كانت تحول دون توجيه اهتمام الحكومات نحو هذه المحطات في الماضي. روسيا على الطرف الآخر تستفيد من أرباح بيع الكهرباء واستخدام سلسلة التوريد الروسية من أجل البناء بما يرسخ العلاقات الاقتصادية الحيوية مع دول الشرق الأوسط على المدى الطويل. هذا عدا عن توفير هذه الصفقات لموسكو الفرصة لإبراز نفسها باعتبارها شريكة متقدمة علمياً وهو ما يمهد الطريق لاستعادة دور الاتحاد السوفيتي السابق في التصنيع مع الجزائر ومصر والعراق وليبيا ومناطق الشرق الأوسط خلال الحرب الباردة.
هذا لا يعني أن روسيا ستكون قادرة على بيع منتجاتها في كل مكان، فلا يمكن اعتبار جميع الدول متثاقلة من تكلفة بناء البنية التحتية النووية. فعلى سبيل المثال، لا تملك المملكة العربية السعودية حوافز عالية للاستفادة من النموذج الروسي الحالي نظراً لثروة البلاد الوفيرة. يمكن للسياسة الخارجية الروسية في الشرق الأوسط أن تكون حجر عثرة أمام هذا المشروع، فالدعم السياسي والعسكري الروسي للرئيس السوري بشار الأسد وتر العلاقة مع تركيا ودول الخليج. هذا عدا عن حادثة اسقاط المقاتلة الروسية على أيدي القوات التركية في ديسمبر 2015، وهو ما أثار مخاوف البلدين حول الاستمرار أو توقيف البناء في محطة “أكويو” النووية جنوب تركيا. وعلى الرغم من أن المشروع لم يتأثر حتى الآن إلا أن مصيره ما زال معلقاً تحت تأثير اهتزاز العلاقة بين البلدين وتدهورها.
روسيا تستخدم قوتها للتأثير على المسار الاستراتيجي والاقتصادي في هذه الاتفاقات، فهي تعمل على توفير صيانة المفاعلات النووية وكذلك توفير عقود تزيد من الفوائد الاقتصادية لها. بالاضافة إلى تنمية العلاقات طويلة الأجل مع دول الشرق الأوسط بما يخدم أغراضها الاستراتيجية. ولكن كيف ستعمل موسكو على استخدام تأثير نفوذها النووي في الشرق الاوسط للتأثير في الشرق الأوسط، هو ما يزال محل النقاش. وبالفعل حققت روسيا مكاسب كبيرة في السوق النووية في الشرق الأوسط، ويشير المركز الإقليمي الجديد لشركة “روس أتوم” في دبي إلى التزام روسيا باستراتيجية طويلة الأمد في هذا المجال. وبشكل عام، تعتمد قدرة روسيا على توسيع حصتها وتعزيز مكاسبها في السوق على قدرتها على توفير التكنولوجيا والخدمات النووية بأسعار معقولة. وتحتاج روسيا أيضاً أن تصبح ذات مصداقية عالية على المدى الطويل خاصة وأنها بدأت في الانخراط بشكل أكبر في مجالات السياسة الحزبية في الشرق الأوسط. ويبقى لنا أن نرى مدى انفصال أو اتصال الصفقات الروسية مع واقع الأرض وجغرافيتها السياسية في المنطقة.

*ماثيو كوتيي: باحث في سياسة عدم الانتشار النووي والسياسة النووية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية

*حسن البهتمي: باحث في مرحلة ما بعد الدكتور في مركز العلوم والدراسات الأمينة في معهد “كنجز” في لندن

ضع تعليقاَ