أبريل 16, 2024

الغارديان: ما الدوافع الحقيقية وراء إقدام مقاتلي تنظيم الدولة على القتال حتى الموت؟

 

في دراسة، قد تساعد في عملية محاربة التطرف، عمل باحثون في عين المكان وفي المواقع التي يحتدم فيها النزاع في العراق؛ وذلك بغية فهم السبب الكامن وراء رغبة مقاتلي تنظيم الدولة الشديدة في القتال.

عندما استهدف تنظيم الدولة الموصل في سنة 2014، كانت القوات المعادية تفوقه عدداً، حيث كان كل مقاتل من تنظيم الدولة يواجه 40 رجلاً من الجبهة المقابلة. ورغم ذلك نجح التنظيم في السيطرة على المدينة. من هذا المنطلق عمد بعض الباحثين إلى دراسة هذه الظاهرة انطلاقاً من أرض المعركة في العراق؛ وذلك بهدف البحث عن السبب وراء هذه الرغبة القوية في القتال والنصر، عسى أن يساهم ذلك في محاربة التطرف.

في الوقت الذي أكد فيه المدير السابق للاستخبارات القومية، جيمس كلابر، أن الرغبة في القتال لا يمكن فعلياً تقديرها أو تحديد مداها، صرح الباحثون أنهم أخذوا في الكشف عن بعض الدوافع التي تجعل قيادات في بعض الجماعات، من بينها تنظيم الدولة، على استعداد للموت والتضحية بأسرهم أو حتى تعذيب الآخرين. وفي الأثناء شدد الباحثون على أن الدوافع الحقيقية وراء هذه النزعة القتالية تختلف تماماً عن الأفكار السائدة حول القيادات العسكرية والجماعات المسلحة.

وفي هذا الصدد، صرح سكوت أتران، كاتب مساعد في هذه الدراسة من جامعة أكسفورد ومعهد البحوث “أرتيس إنترناشيونال”، قائلاً: “لقد تبين لنا أن هناك ثلاثة عوامل تقف وراء رغبة الأشخاص في التضحية بأنفسهم إلى حد الموت”.

وأوضح أتران أن تلك العوامل تتمثل بالأساس في قوة الالتزام بالمجموعة وقيم التضحية، فضلاً عن الرغبة في تفضيل هذه القيم على الأسرة والعشيرة، علاوة على الإدراك القوي بعمق قناعات المقاتلين أو ما يوصف “بالقوة الروحية”، في وجه ما يمتلكه العدو من قناعات وقيم.

في واقع الأمر، تدعم نتائج هذه الدراسة مفهوماً أساسياً، أيدته دراسات سابقة، يحيل إلى أن الرغبة في القتال لا تنبع عن سلوك عقلاني وإنما تتولد عن فكرة “المقاتل المخلص”، الذي يعتبر نفسه على اتصال بالمجموعة ويقاتل من أجل قيم مقدسة، يعتبر النقاش بشأنها أمراً محرماً.

في إطار هذه الدراسة أجرى فريق الباحثين سلسلة من الحوارات المعمقة مع بعض الذين قبض عليهم من مقاتلي تنظيم الدولة، بالإضافة إلى مقاتلين عرب سنة، ومقاتلين أكراد منتمين لحزب العمال الكردستاني وآخرين من البيشمركة، وعناصر من الجيش العراقي. في الواقع سعى فريق الباحثين من خلال اقتحام الخطوط الأمامية للصراع إلى معاينة التضحيات التي يقدمها المقاتلون فعلياً من أجل القيم التي يؤمنون بها، وليس الاكتفاء بما قد يصرحون به قبل المعارك، فيما يتعلق بالأمور التي قد يقدمون على فعلها في سبيل قضيتهم.

وفي هذه الأثناء أكدت النتائج أن جميع هؤلاء الأفراد ينطبق عليهم نموذج “المقاتل المخلص”، في حين أن الاختلاف الوحيد بين هذه المجموعات يتمثل في مدى التزامهم بتقديم التضحيات الجسام، أو الموت من أجل المجموعة، أو القيام بعملية انتحارية، أو تعذيب الآخرين. ونظراً لأن العينة من المقاتلين محدودة، فضل الباحثون إخضاع 6000 مواطن لاستطلاع رأي عبر الإنترنت؛ وذلك لتوضيح فارق الالتزام العائلي لدى الفريقين.

ومن هذا المنطلق، كشفت الدراسة أن غالبية المواطنين الإسبان، الذين أجري معهم استطلاع الرأي، أقروا بأن عائلاتهم تحظى بالأولوية مقارنة بجميع القيم التي يظنون أنها مقدسة. في المقابل، أثبتت الحقائق التي تم استنتاجها انطلاقاً من المقاتلين الذين يحاربون في الصفوف الأمامية، أن الأفراد الذين أكدوا أن قيمهم المقدسة تتفوق على كل الاعتبارات العائلية، يعتبرون الأكثر رغبة في القيام بعمل دراماتيكي أو تضحية باهظة الثمن على غرار الموت أو تعريض أنفسهم للسجن، أو حتى ترك أبنائهم خلفهم يواجهون ويلات الحرب وخطر الموت.

في السياق ذاته، كشف الاستطلاع الذي أجري على العائلات الإسبانية أن هناك صلة بين القوة الروحية، لا الجسدية، والرغبة في تقديم التضحيات. خلافاً لذلك، شدد الباحثون على أن القرارات التي يتخذها المقاتلون المخلصون على الجبهات الأمامية للحرب، لا تتم دون معايشة اضطرابات عاطفية.

وفي هذا الصدد، قال ريتشارد دافيس، كاتب مساعد في هذا البحث من جامعة أكسفورد ومعهد “أرتيس إنترناشيونال”: إن “أحد مقاتلي البيشمركة اضطر إلى اتخاذ قرار صعب، عندما قرر مقاتلو تنظيم الدولة دخول قريته، ولم يكن قادراً على أخذ عائلته معه ومواجهة التنظيم في آن واحد. فقرر ترك عائلته تواجه مصيرها وحدها”.

وأثناء حوار مع هذا المقاتل، تلقى اتصالاً هاتفياً من زوجته من خلف صفوف قوات تنظيم الدولة، وقد كان يعلم جيداً أنه في حال قبض على عائلته فسيكون مصيرها الموت، دون شك. وفي هذا الإطار، أورد ريتشارد دافيس، معلقاً على ما كان يحدث أمامه، قائلاً: “يمكنك أن ترى مدى تأثر الرجل عاطفياً. إثر ذلك تخلص المقاتل من هاتفه، وأخذ يندب حظه والقرار الذي اتخذه بترك عائلته وراءه. ولكنه سرعان ما تدارك مشاعره، وأكد أن القتال من أجل كردستان أهم، في حين كان يأمل أن ينجي الله أهله من الموت”. وأضاف دافيس أنه “عندما تسمع أشياء من هذا القبيل وترى رجلاً محطماً أمامك، حينها تدرك كم كان الأمر صعباً على هؤلاء الأشخاص”.

وأوضح الباحثون من جانبهم أن فهم الرغبة الكبيرة التي تدفع المقاتلين المخلصين إلى القتال والموت من أجل قيم عليا يؤمنون بها، من شأنه أن يكون عاملاً مهماً جداً في تعزيز الجهود التي تحارب تنظيم الدولة، ومن ثم اكتشاف طرق أفضل لدعم قوة الالتزام بقيم مثل الديمقراطية والحرية والرغبة في القتال من أجلها.

وفي هذا الإطار، أفاد ريتشارد دافيس أنه “عوضاً عن أخذ بعض المتطوعين للقتال، قد نتمكن من تحديد الأشخاص الأنسب لإقحامهم في المعارك، مستندين في ذلك إلى القيم التي يلتزمون بها. وقد يخلق هذا مقاتلين مختلفين تماماً عن أولئك الذين انهزموا في الموصل في سنة 2014”. وأردف دافيس أن الدراسة قد تمكن أيضاً من استنباط سبل لمنع المقاتلين من الالتحاق بتنظيم الدولة منذ البداية.

وقد أشاد ستيفن رايتشر، الدكتور المحاضر في علم الاجتماع في جامعة سانت أندروز، بهذه الدراسة، مؤكداً أنها قد تساهم في فهم شخصيات المقاتلين ودوافعهم على اعتبارهم “أتباعاً ملتزمين بالقضية”. وفي هذا الشأن أقر رايتشر بأن “أبرز ما كشفته هذه الدراسة أن المقاتلين الذين على استعداد للقتال والموت في سبيل قضية ما، لا ينبغي التعامل معهم من منطلق اختلاف الدوافع الشخصية، وإنما بالاعتماد على اندماجهم في صلب قضية جماعية، والتزامهم بأيديولوجية هذه القضية لا غير”.

الصحيفة: الغارديان

الكاتب: نيكولا دافيس

الرابط: https://www.theguardian.com/science/2017/sep/04/study-of-iraq-fighters-reveals-what-makes-people-prepared-to-die-for-a-cause

 

ضع تعليقاَ