أبريل 16, 2024

مركز الشؤون الدولية: حول الأزمة القطرية الأسباب والحلول

نشر مركز الشؤون الدولية الروسي دراسةً تناول فيها موضوع الأزمة القطرية التي شغلت الرأي العام الدولي في الفترة الأخيرة. وتطرّق إلى أسباب هذه الأزمة والحصار الدبلوماسيّ الخانق المسلّط على “قطر”، وقدّم الحلول التي من الممكن اعتمادها للخروج من هذه الأزمة بأخفّ الأضرار.

في الخامس من حزيران/ يونيو، أعلنت “المملكة العربية السعودية، والبحرين، والإمارات العربية المتحدة” إلى جانب خمس بلدانٍ أخرى، قطع علاقاتهم الدبلوماسية مع “قطر”. وقد اتخذ هذا القرار بذريعة أنّ “الدوحة” متّهمةٌ بدعم المنظمات الإرهابية وزعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وعلى خلفية هذا البيان، انسحب سفيرا “السنغال” و”تشاد” من “قطر” تعبيراً عن تضامن بلديهما مع “المملكة العربية السعودية”، التي أغلقت مجالها الجوي وحدودها أمام “قطر”، إلى جانب “البحرين” و”الإمارات العربية المتحدة”. وفي هذا الصدد، فإن الصراع القطري الحالي مع “المملكة العربية السعودية” و”الإمارات العربية المتحدة” هو عبارة عن مواصلة لصراع قديم بين دول الخليج منذ ثورات “الربيع العربي” وما تلته من أحداث.

وعلى هذا الأساس، خلال سنتي 2013-2014 تعرضت “قطر” فعلياً إلى ضغوطٍ كبيرةٍ وغير مسبوقة من جيرانها وشركائها من دول “مجلس التعاون الخليجي” بقيادة “المملكة العربية السعودية”. والجدير بالذكر، أن الخلاف بين الجارتين كان على خلفية تعزيز “الدوحة” لمكانتها في العالم الإسلامي بشكلٍ كبير، وقد مثّلت حينها طموحات “الدوحة” تحدياً لهيمنة “الرياض” على العالم الإسلامي.

ووفقاً لما ذكر آنفاً، تمكنت “قطر” من الوصول والتأثير على القوى الحاكمة في “مصر” و”ليبيا” و”تونس”، كما تشرف “الدوحة” على “الإخوان المسلمين” في كافة البلدان العربية. علاوةً على ذلك، لعبت “قطر” دوراً قيادياً في الصراع السوري ما اضطر القيادة السعودية لبذل الكثير من الجهود للحدّ من التهديدات والتحديات القادمة من جارتها الطموحة “قطر”.

ونتيجةً لذلك شهدت قطر “انقلاباً هادئاً”، ففي حزيران/ يونيو من سنة 2013، انقلب الأمير “تميم آل ثاني” على أبيه “حمد آل ثاني” بطريقةٍ هادئة، إذ أنّ الأمير بمساعدة والدته “الشيخة موزة” وبضغطٍ من بعض القوى الخارجية تمكن من الوصول إلى الحكم دون اللجوء إلى إراقة الدماء. وتجدر الإشارة إلى أن الأمير “حمد آل ثاني” تنازل عن عرشه لصالح ولي العهد “تميم آل ثاني” تحت ضغوطٍ خارجيةٍ وداخلية، بالتزامن مع عزل الرئيس المصري “محمد مرسي”، الذي يمثل جماعة “الإخوان المسلمين” في “مصر” كما يعتبر الحليف الوثيق لقطر. ووفقاً للخبراء فإن هذين الحدثين لهما صلةٌ ببعضهما البعض، نظراً لأن تغيير الحكومة في “مصر” و”قطر” قد تم بموافقة “الرياض”.

ومع وصول الأمير القطري “تميم آل ثاني”، قامت الدوحة بالتقليص في حجم نفقاتها الموجهة إلى “الإخوان المسلمين” في كافة بلدان العالم العربي. وتم توقيع اتفاق مع الرياض يقتضي توقف الدوحة عن دعم “الإخوان المسلمين” بصفةٍ كلية، إلا أنّ “قطر” لم تستجب لبنود الاتفاق ما أدى إلى قيام أزمة مشابهة للأزمة الحالية وصلت إلى سحب السفراء الخليجيين من الدوحة. وبعد بضعة أشهر، استطاعت “قطر” تحسين علاقاتها مع جيرانها بوساطة كويتية، إذ قام الشيخ الكويتي “صباح الأحمد الجابر الصباح” بجهودٍ كبيرةٍ في سبيل التخفيف من الاحتقان القائم بين الجيران الخليجيين.

وفي شأنٍ ذي صلة، وعلى الرغم من التمكن من تسوية الأزمة خلال 2013 -2014، فإن العلاقات “القطرية-السعودية” لم تخلو من المشاكل. ومن جهةٍ أخرى، توقفت “الدوحة” عن تقديم الدعم السياسي والمالي للهياكل التابعة “للإخوان المسلمين”. وفي نفس الوقت، واصلت تقديم المساعدة إلى المعارضة السورية، ولا سيما المجموعات المرتبطة ارتباطاً سياسياً مع تركيا والأردن. بينما تلعب “قطر” دوراً نشطاً في العمليات العسكرية في “اليمن” إلى جانب “المملكة العربية السعودية” و”الإمارات العربية المتحدة” ما لاقى استحساناً كبيراً من الرياض وأبو ظبي.

وعلى الرغم من التزام “قطر” بالسير على خطى “المملكة العربية السعودية”، فإن هذه الإمارة الصغيرة لا تزال مصرّة على تحقيق طموحاتها السياسية بأن تكون أحد زعماء العالم الإسلامي. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، حاولت القيادة القطرية إيجاد منافذ لها دون خلق مشاكل جديدةً مع الرياض لضمان مصالحها الخاصة، حيث واصلت قطر الاستثمار بكثافة في “قطاع غزة” بالإضافة إلى تطوير علاقاتها مع حركة “حماس”.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه المجموعة الفلسطينية كان من الممكن اعتبارها إحدى الفروع التابعة لمنظمة “الإخوان المسلمين” إلا أنّ الرياض اعتبرتها مختلفةً عنهم، ما لم يؤدي إلى تدهور العلاقات “القطرية-السعودية” ولم ينتهك الاتفاق المبرم سنة 2014. في المقابل، اعتبرت “الرياض” أن دعم “قطر” لحماس سيساهم في دعم التفاعل بين الدوحة وطهران ما من شأنه أن يضر بمصالحها.

أما في الوقت الراهن، فإن الحكومة القطرية تتجه إلى المسألة السورية التي تعتبرها “المملكة العربية السعودية” دليلاً على وجود علاقات بين طهران و”حزب الله” مع الدوحة. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت “قطر” متّهمةً بقدرتها على التأثير على العديد من الجماعات الإرهابية في المنطقة. وبالتالي، تعتقد الرياض أن مثل هذه الأساليب من التفاعل بين “إيران” والجماعات الإرهابية التي تدعمها “قطر” من شأنه أن يُستخدم ضدّ “المملكة العربية السعودية” في “سوريا” و”اليمن”.

وفي خضم هذه الأحداث، فإن الرياض متخوفةٌ من العودة المحتملة لدور “قطر” النشط في منطقة الشرق الأوسط، لذلك قامت باتخاذ إجراءات عاجلة للتخفيف من هذا النشاط بالاستعانة بجيرانها. ووفقاً للخبراء، فإن هذه التدابير تعتبر قاسيةً جداً تجاه “قطر” بالمقارنة مع الأزمة التي شهدتها العلاقات “السعودية-القطرية” سنة 2014. وتجدر الإشارة إلى أنّ تدهور العلاقات بين الرياض والدوحة يؤثر على علاقة هذه الأخيرة ببقية جيرانها الخليجيين.

من جهةٍ أخرى، لا تزال “عمان” تعمل على تطوير علاقاتها مع “إيران”، كما تشارك في مناورات عسكرية مع البحرية الإيرانية. بالإضافة إلى ذلك، رفضت مسقط دعم “المملكة العربية السعودية” في حملتها ضدّ “الحوثيين” في “اليمن”، ناهيك عن أنها قد اتخذت موقفاً محايداً من الأزمة القطرية.

وفي نفس السياق، رفضت “الكويت” وهي إحدى دول “مجلس التعاون الخليجي” الخضوع لرغبة القيادة السعودية، ونأت بنفسها عن المشاركة في العملية العسكرية في “اليمن”. لكنّ ذلك لم يمنعها من لعب دور الوسيط ودعوة جميع الأطراف المتنازعة إلى طاولة الحوار. ومن جهةٍ أخرى، زار الرئيس الإيراني في شباط/ فبراير 2017 مسقط والكويت، وقد عبر الشيخ “صباح” عن رغبته في تكوين علاقاتٍ طبيعيّةٍ مع “إيران”. وعلى هذا الأساس، فإن زيارة “روحاني” إلى مسقط والكويت مثّلت تحدياً جديداً للرياض، ولعلّ موقف الكويت مما يحصل جعلها ترفض المشاركة في حملة مقاطعة “قطر”.

وعلى ضوء ما ذكر آنفاً، فإنّه من الواضح أنّ الأزمة الخليجية قد بدأت منذ مدة، إلا أن الرياض لم تتخذ أي خطوةٍ جديّة لأنها لم تكن متأكدة من موقف الإدارة الأمريكية إزاء ذلك. ووفقاً للخبراء والمحللين، فإن هذه الأزمة الحالية هي نتيجةٌ لزيارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” إلى “المملكة العربية السعودية” في نهاية أيار/ مايو 2017، ولا يستبعد الخبراء أنّ السياسة الأمريكية الموجهة ضدّ “قطر” جاءت تحت تأثير “إسرائيل”. ومن هنا يبدو جلياً أنّ “إسرائيل” غير راضيةٍ عن الدعم الذي تقدمه الدوحة لحماس، كما أعربت عن قلقها إزاء إمكانية التقارب “الإيراني-القطري” خاصةً فيما يخصّ القضية الفلسطينية.

مصالح اللاعبين وتعديلٌ محتمل للسلطة

وفقاً للخبراء، فإن الوضع في منطقة الخليج العربي لن يبقى على حاله، وإنّما سيشهد تطوراتٍ قريبةً نظراً لكثرة معارضي السياسة القطرية وتنوع وجهات النظر. وعلى هذا الأساس، فإن “المملكة العربية السعودية” و”الإمارات العربية المتحدة” لا تمانعا تغيير النظام الحاكم في “قطر”، وليس من المستغرب أن تساهما في تنظيم انقلابٍ عسكريٍّ لوضع بديلٍ جديدٍ وقوّةٍ سياسيّةٍ مواليةٍ للوحدة السنية، تكون بطبيعة الحال تحت رعاية الرياض. وعندما يتعلق الأمر بتغيير موازين القوى ودفّة الحكم فنحن نتحدث عن أفرادٍ من عائلة “آل ثاني” المالكة، بيد أن تنفيذ خطط الرياض وأبو ظبي ستكون له عواقب مجهولة، ستضع مصير الإمارة وما جاورها على المحك.

إن مجرى الأحداث في الخليج العربي من شأنه أن يؤثر على أنقرة، التي اتخذت من “قطر”، منذ ثورات “الربيع العربي”، حليفاً لها، لذلك فإن تغيير دفة الحكم في إمارة “قطر” سيشكّل خسارةً كبيرةً بالنسبة لها. وفي المقابل، فإنّ وجود قواتٍ عسكريّةٍ تركية في “قطر” من شأنه أن يقلّل من احتمال وقوع انقلابٍ عسكريٍّ على السلطة القطرية، كما من شأنه أن يحمي الإمارة الصغيرة من جميع أشكال الضغط المتأتّية من “المملكة العربية السعودية” و”الإمارات العربية المتحدة”. ومن هذا المنطلق، فإن “قطر” لن تحظى بالدعم العسكريّ فقط، وإنما ستجد الدعم السياسي من قبل “الكويت” و”عمان”.

أمّا “الولايات المتحدة الأمريكية”، فهي الأكثر اهتماماً بمجريات المرحلة التالية والتطورات التي ستطرأ على مسار أحداث أزمة الخليج العربي. فبالنسبة إليها، كل المطلوب من “قطر” هو قطع علاقاتها بصفة كليّةٍ مع “إيران” و”حماس”. ومع ذلك، يجب الأخذ بعين الاعتبار أنّ فرضية الانقلاب على “تميم آل ثاني” لن تكون إلّا من تنفيذ لاعبين محليّين، إذ ستكون “السعودية” في المقام الأول، أمّا “الولايات المتحدة” فلن تقحم نفسها في هذه اللعبة.

ومما لا شك فيه فإن مشاركة واشنطن في تغيير الحكم في “قطر” من شأنها أن تؤثّر سلباً على صورة “الولايات المتحدة الأمريكية”، علماً وأنّ هناك قواعد عسكريةً أمريكيةً متمركزةً في الأراضي القطرية، والتي تعدّ من أكبر القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط. ووفقاً لهذا، فإنّه من المتوقع أن واشنطن ستبذل كل الجهود الممكنة لحلّ الأزمة الدبلوماسية القطرية بأقل الخسائر.

مركز الشؤون الدولية الروسي

الرابط:http://russiancouncil.ru/analytics-and-comments/analytics/vtoroy-katarskiy-krizis-prichiny-i-puti-resheniya/

 

ضع تعليقاَ