أبريل 23, 2024

فورين أفيرز: التحالفات الأمنية للمملكة العربية السعودية

هل يمكن للرياض الهيمنة على الشرق الأوسط؟

سعت المملكة العربية السعودية منذ عام 2015 إلى تعزيز قوتها الإقليمية، من خلال إنشاء عدد من الائتلافات والتحالفات المتعددة الأطراف غير الرسمية، التي تشارك فيها مجموعات من مختلف الدول العربية والإسلامية وغيرها من الدول تحت قيادتها. وكان أولها التحالف العربي في اليمن، الذي أطلق في آذار/مارس 2015. وأعقب ذلك في كانون الأول/ديسمبر 2015 التحالف العسكري الإسلامي لمكافحة الإرهاب (إمافت). وآخرها التحالف المناهض لقطر، الذي أنشئ في حزيران/يونيو 2017 لإجبار منافسي السعودية منذ فترة طويلة في مجلس التعاون الخليجي على أن يتماشوا مع رؤيتها الاستراتيجية.

في الأسبوع الماضي، استضافت البحرين، بالتعاون مع الائتلاف العربي في اليمن و”إمافت”، أول مؤتمر للتحالفات والائتلافات العسكرية في الشرق الأوسط. ويهدف المؤتمر، المعروف باسم ميماك، إلى تسليط الضوء على “الدور الحاسم” للتحالفات في “الدفاع والأمن الجماعي في المنطقة”، على حد تعبير رئيس المؤتمر. وكان من بين المتحدثين شخصيات عسكرية حالية وسابقة من البحرين والأردن وماليزيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، من بينهم روبرت هاروارد، نائب قائد سابق لـ”سينتكوم”، وويسلي ك. كلارك، قائد الناتو السابق، الذي عمل أيضاً رئيساً للميماك.

إن التحالفات الثلاثة التي تقودها المملكة العربية السعودية تتسم بالمرونة العالية، ولا يتوقع المشاركون فيها أن تؤدي إلى إقامة علاقة مؤسسية دائمة. وعلى الرغم من أن مهامها ليست محددة النطاق، فإنها في الواقع تختص بمسائل محددة. فيقتصر التحالف في اليمن على شن حرب ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية والمتمردين الحوثيين، الذين ينظر إليهم على أنهم وكلاء إيران. ويهدف وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان إلى المساعدة في تنسيق ودعم العمليات العسكرية في مجال مكافحة الإرهاب. وأخيراً، على الرغم من عدم محدودية المدة، يمكن أيضاً حل هاته “التحالفات الإرادية” بمجرد تحقيق الهدف المنشود.

تشترك هذه التحالفات في سمة هامة أخرى إلى جانب السمة غير الرسمية: فالعضوية تتعدى أي منطقة جغرافية معينة. ويضم التحالف في اليمن المغرب والسنغال والولايات المتحدة التي تقع بين 3500 و5 آلاف ميل من البلد الذي مزقته الحرب. وفي الوقت نفسه، ضم التحالف أكثر من 30 عضواً عند إطلاقها، وعددهم حالياً نحو 40، أكثر من نصف أعضاء إمافت (22 دولة) تقع على بعد أكثر من 1200 ميل من مقر التحالف في الرياض.

وهناك عدة أسباب وراء استعداد المملكة العربية السعودية لاستثمار قدراتها ورأس مالها السياسي والعسكري والمالي في أطر غير رسمية مثل إمافت، التي يفصل بين أعضائها آلاف الأميال، فضلاً عن المصالح المختلفة جذرياً، والقدرات العسكرية المتفاوتة.

الأول هو فشل السعودية في تحويل دول مجلس التعاون الخليجي إلى منظمة أمنية إقليمية فعالة تحت إشرافها وسيطرتها. ومنذ ولادة مجلس التعاون الخليجي في أوائل الثمانينيات، طرحت الرياض عدة مقترحات كانت ستحولها إلى تحالف أمني جماعي. لكن هذه الاقتراحات رفضت من قبل بعض الشركاء مثل الكويت وعمان وقطر، وحتى من حليفها الحالي الإمارات العربية المتحدة؛ إذ ثمة خوف من أن تستغل السعودية المخاوف الأمنية المشروعة لتعزيز مصالحها الخاصة، وتوسيع نفوذها في المنطقة.

تفاقم كل ذلك في أعقاب الربيع العربي، وفي كانون الأول/ديسمبر 2011 حذر العاهل السعودي الملك عبد الله شركاءه بمجلس التعاون الخليجي، الذين لم يؤيدوا اقتراحه بتعميق التكامل، بأنهم سيجدون أنفسهم  خلف القافلة” ويمكن أن “يضيعوا”. ومنذ وصوله إلى السلطة في كانون الثاني/يناير 2015، قبل أن يبدأ التحالف ضد اليمن بستة أشهر، كان الملك السعودي سلمان، وابنه وولي عهده محمد بن سلمان، أقل استعداداً للتسامح مع الحدود التي وضعها شركاء دول مجلس التعاون الخليجي حول خطط الأمن الجماعي.

55
الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة قائد الحرس الملكي في البحرين يتحدث في مؤتمر البحرين الدولي للدفاع، أكتوبر 2017

ليس غريباً على المملكة السعودية أن تحاول تأسيس التحالفات غير الرسمية كلما أحبطت من طرف شركائها التقليديين أو شعرت بالتهديد. ففي عام 1988، في نهاية الحرب الإيرانية العراقية، حاول السعوديون تعزيز أمن الخليج عن طريق الاقتراب من مصر والأردن. وبعد طرد القوات العراقية من الكويت في مطلع عام 1991، تم النظر بجدية في دعوة القوات المصرية والسورية إلى الخليج بموجب إعلان دمشق. وفي عام 2011، دعا إعلان الرياض الأردن والمغرب للانضمام إلى دول مجلس التعاون الخليجي الموسع للتعامل مع تداعيات الربيع العربي. وكما أشار أحد الخبراء في ذلك الوقت، فإن هذه الخطوة كانت محاولة لتحويل دول مجلس التعاون الخليجي من “كتلة تحت-إقليمية إلى تحالف دولي”.

وفي عام 2014، قدمت الرياض اقتراحاً آخر، وهذه المرة لجلب مصر والمغرب إلى إطار أمني لدول مجلس التعاون الخليجي أكثر تكاملاً، يعرف باسم “دول مجلس التعاون الخليجي+”، وبهذه الشروط يمكن اعتبار الدعم السعودي للتحالفات الأمنية غير الرسمية دلالة على ضعفها المتزايد أمام أحد القيود الرئيسية لعضوية مجلس التعاون الخليجي؛ وهو عدم القدرة على توسيع المنظمة إلى ما وراء ست ملكيات عربية سنية مؤسسة لها.

المملكة العربية السعودية هي كبرى دول الخليج العربي من حيث السكان، والاقتصاد، والجيش، والنفط، ولكن تاريخها يوضح حذرها في الشؤون العسكرية والأمنية. وقد أشار نشر قوة عسكرية بقيادة السعودية في البحرين في آذار/مارس 2011 إلى منعطف جديد.  وأبرزت المشاركة اللاحقة في سوريا في عهد عبد الله، وفي اليمن في ظل سلمان، هذا الاستعداد السعودي الجديد لتحمل المخاطر واستخدام القوة خارج حدودها.

والسبب الثاني لإنشاء تحالفات غير رسمية راجع إلى نمو خيبة الأمل السعودية من الولايات المتحدة كضامن أمني منذ الربيع العربي. ووفقاً للمسؤولين السعوديين، فإن آمال عبد الله بواشنطن “تبخرت” تماماً بعد أن طلبت إدارة أوباما من حسني مبارك التخلي عن السلطة في مصر، بعد أيام فقط من الاحتجاجات الشعبية في مطلع عام 2011. فضلاً عن التوبيخ العام للأسرة الحاكمة في البحرين.

وقد تفاقمت هذه التوترات بسبب التصور المتزايد لإدارة أوباما كحليف غير موثوق به، وغير راغب في الوقوف ضد الأسد في سوريا، والميليشيات الشيعية في العراق، أو إيران بشأن القضية النووية. إن رفض الإدارة عشية قمة كامب ديفيد في أيار/مايو 2015، أي بعد شهرين من بدء التحالف ضد اليمن وقبل ستة أشهر من إطلاق “إمافت”، أن تقدم للخليج العربي ضمانة أمنية رسمية مثل تلك المقدمة لشركاء الناتو، زاد من تعقد الأوضاع.

في الداخل، كان تبني السعودية لتحالفات أمنية غير رسمية جديدة وغير مسبوقة مصدراً للاعتزاز والفخر الوطني. وفي الخارج كان لها تأثير إيجابي على مكانة المملكة، على المدى القصير على الأقل. وقد حظي قرار استبعاد إيران والعراق وسوريا من عضوية “إمافت” بالثناء من أولئك الذين يعيشون في العالم العربي السني، الذين يشعرون بالتهديد من إيران أو المجموعات التي تسيطر عليها والتابعة لها. وأدى التدخل الذي تقوده السعودية في اليمن أيضاً، على الأقل في مراحله الأولى، لزيادة نفوذها في العالم الإسلامي الأوسع. وفي اجتماع لمنظمة التعاون الإسلامي في نيسان/أبريل 2016، أي بعد شهر واحد من بدء الحرب في اليمن، حصل السعوديون على أصوات أغلبية القادة المسلمين في العالم لدعم قرار يدين سلوك إيران هناك وفي العالم العربي بشكل عام.

بعيداً عن هذه الانتصارات الدبلوماسية والسياسية الأولية، فإن السؤال الرئيسي من المنظور السعودي هو ما إذا كان خيار التحالف الأمني غير الرسمي قابلاً للتطبيق على المدى الطويل. وما إذا كان يمكن تطويره، إذا ما نجح كحل أمني فعال في المعركة ضد إيران ووكلائها، وكذلك الجماعات السنية الراديكالية مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). من الناحية النظرية، يعتمد ذلك على ما إذا كانت المملكة العربية السعودية قادرة على الوفاء بالتزاماتها كفاعل مؤثر في تحالف أمني، وتوطيد السيطرة السياسية والعسكرية على مشروعها الرائد “إمافت”.

فوائد الطابع غير الرسمي للتحالف

على الصعيد السياسي، يعتمد نجاح السعودية على ما إذا كان شركاؤها في التحالف يحملون ويتقاسمون رؤيتها في المنظمات الإقليمية الرسمية، مثل دول مجلس التعاون الخليجي أو الاتحاد الأوروبي، غالباً ما تكون شرعية الفاعل المهيمن مكرسة في الوثائق القانونية، مثل المعاهدات أو البروتوكولات. نادراً ما توجد مثل هذه الوثائق في تحالف غير رسمي مثل “إمافت”. وقد أدى عدم وجود وثائق رسمية إلى تعقيد الجهود التي يبذلها القادة السعوديون لوضع استراتيجية، وإظهار توافق الآراء، أو التستر على اللافعالية، وعلى وجه الخصوص جعلت من الصعب عليهم الإشارة إلى أي خطط تحالف عسكرية ملموسة في المستقبل.

من المؤكد أن الهوية الإسلامية المشتركة يمكن أن تخدم المملكة العربية السعودية، مسقط رأس النبي محمد وموطن أكثر الأماكن الإسلامية قداسة، وهي وسائل لازمة لتعزيز شرعيتها ورؤيتها. ومن بين أعضاء منظمة التعاون الإسلامي البالغ عددهم 57 عضواً، انضم 33 عضواً إلى التحالف عند إطلاقها. وانضمت عُمان، وهي أيضاً عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي، بعد ذلك بعام. ومع ذلك ليس كل أعضاء “إيمافت” من المسلمين؛ فبنين وساحل العاج والغابون مثلاً دول ذات أغلبية مسيحية، وتمثل المجتمعات غير المسلمة نصف سكان نيجيريا وتشاد، وتوغو فيها أقلية مسلمة، ولكن غالبية سكانها تتبع معتقدات الشعوب الأصلية.

وهذا ما يثير تساؤلاً إن كان بعض الأعضاء ينظرون إلى “إيمافت” كمنظمة عملية وليست أيديولوجية. ولا يقتصر هذا الدافع المحتمل على الأعضاء ذوي الهوية الإسلامية الضعيفة نسبياً. فالسنغال والسودان يمثل المسلمون فيهما أكثر من 90 في المئة، وكلا البلدين عضو في التحالف ضد اليمن، وأوضحا سبب قرارهما بإرسال قوات إلى اليمن بالتزامهما بالدفاع عن أرض الحرمين الشريفين، المملكة العربية السعودية. لكنهما تلقيا أيضاً دعماً سعودياً بقيمة مليارات الدولارات مقابل مشاركتهم العسكرية هناك.

وبغض النظر عن توفر فرص للاستفادة من الهبات السعودية، يمكن للتحالف غير الرسمي أيضاً أن يستقطب الأعضاء الضعفاء على وجه التحديد؛ لأن طابعه غير الرسمي يعني أنه لا توجد مؤسسات أو اتفاقات رسمية تلزمهم وتربطهم بالممثل السعودي المهيمن. فسلطنة عمان مثلاً عطلت مراراً وتكراراً أي تحركات سعودية نحو تحقيق التكامل الأمني أو السياسي أو الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي. ورد كبير دبلوماسيتها يوسف بن علوي، في عام 2013، بصراحة على دعوة السعودية إلى اتحاد دول مجلس التعاون الخليجي. وقال: “إذا حدث ذلك، فإننا لن نكون جزءاً منه … سوف ننسحب ببساطة”. ومنذ ذلك الحين اعتمدت عمان أيضاً سياسات بشأن الأزمات في اليمن وسوريا تتحدى الموقف السعودي.

الملك سلمان متحدثاً لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بالرياض، تشرين الأول/أكتوبر 2017
الملك سلمان متحدثاً لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بالرياض، تشرين الأول/أكتوبر 2017

ومع ذلك في كانون الأول/ديسمبر 2016، كانت سلطنة عمان العضو الوحيد في مجلس التعاون الخليجي الرافض للانضمام إلى تحالف الحرب في اليمن أو “إمافت” عند إطلاقه، لكنها انضمت إليه أخيراً. وأوضح بعض المراقبين أن هذا التحرك جاء نتيجة ضغوط مالية سعودية. على مستوى أعمق، هناك وجهة نظر عمانية بخصوص الانضمام إلى “إمافت”، إذ ترى عمان بأن الانضمام “آمن” لأنه غير رسمي، ولا يمكن للرياض أن تفرض تفضيلاتها الأمنية على باقي الأعضاء، وهذا أمر مهم بالنسبة لسلطنة عمان. فقد أحبطت سلطنة عمان (وقطر) لسنوات صانعي السياسة السعوديين، من خلال تسييج شراكتهم الرسمية داخل دول مجلس التعاون الخليجي بعلاقات واسعة مع طهران. إن الطابع غير الرسمي لـ”إمافت” يرجح أن أعضاء التحالف سيتحصنون ضد المملكة العربية السعودية أكثر ممَّا فعلوا في دول مجلس التعاون الخليجي.

وفي الوقت نفسه، يوفر النظام غير الرسمي للمملكة العربية السعودية بعض المزايا في سعيها إلى تعزيز السيطرة السياسية، فعدم وجود قواعد يوفر للسعودية حرية كبيرة في العمل. ففي ذروة أزمة الخليج تمكنت الرياض من طرد قطر من التحالف ضد اليمن دون التفكير في الإجراءات أو اللوائح. ولم يكن ممكناً اتخاذ أي تحرك مماثل داخل دول مجلس التعاون الخليجي. وبالمثل، في حلف رسمي مثل دول مجلس التعاون الخليجي أو حلف شمال الأطلسي أو الاتحاد الأوروبي، حتى أضعف الأعضاء لديهم حق النقض في القضايا السياسية الرئيسية. في مثل هذا التحالف غير الرسمي مثل “إمافت”، لا يوجد مثل هذا النقض.

ومن الناحية النظرية، على الأقل، يُمكن هذا الأمر المملكة العربية السعودية من استخدام “إمافت” لتعزيز أهدافها وأجندتها. ولكن الأعضاء قلقون من إمكانية محاصرتهم. فعلى سبيل المثال وافقت ماليزيا على التعاون مع المملكة العربية السعودية داخل “إمافت”، لكنها غير راغبة تماماً في الدخول في أي نزاعات عسكرية سعودية بدأت في العالم العربي أو الإسلامي الأوسع. وباكستان أكثر حذراً. فقد نشرت قواتها على الأراضي السعودية، في الماضي، لتأمين حدود المملكة مع العراق واليمن، والمساعدة في مكافحة القاعدة، لكنها لا تريد أن تكون جزءاً من تحالف عسكري ضد إيران بقيادة السعودية، وهي تشترك في حدود مع إيران ولديها ما بين 15 مليوناً و25 مليوناً من المواطنين الشيعة.

الرأس الذي يرتدي التاج

دور الفاعل المهيمن في تحالف أمني غير رسمي هو تقديم المساعدة القيادية والأمنية للفواعل الصغيرة. وتحتاج المملكة العربية السعودية، لتحقيق دورها، إلى موارد مالية ومجموعة ملتزمة من القادة في الداخل، يرغبون في بناء الهيكل الأمني للحلف وتوفير مزايا إضافية، بما في ذلك المساعدات والأجهزة العسكرية، لأولئك الذين يتطوعون بالانضمام. ولم تقدم المملكة العربية السعودية ذلك لشركائها حتى الآن.

في حالة دول مجلس التعاون الخليجي، كان عدد قليل من أعضائه يتمتعون بالقدرة أو الطموح للعمل “خارج المنطقة”، ولم تتمكن السعودية من وضع جدول أعمال يخص شركاءها يكفي لتلبية متطلباتهم الأمنية. ومن الناحية النظرية، يمكن للأطر غير الرسمية المتعددة الأطراف مثل “إمافت” والتحالف في اليمن التغلب على أوجه القصور هذه. وتسجيل الإجراءات قانونياً يعد أمراً غير ضروري، لكن تبقى هذه الإجراءات واضحة تماماً. وهي تشمل أعضاء يتمتعون بقدرات لازمة لبدء العمل العسكري والحفاظ على العالمين العربي والإسلامي، فالمملكة العربية السعودية، من جانبها، رابع أكبر مستثمر في العالم في مجال الدفاع، وثاني أكبر مستورد للأسلحة. وأربعة من اللاعبين العسكريين الرئيسيين الآخرين في العالم العربي، مصر والأردن والمغرب والإمارات العربية المتحدة، هم أيضاً أعضاء في “إمافت”. وكذلك تركيا، ثاني أكبر قوة عسكرية في الناتو بعد الولايات المتحدة، وباكستان التي تمتلك أكبر جيش في العالم الإسلامي وقنبلة نووية. هذه القدرات المثيرة توفر للمملكة العربية السعودية الفرصة لتحقيق عمق استراتيجي على الأقل نظرياً.

جميع هذه الدول على استعداد للتعاون مع المملكة العربية السعودية في العديد من المجالات، ولكن لا أحد على استعداد للاعتراف بالتفوق السعودي. كما أن المال السعودي غير كافٍ لإقناعهم بالعمل في المجال الأمني بطريقة تهدد مصالحهم مباشرة. على سبيل المثال كانت معارضة باكستان للانخراط في “إمافت”، وقبلها الحرب في اليمن، تهدف بشكل كبير للتخلص من الهيمنة السعودية واستعادة السيادة. ومع ذلك فقد استخدمت المملكة العربية السعودية ثروتها بشكل مؤثر للفوز على اللاعبين الرئيسيين. وتعتبر باكستان من كبار المستفيدين من المساعدات والاستثمار السعوديين، كما أن الرياض هي أكبر مشترٍ للأسلحة الباكستانية. وقد أثر ذلك على قرار الحكومة بالانضمام إلى “إمافت”، والسماح لراحيل شريف، وهو رئيس أركان الجيش السابق، بالعمل كرئيس عسكري للتحالف رغم المعارضة المحلية الصاخبة والتهديد المحدق بالسجن. لكن البرلمان الباكستاني صوت في العام الماضي بالإجماع على الانضمام إلى الحرب في اليمن، وعلى الرغم من الضغوط المكثفة من الرياض، فإن الحكومة في إسلام آباد وعدت فقط بالانخراط إذا هاجم المتمردون اليمنيون الأراضي السعودية.

حرس الحدود السعودي بالقرب من الحدود البحرية السعودية اليمنية بالبحر الأحمر، تشرين الأول/أكتوبر 2017
حرس الحدود السعودي بالقرب من الحدود البحرية السعودية اليمنية بالبحر الأحمر، تشرين الأول/أكتوبر 2017

وبالمثل، تم تمويل وصول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى السلطة في مصر بمليارات الدولارات السعودية. إلا أن حكومته رفضت أيضاً الانضمام إلى الحرب الجوية الأولية في اليمن، على الرغم من أنها قدمت الدعم البحري في خليج عدن. وكانت مصر أكثر حماسة إزاء “إمافت”. وبعد فترة وجيزة من إطلاق التحالف أعلنت المملكة العربية السعودية عن خطة لاستثمار مليارات الدولارات في المشاريع المصرية.

كما وافقت ماليزيا على تقديم الدعم اللوجستي لـ”إمافت” وفتح مركز مشترك لمكافحة الإرهاب مع المملكة العربية السعودية، في نفس الوقت الذي أعلنت فيه أرامكو عن صفقة بقيمة 7 مليارات دولار مع شركة النفط الماليزية “بتروناس”، الأمر الذي سيجعل شركة النفط السعودية العملاقة أكبر مستثمر في البلاد. ولكن رفضت ماليزيا حتى الآن الوقوف مع الرياض في حصار وعزلة قطر في الصيف الماضي. كما رفض كل من المغرب والسودان -وهما عضوان آخران في تحالف “إمافت” تلقيا استثمارات مالية ودعماً مالياً كبيراً- دعم المملكة العربية السعودية ضد قطر. وذهبت تركيا إلى أبعد من ذلك؛ إذ دعمت قطر علناً وأرسلت قوات إلى الدوحة لمواجهة أي تهديد عسكري سعودي للإمارة الصغيرة.

ويتشارك حليفا الرياض، الإمارات العربية المتحدة ومصر، في عداء شريكهما السعودي لقطر، فضلاً عن عدم الثقة في إيران والنفور العميق من جماعة الإخوان المسلمين. لكن الأزمة الخليجية الحالية ساعدت على إلقاء الضوء على الخلافات الاستراتيجية والسياسية وحتى الأيديولوجية بين المملكة العربية السعودية وكل شركائها الرئيسيين تقريباً. ويحاول البعض موازنة المملكة العربية السعودية من خلال أدوات غير عسكرية، وخاصة الدبلوماسية، لإبطاء أو تقويض استراتيجياتها الخلافية. باكستان، على سبيل المثال، تستخدم “إمافت”، الذي يرأسه عسكري تابع لجيشها، كإطار لإشراك إيران بدلاً من عزلها في العالم الإسلامي السني. وقد قام رئيس الأركان الحالي قمر جاويد باجوا بتحسين التعاون الاستراتيجي الثنائي مع وزيري الخارجية والدفاع الإيرانيين. ووعد خواجا عاصف بأن المنظمة لن “تتحرك ضد إيران”.

لا يستطيع شركاء السعودية الأصغر حجماً أن يوازنوا مع المملكة، لكنهم رفضوا جماعياً الاشتراك في الحملة ضد قطر. بالنسبة لهم تضع أزمة الخليج الحكم الاستراتيجي السعودي على المحك، ويبدو أنها تشير إلى حد ما إلى أن الرياض مستعدة لزعزعة استقرار المنطقة على نطاق أوسع لتحقيق أهدافها.

وللحصول على ولاء ورضا  الدول الصغيرة، يجب على المملكة العربية السعودية الآن أن توفر لهم خيارات أمنية غير متاحة في أماكن أخرى. ولكن حتى لو تمكنت من إنجاز هذه المهمة الصعبة، فإنه سيتعين عليها التعامل مع القيود العملية للعديد من هذه الدول وصعوبة إقناعها بالمال أو بالسلاح. والواقع أن البحوث التي أجراها كجيل إنغي بجيرغا وتورون لوجين هالاند بشأن تطور المبدأ المشترك للجيش النرويجي، تبين أن الإسهام العملي لشركاء أقل في العمليات العسكرية والأمنية المتعددة الأطراف يميل إلى أن يكون صغيراً جداً بحيث لا يحدث فرقاً عسكرياً.

وهذا يثير التساؤل عمَّا إذا كان انخراط الشركاء الأضعف في تحالف يستحق ذلك بالنسبة للممثل السعودي المهيمن. لكن كما أظهرت التجربة الأميركية في الكويت في أوائل التسعينات، وفي أفغانستان والعراق في الآونة الأخيرة، فإن بناء تحالفات كبيرة يمكن أن يكون لها وظيفة سياسية مهمة، وقد يكون لها أيضاً تأثير إيجابي على الرأي العام وعلى القدرات الحربية كذلك.

لا حلف أطلسي جديد

على مر السنوات، حققت المملكة العربية السعودية نجاحاً كبيراً أدى إلى تحول مكانتها في قلب العالم الإسلامي، ووضعها كمنتج رئيسي للنفط في العالم، وثروتها ونفوذها في جميع أنحاء العالم. لكن حققت نجاحاً أقل في بناء قدرة أمنية جماعية في جوارها. وهي تعمل الآن على تطوير واستدامة شبكة من التحالفات غير الرسمية، التي يمكن أن تستخدم القوة لتعزيز مصالحها الأمنية في العالم العربي والإسلامي.

إن تعقد هذا التحدي يجعل الحديث الأخير عن ناتو “مسلم” أو “عربي” سابقاً لأوانه. هذه التحالفات ما زال أمامها شوط طويل للقيام بدور استقرار مماثل لدور منظمة حلف شمال الأطلسي. ومن المرجح بنفس القدر أن تضيف نزاعات أخرى فضلاً عن الانقسامات الطائفية القائمة، وتزيد من زعزعة الاستقرار في منطقة هشة. بل إنها قد تقوض مصداقية السعودية كقائد عسكري وأمني. بعد هذا كله، فإن الأزمة الحالية في اليمن هي نتيجة مباشرة لاحتضان السعودية لهذا النوع من خيارات التحالف في أوائل عام 2015.

وإلى أن يحدث ذلك، وما دامت المملكة تشعر بالتهديد من إيران وأدواتها، فإنها ستواصل البحث عن سبل لإعادة التوازن الأمني. وبغض النظر عن بديل يوفر للرياض نفس الفرص للمطالبة بقيادة العالم العربي والإسلامي، ستبقى التحالفات غير الرسمية عنصراً مركزياً، وإن لم يكن بالضرورة فعالاً في الفكر الأمني السعودي.

المصدر: فورين أفيرز

الكاتب: روي ميلر

الرابط : https://www.foreignaffairs.com/articles/saudi-arabia/2017-10-23/saudi-arabias-security-alliances?cid=int-fls&pgtype=hpg

 

ضع تعليقاَ