مارس 19, 2024

نيويورك تايمز: المملكة العربية السعودية تأمر مواطنيها بمغادرة لبنان ممَّا يثير المخاوف من الحرب

بيروت-لبنان: أصدرت المملكة العربية السعودية أمراً لمواطنيها بمغادرة لبنان يوم الخميس، ممَّا أدى إلى تصاعد الأزمة المحيرة بين الدولتين العربيتين، ورفع المخاوف من احتمال أن يؤدي ذلك إلى أزمةٍ اقتصاديةٍ أو حتى إلى الحرب.

جاء هذا القرار بعد أن كثفت السعودية إدانتها لحزب الله، الميليشيا الشيعية المدعومة من إيران، وهي أقوى قوةٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ في لبنان، وأكدت أن لبنان قد أعلن الحرب فعلياً على السعودية. وأدت التطورات إلى إغراق لبنان في حالةٍ من القلق الوطني، حيث انهمك السياسيون والصحفيون بل وحتى الآباء الذين يعيدون أطفالهم من المدارس في التساؤل حول ما قد يجري بعد ذلك.

في حين قال محللون إن الحرب غيرُ محتمَلة (لأن السعودية لم تكن قادرة على شنها، و لأن إسرائيل لا تريدها الآن)، لكنهم قلقون من أنه مع كثرة الصراعات النشطة في المنطقة، فإن أي أفعالٍ سعودية ترفع درجة الحرارة  ستزيد من خطر حريقٍ عرضي.

وقال روبرت مالي، المدير السابق لسياسة الشرق الأوسط في البيت الأبيض في عهد أوباما، ونائب الرئيس للسياسة في مجموعة الأزمات الدولية حالياً: “هناك الكثير من الصمامات، والاتصالات قليلةٌ جداً، والكثير من المخاطر من انفجار شيءٍ ما، كما أن هناك فرصةً ضئيلةً بأن لا يسير شيء ما على نحوٍ خاطئ”، و” للحفاظ على الاستقرار يجب أن يسير كل شيءٍ على ما يرام “.

وتقبع خلفية الأزمة في سلسلةٍ من الخطوات التي اتخذتها المملكة العربية السعودية في الأيام الأخيرة لمواجهة منافستها الإقليمية الصاعدة إيران، بالإضافة إلى الاعتقالات المفاجئة لنحو 200 سعودي من بينهم 11 أميراً، في ما تصفه الحكومة بأنها حملةٌ لمكافحة الفساد، والتي يرى النقاد أنها توطيدٌ لسلطة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

وكان لبنان قد وقع بالفعل في الأزمة بطريقتين: بعد أن أُطلق صاروخٌ من اليمن على العاصمة السعودية الرياض يوم السبت، اتهم مسؤولون سعوديون حزب الله وإيران بالمساعدة في الهجوم. وأعلنوا أن الهجوم بلغ مبلغ إعلان الحرب من قبل لبنان، وهي قفزةٌ تدل على أن الدولة اللبنانية الضعيفة لا تسيطر على حزب الله.

وفي الوقت نفسه، توجه رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري إلى الرياض يوم السبت، وأعلن استقالته من هناك. وازدادت الشكوك بين المسؤولين والدبلوماسيين في بيروت يوم الخميس حول أنه لم يتعرض لضغوطٍ من قبل السعودية فحسب، بل كان محتجزاً هناك رغماً عن إرادته.

ورغم المخاوف فإن المحللين والمسؤولين والدبلوماسيين قالوا إنه على الرغم من أنهم لم يكونوا مطلعين على تفكير ولي العهد السعودي فإنه من غير المجدي أن تطلق السعودية عملاً عسكرياً ضد لبنان؛ إذ إنها منهمكة بالفعل في الحرب التي بدأت قبل عامين ضد المتمردين الحوثيين في اليمن.

وقد أعربت المملكة العربية السعودية عن استيائها من لبنان بهذه الطريقة من قبل، فقد كانت هذه المرة الرابعة على الأقل خلال خمس سنوات التي تطلب فيها من مواطنيها مغادرة لبنان. لكن كانت المخاوف تنمو في لبنان، حتى قبل الأزمة الحالية، من أن إسرائيل (التي تشترك في هدف السعودية إضعاف السلطة الإيرانية) قد تشن حرباً أخرى على حزب الله؛ للحد من القوة المتزايدة والنفوذ والأسلحة التي جمعتها الجماعة اللبنانية أثناء قيامها بدورٍ حاسمٍ في الحرب في سوريا المجاورة.

وقد تمسّك العديد من المسؤولين الإسرائيليين باستقالة السيد الحريري (التي نسبها إلى التدخل الإيراني) كدليلٍ على أن حزب الله وإيران والحكومة اللبنانية يمثلون وحدةً متماثلة. وأدى ذلك إلى إثارة القلق، فرغم إصرار إسرائيل وحزب الله على أنهما مستعدان للحرب، فإنهما لا يريدانها الآن. وكان رد فعل واشنطن أمس الخميس على قرار السعودية إصدار الأمر لمواطنيها في لبنان متحفظاً أيضاً. وقال أندرو إكسوم، وهو مسؤول سابق في سياسة الشرق الأوسط في البنتاغون، في مقابلة عبر الهاتف: “لا أعتقد أننا على وشك الحرب، ولكنه بالتأكيد يشكل تصعيداً”. وكان السؤال عمَّا إذا كانت التوترات المتزايدة ستشعل الحرب على أي حال.

وبينما شجع مسؤولون إسرائيليون تعامل الأمير محمد المتشدد مع إيران، قالوا إنهم غير واثقين من أن ولي العهد خبيرٌ أو حاذقٌ بما فيه الكفاية لتجنب اندلاع صراعٍ إقليمي أوسع، قد يجر إليه إسرائيل. وقال نفتالي بينيت، وزير التعليم الإسرائيلي وعضو المجلس الأمني لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: “لدى إسرائيل هدفان هما: وقف مسار إيران نحو الهيمنة والنفوذ في المنطقة، وإقامة تحالف بين اللاعبين العقلانيين في المنطقة يشمل إسرائيل”، و”أن يكون هناك اصطفافٌ كهذا فهذا تطورٌ إيجابيٌ بالتأكيد. وفي الوقت نفسه، يجب أن نكون حذرين جداً لمنع تصعيدٍ غير ضروريٍ في المنطقة”. وقال دانييل ب. شابيرو، وهو سفير سابق في الولايات المتحدة لدى إسرائيل، بمزيدٍ من الصراحة، إن من الأمور التي يمكن أن تتفق فيها إسرائيل مع السعودية هو تحديد من هم خصومهما، “ولكن السماح لزعيمٍ شابٍ متهور بأن يقود المسيرة، في حين لا يتوجب عليه أن يقوم بكل ذلك القتال، هو أمرٌ آخر”.

وممّا يزيد من الحيرة أن لا أحد يقر بفهم منطق السعودية أو أهدافها في لبنان. ويبدو أن استقالة السيد الحريري، التي كانت تهدف على ما يبدو إلى عزل حزب الله، ستعزز الحزب وحلفاءه فقط. فقد أهانت استقالة السيد الحريري الحليف الرئيسي للمملكة العربية السعودية في البلاد، وأحدثت أزمةً سياسيةً محتملةً مزعزعةً للاستقرار في لبنان، وأتاحت لزعيم حزب الله حسن نصر الله فرصة الظهور كرجل الدولة الأكبر سناً، داعياً إلى الاستقرار ومعلناً أن السيد الحريري هو موضع ترحيبٍ في أي وقت.

وأشار بعض المحللين إلى أن التصعيد السعودي في لبنان كان يدور قليلاً حول الحد من قوة حزب الله، ووبشكل رئيسي كان إلهاء عمَّا يبدو أنه تطهير سياسي في الداخل، ومحاولاتٍ كبيرةً فاشلةً في مواجهة إيران في الخارج في سوريا واليمن. وأثارت هذه التطورات تكهناتٍ بأن الأمير محمد ربما يثبّت نفسه ليعلن استيلاءه على العرش. وقال مايكل يونغ، وهو محلل لبناني، إنه ربما كان يشعر أنه يمكن أن يسجل نقاطاً أسهل في لبنان ويقول داخلياً “انظروا، إني صارمٌ تجاه حزب الله”، “كل هذا يوحي لي بأن وصول الملك محمد سيكون وشيكاً”.

وبدلاً من الحرب يقول المحللون إن الخطوات السعودية المقبلة ضد لبنان قد تكون اقتصادية، مثل المقاطعة والحصار اللذين تديرهما المملكة العربية السعودية وحلفاؤها في الخليج العربي ضد قطر. فيمكن للمملكة العربية السعودية وحلفائها طرد المواطنين اللبنانيين، وإغلاق المسالك الجوية، وقطع العلاقات الدبلوماسية، والمطالبة بإخراج حزب الله من الحكومة أو إجباره على نزع سلاحه، كما كتب المدون السياسي إلياس مهنا.

وقد يتضرر حزب الله على نحوٍ أقل حيث إنه بخلاف الأحزاب الأخرى واللبنانيين العاديين، يمكن أن يعتمد على دعمٍ ماليٍ واسع النطاق من إيران. ولكنّ أياً من ذلك لم يكن مطمئناً للناس في لبنان، وهو البلد ذو الـ6.2 ملايين شخص تقريباً، الذي قضى معظم تاريخه يترامى بين قوىً إقليمية وعالمية، وآخرها بين السعودية وإيران التي تستغل انقساماته الداخلية. و قد نجا البلد من حرب مدمرة في عام 2006 عندما حارب حزب الله إسرائيل حتى التعادل.

وقد كان لبنان مشغولاً طوال الأسبوع بالسؤال عن سبب عدم عودة السيد الحريري، أو التحدث إلى الصحفيين أو حتى إلى العديد من حلفائه السياسيين ومستشاريه. وتابع اللبنانيون مواقع وسائل الإعلام الاجتماعي في وقت متأخر من ليلة الأربعاء يتتبعون رحلةً جويةً من الرياض، اعتقدوا أنه قد يكون على متنها، لكنه لم يكن هناك. في حين كاد حزبه السياسي تيار المستقبل يتفق علناً مع حزب الله وحليفه الرئيس ميشال عون، بأن السيد الحريري كان رهينة، إلا أنه أوضح في بيانٍ أنه لا يعمل تحت إرادته الحرة، مشيراً إلى كونه لا يزال رئيساً للوزراء.

و قال البيان إن عودته “ضرورية لاستعادة كرامة واحترام لبنان”، مؤكداً دعمه لقيادته وتعهد “باتباعه في كل ما يقرره”. والتقى الحريري، وهو مواطنٌ مزدوج الجنسية لدى كلٍ من لبنان و السعودية، سفيري بريطانيا و الاتحاد الأوروبي والقائم بالأعمال في السفارة الأمريكية الأربعاء و الخميس في مقر إقامته في الرياض. وقال دبلوماسيون غربيون آخرون، طالبين عدم ذكر أسمائهم، إن هؤلاء المبعوثين خرجوا أيضاً بانطباع أنه لا يستطيع التحدث بحرية. وقد نشرت السفيرة الأمريكية في لبنان إليزابيث ريتشاردز صوراً لاجتماع مع مسؤولين في الجيش اللبناني، وأكدت الدعم الدولي للحكومة اللبنانية. ولكن الرئيس ترامب في الأيام الأخيرة قد نشر على تويتر رسائل عن دعمٍ غير محدود لحكام المملكة العربية السعودية، قائلاً إنهم “يعرفون ما يفعلونه بالضبط “.

وقد حاول لبنان التعامل مع التوتر بمزيجه المعتاد من الذعر والإنهاك، وتناقش الناس إن كان عليهم تخزين الأغذية المعلبة استعداداً لحرب قادمة، لكنهم أثاروا أيضاً الكوميديا السوداء، وقال كريم طرابلسي، المحرر في موقع “العربي الجديد”، في منشورٍ على فيسبوك: “على المملكة العربية السعودية أن تدفع ثمن علاجنا”.

المصدر: نيويورك تايمز

الكاتب: ANNE BARNARD

الرابط: https://www.nytimes.com/2017/11/09/world/middleeast/saudi-arabia-lebanon-war.html

ضع تعليقاَ