مارس 29, 2024

عرض تحليلي للوضع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (ملخص دراسة لمركز الدراسات الجيوسياسية الروسي)

نشر مركز الدراسات الجيوسياسية المستقل الروسي، عرضا تحليليا للوضع في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد سلطت هذه الدراسة التحليلية الضوء على الوضع العسكري والسياسي الصعب وغير المستقر، الذي شهدته المنطقة خلال شهر آذار/ مارس. ووفقا لمعطيات الدراسة فإن الصراعات المسلحة في مختلف أقطار الشرق الأوسط؛ سوريا والعراق وليبيا واليمن ومصر، لا تزال محتدمة ولم تسجل أي تحسن.

 

بالنسبة لسوريا، بدأت الجولة الدولية الخامسة من محادثات جنيف بتاريخ 23-31 آذار/مارس، وذلك على خلفية احتدام المواجهات مع الجماعات الإرهابية على الأراضي السورية. أما في العراق، فلا تزال المعارك مستمرة في سبيل تحرير الموصل من بين براثن تنظيم الدولة. أما في اليمن، فتتواصل المعارك بين القوات الموالية للرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، وبين أنصار علي عبد الله صالح. وفي شمال أفريقيا، وتحديدا في ليبيا، مازال الوضع السياسي والعسكري معقدا بين المشير خليفة حفتر، ممثل مجلس النواب في طبرق الذي يحظى بدعم روسيا ومصر والإمارات العربية المتحدة، وبين فايز السراج، قائد حكومة الوفاق الوطني.

 

سوريا

تواصلت المواجهات بين قوات النظام السوري والقوات المتحالفة معها وبين المسلحين في شمال البلاد، وعلى وجه الخصوص في ريف حلب وحمص. بالإضافة إلى ذلك، استعاد الجيش السوري في السادس من آذار/ مارس سيطرته على آبار النفط في شمال شرق تدمر. وفي اليوم الموالي، تمكن من طرد مسلحي تنظيم الدولة من قرية آل حفصة في حلب. والجدير بالذكر، أن يوم 5 آذار/ مارس استولت قوات الأسد على المطار العسكري الواقع في الجنوب الشرقي من مدينة تدمر.

 

وفي منتصف شهر آذار/ مارس، واصلت القوات السورية بدعم من الطائرات الروسية، هجماتها في الجزء الأوسط من البلاد، ونفذت عدة غارات ضد المتشددين في شرق تدمر.  وقد استغرقت المعارك الضارية في مدينة دير الزور في الشمال الشرقي من سوريا وقتا طويلا. في المقابل، تمكنت القوات الكردية من السيطرة على ضواحي الرقة بدعم من طائرات التحالف الغربي.  

 

عموما، كان شهر آذار/ مارس حافلا بالأحداث العسكرية والسياسية، كما شهدت سوريا في نهاية الشهر تصعيدا حادا في نسق القتال الدائر في كل من محافظة دمشق وحماة. وتجدر الإشارة إلى أن العديد من الجماعات المسلحة شاركت في تصعيد القتال في تلك الفترة. لكن، وفقا للعديد من الخبراء السياسيين، تنبئ مجريات المعارك التي تخوضها قوات النظام السوري ضد عناصر تنظيم الدولة وبقية الجماعات المسلحة بانفراج قريب في الأزمة.

 

الوضع حول الرقة ودير الزور

 في مطلع شهر آذار/مارس، سيطرت القوات الكردية بدعم من القوات الأمريكية على مناطق هامة من مدينة الرقة. وعلى هذا الأساس، يأمل الأكراد أنه بعد خروج تنظيم الدولة من شمال سوريا سيتمكنون من إنشاء منطقة حكم ذاتي كردية. ووفقا لبعض الخبراء، فإن القوات الخاصة الأمريكية لا تحاول الاستعانة بالقوات التركية في حربها ضد تنظيم الدولة لتحرير الرقة على الرغم من حاجتها الماسة لذلك. وفي هذا السياق، يعود سبب تأخر انطلاق عملية الرقة إلى غياب الدعم الجوي، إذ أن معظم طائرات قوات التحالف متواجدة في الموصل في الوقت الراهن.

 

من جهة أخرى، وفقا لمنظمة حقوق الإنسان والمرصد السوري لحقوق الإنسان، غادر العديد من قادة الجماعات الإرهابية المنتمية لتنظيم الدولة وأسرهم مدينة الرقة، في أواخر شهر آذار/ مارس، وقد هرب بعضهم إلى منطقة حماة وبعضهم الآخر إلى محافظة دير الزور. والجدير بالذكر، أن القوات الكردية قد تمكنت من قطع الطريق على المتشددين بين الرقة ومعاقلهم في دير الزور، علما بأنهم يواجهون ضربات وهجمات قوية من العراق وسوريا.

 

في 30 آذار/ مارس، أعلن رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدرم، عن إتمام بلاده لعملية “درع الفرات” بنجاح. وفي البيان الرسمي، الذي صدر معلنا عن انتهاء العملية العسكرية التركية في سوريا، أشار رئيس الوزراء التركي إلى أن تلك العملية العسكرية كانت تهدف إلى ضمان أمن الحدود التركية ومنع حدوث الهجمات المنفذة من قبل تنظيم الدولة. بالإضافة إلى ذلك، أقر رئيس الوزراء التركي بأن السلطات التركية، من خلال عملية “درع الفرات”، كانت ترغب في توفير فرصة للإخوة السوريين المهجرين بالعودة إلى ديارهم”.

 

وفي البيان نفسه، كشفت السلطات التركية أن 71 جندي تركي لقوا حتفهم أثناء هذه العملية، بينما سقط 3000 عنصر إرهابي، ووقع تحرير 2000 متر مربع من الأراضي السورية. كما أكد البيان أن دعم حلفاء تركيا (الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا) للأكراد، الذين تدرجهم تركيا ضمن الجماعات الإرهابية، من شأنه أن يؤثر على علاقاتها الودية بحلفائها. وتجدر الإشارة إلى أن السلطات التركية قد أصدرت هذا البيان قُبيل انعقاد اجتماع وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، الذي وصل إلى أنقرة بتاريخ 30 آذار/ مارس.

 

وفقا لبعض الخبراء، فشلت تركيا في تنفيذ مهمتها الإستراتيجية بسبب معارضة روسيا والولايات المتحدة الأمريكية لها، ما دفعها إنهاء عملية “درع الفرات” كتدبير ضروري لا مفر من اتخاذه. بالإضافة إلى ذلك، عجزت تركيا على منع توحيد الأكراد لصفوفهم وتكوين منطقة حكم ذاتي مستقلة في سوريا قريبا من الحدود التركية. ومن هذا المنطلق، يبدو أن تركيا اختارت الوقت المناسب للإعلان عن إنهاء عملياتها العسكرية في سوريا، نظرا لاقتراب التصويت على التعديل الدستوري آنذاك.

 

وتجدر الإشارة إلى أن إنهاء عملية “درع الفرات” لا يعني أن تركيا قررت سحب قواتها من سوريا. وما يؤكد هذا المعطى عمل الجيش التركي على إنشاء قاعدة عسكرية أخرى في مدينة الباب بناء على الاتفاق المجرى مع روسيا، تنضاف للقاعدة التركية الموجودة في أخترين، وفقا للاتفاق مع روسيا. والجدير بالذكر، أن رئيس الوزراء التركي قد أعلن عن تنفيذ عملية عسكرية أخرى مستقبلا في سوريا.

 

وخلال الزيارة التي أجراها وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون إلى تركيا، التي جمعته بالرئيس أردوغان وعدد من كبار المسؤولين الأتراك، أكد تيلرسون أن مصير الرئيس السوري بشار الأسد يندرج ضمن القضايا الداخلية، وبعبارة أخرى مصير الأسد منوط بعهدة الشعب السوري. وفي السياق نفسه، أشار الرئيس التركي إلى الوضع في مدينة منبج السورية مؤكدا على ضرورة توقف الولايات المتحدة الأمريكية عن تقديم الدعم المادي والعسكري للأكراد. خلال الاجتماع، تم التطرق إلى إمكانية تسليم السلطات الأمريكية للداعية التركي فتح الله غولن والموالين للسلطات التركية.

 

في الأشهر القليلة الماضية، نفذت القوات الإسرائيلية العديد من الغارات الجوية على منشآت عسكرية موجودة على الأراضي السورية. فبتاريخ 17 آذار/ مارس، نفذت الطائرات الحربية الإسرائيلية غارة جوية استهدفت الجماعة الشيعية اللبنانية التابعة “لحزب الله” في إحدى أحياء مدينة حمص. وأثناء هذه العملية، زعم الدفاع الجوي السوري أنه تمكن من إسقاط طائرة سورية، بينما نفت إسرائيل أي تكبدها لأية خسائر في صفوف طائراتها الحربية.

 

في وقت سابق، انتهكت إسرائيل المجال الجوي السوري في محافظة القنيطرة، باستعمال طائرة دون طيار. ولم تكتف بذلك، بل ووعد وزير الدفاع الإسرائيلي بتدمير نظام الدفاع الجوي السوري إذا ما فتحوا النار على الطائرات الإسرائيلية.

 

محاولات التوصل إلى تسوية سلمية

في العاشر من آذار/ مارس، دعا مجلس الأمن الدولي الوفود الرسمية الممثلة لمختلف الأطراف السياسية؛ دمشق والمعارضة السورية، إلى الدخول في حوار بناء دون أي وضع شروط مسبقة. وفي بيان لمجلس الأمن، تم التأكيد على أن الحل الوحيد للأزمة السورية هو الحرص على نجاح المفاوضات السياسية. وعلى خلاف المتوقع، لم تحرز الجولة الخامسة للمفاوضات السورية في جنيف تقدما كبيرا فيما يخص عملية التسوية السياسية، ووضع حد للصراع السوري. وتجدر الإشارة إلى أن المشاركين في المفاوضات لم يكونوا قادرين على التوصل إلى اتفاق بشأن المواضيع الرئيسية؛ أبرزها الحكومة الانتقالية، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب.

 

ووفقا لما ذكر آنفا، أصرت المعارضة على أن النظر في الحكومة الانتقالية يعتبر على رأس الأولويات، بينما أعطت دمشق الأولوية لمناقشة مسألة مكافحة الإرهاب. في المقابل، طالب ممثلو المجلس الوطني الكردي بتحقيق الوعد المتعلق بمسألة الأقليات القومية، حيث يعتبر الأكراد المشاركين في المفاوضات أن المطالبة بالحكم الذاتي في مناطق الشمال السوري، جزء لا يتجزأ من مستقبل سوريا. وستتم الجولة السادسة من محادثات جنيف في منتصف أيار/ مايو، بعد مفاوضات أستانا بتاريخ 3-4 أيار/ مايو.

 

كان من المقرر عقد جولة أخرى من المحادثات السورية في 14-15 آذار/ مارس في أستانا، لكنها أحبطت بسبب تخلف المعارضة السورية عن الحضور، التي أكدت فيما بعد أنها قاطعت المحادثات بسبب “الوعود التي لم تنفذ من قبل دمشق وموسكو بشأن إنهاء القتال”. وقبل ذلك بأيام قليلة، زار الرئيس التركي أردوغان موسكو، إلا أنه فشل في إقناع نظيره الروسي بالتخلي عن دعمه للأكراد. والجدير بالذكر، أن أحد مظاهر عدم الرضا التركية على موسكو في تلك الفترة، هو إدخالها لرسوم جمركية على واردات القمح الروسي.

 

وفي شأن ذي صلة، يعد الانقسام الذي شهدته مختلف الجماعات الجهادية في محافظة إدلب منذ أوائل سنة 2017، لحظة حاسمة في مسار تطور النزاع السوري. ووفقا للخبراء السياسيين، تركز مختلف القوى تركيزها على مقاومة الإرهاب في سوريا، خاصة في المناطق الشمالية، وفي الأثناء حدث انقسام بين الجماعات السلفية المدعومة من المملكة العربية السعودية من جهة، والمجموعات التي تنشط تحت رعاية تركيا وقطر من جهة أخرى، مما قد يسهل عملية السلام في سوريا.

 

من وجهة نظر أخرى، لن تتحقق عملية السلام أي نتائج إيجابية في سوريا إلا إذا توصلت الجهات الخارجية، الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، تركيا، المملكة العربية السعودية، قطر وإيران، المتدخلة في النزاع  إلى تفاهم وتفاعل متبادل. ولكن نظرا لتضارب مصالح كل هؤلاء الأطراف يبدو أن عملية السلام ستستغرق المزيد من الوقت.

 

العراق

منذ تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، يحاول الجيش العراقي إلى جانب الميليشيات الكردية، والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، تحرير الأراضي العراقية من سيطرة عناصر تنظيم الدولة. أما خلال آذار/ مارس، شهدت الموصل، ثاني أكبر مدينة في البلاد، استسلام الجماعات الإرهابية تقريبا دون قتال، كما استعادت القوات العراقية الجزء الغربي من المدينة، مقابل فرار عناصر التنظيم إلى أرباع المدينة القديمة للاختباء في الشوارع الضيقة. وبالتالي، تجعل هذه المناورات عملية استخدام الدبابات أو الطائرات أمرا شبه مستحيل، لأن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى خسائر كبيرة في صفوف المدنيين في هذا الجزء من المدينة.

 

ووفقا لما ذكر آنفا، فإن هذا هو السبب الرئيسي وراء بطء العمليات العسكرية العراقية والأمريكية في غرب الموصل، إذ أن الإرهابيين في كل خطوة لهم يتخذون من سكان المدينة “دروعا بشرية”. وتجدر الإشارة إلى أنه منذ بداية عملية تحرير غرب الموصل راح ضحية الحرب أكثر من 400 مواطن عراقي. ففي غارة جوية واحدة، جدت بتاريخ 17 آذار/ مارس، قتل بين 150 و200 شخص من المدنيين، وقد أصبح عدد الضحايا من المدنيين كبيرا ما وضع المنظمات الإنسانية أمام موقف حرج.

 

وفي هذا السياق، لم يحدث أن واجهت القوات الأمريكية في العراق  هذه المقاومة الشرسة. فبالإضافة إلى الاشتباكات العنيفة، يوجد العديد من المسلحين الذين ينفذون عمليات انتحارية. وعلى الرغم من ضراوة المعارك، إلا أن الجنود العراقيين رفقة القوات الخاصة الأمريكية قد تمكنوا من السيطرة على ثلاثة جسور تقع على نهر دجلة من إجمالي خمس جسور تربط بين الساحل الأيسر والساحل الأيمن. وإذا تواصلت الأمور على نفس الوتيرة، فإن مسألة تحرير الموصل ستغدو أمرا مفروغا منه.

 

الولايات المتحدة الأمريكية والعراق

في 20 آذار/ مارس، أقام الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، محادثات مع رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، لتدارس مسألة العلاقات الثنائية بين البلدين ومكافحة الإرهاب في المنطقة. وأكد ترامب لرئيس الوزراء العراقي أن إدارته ستساعد العراق في حربها ضد الإرهاب. بالإضافة إلى ذلك، اتفق الزعيمان على تعزيز العلاقات التجارية وتوسيع التعاون في قطاع الطاقة.

 

وفي إطار التعاون الثنائي، طالبت بغداد واشنطن بالنظر في إمكانية وضع وحدات عسكرية إضافية أمريكية في محافظة الأنبار فور الاستيلاء على الموصل. ووفقا لجهاز المخابرات العراقي فإن أبو بكر البغدادي رفقة مجموعة من الموالين له يتمركزون في المناطق الصحراوية في محافظة الأنبار الواقعة شرق العراق.

 

والجدير بالذكر أن المناطق الجبلية في العراق تحولت إلى معاقل للإرهابيين وأصبحت بمثابة مخابئ لهم. وعلى هذا الأساس، طلبت الحكومة العراقية من وزارة الدفاع الأمريكية نقل قوات إضافية لديها خبرة في القتال في المناطق الجبلية. وبالتالي، فإن المهمة الرئيسية التي تحمل الأولوية بالنسبة لبغداد وواشنطن هي تهدئة القبائل السنة في محافظة الأنبار، والشرط الأول للحوار مع الممثلين عن القبائل السنية هو انسحاب القوات الشيعية من المحافظة.

 

وفي الوقت الراهن، تدرس وزارة الدفاع الأمريكية شروط بقاء قواتها في محافظة الأنبار، مع ضمان السلامة والتفاعل مع القبائل المحلية. وكل هذا يشير إلى أن الأمريكيين من المرجح أن يقعوا مرة أخرى، في فخ الحرب العراقية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن النشاط الأمريكي في العراق لا يندرج ضمن ما وعد به ترامب في حملته الانتخابية، أي عدم التدخل في الصراعات المحلية في الشرق الأوسط.

 

 

الأمم المتحدة والعراق

في 30-31 من آذار/ مارس، زار الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، العراق والتقى بالرئيس العراقي، فؤاد معصوم، وناقشا الأوضاع الإنسانية في العراق، خاصة في المناطق الشمالية، حيث تجري عمليات عسكرية نشيطة. وقد حث الأمين العام للأمم المتحدة القيادة العراقية على تسهيل عودة اللاجئين للمحافظات التي وقع تحريرها من تنظيم الدولة، فضلا عن تزويدها بالمساعدات اللازمة. وفي السياق نفسه، دعا رئيس الوزراء العراقي الأمم المتحدة إلى دعم العراق في القضايا الإنسانية.

 

وبعد الاجتماع مع أبرز الدبلوماسيين العراقيين، أجرى الأمين العام للأمم المتحدة اجتماع عمل مع قيادة بعثة الأمم المتحدة في العراق، ثم غادر نحو عاصمة كردستان العراق أربيل، حيث أجرى محادثات مع الرئيس مسعود بارزاني. وعلى خلفية ما يحدث في العراق، أشاد الأمين العام للأمم المتحدة بالجهود الكردية في الحرب ضد الإرهاب، وأكد على التزام الأمم المتحدة على مواصلة تقديم الدعم المادي والمعنوي للأكراد.

 

وقد أبلغ بارزاني الأمين العام للأمم المتحدة عن نية تنظيم استفتاء في القريب العاجل حول سيادة دولة كردستان العراق. ويرى بعض الخبراء أن هذا القرار بإقامة منطقة حكم ذاتي كردي قد يؤدي في المستقبل إلى اشتباكات عسكرية بين المجموعات الكردية المسلحة والجيش العراقي، نظرا لأن الحكومة المركزية في بغداد ترفض انفصال كردستان عن العراق.

 

اليمن

لا تعد الاشتباكات في اليمن، التي جدت في الأشهر القليلة الماضية، أمرا غاية في الأهمية، لأن الوضع العام لم يشهد أي تغيير يذكر منذ اندلاع النزاع، ناهيك عن عدم اتخاذ أي إجراءات فعالة من قبل الأطراف المتحاربة. عموما، يتخذ الصراع في اليمن شكل حرب الخنادق ويعد هذا الوضع مصدر رضا كبير بالنسبة لتنظيم القاعدة، الذي يزداد نفوذه في جنوب اليمن. في التاسع من آذار/ مارس، كاد الجيش الحكومي يسيطر على العاصمة صنعاء بعد أن تمكن من السيطرة على المواقع الإستراتيجية المجاورة لها، إلا أن العمليات الهجومية من قبل الحوثيين في شمال محافظة صعدة أدى إلى تكثيف القصف في المنطقة ولم تنجح محاولة السيطرة على صنعاء.

 

في منتصف آذار/ مارس، وجه الحوثيون ضربة للقاعدة الجوية “الملك سلمان” في المملكة العربية السعودية، ونتيجة لذلك قتل 10 جنود سعوديون وأصيب العشرات. ولتنفيذ هذه الهجمة وقع استخدام الصواريخ الإيرانية “غدير” (Ghadir) ولم تتمكن أنظمة الدفاع الجوية الأمريكية  باتريوت من التصدي لها.

 

ووفقا لبعض التقارير، استجابت الولايات المتحدة الأمريكية لدعوة كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة للاضطلاع بدور نشيط في العملية من خلال توفير المساعدة اللوجيستية. والجدير بالذكر، أن الاستيلاء على ميناء الحديدة يعني حصارا شبه كامل للحوثيين، خاصة وأن هذا الميناء يوفر 80 بالمائة من المعاملات التجارية المخصصة للمواد الغذائية.

 

وبموجب اتفاق بين الخرطوم وأبوظبي، تم تسليم حوالي ستة آلاف من الجنجاويد، وهم ميليشيات قبلية سودانية، أثبتت فعالية كبير أثناء الحرب. وقد أخذت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على عاتقها مسؤولية تدريب وتجهيز هؤلاء المقاتلين. والجدير بالذكر، أن مشاركة الجنجاويد في حرب اليمن تشير إلى أن الإماراتيين والسعوديين يحاولون التقليص من حجم تورط قواتهم في الصراع اليمني.

 

الكارثة الإنسانية

وفقا للبيانات الصادرة عن الأمم المتحدة، وقعت اليمن، على مدى العامين الماضيين، تحت وطأة كارثة إنسانية. ففي سنة 2016،هدد شبح المجاعة في اليمن ما يناهز سبعة ملايين نسمة. ومنذ تدخل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية في الصراع اليمني، بلغت حصيلة القتلى في صفوف المدنيين نحو 6000 يمني. ووفقا لبعض التقارير، وقع استخدام القنابل العنقودية خلال قصف سلاح الجو السعودي، الذي يعقد أغلب صفقات الأسلحة مع المملكة المتحدة. وقد استخدمت القوات السعودية هذه القنابل في اليمن على  الرغم من حظر استعمالها منذ سنة 2010، نظرا لخطورتها.

 

بالإضافة إلى ذلك، يطارد شبح الفقر والمجاعة والتشرد 14 مليون شخص بسبب غياب المرافق الأساسية والمواد الغذائية وصعوبة نقل المساعدات الدولية. وفي أواخر آذار/ مارس، شهدت البلاد العديد من الهجمات الإرهابية، التي أودت بحياة عشرات المدنيين. ووفقا للخبير البريطاني، أندرو ميتشل، وضع السعودية من خلال تدخلها العسكري السلبي في اليمن حياة ملايين الأبرياء على المحك متغاضية بذلك عن سيادة الدولة اليمنية ومنتهكة القوانين الدولية.

 

دور الولايات المتحدة الأمريكية في الصراع اليمني

تجري العمليات الأمريكية لمحاربة الإرهاب في اليمن بتنسيق مع قوات التحالف العربي. والجدير بالذكر، أن وزير الدفاع السعودي وولي العهد، الأمير محمد بن سلمان آل سعود، التقى بالرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في البيت الأبيض. وفي لقائهما تدارسا العلاقات الاقتصادية بين البلدين بالإضافة إلى مجريات الحرب في اليمن وسوريا. ووفقا لبعض الخبراء، كان الهدف الرئيسي من الزيارة التي قام بها الأمير محمد بن سلمان الحصول على دعم ومساعدة الولايات المتحدة للهجوم على ميناء الحديدة.

 

احتمالات التوصل إلى تسوية سلمية

ناشد المبعوث الخاص للأمم المتحدة في اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، مجلس الأمن الدولي للضغط على الحكومة والمعارضة من أجل إجبارهم على الجلوس على طاولة الحوار ومحاولة إيجاد اتفاق سلمي. وفي منتصف آذار/ مارس، قدّم المبعوث الخاص للأمم المتحدة في اليمن خطة تسوية إلى الأطراف المتناحرة تنص على انسحاب القوات العسكرية من المناطق الآهلة بالسكان وتشكيل حكومة انتقالية.

 

لكن لم تحظى خطته بتأييد أي من الأطراف المتنازعة ولم تقبل بالتفاوض. والجدير بالذكر، أن الحوثيين دعوا الأمين العام للأمم المتحدة باستبدال المبعوث الخاص للمنظمة في اليمن، كما رفضوا خطته بشأن التسوية واعتبروها، عمليا، حثا على تسليم الحوثيين لأسلحتهم وحل قواتهم.

 

ليبيا

في الأشهر القليلة الماضية حصلت اشتباكات بين أنصار المشير، خليفة حفتر، والوحدات التابعة لرئيس حكومة الوفاق الوطني، فايز السراج. وقد طغت على الاشتباكات الليبية حالة من الفوضى، إذ أصابت إحدى القذائف مبنى السفارة الأوكرانية في طرابلس. ونتيجة لقتال الشوارع، انتشرت ظاهرة خطف السكان المحليين للحصول على فدية ناهيك عن كثرة عمليات السطو المسلح والسرقة.

 

وفي وقت لاحق، وبوساطة جزائرية تم التوصل إلى اتفاق بين العشائر المتناحرة ينص على انسحاب جميع الوحدات العسكرية من طرابلس والإفراج عن الجنود الأسرى. وتجدر الإشارة إلى أن الاشتباكات السياسية والعسكرية في طرابلس أثبتت ضعف حكومة السراج واعتمادها إلى حد كبير على مساعدة جارتها الجزائر.

 

وفي أوائل شهر آذار/ مارس، تمكنت كتائب سرايا الدفاع عن بنغازي من الاستيلاء على المدينة الليبية السدرة وراس لانوف، وبذلك تم السيطرة على مناطق الهلال النفطي. ولكن، سرعان ما تمكنت قوات المشير الليبي حفتر من استعادة مناطق الهلال النفطي في منتصف شهر آذار/ مارس، وقد وجه هذا الأخير اصبع الاتهام نحو قطر وتركيا بدعم كتائب الدفاع عن بنغازي، وغيرها من الجماعات الأخرى المسلحة في ليبيا.

 

وفي الوقت الراهن، يبدو أن الدوحة والرياض وأنقرة يقومون بإعداد عملية عسكرية في ليبيا، بهدف تغيير موازين القوى لصالحهم. ووفقا لهذا، فإن نجاح هذه العملية يعني فشل بروكسل والجزائر في التوصل إلى حل وسط قادر على خلق توافق بين السلطة في طبرق وطرابلس. وفي أواخر شهر آذار/ مارس، قام الجيش الوطني الليبي تحت قيادة المشير خليفة حفتر بعملية “الرمال المتحركة” من أجل تحرير المنطقة الجنوبية من البلاد من سيطرة المسلحين.

 

العامل الروسي في ليبيا

يبدو النشاط الروسي في ليبيا أكثر وضوحا، فمن الناحية الجغرافية يحاول الكرملين الحصول على موطئ قدم له في شمال أفريقيا وتعزيز نفوذه في منطقة البحر الأبيض المتوسط. بالإضافة إلى ذلك، تسعى موسكو، في ليبيا، إلى تجديد عقود بمليارات الدولارات سواء في توريد الأسلحة أو في الثروات النفطية الليبية. والجدير بالذكر، أن رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج زار موسكو في أوائل شهر آذار/ مارس.

 

كما أن المشير الليبي خليفة حفتر تربطه علاقات وثيقة مع موسكو، قد سبق منافسه فايز السراج في زيارة العاصمة الروسية. وقد عبر خليفة حفتر عن استعداده للتعاون في المجال العسكري مع روسيا لمحاربة تنظيم الدولة. ووفقا لهذا، فإنه على الرغم من الأهمية الدبلوماسية لزيارة فايز السراج للكرملين فإن السلطة الحقيقة في ليبيا بالنسبة لموسكو بين يدي خليفة حفتر.

 

وعلى الرغم من أن حفتر عاش في الولايات المتحدة الأمريكية لمدة 20 عاما بعد صراعه مع القذافي في أواخر الثمانينات، إلا أنه تربطه علاقات مميزة بروسيا. وتجدر الإشارة إلى أن خليفة حفتر البالغ، من العمر 73 سنة، زاول تعليمه في روسيا في عهد الاتحاد السوفيتي ويتكلم اللغة الروسية بطلاقة. كما أن يمتلك حفتر شخصية سياسية تمكنت من جذب انتباه الكرملين إليه لعدة أسباب أهمها؛ أنه يسيطر على الجزء الأكبر من الأراضي الليبية، وهو قائد لأكبر الوحدات العسكرية والأهم من ذلك أنه يسيطر على أهم حقول النفط في البلاد.

 

في ليبيا، يتضح عنصر المنافسة بين روسيا والغرب، ولا تعد كل البلدان الأوروبية مرحب بوجودها على الأراضي الليبية. وتجدر الإشارة إلى أن المسألة الليبية كانت عاملا من عوامل إثارة حرب كلامية بين وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون، ونظيره الروسي سيرغي شويغو. بالإضافة إلى ذلك، أعربت القيادة في الولايات المتحدة الأمريكية عن قلقها إزاء تزايد النفوذ الروسي في ليبيا.

 

ووفقا للغرب، فإن روسيا تسعى لتغيير مسار الأحداث في ليبيا إلى صالحها. كما أكد قائد القوات الأمريكية في أفريقيا على وجود وحدات عسكرية روسية على الحدود المصرية الليبية. وتبعا لذلك، أكدت وسائل إعلام أن الولايات المتحدة ستنشر قواتها العسكرية في ليبيا لأغراض عسكرية وستتعاون مع الأمم المتحدة وحكومة فايز السراج للحد من تنامي النفوذ الروسي في المنطقة.

 

المادة مترجمة عن مركز الدراسات الجيوسياسية المستقل للإطلاع على المادة الأصلية هنا

ضع تعليقاَ