مارس 29, 2024

الاستفتاء الدستوري وتبعاته على الوضع الداخلي في تركيا والعلاقة مع أوروبا وأمريكا

شعبية أردوغان والاستحقاق الرئاسي المقبل:
تعامل كثيرون مع الاستفتاء ونتائجه على أنه مقياس لشعبية أردوغان وحزب العدالة والتنمية، وهذا غير صحيح؛ إذ إن الاستفتاء مؤشر على الرغبة أو الثقة في الانتقال إلى نظام سياسي جديد في تركيا، وإن كانت عملية التحشيد والخطابات المؤيدة أو المعارضة قد غابت عنها بوضوح الأسباب الموضوعية للتأييد أو الرفض، وحل بدلاً منها الأسباب التعبوية ضد الآخر، ومن ثم فإن عدداً كبيراً من المصوتين لهذا الخيار أو ذاك قد صوتوا بناء على موقفهم السلبي أو الإيجابي من أردوغان وطروحاته.
ولكن الأرقام والمؤشرات التي ظهرت عشية الاستفتاء تشير بوضوح إلى أن الأمر لا يتعلق بالضرورة بشعبية الرئيس أو حزبه؛ فبعض المناطق لم يكن يُظن أنها يمكن أن تتخذ موقفاً مغايراً لحزب العدالة والتنمية ولأردوغان، مثل منطقة أيوب في إسطنبول التي صوتت ضد التعديلات الدستورية، ومنطقة باشاك شهير في إسطنبول التي صوتت بفارق بسيط جداً لمصلحة التعديلات الدستورية.
النسبة المتدنية لتأييد التعديلات الدستورية في هذه المناطق وغيرها تسببت بخروج إسطنبول من دائرة المدن المؤيدة للتحول للنظام الجديد؛ ممَّا شكل مأخذاً كبيراً على التعديلات الجديدة لكونها لم تحظ بتأييد كبرى المدن الاقتصادية والسياسية في تركيا: إسطنبول، وأزمير، وأنقرة. وهو ما سيشجع المعارضة على توحيد صفوفها جيداً في الاستحقاق الرئاسي المقبل في ٢٠١٩، كما سيعطي دفعة حماس وأمل كبيرين لجمهور المعارضين بقدرتهم أو باقترابهم من إلحاق الخسارة بأردوغان وحزبه.
ولذلك يُتوقع أن تكون انتخابات ٢٠١٩ واحدة من أشرس وأصعب الانتخابات في تاريخ تركيا الحديثة، خصوصاً بعد فشل قادة الحزب القومي في إقناع قواعده بالوقوف إلى جانب العدالة والتنمية وأردوغان، حيث صوتوا ضد التعديلات الدستورية رغم دعوة زعيم الحركة القومية للتصويت بنعم.

– الاستقرار السياسي:
كان هدف الاستقرار السياسي على المدى القريب على الأقل هو الشعار الرئيسي الذي رفعه الداعون للتصويت بنعم على التعديلات الدستورية، وهو السبب المنطقي الذي استندت إليه فكرة الدعوة للتعديلات الدستورية ومسألة طرح هذا الموضوع من الأساس. غير أن الفوز الخجل لمؤيدي التعديلات شجع الطرف الآخر على إثارة القلاقل والخروج بمظاهرات، والإصرار على عدم تقبل النتيجة والتشكيك فيها، وإطلاق الاتهامات بالتزوير وعدم الالتزام بالضوابط. يعزز ذلك المعارضة الأوروبية لعملية الاستفتاء ابتداء، والحملات الإعلامية والتصريحات السياسية التي أُطلقت ضدها، وتقارير وتقييمات اللجان الأوروبية والمؤسسات المعنية بمتابعة هذا النوع من الأحداث؛ وأهمها التقرير الأولي الصادر عن المنظمة الأوروبية للأمن والتعاون، والذي أعدته لجنة مختصة أرسلتها لمراقبة الانتخابات، حيث تطرق هذا التقرير إلى “غياب التكافؤ بين الأطراف المتنافسة”، وتضييق الخناق على بعض الحملات الانتخابية.
ومن ثم يمكن القول إن الاستقرار السياسي الذي كان المبرر الأساسي لإثارة التعديلات الدستورية والموافقة عليها لن تُلمس آثاره في المدى القريب، بل ويُخشى من أن تتصاعد وتيرة الاحتجاجات والاعتراضات لتتحول إلى حركة احتجاجية واسعة، تضفي المزيد من التهديد على استقرار تركيا خصوصاً في الجانب الاقتصادي. كما يتوقع أن تتخذ أطراف معارضة أساسية في تركيا خطوات تصعيدية في الفترة المقبلة، كتهديد حزب الشعب الجمهوري المعارض بعدم الاعتراف بنتائج الاستفتاء ولو استلزم ذلك الانسحاب من البرلمان.


– الانضمام للاتحاد الأوروبي
:
تسبب الاستفتاء على الدستور بتعقيد العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي والتي تشهد حالة فريدة من التعقيد أساساً. ويمكن ببساطة مراجعة الإجراءات المتخذة من دول أوروبا لعرقلة سير عملية التصويت كما أرادتها تركيا، والتصريحات المتبادلة خصوصاً الخطاب الصدامي الذي تبناه أردوغان في الرد على الإجراءات التي قامت بها دول أوروبا، يمكن ببساطة مراجعة هذه الأمور للاستدلال على حجم العقبات التي باتت تقف عائقاً بين تركيا و انضمامها للاتحاد الأوروبي.
فعلى سبيل المثال وصف أردوغان كلاً من هولندا وألمانيا “بالنازية”، ودخل في مشادات كلامية مع العديد من زعماء الدول الأوروبية، بل تذهب كثير من التحليلات إلى الحديث عن استثمار أردوغان لمعارضة الغرب وانتقاده لسياسته في تركيا؛ لزيادة شعبيته أو لحث الأتراك على اتخاذ موقف إيجابي من التعديلات الدستورية، حيث حول اتهامات الغرب له بتهديد الديمقراطية في تركيا إلى مؤامرة غربية للإطاحة ببلاده .فاستقطب عدداً من الأتراك لصالح الاستفتاء.
وبالفعل فإن معظم الأتراك الموجودين في الدول التي توترت علاقة تركيا معها بسبب الاستفتاء، وهي النمسا وفرنسا وألمانيا وهولندا، قد صوتوا بالموافقة على التعديلات الدستورية.
ومع كل هذا التوتر والتصعيد كان البعض لا يزال يأمل أن يكون هذا التوتر مسألة عابرة، وأن تعود تركيا للعمل من أجل الانضمام للاتحاد الأوروبي بعد انتهاء الاستفتاء. ولكن خطاب أردوغان عقب إعلان نتائج الاستفتاء وتأكيده أن مسألة الانضمام للاتحاد الأوروبي لم تعد مطروحة بعد اليوم، قضى على أي أمل بعودة الحياة لهذا المسار، وهذا يفتح المجال أمام سؤالين كبيرين : سؤال اللاجئين والاتفاقات المعقودة بخصوصهم بين تركيا والاتحاد الأوروبي، وسؤال العلاقات الاقتصادية حيث يُرجح أن يتم التفاوض على عقد اتفاقية للتبادل التجاري الحر، عوضاً عن فرض عوائق جمركية أمام التجارة بين الطرفين.

العلاقة مع الولايات المتحدة:
الإدارة الأمريكية كانت حذرة جداً في التعاطي مع نتائج الاستفتاء والتعليق عليها ربما لحساسية الوضع بالنسبة لتركيا، حتى أفادت وسائل إعلام بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هنأ نظيره التركي رجب طيب أردوغان، في اتصال هاتفي، بـ“نجاح الاستفتاء الشعبي”.
وبغض النظر عن حقيقة تأييد الولايات المتحدة أو مباركتها للتعديلات الدستورية الجديدة في تركيا فهناك مسألتان مثيرتان للاهتمام؛ الأولى تتعلق بفتح الله غولن وإصرار تركيا على ترحيله، والثانية تتعلق بقيادة العمليات ضد تنظيم الدولة في الرقة وإصرار البنتاغون على الاعتماد على الميليشيات الكردية (وحدات حماية الشعب الكردي وغيرها)، والتي تصنفها تركيا على أنها منظمات إرهابية وتقترح الاعتماد على فصائل المعارضة السورية المسلحة بدلاً منها.
وبينما لا يزال الصراع بين ترامب والكونغرس قائماً، يحاول فريقه توجيه الرأي العام الأمريكي نحو الاهتمام بجدول الأعمال التجاري. حيث سيسعى الشركاء الرئيسيون للولايات المتحدة للبحث عن علاقات اقتصادية جديدة في مناطق أخرى، وفي الوقت نفسه، سيستغل البعض من شركاء الولايات المتحدة الأمريكية التعاون في مجال الأمن إلى جانب وعود الاستثمار لتمتين العلاقة مع واشنطن. وهذا ما يفتح المجال واسعاً أمام تركيا للتعاون في المجال الاقتصادي.
وبحسب خبراء من الاستخبارات الأميركية فإن تركيا ستولي شمال العراق المزيد من الاهتمام، حيث يدور النزاع بين القوات العربية والكردية. ووفقاً لتقديرات هؤلاء الخبراء، تعتبر منطقة كركوك الغنية بالنفط عاملاً رئيسياً للصراع التنافسي على النفوذ بين تركيا وإيران.

ضع تعليقاَ