مارس 29, 2024

ديبلو ويب: القوات الجوية السورية… إعادة هيكلتها ومرونتها من سنة 2011 إلى غاية سنة 2017

كيف يمكن تفسير بقاء النظام السوري في الحكم رغم انسلاخ جنوده عنه، وفقدانه لجزء هام من مناطقه، علاوة على اتهام المجتمع الدولي له بارتكاب جرائم حرب؟ يكمن جزء هام من الإجابة عن هذا السؤال في التفوق العسكري الجوي للنظام السوري.

فبفضل فعالية سلاح الجو وقوته النارية، نجح النظام السوري في الحفاظ على رباطة جأشه واستعادة المناطق التي فقد سيطرته عليها. وسنوضح في هذا التقرير كيف نجح النظام السوري في ذلك، بالاعتماد على خريطة للقواعد الجوية السورية.

منذ شهر آذار/مارس من سنة 2017، دخل الصراع السوري سنته السابعة، حيث كان هذا الصراع مجرد “انتفاضة” محلية في وجه محافظ مدينة درعا قبل أن يتحول إلى حرب أهلية، وبذلك أصبحت سوريا مسرحاً تتواجه فيه القوى الإقليمية والعالمية. كانت عواقب هذا الصراع وخيمة؛ حيث سقط أكثر من 400 ألف قتيل، فضلاً عن تسجيل أكثر من 3.8 ملايين لاجئ من إجمالي عدد السكان الذي كان يبلغ قبل الحرب 20 مليون نسمة.

مع سقوط حلب بتاريخ 22 كانون الأول/ ديسمبر من سنة 2016، الذي تزامن مع فشل الهجوم على مدينة حماة خلال ربيع سنة 2017، أجبر الثوار على التراجع نحو كل المناطق التي ما زالت خاضعة لهم، تحديداً في الشمال الغربي في محافظة إدلب، وجنوباً في درعا وأحياء منطقة الغوطة المحاصرة منذ سنة 2012. من جانب آخر، فقد تنظيم الدولة الإسلامية عاصمتيه، أي كلاً من مدينتي الرقة والموصل، في حين يواصل الأكراد تقدمهم بعد أن وقّعوا هدنة ضمنية مع النظام نحو تأسيس منطقة ذاتية الحكم “روج آفا”.

يبدو أن كفة الصراع في سوريا تميل لمصلحة قوات بشار الأسد، ولكن

كيف يمكن تفسير بقاء النظام السوري في الحكم رغم انسلاخ جنوده عنه، وفقدانه لجزء هام من مناطقه، علاوة على اتهام المجتمع الدولي له بارتكاب جرائم حرب؟ وكما أشرنا سابقاً، فإن جزءاً هاماً من الإجابة عن هذا السؤال يكمن في التفوق العسكري الجوي للنظام السوري.

لا يمكن، في هذا الإطار، إنكار الدور الإيراني، والدور الذي قام به حزب الله، بالإضافة إلى الدور الروسي الذي ساهم في احتواء حركة التمرد. ومع ذلك لا يمكن التغاضي عن فعالية سلاح الجو وقوته النارية، خاصة أن النظام السوري قد نجح بفضله في الحفاظ على رباطة جأشه، وتمكن من استعادة المناطق التي فقد السيطرة عليها.

إلى جانب أجهزة الأمن والحرس الشخصي للنظام، تأسس سلاح الجو السوري أولاً بهدف اعتراض المقاتلات الجوية الإسرائيلية في خضم احتدام الصراع بين الطرفين، تطور إلى سلاح لفرض الحصار على الشعب وإخضاعه. وتجدر الإشارة إلى أنه قد تم تكليف القوات الجوية السورية بمهام جديدة تتمثل في نشر الهلع وتجسيد انتقام النظام من معارضيه، في تناقض صارخ مع الاستعمال الغربي لسلاح الجو.

خلال عملية “عاصفة الصحراء” سنة 1991، أو خلال الحروب التي هزت منطقة يوغسلافيا السابقة، تم الاستعانة بالطائرات الحربية الأمريكية والأوروبية، لتوجيه ضربات دقيقة تجنباً لسقوط ضحايا من المدنيين. لكن يبدو أن سلاح الطيران السوري متأثر أكثر  بالإستراتيجية التي طبقها الروس لكبح جماح التمرد الشيشاني، والتي ترتكز على القصف المكثف للبنى التحتية الاقتصادية، مع استهداف السكان وممتلكاتهم.

وتعكس هذه الإستراتيجية سياسة “الأرض المحروقة” التي ترتكز أساساً على تنفيذ العمليات على نطاق واسع، دون الأخذ بعين الاعتبار مسألة إرهاق سلاح الجو، ما سيفضي إلى إلحاق الضرر بالقوات المشاركة على أرض الميدان. كما ستؤدي هذه السياسة إلى تدمير التجهيزات وتكبد المزيد من الخسائر البشرية في صفوف المدنيين. ويبقى السؤال المطروح: “لماذا وكيف يطبق سلاح الجو السوري هذه الإستراتيجية؟”

القوات الجوية السورية أسطول من الطائرات السوفيتية الرائدة في مجال قمع حركات التمرد (2011-2013)

صُممت القوات الجوية السورية لتكون عبارة عن سلاح يشبه إلى حد ما أسلحة الحرب الباردة، نظراً لتأثره بالأساليب السوفيتية السابقة القائمة على إشراك الطيران في العمليات البرية بهدف التغطية والتعزيز دون القيام بمناورات عسكرية. ويتكون سلاح الجو السوري من طائرات اعتراضية من نوع “ميغ-21، و23، و25، و29″، التي تعزز الأسلحة المضادة للطائرات، وتوفر تغطية جوية للقوات المقاتلة “على الجبهة”. ويستعين النظام لتحقيق ذلك بطائرات الهجوم الأرضي النفاثة من نوع “سوخوي سو-22 و24”.

اعترفت سوريا قبل الثورة بامتلاك قواتها الجوية 500 طائرة مقاتلة، يعود تاريخ أغلبها إلى سنوات السبعينات والثمانينات. كما تم إشراك بعض هذه الطائرات في الصراع المتوتر ضد إسرائيل (حيث خاضت سوريا ثلاث مواجهات مع الدولة العبرية سنوات 1967، و1973، و1982)، ويتم استغلال هذه الطائرات، التي عفى عليها الزمن ولم تعد مؤهلة كثيراً في حرب النظام لحركة التمرد. في الواقع لم تبق سوى ثلاثين مقاتلة من نوع “سوخوي سو-24″ يعود تاريخها لسنة 1990، كما أن البعض من مقاتلات سوخوي سو-24 و”سو-22” مجهزة بأنظمة تقصي الهدف التي تساعد في استخدام الأسلحة الموجهة بدقة، وهذه الطائرات لا زالت قادرة في تجنب الوقوع في مرمى أنظمة الدفاع الجوي المحمول أو أية أسلحة خفيفة أخرى مضادة للطائرات.

في المقابل، لا تقتصر أهمية سلاح الجو السوري على هذه الطائرات فحسب، بل تم تعزيز القوات الجوية منذ استيلاء حافظ الأسد على الحكم سنة 1970 بجهاز أمني استخباراتي يحظى بالنفوذ والهيبة، وساعد النظام مع احتدام الصراع على بث الشكوك في صفوف الثوار، وتجاوز النقائص التقنية التي يعاني منها النظام في تحديد أهدافه العسكرية.

شاركت القوات الجوية في أولى العمليات ضد حركة التمرد معتمدة على سرب الطائرات المروحية القتالية من نوع “ميل مي-24” و”ميل مي-2″، علاوة على طائرات تدريب نفاثة من نوع  “آيرو إل-39 ألباتروس” بعد أن تم إعادة تجهيزها. من جانب آخر، لم يتم استعمال مقاتلات “الميغ” نظراً لأنها غير ملائمة للدعم الأرضي، كما أن النظام قد انتابته مخاوف من تعرض سربه لعمليات انتقامية غربية، مثلما حصل تماماً مع النظام الليبي، لذلك قرر استثناء طائرات الميغ وعدم إشراكها في العمليات الأولى، في الوقت الذي انشقت  فيه عناصر من القوات الموالية له، فضلاً عن تعزيز الثوار لترسانتهم من الأسلحة المضادة للطائرات.

تحت ضغط التقدم الذي أحرزه الثوار، بدأ النظام تدريجياً بإشراك باقي أسرابه، خصوصاً مقاتلاته الاعتراضية من نوع ميغ-23 وميغ-29 التي استعملها في القصف على مدينة حلب، فضلاً عن توجيه ضربات أرضية خلال شهر آب/أغسطس من سنة 2012. وقد تزامنت هذه الضربات مع أول أيام القصف باستخدام البراميل المتفجرة التي ترمى من مروحيات من نوع “ميل مي-8″ و”ميل مي-17” المخصصة لنقل الجنود، مع العلم أنه خلال سنة 2011 كان من المنتظر أن يخضع قرابة 50 بالمئة من أسراب طائرات النظام إلى الفحص الفني، خاصة الطائرات من نوع “ميل مي-8” و”ميل مي-17″، ومقاتلات من نوع ميغ-21 وميغ-23، وطائرات سوخوي-22. كما تم تسجيل أكثر من ألفي ضربة جوية لطائرات النظام بين شهري تشرين الثاني/نوفمبر من سنة 2012 ونيسان/أبريل من سنة 2013.

في المقابل، تعد الفترة الممتدة بين شهري تموز/يوليو من سنة 2012 إلى غاية شهر تموز/يوليو من سنة 2013، الأسوأ في تاريخ القوات الجوية السورية نظراً لفقدانها ما يقارب 350 طياراً؛ حيث وقع بعضهم تحت الأسر، في حين هرب البعض الآخر، كما فقد العديد خلال المعارك. وقد تزامنت هذه الخسائر مع تعرض 45 طائرة مروحية و30 طائرة مقاتلة تابعة للنظام للتدمير. وقد فقد سلاح الجو السوري خلال هذه الفترة نصف إمكانياته.

خلال صائفة سنة 2013، تسبب حدثان هامان في إعادة خلط الأوراق من جديد؛ يتمثل الأول في أن مطار دمشق الدولي كان على مرمى قذائف الهاون التابعة للثوار، وثانيهما أن القوات الموالية للأسد قد فقدت خط الإمداد العسكري مع قطع الطريق السريع المؤدي لحلب.

بمساعدة حزب الله حقق النظام انتصاراً في مدينة “القصير” يوم 5 حزيران/يونيو سنة 2013، ما مكنه من تأمين خطوط الإمداد العسكري القادمة من لبنان في الوقت الذي فقد فيه النظام سيطرته على باقي المراكز الحدودية المشرفة على كل من تركيا، والعراق، والأردن. من جانب آخر، لم يرد الغرب على قيام النظام بهجوم كيميائي في ضواحي دمشق وتحديداً في الغوطة؛ ممَّا شكل لحظة حاسمة للنظام الذي أصبح موقناً باستحالة فرضية التدخل الغربي ضده، ويعود الفضل في ذلك للتغطية الدبلوماسية الروسية. ولذلك أضحى من الممكن أن يعوض النظام ما فقده من سربه من الطائرات المروحية خلال المعارك بالعودة إلى إشراك الطائرات الهجومية من نوع ” سوخوي سو-22″ و”سوخوي سو-24″ دون الخوف من عمليات انتقامية غربية. من هذا المنطلق، يعد هجوم الغوطة حدثاً هاماً للنظام، حيث سجل من خلاله بداية التفوق الجوي وتحويل القوات الجوية السورية لسلاح  يثير الذعر.

إلغاء ما يسمى بمناطق “سوريا المفيدة” والدفاع عن القواعد الجوية: جيش الطيران السوري في عملية إعادة تجهيز كاملة (2013-2014)

في صائفة 2013، ظلت المواقع التابعة للثوار والنظام على حالها منذ بداية السنة. وقد كان الصراع بين الطرفين أشبه بسباق للسيطرة على المنافذ الحدودية وعلى الموارد، قبل أن يتحول هذا الصراع إلى أشبه بحرب استنزاف على طول الطريق السريعة المؤدية لحلب، التي تعتبر محوراً إستراتيجياً هاماً في المعركة. فهذا الطريق يربط بين عاصمة سوريا السياسية (دمشق) وبين مركزها الاقتصادي (حلب)، ويمر بمهد الانتفاضة التاريخي (درعا) وحمص وحماة اللتين كانتا بدورهما مسرحين لعمليات القمع سنة 1982.

قررت فصائل الثوار، التي عانت من هجمات سلاح الجو السوري، التخلي بصفة تدريجية عن المناطق التي تسيطر عليها بهدف التركيز على تطبيق إستراتيجية “منع الوصول”، حيث قامت أولاً باستهداف طرق الإمداد اللوجستي البرية باستخدام العبوات الناسفة ونصب الكمائن للنظام. ثم شن الثوار هجمات لاقتحام القواعد الجوية بهدف تدمير طائرات النظام وهي لا زالت على الأرض.

منذ شهر تشرين الثاني/نوفمبر من سنة 2012 إلى غاية شهر آب/ أغسطس من سنة 2014، تم فرض حصار على مطار “مرج السلطان” للطائرات المروحية، أعقبه سقوط مطار “الطبقة”، وآنذاك لم يقل عدد المطارات الرئيسية التي سقطت في أيدي الثوار عن سبعة مطارات. ولكن هذه الإستراتيجية كانت مربحة بالنسبة للثوار؛ نظراً لأنها ألقت النظام داخل موجة من العوائق اللوجستية ممَّا فتح الطريق أمامهم للسيطرة على أسلحة مضادة للطائرات، تحديداً بتاريخ 12 شباط/ فبراير من سنة 2013، فضلاً عن وضع أيديهم على طائرات عاملة من نوع “آيرو إل-39 ألباتروس”.

بطبيعة الحال، عزز الثوار صفوفهم بأنظمة الدفاع الجوي المحمول، على غرار مضادات الطائرات المحمولة على الكتف من نوع “إف إن-6″ الصيني، وأخرى من نوع ” سام 7 جريل”، بالإضافة إلى النماذج الحديثة من صواريخ “إيغلا 16″ و”إيغلا 17” مرفقة بمدافع مضادة للطائرات تقليدية تعود إلى العصر السوفيتي من نوع “زو-23″ عيار 57مم. أما في الغوطة، فتم استعمال منصة إطلاق الصواريخ المضادة للطائرات من نوع ” 9 كيه 33 أو إس إيه” المجهزة برادار.

لكن ذلك لم يحرم النظام من تشغيل مراكز تدريبه المنتشرة في “قاعدة منغ” وكشيش وكويرس، ولكن أضحت هذه القواعد غير صالحة للاستعمال نظراً للحصار الذي فُرض عليها إلى حدود سنة 2017، ما تسبب خلال سنة 2014 في تفاقم النقص في عدد الطيارين من ذوي الخبرة مع انخفاض كبير في وتيرة الطلعات الجوية إلى حدود 50 طلعة في اليوم الواحد. كما أن هذا النقص التكتيكي يعكس تخوف النظام من انشقاق طياريه عنه. علاوة على ذلك، منع النظام تبادل الحوارات أو النقاشات المذهبية بين جنوده، كما تم تخفيض عدد الطائرات التي تقوم بطلعات جوية إلى طائرة واحدة، مع التأكد من توجهها مباشرة نحو هدفها بالاعتماد على وسائل الملاحة الجوية البسيطة، على غرار “غوغل إيرث”.

خريطة القواعد الجوية السورية في منتصف تشرين الأول/أكتوبر
خريطة القواعد الجوية السورية في منتصف تشرين الأول/أكتوبر

التعليق على الخريطة: اقتحام مدينة الرقة من قبل قوات سوريا الديمقراطية، خلال النصف الثاني من شهر تشرين الأول/ أكتوبر من سنة 2017، الذي أعقبه اقتحام الجيش السوري لمنطقة دير الزور، ومنذ يوم 12 أيلول/ سبتمبر من سنة 2017، بدأت مساحة تنظيم الدولة الترابية تتقلص. ومع ذلك فليس هناك ما يبشر بنهاية سريعة للصراع الدائر مع الثوار في غربي سوريا دون الوصول إلى اتفاق سياسي، حيث لا زال أغلب الثوار يحافظون على معاقلهم في كل من إدلب وضواحي درعا.

على الرغم من أن الثوار يتفوقون عددياً فإن النظام السوري حقق انتصارات في مدينة القصير أعقبتها استعادة تدريجية لمدينة حمص، في حين تراجعت بعض قواته لحماية مركز سوريا تحديداً حول العاصمة دمشق ومنطقة اللاذقية الساحلية التي يقطنها أبناء الطائفة العلوية، وهي الطائفة العرقية الدينية التي تشكل الإطار الإداري والعسكري للاذقية.

في الوقت نفسه، عوض النظام النقص الحاصل في جيشه بإشراك الميليشيات الموالية له من خلال تسليح الأقليات المسيحية والفلسطينية والدرزية، أو عن طريق تسليح وتجهيز شبكاته الزبائنية وعناصر المافيا، على غرار ما يسمى بالشبيحة. وتساعد هذه الميليشيات، التي يتم انتدابها من داخل سوريا، النظام على أن يحافظ على مصالحه المحلية وتجذره في المناطق السورية بتكلفة منخفضة. ولكن في المقابل، لا تتميز هذه الميليشيات بقدرات هجومية كبيرة. ومع ذلك فهي توفر للنظام شبكة دفاعية مكثفة بما يكفي لامتصاص هجمات الثوار مع انتظار التحاق قوات النخبة وخاصة منها القوات الموالية للنظام، على غرار “قوات النمر” أو قوات “صقور الصحراء”، لتتولى مهمة القيام بهجوم معاكس.

أضحت القوات الجوية السورية  “حجر الأساس” لهذه الإستراتيجية القائمة على “عزل المناطق الخاضعة للنظام السوري”، حيث تؤدي أولاً دور الحامية لهذه المناطق من أية محاولة لفصائل الثوار لغزوها، كما تتكفل القوات الجوية بالدعم اللوجستي لخطوط الإمداد العسكري. والجدير بالذكر أن حفاظ قوات النظام على موقعها حول مطار دير الزور العسكري، الذي كان تحت الحصار منذ سنة 2012، يدل على الكفاءة والتكلفة الهائلة التي دفعها النظام من الأرواح البشرية والمعدات العسكرية لإنجاح إستراتيجية مثل هذه.

بالإضافة إلى ذلك، استُخدمت القوات الجوية السورية كسلاح لتعزيز الحصار الذي فُرض حول مدينة حمص وضواحي مدينة حلب، حيث كان دورها يتمثل في تعويض سلاح المدفعية الثقيلة في حالة التعرض لصعوبات في تنقلها. وكي تستجيب أكثر لإستراتيجية النظام، تم تركيز مقاتلات جوية تكون أكثر قدرة على تكثيف عمليات القصف، حيث قامت القوات الجوية بتطوير طائرات “ميكويان-غوريفيتش ميغ-21” الخاصة بالتدريب، علماً بأنها تخلت عن استعمال طائراتها من نوع “ميغ-25” منذ شهر آذار/مارس من سنة 2014.

عُرفت الفترة الممتدة بين سنتي 2013 و2014 بفترة الاحتواء، أي إن سقوط كل من مدينتي إدلب خلال شهر آذار/مارس وتدمر خلال شهر أيار/مايو سنة 2015، قد أماط اللثام عن انقطاع التنسيق بين قوات النظام وسلاحه الجوي، ممَّا جعل من مستقبل بقاء النظام السوري في الحكم على المحك.

ولكن تغيرت قواعد اللعبة مع التدخل الروسي الذي انطلق خلال شهر أيلول/سبتمبر من سنة 2015، حيث ساهم هذا التدخل في عودة النظام وتمكنه من استرجاع مكانته العسكرية. وفُتح بذلك فصل جديد من الصراع السوري مع بروز بوادر انفراج بحلول سنة 2017، إذ لم يعد النظام يقاتل من أجل بقائه، وإنما يقاتل من أجل تحقيق انتصارات عسكرية بصفة تدريجية، وأضحى “يعاقب” و”يسترجع ما أُخذ منه بالسلاح”.

منذ سنة 2015: بين العقاب والغزو، القوات الجوية السورية سلاح هام لفرض الحصار

مع بداية سنة 2015، تراجعت طلعات القوات الجوية السورية بشكل خطير على النظام، وذلك قبل أن يستفيد من التدخل الروسي لإعادة تجهيز  طياريه وتدريبهم. ومع استعادة مطار حلب الدولي سنة 2013، أضحى من الممكن عودة العمل في الورشة الرئيسية أو “المصنع” التابع للقوات الجوية السورية، حيث بدأت هذه الأشغال تحديداً بين سنتي 2014 و2015، وذلك بفضل قطع الغيار التي اقتنتها إيران من روسيا البيضاء وساهمت في صيانة نحو أربعين طائرة من نوع “آيرو إل-39 ألباتروس” ومن نوع “سوخوي سو-22”.

تزامنت هذه الفترة، التي تم فيها تجهيز طائرات التدريب “آيرو إل-39 ألباتروس”، مع تخزين تجهيزات تتمثل في منظومات الدفاع الجوي المحمول، ومجموعات مناظير رؤية ليلية، وقد سرّع ذلك في استئناف عمليات القصف خصوصاَ على مدينة حلب سنة 2016. علاوة على ذلك، تم تطوير قدرات البراميل المتفجرة من خلال تزويدها بزعانف، وإضافة المواد المتفجرة، وأحياناً غاز الكلور.

أما في خصوص الطلعات الجوية التدريبية، فقد استعادت فعاليتها منذ سنة 2013، كما استفادت القوات الجوية السورية كثيراً من هجوم “كويرس” الذي شنه النظام خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر من سنة 2015، والذي ساهم في تحرير العديد من الطيارين والمدربين. واستأنفت الطلعات الجوية نشاطها من جديد، خلال سنة 2016، حيث بلغت أكثر من 60 طلعة جوية خلال اليوم الواحد، ووصل بعضها إلى قرابة 70 طلعة مع نهاية سنة 2016.

وبفضل التدخل الروسي أخذ النظام السوري بزمام المبادرة، وبدأ في إعادة تطبيق الإستراتيجية ذاتها التي طُبقت سنة 1982 في مدينتي حماة وحمص، والمتمثلة في استعمال القوة النارية لضرب المراكز الحضرية وتطهيرها. ولإتمام ذلك، وجب أولاً الربط بين مختلف المناطق التابعة للنظام، التي تحوّل العديد منها إلى نقاط دعم، والهدف من ذلك عزل مواقع الثوار وشن هجمات ضدهم. وتذكرنا هذه الإستراتيجية بما طبقه الاتحاد السوفيتي سابقاً، حيث حاصر الجيش النظامي المنطقة ثم قصفها بطريقة منهجية، كما تستهدف عمليات القصف البنية التحتية المدنية فقط، على غرار المستشفيات، والمخابز، ومقرات الصحافة ومقرات الحكومة القضائية، والأمنية والسياسية.

أصبحت الحياة مستحيلة في سوريا ممَّا دفع السكان إلى الهجرة، في حين أضحت المجاعة سلاحاً لإخضاع الخصم. وفي ظل هذا الوضع، يرضى النظام بأية مبادرات لتنظيمات سياسية (ذات توجه جهادي أو معتدل)، المهم أنها تقصي فكرة رحيله أو طرده من الحكم. علاوة على ذلك، تم إنشاء ممرات “إنسانية” لتسهيل هروب السكان. والهدف أساساً من هذه الإستراتيجية الرامية للقضاء على حركة التمرد ضد النظام، يتلخص في حرمان الثوار من دعم السكان، و”تجفيف” المناطق الخاضعة لسيطرتهم من المقاتلين والناشطين. ومن هنا، يتبين لنا أن النظام يطبق تعاليم الحرب التقليدية التي ستفضي في نهاية المطاف إلى التطهير العرقي.

والجدير بالذكر أن المناطق التي استعادها النظام ظلت نائية وأصبحت أشبه “بمدن الأشباح” على غرار مدينة الرستن. فبالنسبة للنظام تبدو هذه السياسة التي تقوم على التطهير العرقي كافية، خاصة أنها تجنبه وقوع وحدات النخبة في الكمائن (حزب الله وقوات النمر…)، كما من شأنها أيضاً أن تكسر التماسك الدفاعي للخصم عن طريق إرسال الميليشيات “الشعبية” التي تعمل على اجتثاث جيوب المقاومة.

مع النقص الذي يعاني منه النظام في الدعم الأرضي، أضحت القوات الجوية السورية سلاحاً فعلياً لتطبيق سياسة الحصار مع تراجع نجاعة سلاح المدفعية، حيث توجّه الطائرات ضربات أكثر دقة مستهدفة البنية التحتية ومراكز القيادة الخاصة بالثوار، ضمن إطار تنفيذ ضربات جوية دون تمييز وخاضعة لمنطق إرهاب الخصوم. في الواقع، تتمتع المقاتلات الجوية بميزة كبيرة عن سلاح المدفعية؛ حيث تسبب هلعاً نفسياً للخصوم. وفي حال كان الهدف الحد من سير الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية في المناطق الثائرة، فينبغي الأخذ بعين الاعتبار أن الضربات الجوية المكثفة أقل أهمية من توجيه ضربات ثابتة ومتكررة. والهدف من كل ذلك تجسيد وجود النظام وإظهار انتقامه من شعبه.

ويذكرنا هذا الأسلوب السوري بالنموذج الروسي المطبق خلال الحرب الشيشانية الثانية، وخاصة مع حصار مدينة “غروزني” من قبل الجيش الروسي، حيث امتد هذا الحصار من يوم 25 كانون الأول/ديسمبر سنة 1999 إلى غاية السادس من شباط/ فبراير من سنة 2000. وقد استخدمت موسكو أسلحة عديدة من أبرزها القنابل الفراغية، والحارقة، والقنابل العنقودية. كما اتبع النظام السوري الخطوات نفسها والإيقاع ذاته في إستراتيجيته، حيث قام أولاً بالتطويق، ثم الإخضاع، وأنهى العملية بالاحتلال. وقد طبق ذلك بحذافيره خلال حصاره لمدينة حلب، ولا زال النظام يطبق الإستراتيجية نفسها في باقي المناطق المنتشرة في كامل البلاد.

انتصار لا يحل أية مشكلة

لم تغير الضربات الأمريكية شيئاً من ديناميكية الصراع ولا من موازين القوى في سوريا، خاصة أن هذه الضربات التي تمت في الليلة الفاصلة بين السادس والسابع من نيسان/أبريل سنة 2017، جاءت في شكل عقاب للنظام بسبب قصفه لمدينة خان شيخون بالسلاح الكيماوي.

وقد تسببت هذه الضربات الأمريكية في إحراز نقص يقدر بالعشرات في سرب النظام السوري من طائرات سوخوي-22، مع تعرض إحدى مقاتلاته للتدمير بتاريخ 18 حزيران/يونيو من سنة 2017. ولكن كان لهذه الخسائر طعم مميز بالنسبة للنظام، إذ لم تلحق ضرراً بالإستراتيجية الجوية التي لا زالت بالنسبة له ناجعة، إلا أنه اكتشف أنها سلاح ذو حدين. بعبارة أخرى، ساهمت هذه الإستراتيجية فعلاً في اقتحام النظام للمناطق التي كانت خارج سيطرته ولكنها عمها الدمار، كما هاجر سكانها إما نزوحاً أو بالرحيل بعد الاتفاق مع النظام. وقد حولت عمليات القصف الجوي هذه المناطق إلى “مدن شهيدة”.

مع تتالي الهزائم العسكرية للثوار، أجبر بعضهم على التحول إلى حركة سرية أو شبه سرية تخوض حرب عصابات. في هذا السياق، حققت جبهة فتح الشام، أو جبهة النصرة سابقاً التي كانت أحد فروع تنظيم القاعدة في سوريا، انتصاراً في إدلب ضد فصائل الثوار الأخرى، تحديداً يومي 23 و24 تموز/يوليو من سنة 2017. وقد شكل هذا الانتصار غلبة للفصائل الراديكالية ومكنها من الإمساك بزمام الأمور على حساب الفصائل المعتدلة.

بالعودة للقوات الجوية السورية، كانت وتيرة الطلعات الجوية منهكة لسرب الطائرات والتي فاق بعضها قدرتها على التحمل، وقد كان من الممكن أن تضر كثيراً بالقدرات الجوية للنظام لولا دعم إيران أو روسيا.

ومن منظور أعمق، فإن واقع الصراع السوري يتماشى وفقاً للأهداف الروسية أو الإيرانية، وهذا ما يبرر الاستخدام العشوائي للقوة الجوية الذي يعكس بدوره غياب الأخلاق وعدم احترام قانون الحرب.

وفي الختام،  وفي حال استقر الصراع السوري على انتصار بشار الأسد، فإن ذلك لن يحد بأي حال من الأحوال من التوترات التي تهز المنطقة ككل، بل سيزيد من تفاقم وتيرة العنف بين الأطراف المتنازعة. ومع محاولات المملكة العربية السعودية إخضاع إمارة قطر، يبدو أن ذلك قد تسبب في بروز تحالفات إقليمية ستزيد من حدة الأزمة الخليجية وستضعف احتمال عودتها إلى الوساطة … وعلى ضوء هذه المعطيات لسائل أن يسأل، هل هي بداية حرب باردة، أم حرب ستعصف بالشرق الأوسط  لمدة ثلاثين سنة؟

المصدر: ديبلو ويب

الكاتب: فانسان ترويه

الرابط: https://www.diploweb.com/Resilience-et-reconfiguration-de-l-armee-de-l-air-syrienne-AAS-de-2011-a-2017.html

 

ضع تعليقاَ